صفحات العالم

حكاية الحكومات الانتقالية في سوريا

الثلاثاء


مأمون كيوان

عرف تاريخ أنظمة الحكم والتغيير السياسي الثوري والتقليدي أنواعاً مختلفة من الحكومات التي ترث حكومات فاشلة أو مهددة بالسقوط، فكان اللجوء إلى تشكيل حُكومَة مُوَقَّتَة حُكومَة اتِّحادٍ وَطَنِيٍ أو حُكومَة منفى أو حُكومَة انْتِقالِيَّة من اسمها يتضح الدور للمكلف بها في مرحلة ثورة أو انقلاب على الحكم، وتستمر لفترة يتعهد خلالها بنقل السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة بشكل ديمقراطي ، أما الحكومة الإنتقالية ، فهي حكومة تسيير شؤون بلد ما ، لحين إجراء انتخابات نيابية أو رئاسية ، وتشكيل حكومة مستقرة، وتختلف مدة وجود الحكومة أو المجلس الانتقالي حسب ظروف كل دولة.

وقد برزت ، مبكراً، في ظل السجالات والحوارات حول مرحلة ما بعد الأسد فكرة تشكيل النظام البديل في سوريا الجديدة التي يؤمل ألا تكون دولة الفوضى أو دولة فاشلة أو مترهلة، أو دويلات مملوكية متناحرة فيما بينها. وجرى مسخ أو تقزيم هذه الفكرة إلى مستوى إداري بشكل مبتذل يتجاهل فلسفة وأصول الحكم الديمقراطي الرشيد. حيث قبل المعارض هيثم المالح تكليف “مجلس الأمناء الثوري السوري” رئاسة حكومة انتقالية في الخارج. محاولاً تجسيد فكرة طرحها قبل عام في إسطنبول حين دعا إلى إعلان “حكومة ظلّ” من خبراء غير سياسيين مستقلين استعداداً لسقوط الحكومة السورية.

وكان المالح قد أوضح أنه يستنسخ النموذج البريطاني في الحكم حيث لكل حزب فيها حكومة ظل، والهدف من حكومة الظل السورية هو الاستعداد لسد الفراغ الذي قد يحصل مستقبلاً إذا ما سقط النظام بدلاً من الدخول في اقتتال داخلي. لكنه تراجع عن فكرته بعد اتهامه من أوساط معارضة بأنه طامع في السلطة ليس أكثر. وانضم لاحقاً إلى المجلس الوطني السوري لينشق عنه بعد فترة قصيرة مؤسساً لتشكيلات معارضة هلامية كان آخرها “مجلس الأمناء الثوري السوري” الذي يعتقد أن من أهم واجبات الحكومة الانتقالية هو أن تكون مستعدة لتولي دفة الأمور، حسب دستور عام 1950 وتعديلاته، لحين وضع دستور جديد، وتشكيل هيئة مصالحة وطنية، مع أخذ مبدأ محاسبة مرتكبي الجرائم بحق الشعب والوطن .

وكان رجل الأعمال السوري نوفل الدواليبي نجل رئيس الوزراء السوري الأسبق معروف الدواليبي، قد أعلن في اواخر شهر نيسان الماضي في باريس عن تشكيل حكومة انتقالية في باريس تضم نحو 25 وزيراً داخل سوريا، يكون لديهم تفويض بأن يطلبوا توجيه ضربات جوية وإقامة منطقة حظر طيران وإنشاء ممرات لإيصال المساعدات الإنسانية. وبرر تشكيلها بإخفاق كل ما حاولته البنى المعارضة، من “مجلس وطني” أو غيره. وقوله “إننا قررنا إبدال الهيئات الحالية بهيئة تنفيذية محضة تنسّق عمليات الفرق المقاتلة من أجل الحرية، استجابة لإرادة الشعب السوري صاحب السيادة”. وتتمثل أهداف الحكومة الانتقالية في تسليح المقاتلين والعمل على تدخل عسكري دولي مباشر، وضمان عودة الامن والاستقرار الى سوريا.

كما كشف المعارض السوري هيثم منّاع أنه رفض عرضاً لقيادة حكومة انتقالية في سوريا بالمرحلة المقبلة قدمته إليه جهات بالنظام السوري إضافة لأطراف دولية أخرى. لأنه لا يعتبر نفسه الشخصية المناسبة لمثل هذا المنصب. لكنه اشترط في حال تشكيل حكومة انتقالية لإدارة البلاد، ألاّ تزيد فترة ولايتها عن سنة ونصف السنة تمهد لانتخابات ديمقراطية تؤسّس لدولة مدنية لكل أبناء الشعب السوري.

وفي السياق نفسه، نُسب إلى الجيش السوري الحر في الداخل بيان تضمن ما سمّي “مشروع انقاذ وطني يلبي كامل متطلبات الثورة” وينص على انشاء “المجلس الاعلى للدفاع” الذي ستكون أولى مهامه تأسيس مجلس رئاسي من ست شخصيات مدنية وعسكرية لادارة الدولة في المرحلة الانتقالية. ومن مهام المجلس الرئاسي اقتراح قوانين تطرح على الاستفتاء العام واعادة هيكلة المؤسستين الأمنية والعسكرية على اسس وطنية ووضع حلول لاستيعاب المدنيين الذين حملوا السلاح خلال الثورة في المؤسستين العسكرية والأمنية.

وفي اقتراح لتشكيل حكومة انتقالية، عرض الجيش الحر في الداخل ان تكون للمؤسسة العسكرية فيها حقيبتان وزاريتان هما الداخلية والدفاع، على ان تكون حقيبة وزير شؤون رئاسة الحكومة لشخصية مدنية تقوم المؤسسة العسكرية للثورة بتعيينها.

لكن سرعان ما أعلن قائد الجيش الحر العقيد رياض الأسعد رفضه طرح المشروع المذكور لكونه تشويهاً لصورة الجيش السوري الحر الذي يحارب لإبعاد العسكر عن السلطة. والمرحلة الانتقالية يجب ألا تكون بقيادة شخصيات عسكرية، بل يجب أن تكون الحكومة الانتقالية مؤلفة من سياسيين، والعسكر هو الحامي لها ولهذه المرحلة”.

وقد يكون وصف خطوة المالح بالخطوة المتسرعة التي تضعف المعارضة أمراً دقيقاً لكنه غير كاف، فالمطلوب خطوات واقعية عملية سريعة تأسيسية وضرورية لإرساء أسس نظام ديمقراطي، تتزامن مع هجر المناكفات والمهاترات والمزايدات الثورجية، وخلاف ذلك سيجر على الشعب السوري العظيم النكبات وخيبات الأمل التي يبذر البعض بذورها عمداً طلباً لسلطة لا تدوم أو عن جهل مشفوع بالنوايا الطيبة أو عن حماقة.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى