حلف دكتاتوريات العصر ..
فواز فرحان
لا شك أن أغلبنا يقف حائراً مما يحدث في سوريا ، خاصة أن النظام إطمأن الى وجود دعم دولي للإجرام الذي يمارسهُ بحق شعبهِ من قِبل كل من روسيا والصين والهند ، وهذا الدعم كان سيكون مقبولاً لو أن هناك إعتداء على سوريا أو على شعبها ، أما أن يكون للنظام هذهِ السمعة السيئة ويقف العالم معها فإنها بلا أدنى شك تدعو للسخرية من هذهِ المواقف الرخيصة لدول تمارس سياسة براغماتية مقيتة !
وفي نفس الوقت لا يمكن لمثقف الوقوف الى جانب المطالب التي تطرحها الدول الغربية وحلف الناتو لأن العالم بأسرهِ إختبر صحة هذهِ المطالب وإكتشف مدى كذبها وبُعدها عن الصدق في المطالبة بحقوق الإنسان أو الديمقراطية ، والشعب السوري وقع ضحية هذا التناقض الذي يعكس من جهة قوة السياسة لطرف في المحافظة على حليف لهُ ، وسياسة القوة التي ينادي بها الطرف الآخر لحلحلة المشاكل الدولية والبحث عن مصالحهِ !
وليس الشعب السوري لوحدهُ بل وقع العديد من المفكرين والنخبة الثقافية ضحية هذهِ المعادلة التي تجعل المرء عاجزاً أو متردّداً في إبداء رأي دقيق وموضوعي في الحدث السوري ، فلا يمكن الثقة بأي شكل من الأشكال بوعود بشار الأسد وحزبهِ الحاكم وكذلك لا يمكن الثقة بالحلول التي يطرحها حلف الناتو بعد تجاربهِ السوداء في أفغانستان والعراق وليبيا ، فالطرفين لا يريدان الخير والديمقراطية للشعب السوري ، هذا على الأقل ما جرّبناه نحن في العراق عبر تجربة مماثلة ، لا أرغب في الحكم على ثورة الشعب السوري حكماً يفتقد للموضوعية من خلال تشبيه نهايتها بالنهاية التي آلت إليها الثورة الايران الأخيرة ، لكن الواقع يعكس الى حد بعيد تجربة مماثلة وتبدو سوريا طرفاً صغيراً في معادلة ليس إلاّ !
فبعد المفاوضات الأخيرة لكبار ضباط الجيش السوري والمخابرات مع الولايات المتحدة وزيارة أكثر من وفد لسورية التي أعلنت أنها جاهزة لتوقيع معاهدة سلام مع اسرائيل دون شروط توقعتُ أن تسحب روسيا دعم مخابراتها للأسد وتطيح بهِ ، لكن الروس كانوا أذكى بكثير من خطوة متطرّفة غير مدروسة الى هذا الحد فأرادوا تأديبهُ وتحويلهِ الى أسد ضرير عاجز يسهل التحكم بهِ بدلاً من تغييرهِ وإنتظار أسد آخر غير معروفة توجّهاتهِ ! والدعم الذي توفرهُ روسيا للأسد لا يخرج من هذا الإطار أي إستيعابهِ وتدجينهِ وتحويلهِ الى قطعة شطرنجية عادية في المشروع الروسي ، لا يمكن أن نغفل هنا وفي زحمة الثورة السورية سحب لبنان من المعسكر الغربي السعودي وتسليمهِ لحزب الله كي يتحول في المستقبل القريب الى طرفاً في الحلف الايراني الروسي الذي بدأت تتوضح معالمهِ بعد ان تمكن حزب الله من تشكيل حكومة في لبنان ستكون مقدمة لتحويل هذا البلد الى بلد إسلامي يتحكم فيه حزب الله بالدولة والمجتمع !
http://www.youtube.com/watch?v=-pdY7trIqV8
على الأغلب أن الهدف ليس التحكم بمقدرات العالم العربي على يد قوى جديدة مثل روسيا والصين فحسب ! بل أتصوّرهُ أبعد من ذلك بكثير لا سيما وأن المتتبع للموقف التركي من الأحداث في سوريا قد يدرك انهُ موقف مفتعل لا يُعبّر عن حقيقة حكومة أردوغان ، فمن غير المُستبعد أن يذهب كل من الأسد ونجاد واردوغان وحكومة العراق بعد الانسحاب الاميركي ومعها حكومة كارازاي التي شعرت بالغبن وهي تسمع أخبار المفاوضات التي يجريها كبار قادة حلف الناتو في جبال افغانستان مع حركة طالبان من خلال شاشات التلفزة وليس من خلال حلفائها في كابول الى تشكيل حلف إسلامي عالمي عسكري تغذيه كل من الصين وروسيا لمحاربة الناتو أو لإقفال أسواق العالمين العربي والإسلامي بوجه الغرب والولايات المتحدة !
قد يتسائل أحدنا ما الذي سيحدث حينها ؟
إذا ما نجى كل من القذافي والاسد من هذهِ الأحداث ونجح الاخوان في مصر فإن العالم يتجه فعلاً نحو حرب باردة جديدة لكن من يفرضها هذه المرة ليس الناتو بل كل من روسيا والصين ، فإحدى أهم ركائز الناتو هي أنهُ حلف ديني قبل أن يكون أيَّ شيئاً آخراً ، ولمواجهة هذا النوع من الأحلاف على المرء ان يسخر طرفاً معادلاً لهُ أي حلف ديني آخر ، ونجاة القذافي والاسد أصبحَ وارداً ومحتملاً في ضوء التغيير المرتقب للدور التركي على الأرجح ..
وربما بدأ العد التنازلي لهذا التغيير بعد لقاء وزراء الحكومات في كل من تركيا وسوريا وكذلك تخفيف حدّة النبرة مع الوضع الليبي ، وصياغة عالم متعدد الأقطاب يبدأ فهمنا لهُ من خلال هذه الثورات التي إحتارت كل من اوربا والولايات المتحدة في تفسير أسبابها أو تحديد الطرف الذي أشعلها ، عصر الثورات العربية نحو الأفضل قد بدأ ولا يعني بقاء الاسد والقذافي إستمرارهما في الاستبداد ربما سيتحتّم عليهم التنازل وإنشاء ديمقراطيات على الطريقة الغربية حزبين دينيين وحزبين آخرَيْن تابعين للكبيرين كما هو الحال في المانيا وبريطانيا وفرنسا وإبعاد الأحزاب اليسارية والديمقراطية الحقيقة عن المعادلة السياسية وجميع الخيوط بيد الاوليغاركية المالية في هذه البلدان وهذهِ الاوليغاركية بدورها مرتبطة بشقيقتها في الولايات المتحدة وتدير الشركات المتعددة الجنسيّات عبر العالم ، فهذا هو المشهد الذي تعيشهُ هذهِ الدول منذ انتهاء الحرب الباردة ، وربما ستنستنسخهُ روسيا في بلدان العالم العربي المهم أن تبقى مُسيطرة على طبيعة المعادلة وسيطرة شركاتها ومصالحها على الاسواق العربية الاسلامية في الفترة المقبلة .
عالم متعدد الأقطاب يعني عملياً محاصرة الاتحاد الاوربي والولايات المتحدة وليس العكس ، فأمريكا اللاتينية تسير نحو تكامل دولها على الطريقة الفنزويلية ـ الكوبية وعالم عربي يسير نحو جمهوريات إسلامية معتدلة نوعاً ما وروسيا والهند والصين ، فالعقوبات المفروضة على كل من الأسد ونجاد ولبنان مستقبلاً لن تعني إنهيار هذهِ الأنظمة طالما يوجد البديل( روسيا والصين والهند وأمريكا اللاتينية ) وستردّد أكثر من دولة عربية كلمات وزير الخارجية السوري وليد المعلم التي قال فيها أننا سنعتبر اوربا غير موجودة على الخارطة !
بل أن هذهِ التوجهات لدى الغرب ستحفّز الدول العربية والإسلامية لسحب أرصدتها من الغرب وإيداعها في دولها أو في روسيا والصين ، وستعمق من أزمات الاتحاد الاوربي الاقتصادية ، والخيارات التي ستكون متاحة أمام اوربا للتعامل مع هذا الموضوع ستكون فعلاً محدودة ، فهي يإمّا ستساهم في فك الارتباط الاوربي ـ الأمريكي وتحمّل تبعاتهِ الإقتصادية ، أو ستذهب هذهِ الدول في ترسيخ سياسة الحلف التوسعية وهو ما سيقود الى تحفيز دول العالم الاسلامي لإنشاء حلف مماثل يحافظ على مصالحها ويكون نداً للناتو ولكن بأسلحة روسية !
هذا بالإضافة الى أنه سيُنعش عمليات التمويل لعسكرة الحياة في الطرفين من جديد بشكل يشبه ما حدث بعد إنشاء جدار برلين !
وبدلاً من أن تتوجه الصواريخ نحو موسكو ستتوجه نحو بغداد والقاهرة ودمشق وانقرة وطهران واسلام آباد وغيرها من مدن العالم الإسلامي ، وستتوسل دول الاتحاد الاوربي والولايات المتحدة لكل من روسيا والصين من أجل إحداث إختراق في العالمين العربي والإسلامي ، وتتمكن روسيا والصين من عقد مساومات لم تكن تحلم بها طوال مرحلة الحرب الباردة والمرحلة التي تلت تفكك الاتحاد السوفيتي إنهيار المنظومة الاشتراكية !
وبدلاً من جدار برلين سيكون هناك جدار القدس ( أورشليم ) ، صحيح أن إسرائيل ستتحمل كدولة تبعات كثيرة لحرب باردة من هذا النوع لكنها في نفس الوقت ستكون مستفيدة من جميع الاطراف فهي حليف لكل من موسكو وبكين وفي نفس الوقت حليف للناتو وستتمكن من الحصول على مساعدات لخمسة عقود ان استمرت حرب باردة من هذا النوع هذا الزمن المحتمل !
فحرب دينية الطابع تنعش أفكار دعاة يهودية الدولة ، بدلاً من ديمقراطيتها وعلمانيها وسيكون هذا الأمر مبرراً طالما ستتشكل الكثير من الحكومات في العالم العربي من أحزاب الإسلام السياسي ..
أو على الأقل ستتقبل اوربا الفكرة بسلاسة وليس تشنجاً كما يتم التعامل مع هذا الطرح حالياً ، وهنا تبتعد الشعوب ربما عن أهداف ثورتها من أجل الديمقراطية الحقيقية والعدالة الإجتماعية ، بحجة تهديدات الناتو !
عندما إندلعت الثورة التونسية شعرت أن تغييراً ما في هذا البلد يمثل إنعطافة قوية في أفريقيا ربما نحو اليسار والاشتراكية لكن بقاء منظومة بن علي نفسها جعلتني أتردد في التفائل ونفس الشئ حدث في مصر واليمن وتستطيع هذه المجاميع التي مكثت في مواقعها للنهاية تسليم هذه البلدان لأحزاب الاسلام السياسي وقد يحدث الشئ نفسه في ليبيا وسوريا ويتحالف النظام مع الاخوان مستقبلاً ، ويحوّل العقيد جماهيريّتهِ الى إمارة إسلامية !!!
وهنا أقصد ليبيا الغربية لأن هذا البلد أصبح بحكم الأمر الواقع مقسّم الى ليبيا بنغازي ودولة اخرى ليبيا طرابلس الغرب ، أما شعوب هذهِ البلدان وتضحياتها فإنها بلا أدنى شك لا تدخل في قواميس صانعي السياسة العالمية …
هذا الأمر رغم قسوتهِ فإنهُ فعلاً يجعل المرء يبتعد قليلاً عن التفاؤل في تصاعد الأحداث ، سمعتُ تعليق الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي يقول ( أن الأسد فقد مصداقيّتهِ ) وهو مضحك فعلاً فلأسد صحيح أنهُ فقد مصداقيّتهِ لكنهُ ربح في لبنان ولم يفقد تحالفاتهِ الدولية التي تمتد من دول كالصين والهند والبرازيل وروسيا وبعض دول القارة الامريكية اللاتينيّة !
أما الشيوعيون العرب فلم يجدو غير طريق واحد أمامهم وهو دعم سوريا وحزب الله وايران وربما مستقبلاً دولاً إسلامية الطابع وربما .. ربما ينجحوا في الوصول بمقعد أو مقعدين في هذا البرلمان أو ذاك !
فالاتحاد السوفيتي خذلهم في دعم أنظمة قومية الطابع على حسابهم بعد دعمهِ لأنظمة عبدالناصر صدام حسين والاسد الاب والقذافي وغيرهم ، واليوم روسيا تريد أن يُراجعوا أنفسهم ومواقفهم وربما مشاريعهم وبرامجهم الحزبية كي تلائم ديمقراطيات الاسلام السياسي الناشئة ، يا لسخرية الأقدار !
ربما يقول البعض ان زمن الدكتاتوريات بعد الثورات الشعبية الأخيرة ولى الى غير رجعة ! هذا الكلام يبدو صحيحاً في الظاهر لكن بقاء المواقف الغربية على حالها سيدفع الأنظمة الجديدة الى ممارسة نوع آخر من الدكتاتورية وهو النوع الفكري منها وهو الى حدٍ ما أخطر من دكتاتورية العسكر لأنهُ سيعني إعادة تكميم الأفواه بحجة محاربة الأعداء ، والسيد كَوكَل ومعهُ الفيسبوك لن يدومان لنا طويلاً ، فدول اخرى تخطط لأنشاء شبكة مماثلة مثل الصين وروسيا والهند كي تحاصر تحكم الشركات الأميريكية في موضوع الأنترنت والشبكة العالمية وستصبح هذهِ الشبكات محصورة فقط بين الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي وحينها مهما صرخنا فلن يسمعنا أحد في العالم العربي !!!
لأنهُ ببساطة سيلجأوا للتعامل مع الشبكات التي تتيح لدولهم التحكم بالمواقع المسموحة وغير المسموحة ، وربما هذا الموضوع أيضاً سيعاني من تبعات السياسة الدائرة حالياً في الساحة الدولية وسيكون لهُ أخطر الأثر على ثقافة الانسان إذا ما إندلعت حرب باردة من هذا النوع …
فليحارب الأسد ومعه القذافي ونجاد واردوغان وكارزاي ونصرالله وغيرهم نيابة عنّا فهذا الشئ لا يحزننا كثيراً على الأقل سنحق دماء شباب مثقف ولا نريد تكرار تجربة ضحايا الحرب الوطنية العظمى في الاتحاد السوفيتي والتي قضى خلالها هتلر على خير الكوادر الشيوعية في الاتحاد السوفيتي والعالم ، وليُنشأوا حلفهم الميمون وليبدأوا حربهم مع الناتو أو مع الكفار كما يحلو لهم تسميتهم حينها لن نقول لأي من الطرفين يرحمكم الله لأنهم السبب الحقيقي وراء تخلف البشرية وتقزيم حقوقها !!!