صفحات العالم

حل سياسي بعيد وتسوية أبعد في سوريا؟/ ماجد الشيخ

 

 

 

سباق ماراثوني طويل في سياق الصراع الدامي الجاري على الأراضي السورية، بين حل سياسي يحاول المجتمع الدولي فرضه بالإقناع، وبين حسم عسكري يزداد شراسة ودموية لن يتم بغير الإكراه، وفي انتظار الجولة المقبلة من مباحثات «جنيف 3» فقد جاءت التطورات العسكرية في ريف حلب الشمالي، عقب ورود أنباء عن بدء الولايات المتحدة وروسيا إنشاء قواعد عسكرية في شمال وشمال شرق سوريا، في خطوة تبدو أنها حلقة جديدة من حلقات صراع خفي يدور على الجغرافيا السورية.

وقد لوحظ في الأيام الأخيرة، إن الهجمة الروسية غير المسبوقة على شمال حلب، هي محاولة في سياق محاولات تدخل في إطار «فرض ميزان قوى جديد أو متجدد لصالح قوات النظام، وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي شمال سوريا«، وذلك قبل وضع بيان ميونخ موضع التطبيق، وفي سياق ما تحاوله جبهة الروس والنظام وحلفائهما، من أجل تغيير مجمل موازين القوى في كامل الأراضي السورية، لا سيما استعادة المناطق التي تقع تحت سيطرة قوات المعارضة، وذلك قبل البدء بتطبيق وقف إطلاق النار بموجب اتفاق ميونيخ، وقبل الجولة الثانية من مفاوضات «جنيف 3» في الخامس والعشرين من شباط/فبراير الجاري، وقبل احتدام الصراع أكثر، في ظل توقعات بإمكانية تدخل عسكري بري محتمل، يبدأ من شمال حلب تحديدا، في وقت دخلت المدفعية التركية على خط قصف المواقع الكردية المحاذية للحدود التركية.

مثل هذا الواقع المأسوي، لا يبشر بإمكانية فتح أي مسرب أمام جهود الحل السياسي، في ظل تشاؤم سوداوي، تكاد تنضح به الجهود الدولية والأممية التي تحاول كسر الصخر بعود الثقاب، كلما احتكا زاد أوار الصراع اشتعالا. فالمساعي الدؤوبة لإبقاء النظام ورأسه، وإلغاء الشعب السوري وقوى المعارضة السياسية والديمقراطية، وعدم أخذهما في الحسبان، كأطراف أساسية على طاولة المباحثات، مثل هذه المعادلة لا يمكنها أن تستقيم وذرى ما بلغه الصراع والأزمة في سوريا، للوصول إلى حل سياسي ممكن ومنصف ومتوازن، يأخذ في الاعتبار مصالح وتطلعات الشعب السوري بكافة مكوناته. فالتفاهمات الفوقية الاقليمية والدولية لا يمكنها بلوغ سوية الحرص على إبراز صورة الشعب، بل على تغييبه، والتجرؤ على إبراز صورة النظام على الرغم من مسلكياته وأفاعيله التي قادت إلى تدمير سوريا ووحدتها، وتركتها، وها هي توغل في تركها تكابد احتلالات متعددة وارتكابات إرهابية غير مسبوقة، ساهم النظام ويساهم في الاستفادة منها، للإبقاء على صورته في الواجهة، على حساب شعبه ووحدته السياسية والمجتمعية والجغرافية.

إن تكتل كل قوى الصراع الاقليمي والدولي، واجتماعها على الأرض السورية، لن يبقي للاشتباك السياسي والعسكري التكتيكي والاستراتيجي أي أمل بالتوقف عند حدود عدم نضوج واتضاح حدود الهيمنة، ومحددات النفوذ بين الاقليمي (إيران وتركيا وإسرائيل) والدولي (روسيا والولايات المتحدة)، بل إن ما يجري يفتح أفقا واسعا لصراعات نفوذ جانبية، رائدها أو رائد أطرافها تلك المصالح والتطلعات الخاصة بكل طرف، على الرغم مما تظهره التفاهمات غير المعلنة من اتفاقات على حماية النظام والحفاظ على رأسه في السلطة، وهذا هو المعلن حتى الآن، ولا يمكن استمرار هذا الوضع في المستقبل المجهول لسوريا، الداخلة في مجال الاستقطابات الحادة، بين فرقاء لا تتحد مصالحهم على الدوام، بل هي تختلف وسيبقى الاختلاف أبرز معطيات إدارة الصراع المحتدم ضد (العدو)، وهو هنا الشعب السوري، الذي عانى ويعاني ويلات التدمير الممنهج والتفتيت المتواصل لقواه منذ البداية؛ أولا على يد النظام، وتاليا على يد التنظيمات الارهابية وفي طليعتها تنظيم «داعش» بخلافته وأمراء الطوائف والمذاهب الذين تربعوا على سدة سلطة موازية، وها هو التدخل العسكري الروسي يجئ ليلعب دور المعضد لدور النظام والاحتلال الإيراني وميليشياته المتعددة الجنسيات، تحت راية محاربة الارهاب، فيما التفاهم الأميركي الروسي الإيراني يبلغ الآن مديات عليا من التصميم على محاولة إيجاد حل سياسي عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، تبقي النظام وتذهب بالشعب وبالمعارضة، أو المعارضات مذاهب شتى.

مثل هذا التصميم يواجه عقبات لا حصر لها، ونيات مبيتة وخبيثة من جانب النظام وبعض حلفائه، لذلك تفشل المفاوضات قبل أن تبدأ، كلما لاحت إمكانية بدء مباحثات تمهيدية أولية هنا أو هناك، وقد أضيف إلى سلسلة محادثات جنيف فشل جديد، حين أعلن المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، يوم الأربعاء (3/2/2016)، تعليق محادثات جنيف حتى 25 شباط/فبراير الجاري، مشيرا إلى «أن هناك حاجة لمزيد من العمل من جميع الأطراف، ولسنا مستعدين لإجراء محادثات من أجل المحادثات».

وطالما استمرت الأطراف المعنية الاقليمية والدولية والنظام ومن والاها ويواليها، في المراوغة والتحايل على معطيات وحقائق الصراع، والتهرب من استحقاقات القرارات الدولية، فلن يكون ممكنا الوصول بأي محادثات مهما بلغت مستويات القائمين بها، إلى سوية التفاوض الجاد للوصول إلى تسوية ممكنة، ولكنها مستحيلة الآن، نظرا لتشابك التدخلات والاحتلالات الأجنبية بمصالحها وتطلعاتها وتعارضات رؤاها الاقليمية والدولية، على الرغم من توافقاتها على بقاء النظام، واستمراره كفاعل من فواعل «الاستثمار التبعي»، وضمان لعبة المصالح الاقليمية والدولية.

إن عدم القدرة على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، تحت إشراف الأمم المتحدة، أو غيرها، مؤشر إلى انعدام فرصة الوصول بالمحادثات إلى مفاوضات جدية وحقيقية، طالما أن النظام ورأسه لم يعودا يحلما إلا بتحول استراتيجي، يتم بموجبه نجاح الحليف الروسي في كسر موازين القوى لمصلحتهما، وللابقاء عليهما حليفين موثوقين في السلطة، نظرا لما يتوقع منهما أن يلعباه في مستقبل سوريا من أدوار استثمارية سياسيا واقتصاديا وتجاريا، وفي محاولة تعديل موازين القوى الدولية في ظل الاستنكاف الأميركي، وتوكيل واشنطن لموسكو للعب دور المايسترو، الذي يقود أوركسترا الصراع وتقاسم النفوذ وتقسيم مغانم الهيمنة بين ثلاثي الاحتلال والتدخل العسكري (إيران والولايات المتحدة وروسيا) لمد النظام بإكسير حياة البقاء على سدة السلطة. وليس صحيحا أن كل الاطراف تتفق على صيغة واحدة لمآلات الصراع في سوريا، كما لمآلات النظام ورأسه، تماما كما في حالة المعارضة أو المعارضات، فهي الأخرى لا تتفق على رؤية موحدة لمآلات النظام ورأسه، وهنا تكمن الإشكالية الرئيسة التي تجعل من الحل السياسي بعيدا، ومن التسوية الممكنة أبعد وأبعد كثيراً.

المستقبل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى