حماية المسيحيين السوريين.. تبرير لتدخل عسكري روسي؟/ رأي القدس
بعد خبر اعلان ‘الجمعية الامبراطورية الارثوذكسية الفلسطينية في روسيا’ انشاء مركز ‘لحماية المسيحيين’ في موسكو، أعلنت وزارة الخارجية الروسية الاربعاء الماضي في بيان لها ان 50 الف سوري مسيحي طلبوا الجنسية الروسية لحمايتهم من ‘الارهابيين المدعومين من الغرب’، واتهم البيان، على لسان ‘خمسين الف مسيحي’ مفترضين، اولئك الارهابيين بأن هدفهم هو ‘الغاء وجود المسيحيين بأفظع الوسائل بما في ذلك القتل الوحشي للمدنيين’.
ونسب البيان الى هؤلاء قولهم ان طلب هؤلاء الحماية من روسيا ‘لا يعني اننا لا نثق بالجيش السوري وحكومتنا… لكننا نخشى مؤامرة الغرب والمتطرفين الحقودين الذين يشنون حرباً عنيفة ضد بلادنا’.
وفي ظل واقعة ان روسيا الحديثة لم يعرف عنها اهتمامها بحقوق أحد (بما فيها حقوق مواطنيها أنفسهم) فكيف نفسّر هذه الغيرة الانسانية الكبيرة على مسيحيي سورية؟
يذكّرنا هذا البيان بفصول ‘المسألة الشرقية’، حين بدأ هجوم روسيا والدول الأوروبية لتفكيك واقتسام الامبراطورية العثمانية.
احدى النقاط التاريخية لتلك المرحلة كانت توقيع الدولة العثمانية عام 1774 معاهدة مع روسيا أعطتها فيها حق حماية الارثوذكس المسيحيين.
تبعت ذلك تراجعات على مدار اكثر 150 عاما خسرت فيها الامبراطورية العثمانية نفوذها في بلغاريا وارمينيا ورومانيا وصربيا والجبل الاسود والبوسنة والهرسك وقبرص ودول البلقان، مروراً باعطاء بريطانيا حق ‘رعاية’ اليهود، واحتلال الاراضي العربية وتأسيس دولة اسرائيل وتحقيق ما يسميه كاتب بريطاني: ‘سلام لإنهاء كل سلام’!
يختزل اعلان الخارجية الروسية الثورة السورية التي قامت لأسباب سياسية واجتماعية واقتصادية الى حرب يقوم بها ‘التكفيريون’ على نظام ‘علماني’ لا يأتيه الباطل من فوقه او تحته، وبدلاً من الصراع بين سنّة وشيعة الذي يشيعه مؤيدو النظام حين تناسبهم الريح الايرانية، يريح الخارجية الروسية أكثر ان تتحدث عن صراع بين مسلمين ومسيحيين، وبذلك تزاود، كما هو ملحوظ في البيان، على ‘مسيحية’ الدول الغربية، وتبتزّ النظام السوري في لعبته الاثيرة نفسها.
الواضح ان الأمر لا يتعلّق بمسيحيين او مسلمين أو بأقليات وأكثريات بل يتعلّق بمشروع نوايا سياسي استعماري تنتفي فيه الحاجة لاتفاق عسكري او لأحلاف استراتيجية بين النظام السوري وروسيا، فكل ما تحتاجه روسيا هو ان يصبح لديها 50 ألف سوري حاصلين على جنسيتها لتحرّك جيشها لحمايتهم من ‘التكفيريين’!
ادعاء روسيا القديم بوجود خطر دائم على المسيحيين المقيمين في البلدان العربية هو استخدام للدين لشأن سياسي، وهو الأمر الذي ما انفكت الدعاية الغربية، اليسارية منها او اليمينية، تطالب بحجته العرب والمسلمين دائماً بالتخلّي عن خلطهم بين الدين والسياسة!
يغدو وجود أكثرية ثقافية (او عددية) من المسلمين في اطار هذا الخطاب نوعاً من الاجرام الكامن للانقضاض على غير المسلمين، وهو يتجاهل أن الاضطهاد التاريخي الأكبر الذي تعرّض له مسيحيو الشرق كان على يد مسيحيي الغرب ‘الصليبيين’ أكثر مما حصل على ايدي مواطنيهم المسلمين.
أكثر تجليات هذا الخطاب الاستشراقي والامبريالي فظاعة هو وجود اسرائيل نفسها، التي رغم انها أكبر قوة ضاربة في الشرق الأوسط وتملك مئتي رأس نووي، فإنها تدّعي مع ذلك خوفها (كدولة يهودية) من محيطها الاسلامي المرعب!
تخفي مقولة ‘حماية الأقليات’ المشؤومة هذه احتقاراً هائلاً لعشرات آلاف الضحايا من تلك ‘الأكثرية’ التي لا تملك حماة لها، فيما تقوم قوات النظام السوري بالقتل والذبح والاغتصاب والتنكيل والتجويع والابادة الفعلية ليس فقط لتلك ‘الأكثرية’ المضطهدة، بل لكل من يقف في وجهها من أية طائفة كان.
تكمن المهزلة في التضخيم الرهيب للخوف على ‘الاقليات’ بينما آلة موت النظام السوري منهمكة في ابادة من يقف في وجهها، بحيث يعلو صوت الخوف الافتراضي على صوت السكاكين والمدافع الفعلية التي تحصد البشر.
تفضح كذبة امتياز ‘الأقلية’ التي تزعم روسيا حمايتها في سوريا، عن ‘الأقليات’ التي ما تزال آلتها الأمنية والعسكرية تقمعها في حديقتها الخلفية (بمن فيهم الجورجيون المسيحيون) بؤس المنطق السياسي وانتهازيته واحتقاره لكرامات البشر وحقوقهم.
القدس العربي