صفحات العالم

حكومة «سوريا…لية»


حسان حيدر

ليس في العالم كله حكومة مثل حكومة لبنان. اطرافها متحالفون نظرياً ومتنافسون على كل شيء عملياً، بل متضاربون. كل منهم يشحذ اسلحته الممنوعة ويوجه ضرباته المؤلمة تحت الزنار الى رفاقه في التشكيلة، وكل منهم يقف بعدها ليعلن ان رأيه يمثل «المصلحة الوطنية» وان الآخرين لا يفهمونه. المكائد على طاولة مجلس الوزراء التي صارت تشبه حلبة الملاكمة، تكاد تنسي لابسي قناع الائتلاف الحكومي ان هناك معارضة في الخارج تتفرج عليهم وتضحك، وان هناك دولاً ترثي حالهم، وأخرى لم تعد تتذكر وجودهم سوى عندما يلتحقون بتصويت لمصلحة الجارة في محفل عربي أو أممي، فيبدون فعلاً حكومة «سوريا…لية».

الاجتماعات الوزارية اشبه بالمسرح العبثي، حيث الشخصيات تتصرف بلا ناظم منطقي وتتخذ مواقف تتخطى المعقول وكل معنى ظاهر. يجمع بين اطراف الحكومة العداء للحريري ويفرقهم كل شيء آخر. يصوتون تأييداً لقرار ثم يقررون اضراباً ضده ويتظاهرون لفرض التراجع عنه. يدافعون عن خطة وضعها واحد منهم للكهرباء ثم يقررون «تأديبه» بقطع «التيار» عندما يخلّ بوعود التقاسم.

ومعظم أبطال المسرحية الحكومية الهزيلة ورعاتها سبق ان ظهروا في مسلسلات الدراما الشامية وإبداعاتها المتلفزة. هناك «القبضاي الشبيح» الذي لا تصير كلمته اثنتين، يتمرجل على الاعداء ليخيف رفاقه، شاهراً سكين «الاصلاح» كل الوقت، لكنه سرعان ما «يلحس» بهوراته اذا ما اومأ اليه «آمر المخفر» برأسه أنِ اهدأْ، فيهدأ. ثم يروح ومريديه المفزوعين يشرحون نظريات بلهاء حول بُعد النظر وترتيب الاولويات والمصالح البعيدة المدى والاهداف الماورائية لتراجعهم المتكرر والممل.

وهناك «البهلوان» الذي يرقص على كل المواقف ويلبس كل المناسبات ويخرج من طربوشه مناديل يبهر بها السياسيين الهواة والمبتدئين، فيجلسون فاغرين افواههم دهشة وإعجاباً وحسداً، حتى بعد ان صارت المناديل كلها من لون واحد باهت.

ثم يأتي دور العابسين المطرقين بلا سبب، والذين يحملون في جيوبهم «أشرف» مسطرة يقيسون بها المواقف والتصريحات، محلية وإقليمية ودولية، وينسبونها الى اعمال «الشيطان الاكبر» ومؤامراته على «الترسانة الإلهية»، مهددين بعظائم الردود، من دون ان يفوتهم التلويح الدائم بفتح ملفات خيالية، والتأكيد على ان تحالفهم مع «القبضاي» لا تهزه ريح، على رغم توجيههم اليه طعنة نجلاء في كل اجتماع تقريباً.

وهناك الكومبارس «المحايدون» الذين لا لون لهم ولا صوت، ينتظرون معظم الوقت سقوط بعض «الجبنة» عن الطاولة فيتناطحون لالتقاطه في صمت وخفة لا تخطئها أعين الآخرين، ولا يضيرهم ان يصفقوا بين الحين والآخر تأييداً لكبار اللاعبين ضماناً لبقائهم في الحلبة.

اما «حَكَم» المباراة الدائمة، فبالكاد يستطيع تفادي اللكمات، قافزاً بين اصحاب الوزن الثقيل، وهو يضع رِجلاً على الحبل مهدداً بالنزول الى صفوف المتفرجين، ورجلاً في الداخل مؤكداً انه باق حتى سقوط المصارع الأخير. يستخدم أحياناً صفارة بالكاد يسمعها هو نفسه، ويبتلعها حيناً آخر. يربت على كتف الساعين للفوز بصلاحياته ويحاول اقناعهم بأن الخسارة افضل، وهمه الوحيد ان يبقى اللقب.

ولأن هذه الحكومة تدين بولادتها الى رغبة سورية طاغية، صار بقاؤها رهناً باستمرار قدرة دمشق على فرض انضباط مكوناتها، وهي قدرة تتراجع يوماً بعد يوم.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى