حلب الثورة – حوار مع غسان ياسين
حوار عبد السلام اسماعيل
غسان ياسين من الشباب الرائعين الذين أتاحت لنا الثورة فرصة التعرف عليهم، وأتاحت لهم أيضا إختبار أجمل ما فيهم. عاد غسان إلى مدينته حلب ليشارك في الثورة بعد إستشهاد أخويه وبعض أقاربه، حيث أنه لم يجد طريقة ليبكيهم أفضل من مواصلة ما بدأوه في الثورة على نظام لا ينتمي لهذا العصر. أدعوكم لقراءة هذا الحوار الشيق والغني معه.
س : كيف تصف الوضع الميداني في حلب؟
ميدانياً تبدو قوات النظام في أضعف حالاتها خصوصاً بعد تحرير الفوج ٤٦ والذي كان يشكل مصدر قوة وإسناد لقوات النظام في ريف حلب الغربي والشمالي، بعد خسارة هذه القطعة العسكرية بدأ الجيش الحر بمحاولة السيطرة على مدرسة المشاة وهي أكبر قطعة عسكرية من حيث المساحة في حلب مستفيدين من انهيار معنويات جنود النظام بعد الخسارة الكبيرة.
على صعيد الأمور اليومية للناس تكاد حلب تكون مقسومة الى نصفين تتجلى فيهما الثورة بكل تناقضاتها، الأحياء التي تقع تحت سيطرة الجيش الحر الحياة فيها شبه متوقفة لا خدمات ولا مرافق عامة تعمل والدمار في كل مكان أغلب سكان هذه الأحياء غادروها ومن بقي منهم يعيشون الموت كل دقيقة على هدير الطائرات. أما الأحياء التي تقع تحت سيطرة النظام فتبدو الحياة فيها شبه طبيعية مع بعض الإستثناءات ككثرة الحواجز وصعوبة التنقل ليلاً
س: كيف تصف العلاقة بين الأهالي والجيش الحر والعكس بالعكس؟
ج: بما أن لحلب طقوسها الخاصة التي تميزها عن باقي المدن كان لعلاقة الأهالي بالجيش الحر أيضا وضع خاص لايشبه أي مدينة أخرى، إذ كانت الحاضنة الاجتماعية ضعيفة بالأساس لفكرة وجودهم في المدينة ولهذا أسباب عدة أهمها أن معظم المقاتلين من الريف، بالإضافة إلى وجود حساسية قديمة بين أبناء الريف والمدينة. ظهرت أثناء الثورة ظاهرة جديدة وهي أن أبناء الريف الحلبي يحملون أهل المدينة أسباب تأخر سقوط النظام لاعتقادهم بأن أبناء حلب قد تأخروا في اللحاق بركب الثورة “حدث أن خاطب أحد عناصر الجيش الحر أحد أبناء المدين قائلاً : أتينا لغسل عاركم ” دون أن يدري أن مساعدات كبيرة “مواد إغاثية وطبية” كانت تخرج من حلب وتذهب للمدن الأخرى ومنذ بدأ الثورة .
س: هل تواجد الجيش الحر في المناطق السكنية يشكل مشكلة لدى الأهالي؟ وهل جميعهم سوريون؟
ج: رغم إشكالية وجود الجيش الحر ضمن الأحياء السكينة إلا أن معظم الأهالي يدعمون الجيش الحر كل حسب قدراته، في المجمل الجميع بات ينظر إلى الجيش الحر على أنه المخلص الوحيد من إجرام النظام في ظل ابتعاد المجتمع الدولي عن اتخاذ قرار حاسم وسريع.
معظم عناصر الجيش الحر هم من السوريين باستثناء جبهة النصرة التي تحوي على عرب مجاهدين وعدد عناصر جبهة النصرة بمن فيهم السوريين لايتجاوزون الألف مقاتل في حين أن أكبر لواء في حلب وهو لواء التوحيد يبلغ عدد أفراده عشرة آلاف مقاتل لا يوجد فيه ولا مقاتل أجنبي أو عربي، حتى الألوية التي تشكلت من أبناء المدينة لا يوجد فيها إلا السوريين.
س: اليوم كيف تصف معنويات رجال الجيش الحر؟
ج: على الرغم من استمرار معاناتهم من نقص الذخائر ومن انتظار أسلحة نوعية ومضادات طيران -يبدو أنها لن تأتي- إلا أن معنويات المقاتلين مرتفعة جدا خصوصا مع الحصار على مدرسة المشاة وهي أكبر قطعة عسكرية في حلب من حيث المساحة، والانتصار النوعي الذي تحققق منذ الاستيلاء على الفوج ٤٦، و استمرار حصار فرع المخابرات الجوية تكون الأمور العسكرية في حلب في أحسن أحوالها.حتى الاهالي يتناقلون هذه الاخبار بتفاؤل كبير.
س: بدأت ظاهرة تنتشر وهي أن كثيرين مع الثورة ومطالبها بإسقاط النظام لكنهم بدأوا مؤخرا تحت ضغط الكلفة الهائلة التي يدفعونها وجراء وحشية النظام بالتبرم من الثورة، هل هذا السخط منتشر بين الأهالي
ج: توجود بعض الأصوات المتذمرة من كل شيئ والتي تنتظر أي هفوة للجيش الحر لتبدأ بالتباكي على أيام مضت لكنهم لايشكلون إلا فئة قليلة لأن غالبية الأهالي باتت مقتنعة أن لامجال للتعايش مع هذا النظام.
س: عن علاقة الكتائب بعضها ببعض، هل فعلا توجد قيادة موحدة لهم، أم أن كل كتيبة تعمل لوحدها؟
ج: العلاقة بن الكتائب معقدة جداً إذ رغم أن خصمهم واحد وهدفهم جميعا هو محاربة جيش النظام إلا أن خلافاتهم كثيرة والسبب الرئيسي يعود لتعدد مصادر التمويل فلكل كتيبة أو لواء جهة داعمة أو أكثر والسبب الثاني والمهم أيضا هو أن معظم قادة تلك التشكيلات العسكرية هم من المدنيين حتى في حال وجود ضابط برتبة عالية إلا أن وجوده شكلي فقط وأيضا كان لوجود كتائب من الريف وأخرى من المدينة دور في زيادة هذا الشرخ مما أدى لضعف التنسيق “حدث أن كانت كتيبتان تقاتلان في جبهة واحدة ولخلاف تافه بين قادتهما انسحبت واحدة وتركت الثانية تحت نيران قوات النظام.”
س: الجيش الحر عانى طويلا من نقص العتاد والذخيرة، اليوم بعد تلك الانتصارات النوعية هل أصبحت المعارك مع النظام تشكل مصدرا وفيرا لهم من الذخيرة؟
ج: لا شك بأن السيطرة على قطعات عسكرية تابعة للنظام أمر جيد ومصدر مهم للسلاح لكنها لاتكفي لوحدها إذ أن ما يعانيه الثوار في حلب وبشكل دائم هو نقص الذخيرة على تعدد أنواعها مع التأكيد على مشكلة قديمة لم نستطيع إيجاد حل لها حتى اللحظة وهي وجود ذخيرة لدى كتيبة ما أكثر من حاجتها والكتيبة التي تجاورها على نفس خط الجبهة تعاني من نقص حاد!
س: قلت أن بعض الكتائب لديها فائض في الذخيرة وكتيبة تجاورها تعاني من نقص حاد، هل هذا يلخص علاقة الكتائب ببعضها البعض من حيث التكاتف والتنسيق؟
ج: للأسف التنسيق بين الكتائب والألوية ضعيف جدا على الرغم من كثرة التسميات والمجالس والهيئات التي توحد العكسريين الا أنها تبقى شكلية ولا تدخل حيز التنفيذ العملي.
س: لماذا حتى الآن لم تستطع الكتائب تشكيل قيادة موحدة فعلية رغم كل البيانات التي تنشرها حول الموضوع؟
ج: ما يعيق تشكيل قيادة موحدة عدة أسباب أهمها تعدد مصادر التمويل أي أن كتيبة ما لديها من يمولها وهي تمارس سلطتها في مكان سيطرتها على الأرض ولا حافز لديها للإنخراط في تشكيل جديد يفقدها بعض الميزات والنفوذ.
والسبب الثاني هو غياب الضباط المنشقين عن ساحة المعركة فبرغم وجود الكثير من الأسماء من أصحاب الرتب العالية إلا أن السلطة الحقيقة هي للقادة المدنيين.
س: جبهة النصرة أخذت صدى كبيرا، ما مدى قوتها على الأرض، كيف تقيم دورها، وهل يمكن لها أن تشكل خطرا في المستقبل؟
ج: جبهة النصرة موجودة على الارض ويتمتع أفرادها بشجاعة منقطعة النظير وأغلب العمليات الصعبة تكون من تنفيذهم، الإعلام الغربي هو من ساهم في تضخيم جبهة النصرة وشبيهاتها من الكتائب الجهادية قد يتفاجئ القارئ إذا علم أن تعداد عناصر الجبهة لا يتجازو الألف مقاتل ..لا داعي للقلق كثيرا من وجودهم لأنه لا حاضنة اجتماعية لهم في سورية.
س: أعد النظام لمعركة حلب واعتبرها أم المعارك، لكن حتى اللحظة تشهد الوقائع أنه يتلقى الهزائم تباعا وبدا عاجزا عن إحكام سيطرته على المدينة. اليوم كيف تصف لنا الحضور العسكري والرسمي للنظام في حلب؟
ج: قوات النظام في حلب وبعد تلقيها عدة ضربات قاسية كان آخرها الاستيلاء على الفوج ٤٦ أصابها انهيار معنوي اتضح جلياً في قلة الطلعات الجوية لطائرات النظام وفي سهولة الاستيلاء على نقاط جديدة من قبل الجيش الحر عمليا النظام خسر الكثير من أماكن تواجده، ونقاط سيطرته على المدينة لاتتجاوزالـ٤٠ ٪ في حين أن أغلب الريف محرر باستثناء مطار منغ قرب اعزاز وبعض النقاط المتفرقة.
س: كيف تفاعل الناس مع إعلان كتائب الجيش الحر في حلب عن نيتهم في إقامة دولة دينية؟
ج: لو كنت أعلم أن هذا البيان سيحدث كل هذا الضجيج ليفتح لنا كل هذه النقاشات لكنت اصدرت واحداً مفبركاً منذ زمن، ردة الفعل كانت إيجايبة جدا إذ لأول مرة يجمع كل السوريين على رفض هذا البيان وعلى ماجاء فيه جملة وتفصيلا حتى من يوصفون بأنهم إسلاميين، وأذكر أنني كنت في حلب ساعة إذاعته على “اليوتوب” وذهبت الى ريف حلب باحثا عن قائد لواء التوحيد لأسأله عن رأيه في البيان، قال لي أنه لا علم له باليبان والأهم عدم موافقته على ماجاء فيه. حالة الحوار التي بدأت تعقيبا على البيان كانت رائعة ومفيدة .
س: هل توجد كتائب تتبع لتيارات محددة من المعارضة؟
ج: ولاءات الكتائب متعددة تبعا لمصادر التمويل وبما أن بعض تيارات المعارضة يملك المال الكافي لشراء هذه الولاءات فمن الطبيعي أن يكون لهم كتائب تتبع لهم ولو بشكل غير مباشر إلا أنه لاشيء علني وواضح حتى الآن. هيئة حماية المدنيين يتهمها البعض بأنها الذراع العسكري للأخوان المسلمين فيما ينفي الاخوان وقادة الهيئة هذه العلاقة.
س: تكثر الأقاويل عن تجاوزات الجيش الحر، هل هي كثيرة فعلا وما هي أسبابها، وما هي طبيعتها؟
ج: توجد بعض التجاوزات لعناصر الجيش الحر أهمها مايسمى في حلب “التشويل” أي عمليات السرقة التي تتم باسم الثورة وأغلبها يتعلق بممتلكات لضباط أمن أو لشبيحة، ما يثير القلق والخوف هو استخدام هذه الحجة استخداما خاطئا. حدث أن صودرت ممتلكات لأشخاص تبين لاحقا عدم تورطهم في أي أعمال ” تشبيحية” لكن أكثر ما يبعث على القلق هو وضع المنشآت العامة الضخمة التي أصبحت تحت سيطرة الثوار في الأحياء”المحررة” لأن قائد الكتيبة التي تسيطر عليها يتصرف وكأنها غنائم حرب يريد أن يستفيد منها بأي طريقة ليحصل على أموال يشتري بها ذخيرة وعتاد لعناصره “هناك فتوى يتداولها أغلب الثوار حول مشروعية ذلك”.
س: هل تثير تلك التجاوزات مخاوف لدى الأهالي، وكيف يتعامل قادة الكتائب مع الحالات التي ثبت تورط عناصر تابعين لهم في أعمال مسيئة؟
ج: في حلب خرجت أول مظاهرة في سورية ضد الممارسات الخاطئة للجيش الحر وتحديداً في بستان القصر وتبعه بعد ذلك أغلب الأحياء الأخرى, في الأسبوع الماضي خرجت ثلاث مظاهرات تطالب قيادات الجيش الحر بطرد المسيئين من صفوفه ومحاسبتهم.
ويحاول أغلب القادة الميدانيين التعامل بإيجابية مع الشكاوي التي تصلهم عن تجازوات يقوم بها أفراد من عناصرهم، كنت مرة في مقر قيادة ما وشاهدت كيف تم سحب الأسلحة من خمسة عناصر مهمين واقتيادهم للتحقيق في سجن أعد خصياصا لذلك. لكن تبقى عمليات المحاسبة بهذه الطريقة غير كافية لأن فيها من الارتجالية الكثير ونحن بحاجة لجسم قضائي قوي يتمتع باستقلالية حتى يستطيع محاسبة الجميع، منذ فترة توفي ناشط معروف في حلب تحت التعذيب في أحد معتقلات الثورة ورغم أن تحقيقا بدأ لمعرفة ملابسات القضية إلا أنني لا أعتقد أن النتائج ستكون عادلة .. لننتظر ونرى.
س: هل توجد كتائب كردية تحت مسمى الجيش الحر؟
ج: توجد كتيبتان واحدة في المدينة )كتائب صلاح الدين) والثانية في ريف حلب(كتائب يوسف العظمة) تعملان تحت مسمى الجيش السوري الحر.
س: شهدت جميع المدن التي قصفها النظام حركة نزوح كبيرة سواء إلى مدن مجاورة أو دول أخرى، حدثنا عن حركة النزوح من حلب – جهة النزوح، الخلفية الإجتماعية، هل هم من المتضررين …الخ
ج: بعض النازحين فضل الخروج من سورية إلى تركيا أو مصر ومنهم من قرر البحث عن مكان آمن في ريف حلب والغالبية العظمى فضلت البقاء في المدينة لكنهم ذهبوا لأحياء آمنة لم تتعرض للقصف. منهم من وجد له مكانا عند قريب أو صديق والبقية وجدت في المدارس والمنشآت الحكومية ملاذا آمناَ.
نسبة كبيرة من النازحين هم من أمكان تعرضت للقصف العنيف مثل حي صلاح الدين والصاخور ومساكن هنانو وهي أحياء شعبية يسكنها غالبا محدودي الدخل. بعض الذين قرروا الذهاب إلى مصر أو تركيا هم أناس متوسطي أو ميسوري الحال لم تتعرض مناطقهم لأي أضرار لكنهم من باب الإحتياط قرروا الخروج من سورية وهناك بعض رجال الأعمال قرروا الخرج نهائيا وبدأوا بمزاولة عملهم التجاري وأغلبهم ذهب إلى مصر أو لبعض دول الخليج.
س: فشل حملة النظام العسكرية في حلب، جعله يتشدد في معاقبة الأهالي بلقمة عيشهم والخدمات الحيوية من كهرباء وماء واتصالات، هل تجد أن هذه السياسة ستفعل مالم يفعله الحل العسكري؟
ج: بالفعل بدأ النظام بمعاقبة أهالي حلب بعد أن عجز عن الحسم العسكري الذي أعلنه منذ شهور، دون أن يستثني حتى مناصريه المفترضين في الأحياء التي تقع تحت سيطرته, اليوم تحديداً أعلن مدير المشفى الجامعي وهو من أكبر مشافي حلب ويقع في منطقة خاطعة لسيطرة النظام عن توقف استقبال المراجعين بسبب عدم توفر الكهرباء ومادة المازوت. لكن رغم كل مايحصل فإن الثوار مستمرين في نضالهم ضد الطاغية خصوصاً مع تواصل الإنهيار العسكري للنظام في حلب واقتراب ساعة الحسم الحقيقة لصالح الثورة.
س: كيف تصف الوضع المعيشي في المدينة اليوم؟
ج: الأوضاع جدا صعبة حلب تغرق في الظلام والبرد والجوع، كل الأفران متوقفة عن العمل بسبب نقص مادة الطحين ومع انهيار الليرة مقابل الدولار وضعف القدرة الشرائية بسبب توقف القطاع الخاص عن العمل يصبح الوضع كارثياً بكل معنى الكلمة.
س: هل يوجد عمل إغاثي منظم في المدينة، ومن هي الجهات التي تساهم فيه؟
ج: قبل دخول الجيش الحر إلى مدينة حلب كانت أوضاع النازحين القادمين للمدينة من مدن أخرى ومن ريفها ممتازة حيث تتوفر كل احتياجاتهم الأساسية عبر جمعيات مختلفة منها من يعمل بشكل علني أو مجموعات صغيرة من المتطوعين تشكلت حديثاً بغرض تقديم العون لهم, مع بداية القصف على بعض أحياء حلب ونزوح الأهالي إلى الأحياء الآمنة بأعداد كبيرة بدأت معاناة النازحين الجدد إذ أن أغلب الجمعيات أو المجموعات لا تملك الميزانية الكافية لتسد حاجات حوالي نصف مليون نازح ذهب بعضه إلى الريف الحلبي.
س: ثمة أوجه كثيرة للمعاناة التي يعيشها السوريون اليوم، كيف تصف معاناة فقد المازوت والتدفئة، أو حتى المعاناة من فقد جرة الغاز؟
ج: يتميز الشتاء في حلب عن باقي المدن بالبرودة الشديدة ومع عدم توفر مادة المازوت بشكل كاف أو لارتفاع ثمنه إن توفر، لجأ الحلبيون للإستعانة بمدافئ كهربائية لتحميهم من برد الشتاء لكن مع استهداف النظام للمحطة الحرارية وانقطاع الكهرباء بشكل كامل عن المدينة لم يبقى لهم إلا الحطب كوسيلة للتدفئة ولوحظ انتشار كبير لبائعي الحطب في شوارع حلب مؤخراً. لجرة الغاز حكاية مشابهة حيث أصبح ثمنها حوالي أربع آلاف ليرة سورية في حال توفرها.
س: هناك تساؤل دائم يطرح عن مشاركة المسيحيين في الثورة وعن مخاوفهم منها، اليوم وبعد قرابة السنتين من الثورة كيف تصف الوضع المسيحي في المدينة؟
ج: رغم وجود عدد لا بأس به من الناشطين المسيحيين المنخرطين بالثورة منذ بدايتها إلا أن مشاركتهم بشكل عام لا تتناسب إطلاقاً مع دورهم الفعال في الحياة السورية من حيث العدد أو حجم المشاركة في الحياة الاقتصادية والثقافية, لكن للمسيحيين في حلب وضع مختلف عن باقي المدن رغم أنني من أبناء المدينة وتجمعني صداقات قديمة منذ الصغر مع صبايا وشباب من المسيحيين إلا أنني لم أجد إجابة كافية على سؤال طالما آرقني خلال الثورة .. لماذا يؤيدون بشار، بل لماذا يحبونه إلى هذا الحد ؟
ربماهي بعض الامتيازات الخاصة التي منحها النظام لهم وأيضا ربما تخوف بعضهم من حكم إسلامي قادم طالما روج له النظام خصوصاً بين أوساط الأقليات ..ربما.
س: هل تضررت الأحياء المسيحية وهل معدلات الهجرة والنزوح مرتفعة بين المسيحيين أكثر من غيرهم؟
ج: الأحياء التي يسكنها المسيحيين لم تتعرض للقصف ولم تكن ساحة مواجهة بين الثوار وقوات النظام باستثناء بعض الحالات حيث حدثت مناوشات بسيطة في حي الميدان أو بالقرب من حي السريان الجديد, لا يوجد إحصائية دقيقة عن نسبة من اضطروا للمغادرة خارج سورية لكن أعتقد أن النسب متساوية بين كل مكونات المجتمع الحلبي.
س: هل العلاقات العربية الكردية ازدادت توترا بعد الأحداث التي حصلت محافظة الحسكة؟
ج: من الطبيعي تأثر العلاقة بين الكورد والعرب في حلب لما حدث في الحسكة لكن اللافت في الأمر أن المشكلة في حلب تم احتواءها بشكل سريع عبر اتفاق عسكري بين الطرفين تم على أساسه توزيع الحواجز العسكرية في كل من الأشرفية والشيخ مقصود (ذو الأغلبية الكوردية) حتى المشكلة التي حصلت في إحدى قرى عفرين بين (لواء عاصفة الشمال ( وبين قوات كوردية تم احتوائها أيضا والأمور حتى الآن جيدة في المدينة وريفها.
س: في ظل طغيان الطابع المسلح للثورة، إلى أي حد تراجعت المظاهرات السلمية وهل جعل منها عملا عبثيا لا جدوى منه؟
ج: إعلامياً فقط يطغى المشهد العسكري على كل الحراك الثوري في المدينة وهذا للأسف يعود لسياسة انتهجها الإعلام العربي والغربي في تسليط الضوء على كل حدث عسكري على حساب النشاطات السلمية والمدنية -كلنا يذكر أيام حصار باب عمرو في حمص- في حلب تستمر المظاهرات وبأعداد غفيرة وفي أغلب الأحياء المحررة, ولحي بستان القصر حكاية جميلة لا تنتهي مع المظاهرات, منذ ثلاث أسابيع كنا في مظاهرة حاشدة وبعد انتهائها بدقائق معدودة سقطت قذيفة بيننا راح ضحيتها أكثر من ١٢ شهيد وعشرات الجرحى، أكثر من ١٠ أصدقاء لي كنا نقف معاً، منهم من استشهد ومنهم من أصابته شظية، خرجت منها سليما بدون أي إصابة غير مصدقا لما حصل لي .. لكننا في الأسبوع التالي خرجنا بمظاهرة ومن نفس المكان.
المظاهرات هي روح الثورة وشعلتها واستمرارها دليل عافية وبأن الثورة مستمرة رغم كل شيئ، لأن الثورة كانت لبناء دولة وإسقاط النظام خطوة أولى على طريق بناء سورية التي نحلم بها.
س: الثورة منتصرة، لكن بعد يوم مأساوي يفقد فيه الإنسان أحبته ويتعرض لآلام لا توصف، هل يفقد يقينه بانتصار الثورة؟
ج: من آمن بالثورة وشارك فيها بكل طاقته وأعطاها كل وقته لايمكن له أن يفقد الأمل بحتمية انتصارها، لنتذكر معاً مشاهد التشييع وكأنها أعراس جماعية, من تجربة شخصية حصلت معي حين فقدت اثنين من أخوتي في يوم واحد حيث استشهد أخويّ في مطلع شهر أيلول وحتى اللحظة لم نستطع دفن جثة أحدهم، أقول لكم وبكل ثقة الثورة منتصرة بعزيمتنا وصبرنا واستمرارنا بكفاحنا بكل أشكاله, لا وقت للدموع الآن من حق الشهداء أن نكمل الطريق حتى تحقيق كل أهداف ثورتنا وحين ننتهي من محاكمة القتلة وأولهم بشار الأسد حينها فقط نبكي شهداءنا للمرة الأخيرة ..وحده القصاص العادل يعيد إلينا بكاءنا.
س: لو طلب منك تدوين يوم كامل من الثورة، بآماله وآلامه، وما يشمله من يأس وتفاؤل، ماذا ستكتب؟
ج: كنا نرتشف القهوة برفقة صحفيين أجانب في المكتب الذي أقيم فيه وإذ بصوت إنفجار قوي يترافق مع هدير طائرة تشق عنان السماء, وبعد اتصال هاتفي علمنا أن مشفى دار الشفاء تم استهدافه سارعنا بالذهاب إلى مكان الحادثة، كان المبنى الملاصق للمشفى قد تحول الى ركام (مؤلف من خمسة طوابق) وإصابة المشفى بأضرار كبيرة ، وسيارات الإسعاف تعج في المكان محاولة إنقاذ بعض الجرحى ومن ثم أتت الرافعات والآليات الثقيلة في محاولة لرفع الأنقاض والبحث عن ناجين من الموت كنا نسمع أصوات استغاثاتهم ,أي شعور بالعجز أكثر من أن تسمع صوت إنسان تحت الركام ولا تستطيع فعل شيئ له!
لم أستطع البقاء في المكان وعدت حيث الفنجان المُر كالعلقم ينتظرني حيث كنت, في اليوم التالي ذهبت برفقة صحفية أجنبية أرادت التقاط بعض الصور للمشفى المدمر ومع اقترابنا من المبنى المجاور شاهدت رجال الإنقاذ يحاولون سحب جثة من تحت أكوام الإسمنت، اقتربت أكثر وإذ بالضحية يطل برأسه من بين الركام وكأنه يقول لنا لماذا تركتوني أموت ألم تسمعوا صراخي في الأمس!
في طريق العودة للمكتب وأثناء قيادتي للسيارة اعترضت طريقنا مظاهرة حاشدة تهتف لإسقاط النظام وتحيي الجيش الحر وبنفس الوقت تطالبه بمحاسبة اللصوص بين أفراده. نزل الصحفيون لإلتقاط بعض الصور، اقتربت منا طفلة جميلة تحمل في يدها بعض الورود قدمتها للصحفية وودعتنا بابتسامة رائعة وعينين لامعتين تشعان بالأمل والفرح وكأنها تقول لنا بأن مستقبل سورية يشبه تماماً بريق عينيها.
س: هل للحب مكان في زمن الثورة ؟
ج: الحب لوحده ثورة فكيف إذاً في زمن الثورات، الثورة فجرت فينا كل الطاقات الإبداعية واستفزت مشاعرنا, صارلدينا انتماء أكثر لهذه الأرض، لأول مرة نشعر أن هذه البلد بلدنا بعد فقدنا هذا الشعور طيلة سنوات مضت, ولأن حكاية الحب جزء من حكايات الثورة كان لقصص الحب الثورية حكايات كثيرة، لدي صديق أحبه جداً تعرف على فتاة سورية خلال أحداث الثورة وكانت بينهما قصة حب جميلة أثمرت بزواجهما (طلب مني هو وزوجته ان أدون لهما تلك الحكاية)، أنا متهم من قبل البعض (ممن يعرفوني فقط على صفحات الفيس بوك) بانني أكتب الخواطر الغزلية بشكل دائم غير مكترث لأخبار الموت اليومي، حتى أن صفحات ثورية نقدية فكاهية تناولتني بالنقد أكثر من مرة, حقيقة كتاباتي تلك هي أنني لا أشعر أبداً بأي تقصير إتجاه الثورة ليس لأنني أقوم بعمل كل شيئ، لكنني وببساطة أقوم بكل ما أستطيع القيام به, الحديث عن الحب في زمن الثورات يطول وربما في وقت لاحق أكتب عنه ويكتب كثيرون غيري بشكل مطول من وحي مشاهدات وتجارب الأصدقاء وأيضاً تجارب شخصية حدثت خلال عمر الثورة.
أنهي حديثي عن الحب بهذه العبارة التي كتبتها في ليلة مُقمرة من ليالي الثورة: كنت أبحث عن الحرية صادف أن تعثرتُ بك.
خاص – صفحات سورية –