صفحات العالم

حلفاء أميركا خائفون من “سوريا” باستثناء إسرائيل


    سركيس نعوم

نظر مؤيدو الثورة الشعبية السورية على نظام آل الاسد في العالمين العربي والاسلامي بقلق من موقف الرئيس الاميركي باراك اوباما منها في أشهُرِها الاولى. فهو نظر اليها بشيء من العطف والتفهم، لكنه دعا رأس النظام بشار الاسد الى التجاوب مع المطالب الاصلاحية للثوار. وهو لم يتبنَّ دعوة هؤلاء الى تنحّي الاسد وسقوط نظامه الا بعدما تأكد ان الرئيس السوري ليس في وارد الاصلاح الجدي ولا  التنحّي. وتأكد في الوقت نفسه انه في وارد امر واحد هو قمع الثورة بواسطة مُواليه في الجيش النظامي الذين يسيطرون على كل الاسلحة التقليدية وغير التقليدية التي في حوزة سوريا. لكن التبنّي المذكور اعلاه لم يبدد قلق الثوار السوريين الا لمدة قصيرة. ذلك ان اوباما الداعي الى رحيل الاسد لم يمنعه من قمع شعبه ومن تدمير مدن بلاده وبناها التحتية كلها، بل طمأنه، ومن دون ان يقصد ذلك طبعاً، الى ان اميركا لن تقوم بعمل عسكري في سوريا ينصر ثوارها ويساعدهم على تحقيق اهدافهم، والى انها ستتمسك بموقفها هذا طالما استمر الاختلاف في مجلس الامن الدولي على الموضوع السوري، وهو مستمر، والى انها لا تشجّع عملاً عسكرياً منفرداً تقوم به دول اخرى او منظمات اخرى مثل حلف شمال الاطلسي. كما طمأن رفضُ اميركا اوباما اقامة مناطق آمنة داخل سوريا وفرض حظر جوي على الاسد، ودفعه الى الاستشراس في القمع، والى الغرق اكثر في وهم ان حماية روسيا والصين له تنبعان من حاجتهما الى نظامه، وتعكسان رغبته في منازلتهما بل في مصارعتهما او محاربتهما اميركا جدياً. طبعاً لم يعد في امكان اوباما تغيير السياسة السورية لبلاده اليوم. فالانتخابات الرئاسية قريبة وهو مرشح فيها لولاية ثانية. لكن الاسئلة التي تطرح نفسها اليوم هي: هل سيغير اوباما هذه السياسة في حال جدد الناخبون الاميركيون تفويضه رئاسة بلادهم ولاية ثانية؟ وهل سيكون اكثر هجومية على الاسد ونظامه؟ وأكثر تجرؤاً على روسيا والصين؟ وماذا ستكون انعكاسات فوز منافسه الجمهوري ميت رومني على الازمة السورية؟

طبعاً لا احد يمتلك اجوبة نهائية وجازمة عن الاسئلة المطروحة هذه وعن اخرى كثيرة غيرها. لكن عدداً من المتابعين الاميركيين لسياسة بلادهم في المنطقة وللاوضاع فيها يعتقدون انهم يمتلكون بعض الاجوبة انطلاقاً من تحليل واقعي للأوضاع كما من بعض المعلومات والمعطيات المتوافرة لديهم.

وأجوبتهم تشير اولاً الى ان فوز رومني بالرئاسة سيؤخر قراراً اميركياً حاسماً يتعلق بسوريا وما يجري فيها على الاقل حتى منتصف السنة المقبلة. ذلك انه سيكون منشغلاً بتشكيل فريقه وادارته وبتحديد استراتيجيته وأولوياته وما الى ذلك. لكنه بعد انقضاء هذه الفترة سيسلك طريق القوة ضد نظام الاسد حتى ولو تعذَّر الحصول على تغطية من مجلس الامن.

وتشير ثانياً الى ان فوز اوباما سيقصر مدة اتخاذ القرارات الحاسمة في الشأن السوري. لكن نوعيتها لن تكون عسكرية مباشرة، علماً انها قد تؤدي جراء ردود الفعل عليها الى مضاعفات وربما مصادمات عسكرية. وهي تتعلق باقامة منطقة آمنة وبفرض حظر الطيران العسكري السوري في الاجواء السورية.

وتشير الاجوبة ثالثاً الى ان إحجام اميركا اوباما او رومني عن معالجة الوضع السوري جذرياً لا يزعج اسرائيل، لأنها لا تمانع في حرب اهلية طويلة تدمر سوريا العدو الاساسي لها في قلب المنطقة العربية اذا كان انقاذ نظامها متعذراً. لكنه يزعج بل يؤذي حلفاء اميركا مثل تركيا والاردن. ذلك ان الفوضى السورية مع تحوّل الحرب مذهبية اسلامياً، ومع انتشار الاصوليات الاسلامية “الجهادية” والتكفيرية كالفطر، لا بد ان تُعرّض امن الدولتين المذكورتين للخطر الشديد. علماً ان تركيا اساساً تواجه خطرين مهمين، اولهما اكرادها واكراد الدول المجاورة الاخرى، واستيقاظ المذهبية عند علوييها الذي سيؤدي بدوره الى نمو الاصولية المُدمِّرة في رأي الحكّام الاتراك وإن اسلاميين. اما الاردن فإن اسلامييه اساساً اكبر قوة سياسية وشعبية منظمة داخله. وحرب سوريا بدأت تنعكس عليه تسلُّلاً لأصوليين يسميهم هو ارهابيين الى اراضيه، و”تثويراً” لاسلاميي الداخل او بعضهم، الامر الذي يوقعه في الفوضى وفي اخطار اكبر بكثير. وتشير الاجوبة رابعاً الى ان الاسد ونظامه لن “يضاينا” اكثر من سنة اعتباراً من الآن. ويعني ذلك إما سقوطهما وإما انكفاؤهما الى مناطق “عصبية” آل الاسد سواء وُسِّعت أو بقيت على حالها.

هل تصح الاجوبة المذكورة؟ الله اعلم.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى