بكر صدقيصفحات الناس

حلب في غازي عينتاب: هل بدأت صدور الأتراك تضيق باللاجئين السوريين؟/ بكر صدقي

 

ليس جديداً القول إن الرأي العام التركي منقسم بشدة حول السياسة السورية للحكومة، وتستخدمها المعارضة أداةً للتحريض عليها. وإذا كانت المعارضة الرسمية تنتقدها من خلال القنوات الشرعية كالبرلمان والإعلام، فهناك مجموعات وطنية متشددة ويسارية لا وزن لها في المشهد السياسي لكنها تمارس دوراً تحريضياً ضد اللاجئين السوريين، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، في صراعها غير المتكافئ ضد خصمها اللدود حكومة حزب العدالة والتنمية الإسلامي. ومعروف أن مجموعة يسارية وطنية متشددة، تنشط في مدينة أنطاكية، تجند شبانا علويين من أصول سورية للقتال في سوريا دفاعاً عن نظام الأسد، يقودها معراج أورال (أو علي كيالي) الذي صاهر عائلة الأسد، وتعتبره روايات غير مؤكدة مسؤولاً عن مجزرة بانياس، بعدما بث شريط فيديو يستنهض فيه همم أنصاره «لتطهيرها من الإرهابيين».

الاعتداءات التي تعرض لها لاجئون سوريون في بلدة الريحانية الحدودية، في أعقاب تفجير سيارتين مفخختين العام الماضي، تم تفسيرها بانحياز سكانها (عرب علويين من أصول سورية) إلى نظام الأسد، وعدم رضاهم بالتالي عن تحويل مدينتهم إلى ملجأ للسوريين المعارضين وممراً لعبور المسلحين والسلاح إلى الجيش الحر الذي يقاتل نظام الأسد.

لكن مدينة غازي عينتاب، التي تبعد عن حلب مسافة أقل من ساعتين بالسيارة، يختلف أمرها بسبب تركيبتها السكانية المختلفة عن ولاية هاتاي (لواء الاسكندرون). فهذه المدينة التوأم لمدينة حلب، مدينة محافظة عموماً، وهي من القلاع الانتخابية القوية لحزب العدالة والتنمية. كثير من سكانها الأصليين من أصول عربية ولهم أقرباء على الجانب الآخر من الحدود، وفي العهد العثماني كانت سنجقاً يتبع ولاية حلب. وقد نالت نصيبها من التهجير الذي لحق بالأرمن والسريان في أوائل القرن الماضي، الأمر الذي بقيت آثاره في كنائس تحولت مبانيها لوظائف جديدة. وفي العقدين الأخيرين توسعت المدينة عمرانياً فتضاعفت مساحتها، بسبب الصناعة التي نمت فيها بسرعة حتى أصبحت عاصمة الصناعة في جنوب شرقي الأناضول. واستقطبت المدن الصناعية في ضواحيها أعداداً كبيرة من اليد العاملة من ريف الشرق ومدنه حتى باتت غالبية سكانها من الكرد، وإن كانت أكثريتهم لا تتحدث اللغة الكردية. هؤلاء «الكرد المستتركون» يشكلون، مع أتراك المدينة، الخزان الانتخابي لحزب العدالة والتنمية الإسلامي.

هذه «البيئة الموالية» تعاملت عموماً بتعاطف مع اللاجئين السوريين الذين وجدوا في المدينة خير ملاذ من براميل الأسد وطيرانه الحربي الذي دمر حلب وجوارها. لا أحد يعرف اليوم، على وجه اليقين، عدد السوريين المقيمين في المدينة، بسبب سياسة الحدود المفتوحة مع سوريا. لكن التقديرات المتفاوتة تشير إلى أرقام تتراوح بين ربع مليون وسبعمئة ألف، في مدينة يقل عدد سكانها قبل بداية اللجوء السوري عن مليونين. وهكذا أصبح الوجود السوري هنا بارزاً أكثر وأكثر، من خلال لوحات السيارات السورية في الشوارع والمطاعم والأفران والمقاهي السورية التي نقلت ثقافة حلب الاجتماعية إلى غازي عينتاب، والمحلات التجارية التركية التي أخذت تستخدم عمالاً سوريين يجيدون العربية والتعامل مع الزبائن السوريين.

تأثرت المدينة اقتصادياً بوجود السوريين بصورة متناقضة. فمن جهة استفادت أسواق عينتاب من الوافدين الذين أخذوا ينفقون مدخراتهم هنا، ومن جهة أخرى أصبح العمال السوريون ينافسون العمالة المحلية في سوق العمل، بسبب انخفاض الأجور التي يقبلون بالعمل لقاءها. بات بمقدور رب العمل التركي أن يشغِّل عاملين سوريين بالراتب الذي كان يدفعه لعامل تركي واحد، في وقت تشكو فيها المدينة من معدل بطالة يقدر بأربعة عشر في المئة. وتضاعفت إيجارات المنازل السكنية في المدينة عما كانت عليها قبل وفود السوريين، فأثرى أصحاب العقارات وتضرر المستأجرون الأتراك.

ومن الآثار الاجتماعية لازدحام المدينة بالسوريين، أن الرجل التركي المحروم قانوناً من تعدد الزوجات، أصبح يُقبِل على الزواج من سوريات، قاصرات غالباً، بتكلفة بسيطة. وهو ما يثير حساسيات اجتماعية كبيرة ضد السوريين. إلى جانب الزيجات غير القانونية هذه، يدور الحديث عن انتشار الدعارة أيضاً.

ويغزو الناشطون السوريون السابقون مقاهي المدينة ومطاعمها، فلا يسعد ظهورهم هذا أبناء الطبقة الوسطى المحليين. كما أن الحكومة المؤقتة وبعض مؤسسات المعارضة الأخرى ومنظمات إغاثية واجتماعية مختلفة تتمركز في المدينة، وتزدحم فنادقها بمؤتمرات السوريين وورشات عملهم ومنتدياتهم المختلفة.

يوم الأحد 29 حزيران/يونيو، خرجت أول مظاهرة تركية تطالب بطرد السوريين من غازي عينتاب، بدعوة من «وطنيين متشددين» من خارج الأحزاب الرسمية. نحو مئة شخص لبوا الدعوة إلى التظاهر احتجاجاً على اعتداء شاب سوري على طفل تركي. وعبرت صفحة الفيسبوك الداعية للتظاهر عن تظلمات السكان المحليين من غزو السوريين لمدينتهم، مركزةً على منافسة العمال السوريين في سوق العمل، وتسببهم في ارتفاع إيجارات البيوت. وتدخلت الشرطة، في الأول من شهر تموز/يوليو، لفض اشتباك بين أتراك وسوريين في حي كرايلان، بعدما انتشرت شائعة عن مطاردة عامل سوري لأطفال أتراك كانوا يثيرون الضجيج، وفي يده سكين شاورما. اقتادت الشرطة، بالنتيجة، خمسة وعشرين سورياً إلى مركز الأمن لتحويلهم إلى مخيمات اللاجئين إذا كان هناك أماكن شاغرة فيها.

وقبل حين كان أحد أقطاب المنظمة المحلية لحزب الشعب الجمهوري المعارض قد نشر مقالة عبر فيها عن «استياء السكان» من وجود السوريين، فقال إن «طبيعة المدينة وأمانها ونظام حياة السكان فيها قد فسدت مادياً ومعنوياً». ويشكو الصناعي اللامع «برهان جاهد بنغول» من ازدحام المستشفيات والمراكز الصحية بالسوريين الذين يتلقون علاجاً مجانياً، فلا يتركون دوراً للسكان المحليين. أما الشوارع فقد أصبحت تعاني من زحمة سير خانقة بسبب السيارات الخاصة للسوريين من الطبقات الوسطى، حسب رأيه. ويحمِّل بنغول حكومة حزب العدالة والتنمية مسؤولية إعطاء الأولوية في المستشفيات الحكومية لـ «الضيوف» السوريين، ليتحول الأتراك إلى «مواطنين من الدرجة الثانية» حسب قوله. هل وصل البرم بوجود السوريين، بعد الريحانية وأنطاكية وأنقرة، إلى غازي عنتاب؟ هذا مؤشر مشؤوم إلى ما تخبئه الأيام المقبلة للاجئين السوريين في كل تركيا.

٭ كاتب سوري

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى