حوار مع ناهد بدوية:الثورة السورية: مقابلة من الداخل
(أجريت هذه المقابلة عن الوضع الراهن للثورة، في سوريا، وآفاقها، في أواسط شباط /فبراير 2013، وذلك مع المناضلة، والكاتبة اليسارية السورية، ناهد بدوية، التي سبق أن عرفت، تكراراً، وفي ظل كل من الدكتاتور الحالي، ووالده، من قبله، حياة المعتقلات، في البلد المعني، وتشارك، بصورة أو بأخرى في كفاح الشعب السوري المرير من أجل الحرية والكرامة والعدل الاجتماعي)
1- كان هنالك، من بين اليسار السوري، غير التقليدي، من يعتقدون أن السيرورة الثورية، التي بدأت في تونس ومصر، لن تصل إلى سوريا، لسببين، أولهما سياسة النظام الخارجية، ويصفها البعض بالممانعة، ودعم المقاومة، وثانيهما الواقع الطائفي السوري، والمخاوف من تطور أي انتفاضة إلى حرب اهلية مذهبية. على ضوء ذلك:
أ- هل كنت، في ما يخصك، تتوقعين هذه الانتفاضة، كيف؟ ولماذا؟
ب- وبالتالي، في حال العكس، إلى أي حد فاجأتك، في سوريا، بعد عقود من الإذلال، والقهر، للشعب، والاستكانة والخضوع من جانب هذا الأخير؟ وكيف تنظرين إلى دور القوى والطبقات الاجتماعية، ضمنها، ولا سيما الطبقات الكادحة بينها، من عمال، وفلاحين، ومنتجين صغار، ومهمشين، ومعدمين؟
ج- كيف تنظرين إلى دخول المسألة المذهبية على خط الحراك الثوري الراهن؟ وهو ما يعبر عن نفسه بوجود مجموعات مسلحة عديدة، ومؤثرة – بسبب ما تحظى به من دعم مالي، وتسليحي، من قطر والسعودية، وغيرهما – ذات منطلقات دينية ومذهبية، تخوض صراعها المسلح، من هذا المنطلق، سواء في الممارسات، على الأرض، أو في الأهداف النهائية، التي تطرحها…كما بالدور الفاعل للإخوان المسلمين، في قيادة جزء هام من المعارضة البرجوازية..؟ وهل تخشين احتمال تحول الحراك الراهن إلى حرب طائفية؟
د- وانطلاقاً من ذلك كله، هل تخشين وجود احتمالات جدية للتقسيم؟ وما هي الشروط للحيلولة دون ذلك؟
لم أر رأياً أبعد عن الحقيقة كالرأي الذي يقول ان النظام ممانع، ولذلك لن تصل السيرورة الثورية اليه.. فهو أولاً ليس ممانعاً، ولكن الأهم من ذلك هو أن الشعوب العربية لأول مرة في تاريخها تثور بدوافع تخص حياتها هي، ومطالبها هي، وحلمها هي في الحرية والكرامة والعدالة. لأول مرة لم تحركها مقاومة الاستعمار، ولا الامبريالية، ولا إسرائيل، كما حصل مع جيلنا والأجيال التي قبلنا. عندما انخرطت في السياسة، في الثمانينيات، بحثت عن حزب يحتوي برنامجه على مطلب تحرير كامل التراب الفلسطيني. لم أبحث، وأنا ابنة العشرين ربيعاً، عن برنامج لتأمين فرص العمل، أو لتحسين مستوى الحياة، أو لتطوير المناهج التعليمية، أو… إلخ. والآن جاء جيل من الشباب أنضج منا، وأكثر حداثة، يريد أن يصنع مستقبله على أساس متطلبات حياته، بدون أن ينسى قضاياه الأخرى.
ومعك حق بأن الكثير من اليساريين، وغيرهم، لم يكن متوقعاً أن تصل رياح الثورة الينا، وأظن أن ذلك كان نتيجة المخاوف الطائفية. ولكني، شخصياً، لم أكن متوقعة وحسب، وإنما كنت على يقين بأنها ستصل إلى سوريا، لأن لدى الشعب السوري أضعاف الأسباب والدوافع ليقوم بالثورة، إذا ما قورن بالمصري، أو التونسي، أو اليمني، وحتى الليبي. فالشروط التي يرزح تحتها الشعب السوري، منذ أربعين سنة، ليس لها شبيه، لا عربياً ولا عالمياً، بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، وانتهاء الحرب الباردة، سوى كوريا الشمالية. سوريا محتكرة من قبل حكم عائلي قمعي مافيوي لم يكن له مثيل. سوريا بلد مغلق ومفقر ومحروم من كل شيء. الشعب السوري محروم من فرص العمل والتعليم العصري والكرامة. محروم من حرية الرأي، ومن النقابات والصحافة والاعلام الحر، ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية. والحياة السياسية، النشطة تاريخياً، في سوريا، تم التنكيل بأحزابها المعارضة، وعاشت في الأقبية عشرات السنين، حتى أصبحت أشلاء. والأحزاب التي لم تعارض تحالفت مع النظام المستبد، وخضعت له، فأصبحت أشلاء أيضاً أكثر من الأولى. كانت سياسة التصحير، على كل المستويات، هي السائدة، في بلد تديره أكثر من عشرة أجهزة مخابرات. سوريا كان يدير حياة بشرها، والمفاصل الأساسية من اقتصادها ومجتمعها، اناس بلا كفاءات، يستلمون المنصب، بهدف النهب فقط، لأن الولاء هو الكفاءة الوحيدة المطلوبة منهم. والسرقة والفساد كانا الشيء الطبيعي، لأن هؤلاء المدراء كانوا يحاولون استرداد أثمانهم، كبشر باعوا أنفسهم وكرامتهم، واستقلاليتهم الانسانية. لكن هذا الوضع تفاقم في الست سنوات الأخيرة، بعد إعلان بشار أن الأولوية للأمن على التحديث والتطوير. وكف النظام عن الاهتمام بالسياسة، وتفرغ للسرقة والاحتكار الاقتصادي لمقدراتنا، لصالح «العائلة المالكة». ما ضاعف من تهميش غالبية السوريين، اقتصادياً، واستفز حتى حلفاءه المحليين. لذلك ليس غريباً ان الطاقة الرافعة للثورة كانت الفئات المهمشة، في أكثر المحافظات تهميشاً.
أما الجانب الطائفي فقد كنت خائفة منه، فعلاً، لذلك كتبت قبل بداية الثورة، بأيام، بعنوان «نحو تجاوز فترة الثمانينيات، في سوريا، كي لايقع الشباب في الطائفية». ولكن تبين في ما بعد أني كنت على خطأ، فالذي حصل أنه تم استخدام الطائفية، من جانب واحد، جانب النظام وشبيحته. ومن حسن حظ جيلنا أنه شهد جيلاً من الشباب السوري يرفض أن يعيش مثل آبائه، ويكرر صراعاتهم، وثار من أجل فتح أفق مستقبله. شاهد، بسبب عصر الاتصالات، حياة مختلفة، فحلم بها ونزل الى الشارع. والشعار الذي حمله الشباب الثائر في أول صرخة في الثورة كان: «واحد واحد واحد الشعب السوري واحد». كان ذلك يدل على عدم رغبة في الوقوع في الطائفية، وعلى أن هؤلاء الشبان والشابات ثاروا من أجل الحرية والكرامة والعدالة. وهذا ما سبَّب الذعر للنظام، لأن الاستقطاب الطائفي هو لصالحه، كي يلتف حوله أبناء طائفته، الذين لا يحبونه، أصلاً. فقد كانت جماهريته في أوساط السنة أكثر مما في طائفته. ومنذ بداية الثورة، تم تكريس استبدال اسم بشار ب «أبو حافظ»، حتى يتذكر العلويون حبهم لأبيه. وقد عمل النظام على اتهام الثوار بأنهم طائفيون، منذ اللحظة الأولى، وعبرت عن ذلك بثينة شعبان، في أول يوم. وصارت البوسترات، التي تحمل كلمة الفتنة، تملأ الشوارع، وكذلك الاعلام، على نحو مقرف. وعمل جماعته على نشر الأكاذيب، حول الممارسات الطائفية للثوار، في أوساط الأقليات، وتم إخراج عدد هائل من المسرحيات والفبركات والأكاذيب، على نحو لم يشهده التاريخ، لفداحة كذبه وتمويهه للحقائق، وخلطها.
أما عن المجموعات المسلحة التي قيل عنها، منذ أشهر بعيدة، إنها تحظى بتمويل كل من قطر والسعودية، فهذه كانت كذبة كبيرة تم تداولها، منذ البداية، وحتى من قبل تحول الثورة الى المقاومة المسلحة. وهي كذبة تشبه كذبة رؤية ايرانيين، ومقاتلين من حزب الله، الى جانب النظام، منذ بداية الثورة. فقد كنا نرى بأعيننا عملية تحول الثائرين من التظاهر السلمي الى التسلح، بعد عمليات القتل والاعتقال والتعذيب والتنكيل التي تعرضوا لها، وبعد بدء الانشقاقات في الجيش. كما كنا نرى بأعيننا كيف كانوا بلا موارد وبلا أسلحة سوى التبرعات المحلية الشحيحة، والأسلحة المشتراة أو المنتزعة من الجيش النظامي. وفي ما بعد، ساهم القصف وتدمير المدن، والمجازر الوحشية، والتهجير، وانشاء ميليشيات طائفية، بكل معنى الكلمة – وهم من يسمون بالشبيحة، واللجان الشعبية – في ظهور ردود فعل عشوائية، واعادة تنظيم المناطق المنكوبة على أساس المرحلة الجديدة من الثورة، وهي دخول المقاومة الشعبية المسلحة إلى جانب التظاهر السلمي المستمر حتى هذا الحين. والآن وبعد أن فتح النظام سوريا لكل من هب ودب، اقليمياً، ودولياً… حاولت كل الأطراف اقتسام الكعكة السورية، بما فيه أنظمة خليجية، على حساب الشعب السوري، ودماء شهدائه. حتى وصلنا الى مستنقع من العنف والفوضى. ولكن هذه المآلات مسؤول عنها، على نحو رئيسي، نظامٌ أعلن الحرب على المجتمع السوري، منذ اللحظة الأولى. كما تتحمل المعارضة السياسية المسؤولية عن ذلك، أيضاً، بقصورها وأخطائها وتشتتها.
أما بالنسبة لاحتمالات التقسيم فأنا أستبعدها لأن الشعب السوري بجميع طوائفه واتجاهاته يدرك تماماً أن دويلات صغيرة لن تملك مقومات اقتصادية تمكنها من الاستقرار؛ وسوريا، بكامل أراضيها، بالكاد تمتلك المقومات الاقتصادية والبشرية لبناء دولة تستطيع أن تحافظ على استقرارها، وعلى كيانها المستقل.
2 – كيف تنظرين للدور الخارجي، في ما يجري في سوريا، ابتداءً بما يصدر من الدول الغربية الكبرى، ومواقف هذه الفعلية، مروراً بالدورين، التركي والخليجي (السعودية وقطر، بوجه أخص)، ووصولاً لدور الحكومات، الداعمة للنظام، كإيران وروسيا والصين؟
وهل تخشين حدوث تدخل عسكري خارجي، في سوريا؟ وما الموقف الذي تعتبرين أن من الضروري اتخاذه، حيال هكذا احتمال؟
من سوء حظ الشعب السوري، والثورة السورية، أن العالم لم يَحْلُ له أن يتحول من القطب الواحد الى العالم متعدد القطب إلا على حساب الدماء السورية. المجتمع العربي والدولي الحالي لا يرانا كشعب، ولا يتدخل الا من أجل الأهمية الجيوسياسية لسوريا. وهذا ليس جديداً علينا، إذ لم نشهد فترة من الفترات كنا مرئيين، خلالها، كبشر. كانت سوريا دائما عبارة عن نظامها، إما مدعوماً كـ«جبهة صمود وتصدٍّ»، أو محارَباً لأنه «إرهابي» ومن «محور الشر». والآن لا مانع لدى ايران وروسيا من أن نباد كشعب، ومن أن تُمسح المدن السورية عن الخريطة، أمام محاولة توسيع النفوذ الاقليمي لايران، وتحقيق روسيا لمصالحها في منطقتنا، وفي العالم. وكذلك لا مانع لدى امريكا وأوروبا من ذلك، لأنهما لا تريان في الساحة سوى اسرائيل وايران. أما بالنسبة للتدخل العسكري الخارجي فقد بدأ عشية الثورة السورية، مذ دخلت سفينتان عبر قناة السويس، تحملان أدوات قمعنا، من العصي الكهربائية الى آخر ما توصلت له أدوات القمع الايرانية والروسية. بالاضافة إلى الدعم بالأسلحة والدعم المعلوماتي غير المحدود. لقد قامت إيران بتدريب عشرات الألوف من السوريين، عسكرياً، وشحنتهم طائفياً، لقمع الحراك الثوري وتحويله إلى صراع طائفي. والجميع يعلم أن معركة مطار دمشق حسمها التدخل العسكري الروسي. ولولا هذا التدخل لكان سقط النظام منذ ايلول 2011، لأن الطاقة التي بذلتها الثورة السورية كان يمكن أن تُسقط عشرة أنظمة وليس نظاماً واحداً.. ويمكن ان نتذكر أن عدد المتظاهرين، في احدى الجمع، وصل الى 6 ملايين. أليس رقماً مذهلاً، وغير مسبوق؟ أنا ضد التدخل العسكري من كل الأطراف، وسواء من الغرب أو من الشرق، علماً بأنه، كما أسبقت، لولا الدعم العسكري الايراني والروسي، لكانت الثورة اسقطت النظام منذ سنة.
