حكومة بلَونين
حسام عيتاني
وراء «اللون الواحد» الطاغي على الحكومة اللبنانية، والمقصود طبعاً الانتماء إلى معسكر سياسي واحد – وإنْ غير متجانس-، لون آخر يميز أكثر الوزراء، وخصوصاً الجدد منهم.
وربما يفيد النظر في الخلفيات التي جاء الوزراء منها، في استشراف الاجواء التي سترافق أعمال حكومة الرئيس نجيب ميقاتي واجتماعاتها. هناك أولاً، كتلة حزبية صلبة، أكثر أعضائها من الاساتذة الثانويين السابقين (أربعة وزارء). تساند الكتلةَ هذه ثلةٌ من الوزراء المتفرغين حزبياً، الذين لا يبدو أن تأهيلهم العلمي هو ما أدى دوراً في وصولهم الى مناصبهم الوزارية. وتأتي مجموعة ثالثة مهمة من قطاع الهندسة والمهن المرتبطة بأعمالها (ثمانية وزراء)، وعدد من رجال الأعمال والاقتصاد (خمسة وزراء) وبعض المحامين والحقوقيين (أربعة). ينبغي التشديد هنا على سمة مهمة، وهي ممارسة العديد من الوزراء لمهنٍ لا ترتبط مباشرة باختصاصاتهم الأكاديمية (عالم اجتماع–مستشار مصرفي، أو محام-مسؤول في بورصة بيروت).
القراءة السريعة هذه في خريطة الانتماءات المهنية–الاجتماعية لقسم كبير من الوزراء، تقول إننا أمام حكومة يحتل الآتون إليها من مناطق رمادية وغير واضحة المَعالم في المجتمع اللبناني، حيزاً كبيراً. لا ينبغي ان يُفهم من الكلام هذا أيُّ اشارة الى هامشية الفئات التي أفرزت وزراءنا الجدد، بل على العكس تماماً، فغياب الحدود بين المهن والمؤهلات الأكاديمية وتداخل بعضها ببعض، من ميزات المجتمع اللبناني، الذي يعسر على كثير من الخبراء تحديد الآليات التي ينتج فيها أبناؤه لقمة عيشهم.
والغموض في خلفيات الوزراء ليس وحده ما يشوب هذه الحكومة، ذلك ان وظائفها قد تمتد من تأمين ظهر الحكم في سورية في أزمته الحالية، إلى إنقاذ الأكثرية الجديدة من الانهيار، وحملها على مباشرة برنامجها الإصلاحي الذي طالما تحدثت عنه، في مجالي الاقتصاد والاجتماع. بيد أن اتساع الوظائف لا يتلازم مع تعدد في الوسائل المتاحة.
ومجالا الاقتصاد والاجتماع هما ما يطرح أسئلة جدية عن قدرة هذه الحكومة على تحقيق أيِّ تقدم في إطار تحسين المستوى المعيشي للمواطنين وتفعيل الخدمات العامة المنهَكة والمستنزَفة إلى الرمق الأخير. ففي الوقت الذي تبدو فيه الحياة السياسية اللبنانية مقيمة على انقساماتها العقيمة، تتجه الأنظار نحو ما يفترض ان يحققه وزراء القوى التي اشتكت طويلاً من الفساد وانعدام الشفافية وقلة فاعلية الحكومات السابقة، التي دانت أكثرية وزراء الخدمات فيها لتحالف الرابع عشر من آذار.
من النافل القول إن اعتراضات أحزاب الثامن من آذار على السياسات الاقتصادية والاجتماعية للرئيسين السابقين فؤاد السنيورة وسعد الحريري، لم تكن سوى منصات لإطلاق النار على حكومات الرجلين، فالأكثرية الجديدة لا تتمتع بأي رؤية اقتصادية، ولا فكرة لديها عن الكيفية التي تتعين الإجابة بها عن أسئلة المواطنين الملحة في نواحي الاستشفاء والبطالة والهجرة وتدهور الإدارة العامة، بل من المرجح ان الحكومة الجديدة ستستعير من الحكومة السابقة سياساتها العامة، وتدوّرها باللجوء الى قاموس الرطانة الإصلاحية –التنموية.
وعليه، تطل الحكومة الجديدة بوزرائها الآتين من منابت الولاءات الطائفية والجهوية، بمتاع تقليدي من الخبرات المهنية والمؤهلات العلمية، في ظرفٍ ما من شيء تقليدي فيه سوى بؤس الرؤيا واضمحلال أعداد الرائين، ولون باهت يضاف إلى لون سياسي واحد.
الحياة