صفحات الناس

حكاية قناص/رائد غنوم

    كان عبد القادر شابا اسمرا قصير القامة ،نحيف الجسم يبلغ من العمر حوالي عشرين عاما،تعلو محياه ابتسامة دائمة ،اقترب مني قليلا

    – هل انت عربي ؟

    -نعم انا عربي سوري و انت؟

    – انا كوردي سوري ،هل تنتظر المهرب مصطفى؟

    – نعم و هل انت ذاهب الى اليونان ايضا؟

    -نعم و لكن يبدو انه يكذب علينا فانا انتظره منذ اسبوع و كل يوم يقول لي غدا و يبدو أن المركب لن يأتي اليوم ايضا

    – لا اعرف لكن سننتظره لنرى

    كانت تلك بداية معرفتي به في مدينة بودروم على الساحل التركي حيث انتظرنا يومين حتى صدق المهرب مصطفى و قام بنقلنا الى اليونان ،خلال هذين اليومين تعرفت الى عبد القادر بشكل افضل ،كان شابا طيباﻻمرحاﻻو متعاونا و قد اختبرت امانته ايضا ،في صباح اليوم التالي و على شاطيء بودروم جلسنا نشرب القهوة معا بعد ان انتظرنا المهرب مصطفى طوال الليل

    من اي منطقة انت يا عبد ؟

    – انا من عفرين ،انا عسكري منشق

    – عنجد؟ اين كنت تخدم عسكريتك؟

    – كنت بدرعا ثم نقلتﻻالى ريف دمشق ،من أي منطقة انت؟

    -انا من حمص ،من باباعمرو ،هل تعرفها

    -طبعا اعرفها فقد دخلت اليها متنكرا بثياب مدنية بمهمة

    – أية مهمة ؟ ماهي؟ حدثني

    -لم افعل شيئا فقد ارسلونا فقط للدخول بين الناس بالمظاهرات للتعرف على المتظاهرين و من يقودهم الا انني دخلت مرة واحدة ثم غادرت لانهم اعادوني الى ريف دمشق ،والله لم أؤذ احدا و لقد خفت كثيرا هناك

    -طيب عبد و شو كان اختصاصك بخدمتك العسكرية

    -قناص

    حقيقة كنت فضوليا جدا لان اسمع منه الكثير و اساله الكثير و كانت مشاعري طبيعية حتى آخر سؤال ،عندما قال لي انه قناص اختلطت مشاعري و لم استطع ان احدد ما ينتابني تجاهه ،لم اكن قادرا على ان احدد موقفي منه و احالتني افكاري الى سؤال مرعب حول موقف كل السوريين من القتلة و الشبيحة ؟! ارجو ان تفكروا بهذا الموضوع لاننا نحتاج الى صبر الانبياء

    هل كنت قناصا حقا؟ كنت بدرعا؟

    -نعم بقيت فيها ثلاثة اشهر

    – هل كنت تقنص الناس؟

    نعم لقد كانوا يكلفوننا بذلك و لكن والله حاولت الا اصيب احدا ،صدقني مرة واحدة فقط اطلقت النار على شخص و قتلته

    – يخرب بيتك ليش؟ما كنت تفكر؟

    – في الفترة الاولى لم نكن نعرف شيئا و قد اخبرونا ان هناك عصابات ارهابية و انا اطلقت النار على قناص كان يعلو الجامع العمري و هو من اطلق علي النارربالبداية عندما لاحظ وجودي

    -هل قتل؟

    -نعم لانني رأيت البارودة تسقط منه

    – هل قتلت احدا آخر ؟

    -لا ادري لكن يا استاذ لا اظن ، كنت احاول الا اقتل احدا خاصة بعد ان حضر والدي الي زيارة و نبهني و طلب مني ان اكون مع الجيش الحر و اخبرني ان زملائي يقتلونهم بحلب

    هنا نادانا احد الشباب الذاهبين معنا و انقطع الحديث ،لم اعد قادرا بالاساس على مواصلة الحديث ،كنت مضطربا جدا تجاهه و كانت الافكار تجول برأسي ذهابا و ايابا

    في هذين اليومين كنت اكثر رغبة في معرفة ما خصل مع عبد القادر و اكثر حذرا في التعامل معه ،الا انه كان فعلا اكثر طيبة و براءة مما توقعته ،ربما كلمة براءة قد تثير حفيظة البعض الا انه حقيقة كان فتى ساذجا بريئا و الغريب اكثر انه كان يحب النكتة و المزاح لدرجة ادهشتني

    -استاذ انا ضليت ست شهور بعد ما هربت حتى صرت نام ،كنت ما نام ابدا و كل يوم اتذكر الجثث و القتل و اصوات المدافع

    – طيب احك لي كنت تحب العسكر و الضباط؟

    -كنا طنعش عسكري كلنا كورد لانو حطونا مع بعض و كان معانا ضابط واحد من جبلة بس كان حقير كتير ،كنا تقريبا كتيبة فيها اربيعمية و خمسين عسكري بس لما فتنا عحلب قبل ما انشق ما طلع منها عشرة طيبين ،الكلاب فوتونا على حارة و الجيش الحر قتل كل الكتيبة ،فوتونا و ما كنا عرفانين شي

    -كلن ماتوا؟

    اي تقريبا ماتوا ،يومها عملو فينا مجزرة

    -طيب و ليش هدا الضابط كان حقير؟

    -يا استاذ كان مستعبدنا و انا كوردي جحش ههههه كنت اوقات ما اتحملو و رد بوجهو ،لهيك ما كا يطيقني ،مرة فتنا عبيت كان فيه مرأة عجوز بس ،كنا ميتين من الجوع ،رفسها برجلو و قلها قومي حطيلنا اكل ،قلتلو ،يا خيي انا عاجزة ،الاكل بالبراد حطو اللي يعجبكم و اكلو ،قام طلب من رفيقي يقوصها و يرميها برا البيت

    – ايه و شو صار!!؟

    قالو رفيقي سيدي بقوص حالي و ما بقوصها ،عجوز ما تقدر تتحرك و تريدني اقوصها و تركتلنا بيتها ،قام الضابط قوص رفيقي و قتله

    -ربما كانت لحظات غير اعتيادية لشخص من خارج سوريا لكن الحديث حقيقة اوجعني كما لو اني لم اسمع و لم ار ما يفعله الجيش في الداخل

    -اي طيب و شو عملتوا انتو سكتوا ؟

    -اي ما استرجينا نحكيه ،انا كنت اكرهو و يكرهني ،لما اجا ابوي زيارة حط المسدس براس ابوي و كان رح يقتله لانو شك انو ابوي يريدني انشق و لو ما قلتله يا سيدي بعرضك هذا ابوي كان قتله، بعدين هم الحقير خلصني موبايلي

    -ليش ما عندو موبايل

    -عندو بس كان موبايلي جديد و خلصنياه قمت اشتكيته للعقيد ،العقيد بهدلو و طلب منه يرجعلي الموبايل

    -رجعلكياه؟!

    -انا اخذته غصب عنه

    -كيف؟

    -قتلته

    لن احفل بأن اصف لكم مشاعري لكن لكم ان تتصوروا ما يمكن ان يعتريكم من مشاعر

    -كيف؟!!

    طلعنا مهمة و فتنا انا وياه عبيت و هو بيفتش الخزن لقمت البارودة ووجهتها عليه

    -ايه؟

    -قلتلو سيدي طالع الموبايل ولا تتحرك ،اول شي ما صدقني ،قال طول بالك و ابعد البارودة عني و طالع الموبايل حطو عالطاولة ،قمت فضيت المخزن فيه

    -اي و قتل؟! كان سؤالا ابلها طبعا لكن ربما كنت اريد ان اكسب الوقت لكي افكر بتلك اللحظة!!

    -اي قتل و طلعت و تركته بالبيت و رجعت قلت للعقيد انو النقيب قتل بكمين

    -يعني عادي هيك خبر

    -والله العقيد شك بي بس طلع علي و قلي روح انقلع

    -طيب و كيف انشقيت؟

    -ما كنت اقدر بس اول مرة صارتلي فرصة بحلب هربت انا و ست عناصر كلهم كورد ،ارسلونا نجيب اكل ،اخذنا السيارة و هربنا و خبرت ابوي اخذني و هربت معاه

    امضيت يومين مع عبد القادر ،حدثني الكثير ،لم تكن استطيع الحكم عليه ،ربما نحن بحاجة الى تفكير عميق قبل ان نطلق احكاما على البشر ،كان طيبا جدا وودودا و ساذجا ، اخبرني الكثير الكثير و خطر ببالي ان اكتب لكم كيف يقتل الجندي ،هل قتله لانه كان يؤذيه؟ هل قتله ﻷجل موبايل؟

    خطر ببالي ان احكي لكم لقائي مع قناص صغير ،هل تصلح حكاية للجدات!؟

الفيس بوك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى