صفحات العالم

“حماة الديار”


    سناء الجاك

منذ أيام السرتيفيكا لم أسمع بعبارة “حماة الديار” في جملة مفيدة، لأن الديار لا تزال منذ أيام السرتيفيكا من دون حماة يذودون عنها. سمعتُ فقط بما جرى في حماة، وهمساً، فخبرها كان دائماً مقروناً بالرعب من قتل جماعي لم نتعوده الا هناك. اذ لا أحد كان سمع عن نظام يقصف شعبه بالطائرات ويبيد مدينة بكاملها وبدم بارد الا في حماة، التي وقعت في غيبوبة الرعب ولم تستفق الا مع انطلاقة الثورة في سوريا.

اليوم، لم يتغير الكثير في سيناريو “حماة الديار”، لا يزالون كما كانوا، من الأب الى الإبن. لكن والحق يقال، الابن الشاطر وسّع المروحة. وما جرى في ثمانينات القرن الماضي في حماة وحدها، انتشر وبكل فخر على كامل الاراضي السورية. فوق جثث الموتى الذين لا يحق لأحد إحصاء أعدادهم او تحديد هوياتهم، جاء الإبن الشاطر ليشيد بـ”حماة الديار” ويحييهم، ويؤكد أن حي بابا عمرو سيعود أفضل مما كان. لم نسمعه يقول: “أمرُّ على الديار ديار بابا عمرو واقبّل ذا الجدار وذا الجدار”؟ طبعاً لن يقول لأن “لا حب الديار شغل قلبه ولا حب من سكن الديار”. وطبعاً لم يترك “حماة الديار” جداراً ليقبّله الرئيس المواطن القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة. ولا يزالون يدكّون ما بقي من جدران في حمص كأنهم خائفون من الأطلال تشهد على جرائمهم التي يجب ان تمحى أدلّتها بالحديد والنار، في حين يتفاصح “حماة الديار” ويحسبون ان إسقاط بابا عمرو انتصار إلهي وتاريخي، ويؤكدون ان القصة في سوريا “خلصت”، ويا دار ما دخلك شر صار فينا ننام على حرير الامان.

غير صحيح. ما خلصت. الحقيقة ان الديار مع مثل هؤلاء الحماة لم يدخلها ولن يدخلها الا الشر، ومعه طبعاً القائد الأعلى لـ”حماة الديار”، الذي لا يهاب “مراكز الإرهاب المجهزة بأحدث التقنيات الحربية والسراديب والأنفاق والمقاتلين السوريين والعرب ومراسلي قنوات الإعلام المعادية لسوريا بهدف تأسيس منطقة عازلة تنطلق منها ثورة عالمية على سوريا شعباً ودولة”.

لا يهمّ عجز “حماة الديار” عن إقناع العالم بوجود أي سرداب أو نفق أو أرهابي عربي وأجنبي أو مراسل لقنوات معادية. المهم انهم سطّروا “انتصاراً تاريخياً، وغيّروا قواعد الهجمة على سوريا ومجرى الأحداث فيها، وحرروا أهالي حمص وسكّانها من إرهاب احتل مدينتهم وبيوتهم وقتل ونكّل وخطف شبابهم ونساءهم وشيوخهم وأطفالهم”.

لا لزوم للسؤال عن المجازر والتفجيرات التي لا تجد من يحقق فيها، كذلك لا يحق لمؤسسة دولية انسانية أو حقوقية إجراء مسح أو دراسة لعملية الابادة التي تمت وفق مربّعات قطّعت أوساط مدينة حمص بعضها عن البعض الآخر ولا تزال تتواصل حتى القضاء على الرمق الاخير لمن يتجرأ على رفض إجرام النظام.

أما أيدي الجيش العربي السوري التي لم تضرب ولن تضرب ضربة واحدة في أراضي الجولان المحتل، فقد وجدت من يتباهى بها ويعتبر أنها سطّرت انتصاراً تاريخياً (لا أعرف لماذا لا يصنّفونه إلهياً ويبقّون بحصتهم).

لا لزوم للسؤال عن الآلة العسكرية التي فرّخت بعد زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ومدير المخابرات ميخائيل فرادكوف، الذي سأل مضيفه السوري وهو يبتسم: “كم من الوقت سأنتظر حتى تدعوني الى الغداء في حمص؟”. كذلك لا لزوم للسؤال عن زيارة رئيس الجمهورية القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة والمواطن الى بابا عمرو، فالاهتمام واجب ومن أعلى المستويات لترتيب وليمة الانتصار وفق التقاليد العربية العريقة.

لكن أيّ وليمة ستبيّض وجه الابن الشاطر؟ فالمدعوون بدأوا يشعرون بالقرف ممن دعاهم، وهمّهم اللعب بالورقة السورية لتأمين مكانهم إلى طاولة المفاوضات الدولية في حفلات التغيير، ليس الا. والدار دار بها الزمان ولم يبق دكّان في حيّ بابا عمرو، ومع هذا لم يشعر الديكتاتور بالامان، فهو يعرف أنه عندما تدكّ اصنامه تحت ناظريه فسيقع لا محالة، حتى لو دكّ البلاد كلها على رأس ساكنيها!

ما خلصت يا “حماة الديار” ولن تخلص الا بعد أن يتخلص منكم الشعب.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى