حمامات الدم السوري وقراءة النظام المقلوبة
إبراهيم اليوسف
يوماً بعد آخر، يتمادى النظام السوري، في استمراره في الإقدام على جريمة ذبح المواطن السوري، وقتله، وقد بلغ الرقم بحسب بعض منظمات حقوق الإنسان بضع المئات من الشهداء الميامين، في عدد من المدن والقرى السورية،وهو رقم يفوق أعداد الضحايا الذين خروا على مذبح الشهادة في مصر، أو اليمن، أو تونس، ناهيك عن آلاف الجرحى، وآلاف المعتقلين، والتصرف بطيش وهستريا، من دون سؤال الذات: بأي حق نقوم بكل هذا في مواجهة مواطن، لم ولن يسكت بعد الآن عن حقوقه المنهوبة، وحريته المصادرة، وكرامته المهانة.
إن “غواية الكرسي” الذي هو السبب في تصرف النظام على هذا النحو، ظناً منه بأن مهمة إنجاب أمثالهم وقف على أمهاتهم من دون ملايين الأمهات السوريات وإن كانوا في الحقيقة- الأقل صلاحية ووفاء لأن الوفي لا يقتل من يحكم باسمه- وتدفع هؤلاء إلى التصرف بهذا الجنون الفظيع، على مبدأ ما قاموا به من قبل في الثمانينات، وما بعد ذلك، عندما كان العالم منغلقاً على نفسه، وعندما كان في مكنة النظام إحكام الإغلاق، والتعتيم على بلدنا، لممارسة النحر، والذبح، إلا أن النظام الذي لا يزال يتصرف بتلك الروح نفسها، مع التقوقع على الذات إعلامياً، لا يستطيع فعل ذلك أمام إمكان إيصال الصوت إلى كل أنحاء العالم، عن ضراوة الاستبداد والقمع والإبادة التي تتم، بما لا يشبه أية بقعة في الكرة الأرضية، لأن كل النماذج السيئة أمام الأعين-الآن- ثمة إعلام حر يرصدها، بل إنه بالرغم من كل ما جرى في مصر، لم يتم حصار أية ساحة أو أية مدينة، ولم يتم خلال كل ذلك إلا قطع الإنترنت- وليس أدوية الأطفال، ولقمتهم وليس-معاذ الله- الكهرباء والماء والوقود والرغيف-وهو عار لم يبلغه أحد من عتاة الطغاة حتى الآن.
أجل، لا أحد من السوريين يفكر بمثل الغواية التي يستبسل من أجلها رعاة الفساد الرسمي، فالمطلب السوري من أقصاه حتى أقصاه هو”واحد لا بد منه، ولا تنازل عنه البتة، كما يبدو، من قبل الشباب السوري الذي لا يبالي بالموت، واسترخص روحه، ولسان حاله ما يقوله بعضهم:” أية حياة أعيشها إن كنت في الثلاثين من العمر، من دون وظيفة ولا بيت ولا زواج ولا ثمن قميص أو حذاء، ولا كرامة”، وإن سقف هذا المطلب يرفعه النظام بهستيريا الإقدام على استرخاص الدم، الذي عرف شبابنا- وهم أكثر التقاطاً منا للحظة، من خلال علو روحهم الوطنية، وتحديدهم العمود الفقري للمطلب، من دون الحياد عنه. ولعل قلق النظام بل الرعب الذي يعيشه يتجلى في نقاط عدة منها:
1-الإصرار على عدم إظهاروجوه قادة الصف الأول، ولا العشرين، والاعتماد على مأجورين مباعين، واعتقاده ذلك جزءاً من حرب نفسية موازية لحرب الدم المعلنة جوراً على الشعب.
2- السعي لإضفاء سمة الطائفية على الاحتجاجات السلمية التي تتم، والتي يأتي ردها من مدينة كحمص-مثلاً- التي يشترك فيها جميع المضطهدين، من كل أشكال الفسيفساء الديني، والمذهبي، ليقولوا معاً وبصوت واحد: لا لما يجري، لأن المواطن السوري لا يؤمن بهذه الأبجدية المتهالكة.
3- شراء ذمم عربية مستفيدة، والاعتماد على فنانين وإعلاميين وشخصيات محلية بلا ضمير، سرعان ما كشفوا عن أوراقهم، يدأبون التباكي على الوطن- وهو بكاء على مصالحهم ومنافعهم- ويؤلفون قصصاً وحكايات أسطورية، في تصريحات شخصية أو ندوات يخجل المثقف الحقيق من الرد على مضامينها، لتهافتها، وسذاجتها، الأمر الذي يدل على أن النظام في مأزق فظيع مابعده مأزق
4- عدم معرفة النظام أن الزج بالجيش في المهمة غير المقدسة، في قتل أهلهم، ولو وفق معادلات وتكتيكات محصنة بالعنف، والقوة، لا مستقبل استراتيجي له.
5- الإبقاء على معتقلي الرأي السابقين في المنفردات والزنزانات، وذلك من أجل التمظهر بقوة شوكته، وعدم استجابته لنداء الجماهير، وهو ما يخيل إليه بعض العنترة، وثمة صور بشعة تحدث يومياً، ومنها مثلاً استمرار اعتقال الشاعر إبراهيم بركات الذي اعتقل من قبل إحدى الجهات الأمنية، وتم اختفاؤه القسري، من أجل قصيدة شعرية.
6-إن زحف الدبابات الوطنية إلى بعض مدننا، دليل على أن النظام يعتمد على سياسة الاستفراد الممنهج بمدننا، وأهلها، واحدة تلو الآخر، وليس غالياً إلا عرشه الذي لا يمكن أن يستمرّ معمداً بالدم والإرهاب
واضح تماماً، أن النظام لا يزال يقرأ اليوم بذهنية الأمس، ويعتقد أن “وصفة” مواجهة الاحتجاجات” خالدة” وتصلح لكل زمان ومكان، وهذا ما يلحق أكبر الضرر بالوطن وبالمواطن، بل وبهؤلاء الذين على سدة الحكم، ممن كانوا معروفين –في الداخل- من قبل مواطنيهم، على حقيقتهم، إلا أنهم فقدوا إمكانية استمرار تقديم الصورة الخادعة للخارج الذي كان يراهم ” ممانعين” مقاومين” من دون أن يعرفوا بأن تخصيص جزء من ميزانية سوريا في مثل هذه المهمات، كانت في الأساس لأداء مهمة مركبة أولها صرف النظر عن الاستبداد والقمع الممارسين مع الداخل، وضمان الوصول بالفساد إلى أعلى مستوياته، والدوس على الشعب كله، لتعزيز قبضته، وهو ما كان يسهم في تلميع صورته خارجياً، واعتماداً على حفنة مأجورين، مستفيدين من أحزاب جبهوية وأشخاص، وركلهم في ما بعد-كما تم في أكثر من محطة- عندما يؤدي هؤلاء أدوارهم التهريجية.