حلم دي ميستورا أم كابوسه؟/ سميرة المسالمة
يرى مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، بحسب كلمته في مجلس الأمن الدولي (21/9)، أن الحل للمسألة السورية يتمثّل “بتفويض رأس النظام بعض سلطاته لحكومة انتقالية بشكلٍ يتم الاتفاق عليه، في التفاوض بين المعارضة والنظام، على نحو تكفله ضماناتٌ دوليةٌ وإقليمية ومحلية، وأنه سيكون هناك وقف لإطلاق النار، ودخول مساعدات وإغاثة إنسانية، ويسود جو يسمح بالنشاط السياسي السلمي الذي يفضي إلى اعتماد دستورٍ جديد، وتنظيم انتخابات حرّة نزيهة في ظلّ وجود مراقبة دولية”، لكنه يعتبر ذلك أشبه بحلم، على الرغم من أنه يؤكد أن الأمم المتحدة قادرة على تحقيق هذا الحلم.
لا يطيح ما يعتقده دي ميستورا حلماً فقط بالرؤية التي صاغتها المعارضة السورية أخيراً، بل يطيح حتى بالمبادئ الأممية التي تم التعبير عنها في بيان جنيف1 (2012)، وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، وخصوصاً القرار 2254 (2015)، ولا سيما ما يتعلق بتشكيل هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة، بغض النظر عن بقاء الأسد أو عدمه في المرحلة الانتقالية. جاء دي ميستورا، في كلمته المذكورة، بتوضيحاتٍ جديدة للمرحلة الانتقالية على مقاس النظام، أو تتناسب مع أهوائه، تماماً، فقد أغفل مصطلح نقل السلطات أو أزاحه، ليضع بدلاً عنه مصطلح تفويض السلطات، أي أن المرحلة الانتقالية بأكملها لم تعد عنده تعني تسليم السلطات من النظام إلى الحكومة الانتقالية التي ستنشأ بالتوافق بين النظام والمعارضة. الأهم أن دي ميستورا ربط ذلك كله بالتوافق، أي برضى الطرفين، والمعنى الأصح برضى النظام، محاولاً تصوير طروحاته بأنها حلم يستحيل تحقيقه، إلا إذا تضافرت الجهود الدولية لتحقيق ما يعتبره حلماً، علماً أن كل ماجاء به كان ورد فعليا في الأطروحات التي تقدم بها النظام، ومنها ما طرحه رئيس النظام، بشار الأسد، في السادس من يناير/ كانون الثاني 2013. وهذا ما يجعل حلمه فعلياً بمثابة كابوسٍ لكل ضحايا الصراع السوريين، منذ ذلك الوقت وحتى لحظة وصولنا إلى الإمساك بحلم دي ميستورا.
“المجتمع الدولي الذي يتحدّث أنه لا حلول عسكرية للصراع لم يستطع، حتى اللحظة، إلا الإمعان في عسكرة الواقع السوري، وتحويل سورية إلى ساحة صراع دولية”
لا مجال هنا، مع كل هذه الكارثة التي أحدقت بالسوريين، للمزايدة، واستعراض الذكاء السياسي، والدخول في مفاوضاتٍ قبل الوصول إلى طاولتها، وتسويق مشروعه على أنه بمثابة “انتزاع لقمة من فم الأسد”، إذ غيّبت الملاحظات المذكورة تماماً رؤية المعارضة للحل السياسي، على الرغم من أنها، أي الأخيرة، لم تطرح شيئا صعباً أو خارقاً، حيث وافقت على بيان جنيف1 وقرارات مجلس الأمن، وتنازلت من هدف إسقاط النظام إلى هدف رحيله، مع القبول بمبدأ تشكيل هيئة حكم انتقالي، بالشراكة مع أطراف من النظام الذين لم تتلوّث أيديهم بالدماء.
المضحك المبكي في هذا الأمر أن المجتمع الدولي الذي يتحدّث أنه لا حلول عسكرية للصراع لم يستطع، حتى اللحظة، إلا الإمعان في عسكرة الواقع السوري، وتحويل سورية إلى ساحة صراع دولية، وصندوق بريد بينهم، إذ لا يغيب عنا أبداً أن الخلاف الأميركي التركي، والذي يحضر اليوم بقوة في معركة حلب الدموية. كما أنه لا يمكن تجاهل أن الصمت الأميركي على خرق الهدنة، من الطرف الذي أعلنت معه اتفاقاً في 9 سبتمبر/ أيلول الجاري، وهو روسيا، في حقيقته، شبه موافقة على تغيير خريطة تموضع القوى المتصارعة، وفي آن معاً رسالة إلى شريك روسيا الجديد، وهو تركيا، ومجاملة لحليف محتمل في المنطقة، هو إيران التي صرح رئيس حكومتها علناً، ومن نيويورك، رفضه الحظر الجوي للطيران الروسي والسوري، رداً على مجرد تصريح لوزير الخارجية الأميركي؛ جون كيري، كأنه الوصي على سورية، والناطق باسم روسيا.
على ذلك، لا يمكن تحقيق الحل السياسي المنشود على بحر من الدم، ولم نر حتى اليوم أن المجتمع الدولي سعى إلى فرض رؤيته، لا بالوسائل الناعمة، ولا بوسائل الضغط التي تكفل فرض هذا الحل السياسي.
ويذكّر شبه حلم دي ميستورا السوريين بحلم لمحافظ حمص السابق، إياد غزال، وهو أحد أعمدة النظام، حيث استفاق أهل حمص على مصادرة أملاكهم وتشريدهم من بيوتهم، ومنذ ذلك الوقت والسوريون يعيشون بكوابيس القهر والاستبداد الذي نخشى أن تأتي خطة دي ميستورا لاستدامتها وشرعنتها دولياً. والقصد من ذلك كله أن كلام الأخير ينم عن فضيحة أخلاقية وسياسية، هي نفسها التي كشفت المجتمع الدولي، ولا سيما ما يسمى دول “أصدقاء الشعب السوري”، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأميركية. كل المطلوب من المجتمع الدولي فرض الحل السياسي على النظام وفق بيان جنيف1 ووقف القصف والتشريد القسري، وفتح المجال أمام المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة وإطلاق سراح المعتقلين.
ليس هذا حلماً يا دي ميستورا، ولا أظن أن ما قرّره المجتمع الدولي حلم، بل إنها بمثابة حلول واقعية، كما أن وثيقة المعارضة السورية، على الرغم مما عليها من ملاحظات، تتجاوب مع الحل الدولي، وتتماهى به، وهي أقل ما يمكن تقديمه لإخراج السوريين من هذه المِحنة، لكن هذا يستلزم حسماً واستقامةً ونزاهةً منك ومن المجتمع الدولي، إذ إن التهاون بحق السوريين هو ما جعل الطيران الروسي يتجرأ على الأمم المتحدة، ويقصف قافلة المساعدات الإنسانية.
نعم، لا حل عسكري للصراع الجاري، لكن الحل السياسي يحتاج من يفرضه، لكن ليس بالأحلام، وإنما بوسائل الضغط المناسبة.
العربي الجديد