حوار متعدّد الأصوات لمثقفين سوريين.الحدث السوري: بين الثورة العظيمة و المؤامرة الخسيسة؟
إعداد:د.حمزة رستناوي
إذا توافقنا على تعريف الثورة بأنها تغير جوهري سريع في أوضاع المجتمع , تغيير من خارج الأطر الدستوريّة يقوم به الشعب , فهل استطاعت حركة الاحتجاجات الأخيرة في سوريا تحقيق تغيير جوهري سريع في أوضاع المجتمع السوري؟!
و هل نركّز على الحدث ودلالاته من حيث كونه تخطّي لحاجز الخوف و كسر لجليد وَسَمَ الحياة الاجتماعيّة و السياسيّة السورية؟
أم أننا ننظر إلى مآل حركة الاحتجاج السوري و عجزها حتى الآن و في المدى القريب و ربّما المتوسط عن تحقيق ” تغير جوهري سريع للنظام السياسي السوري ” تغيير يحافظ على كيان الدولة السوريّة , و ينتقل بها إلى دولة مدنيّة ديمقراطيّة .؟
يرى تمام تلاوي (شاعر) أنّه من الصعوبة بمكان توصيف الحراك الاحتجاجي السوري لنقص المعلومات و للطبيعة المعقّدة للمشهد السوري ” لا أستطيع تحديد اسم معين للحراك السوري الحالي ذلك لأسباب عدة أهمها أنني لست داخل سوريا , ولا أعلم تفاصيل ما يجري على وجه الدقة. لكني أميل إلى تسميته بالانتفاضة بحسب ما أرى من مكاني هذا. إذ أرى على العموم مشهدا عاما يختلط فيه المنتفضون لأجل أطفالهم في درعا مع المنتفضين لأجل كرامة لقمة العيش في المناطق المُهَمَّشَة كإدلب والبوكمال والرستن و تلكلخ والأحياء أو البلدات الواقعة في مناطق أحزمة الفقر في المدن كدوما والمعضمية, هناك أيضا مدن انتفضت بأكملها كحمص واللاذقية وبانياس وجبلة عدا أحياء قليلة منها, وهناك مدن لم تتحرك تقريبا بأكملها كحلب مثلا وقلب دمشق إلا تحركات على نطاق ضيق جدا. إذن فالمشهد معقد ومختلط وغامض في بعض أحواله. طبقة التجار مثلا لم تتفاعل مع الإضراب الذي دُعي إليه سوى في حمص على حد علمي. إذن فالتسميات التي طرحت أعلاه قد ينطبق بعضها على مناطق محددة وبعضها تنطبق عليه تسمية أخرى.. غموض المشهد فرضه واقع أمني وإعلامي معين يجعلنا في كثير من الأحيان نلجأ للتخمينات بحسب معرفتنا المسبقة بواقع سوريا السياسي والأمني.”
بينما يرى محمد الحاج صالح (روائي) أنّها حالة ما قبل ثوريّة تبشّر بالثورة “فأهم ما يجعلها انتفاضة في طور التحول إلى ثورة هو قلبها لكثير من الأمور, تحويلها لحالة الخوف إلى جسارة وجرأة، وتحويل حالة الخنوع إلى نضال من أجل الكرامة … إلخ. ومن المتوقع أن تتغير الكثير من القيم والأخلاق، مع العلم أن التغيير في القيم والأخلاق يحتاج إلى زمن وإلى انتصار سياسي ناجز. هذا الانتصار السياسي هو نقطة التحول النهائي وبوابة الدخول إلى مصطلح الثورة.”
و يوافق د.أحمد بربور” أكاديمي” الروائي الحاج صالح في توصيفه للحالة بأنها حراك ما قبل ثوري: ” والأفضل تسميتها بتحرك سلمي شبيهة بالتحرك للمطالبة بالحقوق المدنية Civil Right Movement
فلم تصل بعد لمفهوم الثورة العلمي والعملي كما هو معروف تاريخيا
ولكن هذه الانتفاضة مؤهلة وبقوة لتصبح ثورة عارمة لا تبقي ولا تذر
وذالك بسبب موقع سوريا المركزي في قلب الأحداث داخل الوطن العربي
والصراعات الدولية المحيطة والمهتمة بالمنطقة”
و أمام المشهد الغير مستقر و النسبي الذي عرضناه وفقا لرؤية “تمام تلاوي- محمد الحاج صالح- أحمد بربور” نجد مثقّفين سوريين آخرين يؤكّدون على توصيف مستقر و مطلق : يقولون إنّها الثورة.
فيرى مروان عبد القادر(شاعر) ” ما يحدث في سوريا هي ثورة ولأنها في سوريا تحديدا هي ثورة, لأن من يحكم سوريا على مدار نصف قرن لم يسمح لعشرة أشخاص ان يجتمعوا في مكان واحد وان يتحدثوا بالسياسة كلاما فقط فما بالك بخروج مدن كاملة كدرعا وحمص إلى شوارعها مطالبين بالحرية والكرامة ومن ثم يواجهوا بالرصاص الحي ”
و يوافقه الرأي عبد الله الطنطاوي ” كاتب” فهي:
” ثورة وطنية شريفة بكل المقاييس لأسباب كثيرة أهمها :
– أنها عامة شاملة لكل فئات الشعب من دون استثناء ( ولا يغرنك وجود بعض السفلة من المرتزقة والمتخلفين والحاقدين من كل عرق ودين ففي كل بيت بالوعة – كما يقول المثل الشعبي ) – القائمون بها وعليها شباب أنقياء ليس لديهم ما لدينا نحن المسنين من عقد
– قاموا بثورتهم ضد التخلف المتمثل في الاستبداد والفساد والظلم والانحراف ….. والقائمة طويلة – الشعارات التي يرفعونها تبشر بوعي لطبيعة المعركة بكل أطيافها – التصميم وروح البذل والتضحية والفداء التي يتمتعون بها”
و يوافق مصطفى سعيد (شاعر – روائي ) الطنطاوي في كونها ثورة حقيقة ” ما يحدث في سورية ثورة حقيقة, آن الأوان أن يقول الشعب كلمته, وأن يقول كفى ظلماً واضطهاداً لنا, كفى استخفافاً بعقولنا, نريد الكرامة للمواطن ودولة يحكمها القانون”
و يبدو د.صالح مبارك ( أكاديمي) أقلّ تشدّدا من ناحية التوصيف فهي ثورة أو انتفاضة شعبيّة , و أكثر تأكيدا على الدلالات الايجابيّة للحدث:” أعتقد أنه بإمكاننا استعمال تعبيري ثورة أو انتفاضة شعبية فكلاهما صحيح برأيي ، فما يحدث في سورية هو رد فعل طبيعي لظلم واستبداد وفساد استمر لسنوات ونجحت الدولة في قمع أي احتجاج أو رد فعل أو محاولة لإصلاح وكان الخوف يسيطر على الشعب حتى كاد اليأس يدب وصار الكثير من الناس يقتنعون بما ترميه الحكومة لهم من فتات يقتاتون به وبخطوط حمراء ترسمها لهم”
أما رفعت عطفة ( قاص و مترجم) فيرى أن ما يحدث في سوريا هو ثورة , و لكنّها ثورة مُهَدَّدَة :” إنّها ثورة يعمل طرفان على احتوائها: الخارج من خلال تبني مطالب الثائرين , والداخل من خلال تبني النظام لسحقها، وبقدر ما تُحافِظ على سلميّتها بقدر ما تنزع السلاح من يد الطرفين, ما عاد أحد في العالم يقبل بأن يُحكم إلى الأبد من أيّ شخصٍ أو طرف أو حزب إلى الأبد. لذلك بقدر ما يبتعد الناس عن استخدام العنف والانتقام، بقدر ما يُحافظون على استقلال وصون البلد, لا
نقبل ولا أحد يقبل أن تتحوّل سورية إلى ليبيا أخرى, فما بني على امتداد
سنوات الاستقلال من بنى تحتية وبنى عسكرية الخ ، هو ملك للشعب، دفع ثمنه
من ماله وعرقه، بل ومن جوعه أيضاً. ”
يميل فريق آخر من المثقّفين السوريين إلى توصيف ما يجري بالانتفاضة متفائلين
بما تعنيه الانتفاضة من دلالات ايجابية في الذاكرة الجمعية للعرب
فيرى عمر أدلبي (شاعر) أنّ ما يحدث هو انتفاضة:” لأنها لا ترتقي لتكون ثورة بالمفهوم المعروف عن الثورات، و باعتباري شاهد على كل ما حدث منذ الأيام الأولى للدعوة لهذه الانتفاضة،، و شاركت بفعالية في التحركات السلمية التي رافقت هذا الحراك الشعبي، فإن ما يتداوله البعض من صفات أخرى لهذا الحراك ، مؤامرة، فتنة، و ثورة،، أجده لا ينطبق على واقع الحال”
و يوافقه الرأي ميلاد فؤاد ديب( شاعر) على توصيفها بالانتفاضة مع الإشارة إلى سمات سلبيّة تشوبها فيورد : ” إذا كان لابد من التسمية ، فإن مصطلح الانتفاضة ” يلائم كثيرا ما يحدث من حراك في سوريا ، رغم الفوضى ،والانتقام الثأري المجاني و العنف المسلح ”
و ثمّة فريق من المثقّفين السوريّن يرون أنّ الحدث السوري ما هو إلّا حركة شعبيّة ذات طبيعة مطلبيّة جاءت في سياق مؤامرة خارجيّة تستهدف سوريا و مواقفها السياسيّة ” الممانعة” , مؤيّدين في ذلك وجهة النظر التي يعرضها الإعلام السوري الرسمي .
فيرى أبي حسن( صحفي) أن الحدث السوري” لم يرق إلى مستوى الثورة لأسباب عدة منها إن الداخل السوري لا يحمل في أحشائه إمكانيات ثورة كالتي شهدناها في تونس ومصر, وآية ذلك إن ثمة اختلافاً بين الداخلين, والتكوينين والتوجهات والرؤى في قيادتي البلدين(مصر وتونس من جهة وسوريا من جهة أخرى(. حركة الاحتجاج المحقة تلك تزامنت مع وجود أياد خارجية يمكن وصفها بالمؤامرة, وهي لم تعد تخفى على أحد”
و يوافقه محمد غانم ” قاص” مضيفا ً أنّها لم تعد انتفاضة تطرح مطالب سياسيّة مشروعة بل هي مؤامرة و فتنة طائفية علنيّة “ما يجري في سوريا بعد أسبوعين الأولين لم يعد انتفاضة نحن خسرنا الشارع لا علاقة لنا به سيطر على الشارع مجموعات تحرق وتخرب وتقتل وتهتف هتافات طائفية وبرز الأخوان وحزب التحرير والوهابية و أؤكد ان 95 بالمائة من السوريين يلزمون بيوتهم وهناك زعران على المتوسيكلات في الشوارع وفوضى مرعبة لا جمهور في الشارع لإعلان دمشق والوطنيين والعلمانيين والذي انا منهم صرنا برى “و الملفت في رأي غانم أن سبب المؤامرة العربيّة الصهيونية الأمريكيّة هو النظام يقول:”أنا أخشى أن نخسر سوريتنا الحبيبة نعم هناك الآن مؤامرة والسبب هو النظام القمعي الفاسد الذي لم يلتفت إلى مطالبنا المتواضعة مبكرا , الآن هو يسير نحو الإصلاح برأي الشخصي ,وهو غير ملزم , يجب إعطائه فرصة مئة يوم تبدأ في أول حزيران وتنتهي في عشرة أيلول وبعدها لكل حادث حديث .”
و يرى د.رائق النقري ” أكاديمي ” أن ما يجري في سوريا ليس ثورة بل هو انتفاضة قوى من طائفة واحدة و مؤامرة مدعومة خارجيّاً ” إنها كمثل “الذهاب إلى الحج والناس راجعة” و أسباب ذلك عديدة منها أن المتظاهرين يرفعون شعارات لا يؤمن بها إلا القلة من السوريين وهي شعار الحرية,فلا يوجد كتاب واحد ,ومنشور واحد, و أغنية واضحة عن الحرية قي أية مكتبة أو مدرسة أو جامع ,والحرية ترد كشعارات للتحرر من الاستعمار وهي مرتبطة بالمقاومة والعنف المشروع للدفاع عن النفس, و الشعارات الأخرى مثل سلمية أيضا بلا سند في التقاليد الاجتماعية , ولكنها طريقة ذكية لم تتمكن من المحافظة على سلميَّتها لأسباب موضوعية في كل درعا و الجسر و بانياس و تلكلخ و حمص , إذا من هذه الجهة هي ليست ثورة بل هي انتقاضة قوى من طائفة واجدة على الأغلب , وهي مجهزة ومدعومة من الخارج من أشهر إن لم يكن سنوات, وأحد رموزها من نال وسام الشجاعة الدولي عن دفاعه عن حقوق الإنسان كتب عنه روبرت فيسك ما يكفي , ولكن هدف الدعم الخارج كان وما يزال مجرد إضعاف النظام لا تغييره , ولذلك عندما يتم الصمت إعلاميا يلوذ أهالي الضحايا الى مرارة قد تنفجر بثورة أكبر وقريبا وتؤدي ربما إلى تقسيم سوريا لذلك هي بمثابة ذهاب إلى الحج الصومالي أو الليبي أو الجزائري في أحسن الأحوال والناس راجعة”
أما د.خالص الجلبي” مفكّر إسلامي” فيبدو غير مهتمّ بالتسميات و يدعو للالتفات إلى الحقائق حدّ تعبيره , و يرى أنّه ” من السفاهة والحمق أن يسمى طفلا لم يولد بعد، فقد يولد وقد لا يولد؟ وقد يولد مشوها لم يكتمل الخلقة؟ وقد يعترضه عارض مع لحظات النزول إلى عالم بعضكم لبعض عدو فيعاني من نقص الأكسجين وعطب الدماغ فيبقى أهبلا بقية حياته.” و يمثّل ذلك تاريخيّا ” وحين اندلعت الثورة الفرنسية لم تكن ثورة ولم يسميها الفرنساوية ثورة بل حافظوا على الملك وكان ميرابو يخاطب الملكة باحترام بالغ، والزحف على الباستيل لم يكن بهذا التألق التاريخي، وجرت الأمور وتحولت وتغيرت فأخذت لاحقا اسم الثورة الفرنسية، وتم جر معظم الطبقة الارستقراطية من النبلاء إلى المقاصل فاحتزِّت رقابهم بالشفرة القاطعة، وجرى الدم مدرارا في كل الساحة الأوربية.”
أن توصيف المثقّف السوري- و أي مثقّف- لما يجري في سوريا يجب النظر إليه ضمن المُحدّدات التالية:
أوّلاً: قاعدة البيانات و المعلومات المتوفرة من خلال ما يعايشه على أرض الواقع بالنسبة للمقيمين في سوريا, و ما يطّلع عليه من الفضائيات و النت و مواقع التواصل الاجتماعي.
ثانياً: القدرة على بناء تصوّر عام مركّب عن المشهد السوري , و عدم الاقتصار على منظور واحد غالبا ما يكون متورّط عاطفيّا في الحدث.
ثالثاً: الشجاعة و هامش الحرّية المتاح و الممكن , فهناك الكثير من المشاركين كانوا يمتنعون عن المشاركة, أو يستخدمون لغة مواربة , أو يطلبون ضمانات تتعلّق بعدم نشر آراءهم في وسائل إعلام “تصنّف على أنها معادية”.
ثالثاً: ضرورة التذكير ببداهات الحياة و الحرية و العدالة ,كمُشتركات إنسانية و كشروط لحيويّة الكينونة الاجتماعيّة, و المجتمع أو الفرد السوري ضمنا , و هذه البداهات يتذكّرها ويعرفها و يمارسها كل إنسان ما لم يعوقه عن ذلك عائق .
و كمثال عن اعتلال البداهة من يبرّر التضحية بالحرية في سبيل “الوحدة الوطنيّة ؟ أو من قتل فرد أو جماعة لتحقيق الاستقرار؟ أو التضحية بالكرامة الإنسانية مقابل الأمن ؟ أو التضحية بكرامة المواطن مقابل كرامة مزعومة للوطن؟! إنّ بداهات الحياة و الحرية و العدالة و الكرامة لا تتعلّق بالمستوى الدراسي و ينشدها الأمي و المتعلّم , و لا تخص أثنيّة معيّنة أو طائفة , فهل استطاعنا وضمنا المثقّف السوري تذكّر و مذاكرة و استذكار بهذه البداهات : بداهة الحياة و بداهة الحريّة و بداهة العدل؟!