3– كيف تنظرين للموقف الإسرائيلي، الذي قد يتطور إلى مقدمات مواجهة عسكرية، بعد قصف منطقة جمرايا؟ وهو قصف قد يتكرر، إزاء استمرار التهديدات الإسرائيلية، وعلى رغم ان النظام ليس في وارد الرد، إلى الآن؟ علماً بأنه قد يرد، ليس من مواقع وطنية، حتماً، بل لخلط الأوراق، وتصعيب شروط انتصار الحراك الثوري عليه… ولا سيما في غياب موقف وطني واضح، من جانب المعارضة، حيال الدولة الصهيونية، واستمرار احتلالها الجولان، وقضمها لما تبقى من فلسطين…؟
اسرائيل قصفت صواريخ كانت ستذهب الى حزب الله، ولو كانت لا تريد هذا النظام لكانت قصفت القصر الجمهوري. لا يستطيع أحد أن يزاود على الشعب السوري بالمسألة الفلسطينية، ولا على المعارضة بكل أطيافها. ولا تغير من الصورة شيئاً بعضُ التصريحات من بعض الأفراد. وأنت قلتها إن الهدف هو تصعيب شروط انتصار الحراك الثوري. ولم تكن الأطراف التي تدعم المقاومة وفية للشعب السوري، في ثورته من أجل الحرية والكرامة، هذا الشعب الذي ضحى كثيراً من أجل القضية الفلسطينية. لم يكن الأمين العام لحزب الله مثلاً وفياً لأي بيت سوري، من كل الطوائف، عندما كانت صورته، بلفة رأسه الدينية والمذهبية، تتصدر بيوت السنة والعلويين والمسيحيين، واليساريين والعلمانيين، ولم يكن ذلك اعجاباً بطلعته البهية، بل تقديراً للدور المقاوم الذي كان يلعبه حزبه، آنذاك. وكذلك لم نشهد وفاءً من جانب الكثير من اليساريين الفلسطينيين، وجزء هام من اليسار العربي، وهذا كان مؤلماً لنا كثيراً، ويشعرنا بالغبن، والخيبة، الشديدين.
4– ما رأيك بطرفي المعارضة، الأساسيين، هيئة التنسيق، من جهة، والائتلاف الوطني، ومكونه الأهم، المجلس الوطني السوري، من جهة أخرى؟
ثمة فرق بين الطرفين، في الموقف السياسي، والموقع من الثورة، ورؤية كيفية التغيير. فالمجلس الوطني، ومن بعده الائتلاف الوطني، كان أقرب الى روح الثورة السورية، التي ترى أن اسقاط النظام هو الممر للتغيير الديمقراطي الشامل. أما هيئة التنسيق فقد راهنت على التدرج والاصلاح في زمن الثورة، وهذا كان خطأها القاتل. أما الخطأ القاتل للمجلس الوطني فقد كان اقتصار خطابه وفعله على ضرورة التدخل العسكري،الأجنبي، لصالح الشعب السوري، بدون أن يقرأ اللوحة العالمية والاقليمية قراءة عميقة.. والأخطر من ذلك أنه أخذ شرعيته من اعتراف الثوار به، ولكنه لم يعمل ولم يساهم في تطوير الثورة على الأرض، ولم ينتج خطاباً سياسياً واعلامياً يتناسب مع عظمة من منحه الشرعية، وهم الشباب الثائر على الأرض. ولم يساهم في وضع آليات من شأنها توسيع نفوذ الثورة في المناطق التي تأخرت في الانخراط في الثورة، أو مع الفئات الاجتماعية والطائفية، التي عاشت صراعاً وتمزقاً وقلقاً، أثناء الثورة. بل على العكس لم نلمس منه سوى حركة نشِطَةٍ، على المستوى الدولي، علماً بأن هذا ضروري، ولكنه غير كافٍ. ولقد كان خطابه، فضلاً عن ذلك، ركيكاً ومتناقضاً، وكانت سيرته الذاتية مليئة بالخلافات، والمحاصصات. وفي ما بعد، جاء الائتلاف، في المناخات ذاتها، التي تأسس فيها المجلس، ولكن هذه المرة مع ارادة دولية أقوى في دعمه.
5– كيف تنظرين إلى ما يرشح من معلومات عن بداية توافق، أميركي-روسي، على مشروع حل ينطلق من اتفاق جنيف المذكور؟ وبالتالي، إلى الموقف المستجد لرئيس الائتلاف الوطني، معاذ الخطيب، الذي عبر عن موافقته على الدخول في حوار مع النظام، وإن كان اعتبر أن هذا الموقف يلزمه وحده؟
وبما أنه من المرجح أن يتطور موقف الائتلاف في اتجاه موقف رئيسه، بما يعني التخلي عن دعم الكفاح المسلح الذي يخوضه الجيش الحر، ما رأيك في أن تأخذ الأمور، لاحقاً، هذا المنحى، الحاظي، سلفاً، بدعم جزء مؤثر من المعارضة، المصرة على مبدأ السلمية (كهيئة التنسيق)، ويهدد بأن يحظى، لاحقاً، بدعم القوى، داخل الائتلاف الوطني، اليائسة من القتال، في ظل إصرار الغرب على حرمان الجيش الحر من الأسلحة النوعية؟
أعتقد أن المنطقة لن تشهد استقراراً، بدون توافق أمريكي- روسي، ويبدو أن ذلك يحصل بالتوافق مع مبادرة رئيس الائتلاف معاذ الخطيب. وهذه المبادرة لا أظن أن المقصود منها عدم دعم المقاومة المسلحة، التي يخوضها الجيش الحر. بل هي محاولة للعمل على الخط السياسي، بجانب العسكري. وهذه المحاولة السياسية اليوم تختلف عن مبادرات سابقة كمبادرات هيئة التنسيق، التي انطرحت قبل احراز أي توازن في القوى على الأرض، وكانت خاطئة، لأنه كان واضحاً جداً عدم توفر إرادة الحوار عند النظام. والآن الظروف مختلفة، والنظام في أزمة، وهناك نسبة كبيرة من المناطق خارج سيطرته، ولم يعد يدير البلاد ولا العباد، بل اقتصر وجوده على عملية القصف التي يقوم بها على نحو متواصل، بحيث لا يسمح للجيش الحر بإدارة المناطق التي يستولي عليها، ويمنع المناطق المحررة من الاستقرار. وهكذا وقعت البلاد في مستنقع عسكري مديد نشأ عنه، وسينشأ، تزايد العنف العشوائي، وتراجع الجانب المدني، وتطور نفوذ المتشددين، في مثل هذه الظروف القاسية. لذلك يجب تفعيل وتطوير وتثقيل الفعل السياسي والمدني، إلى جانب الفعل العسكري، في الثورة، للخروج من هذا المستنقع. وينبغي البحث بكل الوسائل عن كيفية تحقيق العمل بالسياسة، والتفاوض على عملية انتقال السلطة، والتغيير الديمقراطي. ولكن هذا يُفترَض ألا يتم بوجود الأسد، أو أي أحد من عائلته. والسبب يكمن في أن هذه الثورة قامت ضد هذه الطغمة بالذات، وسالت أنهر من الدماء السورية الزكية، في سبيل ذلك. لا يمكن اقناع أحد من الثوار باستمرار هؤلاء في الحكم. وسيبقى وجود هذه العائلة سبباً يعطي الشرعية، والحاضنة الاجتماعية، والاقتصادية، لكل بندقية متواجدة الآن على الأرض.
6– كيف تقيِّمين تجربة المجموعات المقاتلة، بإيجابياتها (إضعاف النظام، وانتزاع السيطرة منه على أقسام واسعة من البلد)، وسلبياتها (الشرذمة التي تشوبها، وتسلل قوى مشبوهة إلى الجسم الفضفاض للجيش الحر، فضلاً عن الوزن الذي باتت تمتلكه المجموعات الأصولية فيه؟) وفي حال الاقتناع بأن الحراك الثوري سيصل إلى جدار مسدود خطير، إذا تمت العودة لتبني مبدأ السلمية، ما هي الشروط التي ترينها ضرورية لتحول الجيش المذكور إلى جيش ثوري حقيقي، قادر على إسقاط النظام، ووضع أسس دولة ديمقراطية ثورية تحل محله؟
أحد أهم حوافز الثورة السورية الانتفاض ضد عسكرة المجتمع، التي رزحنا تحتها لمدة خمسين سنة. لذلك نحن ضد كل أنواع العسكرة. ونقطة قوة الثورة السورية وقدرتها على زعزعة النظام كانت تكمن في لا مركزيتها، أو عدم وجود مركز لها أو رأس يقطعه النظام فتنتهي الثورة. لذلك لم تنجح كل محاولات القمع والإنهاء المعهودة سابقاً، من قبل النظام، لأجل إيقافها. ولكن نقطة القوة هذه تحولت الى نقطة ضعف رهيبة عندما تحولت الأمور الى العسكرة، لأن الحياة المدنية ينبغي ان تكون لا مركزية، ولكن اللامركزية مع السلاح تعني الفوضى، ونشوء مراكز قوة تعمل لحسابها الخاص. كما تسمح لكل من هب ودب بالدخول الى البلاد، بحجة دعم الثوار. ولذلك ولذات السبب الذي استدعى احتكار السلاح من قبل الدول الديمقراطية الحديثة، ينبغي ان تحتكر قيادة الثورة السلاح. ولكن كيف كان من الممكن ذلك والثورة بدأت لا مركزية، وتسلحت على نحو لامركزي، حيث كانت ردود أفعال على القتل الذي يمارسه النظام بحق المتظاهرين السلميين؟ وهذا ما أوقع الثورة، وجرها إلى الساحة التي حاول النظام ان يجرها إليها، منذ بداية الثورة، ساحة العنف، لأنها ساحته، بامتياز، وخبرته طويلة فيها، على عكس الثوار. ولا يوجد حل الآن ينسجم مع الأهداف التي قامت من أجلها الثورة سوى عبر توحيد كل المقاومة المسلحة، تحت قيادة واحدة، ومنظمة، وأن يشكل هذا الجسم المنظم نواة للجيش الوطني السوري الموحد، الذي سوف يستطيع حينها إسقاط النظام، كما سيتولى مهمة الدفاع عن كل السوريين، مهما اختلفت انتماءاتهم السياسية والفكرية والطائفية والقومية. كذلك سوف يمنع حدوث فوضى وعمليات انتقام من قبل أي جهة كانت.
7- (مكرر) أنا أتفهم تحفظك إزاء العسكرة، انطلاقاً من تاريخ طويل من الانقلابات العسكرية، ذات النتائج الكارثية، في المنطقة العربية، وغيرها. ولكن في حين لا بد من التسليم بأهمية وجود قيادة مدنية تحمل برنامجاً ديمقراطياً ثورياً واضحاً، أليس من مقومات الديمقراطية بالذات إتاحة المجال أمام مشاركة هؤلاء المقاتلين في القرار، فيما هم يقدمون أغلى ما لديهم لأجل شعبهم، الا وهو حياتهم؟
ينبغي أن يشارك هؤلاء المقاتلون في القرار لأنهم، كما تفضلت، يقدمون حياتهم في سبيل حريتنا. وتكون مشاركتهم بأن يختاروا ممثليهم في القيادة السياسية المدنية التي سوف تقود عملية الانتقال الى الديمقراطية.
8 – كيف ترين إلى أشكال التنظيم الذاتي التي استطاع الشعب السوري إنتاجها، إلى الآن، من تنسيقيات، ولجان ومجالس شعبية، وما إلى ذلك؟ وهل تعتقدين أن هذه الأشكال يجب أن يتم تطويرها وتعميمها لتشكل جنيناً قابلاً للحياة لسوريا جديدة يتطلع لمجيئها السوريون؟
منذ الشهر الثاني من الثورة، بدأ جنين التنظيم الذاتي للثورة بما يسمى التنسيقيات. ومنذ البداية كان هذا خطاً أحمر، بالنسبة للنظام. أي منع تشكيل تنظيم ذاتي يتحول الى تنظيم سياسي، ليكون بديلاً للمعارضة السياسية التقليدية. لأنه كان يدرك منذ البداية أن هذه المعارضة لا تستطيع تمثيل شباب الثورة، لأنها من زمن لا ينتمي لزمنهم، ولأن هناك هوة واسعةً بينهم وبينها، ما يشكل ظرفاً مؤاتياً للنظام لإضعاف الحراك. وقد تلا تشكيل التنسيقيات محاولات هامة للتشبيك في ما بينها وخلق بنية تنظيمية لتكتلات كبيرة ووازنة. وهنا استشرست الأجهزة الأمنية، وتغير شكل حملات الاعتقال وآلية التحقيق والتعذيب، وبدأت حملات الاعتقال بين الناشطين وإلقاء القبض عليهم في بيوتهم، وأصبح الهدف من الاعتقال والتعذيب جمع المعلومات حول هذه الآلية لكبحها وتعطيلها. وقبل ذلك كانت الاعتقالات تستهدف الشباب أثناء قيامهم بالمظاهرة فقط، والاعتقال والتعذيب كانا يتمان، بدون تحقيق. فقد كان هدفهما التخويف والترويع، كي يكف الشبان والشابات عن التظاهر فقط، ولم يكونوا يُسألون عن أية معلومات. وقد تم اعتقال عدة تنسيقيات، بالكامل، ولعدة مرات، في هذه المنطقة أو تلك. أي أنه كلما كانت تتشكل تنسيقية جديدة كانت تعتقل فوراً، ونجح النظام بذلك في إجهاض عملية الولادة للتعبير السياسي والتنظيمي لشباب الثورة. ورغم ذلك فقد انبثقت عن هذه المحاولات عدة تكتلات، كلجان التنسيق المحلية، واتحاد تنسيقيات الثورة….ولكن، وتحت ضغط القمع والتنكيل، لم تكتمل كل هذه المحاولات لترتقي الى أن تشكل الحدث، الذي كنا ننتظره جميعاً، ألا وهو أن تستطيع الثورة فرز قيادتها وتعبيرها السياسي المؤهل لقطف الثمار السياسية لهذه الطاقة الثورية الجبارة، التي بذلها الشباب السوري.
ومع تقدم الأحداث في الثورة، وتراجع قبضة النظام عن الكثير من المناطق، بدأت بالتشكل المجالس المحلية، لادارة شؤون المنطقة. ومن الملاحظ أن المناطق التي كانت تحت ادارة الثوار وإدارة هذه المجالس كانت مناطق آمنة ولا يوجد فيها فوضى. فمثلاً منطقة وادي بردى بقيت لمدة شهور تحت سيطرة الجيش الحر والمجالس المحلية، ابتداءً من عين الخضرة وحتى الزبداني، وكانت آمنة، على عكس المناطق التي تمتلئ بالأمن والشبيحة، ويسودها السلب والنهب والخطف والجريمة. ومنذ شهور، يحاول شباب الثورة العمل على تشكيل مجالس محلية في كل مدينة دمشق وريفها، ويقومون بالتدرب على الدفاع المدني، وكيفية الحفاظ على المرافق العامة وادارتها ذاتياً، لدرء حدوث فوضى. هؤلاء الشباب الرائعون يبحثون على النت ويسألون عن مفاهيم الادارة المحلية الذاتية. وأنا متفائلة بقدرتهم على ذلك، بشرط أن يرحل النظام بسرعة، لأن المستنقع العسكري الذي وقعنا فيه سوف يضعف هذه العملية المدنية التنظيمية، التي يحاول أن يقوم بها الشباب، في ظروف قاسية، ويتعرضون للاعتقال والتنكيل من قبل الأجهزة الأمنية، لمجرد محاولاتهم تلك. فالنظام منذ أول يوم من الثورة يخاف هذه المحاولات أكثر مما من التسلح، لأنها ستشكل بديله السياسي والاجتماعي والأخلاقي الحقيقي.
9- كيف تنظرين إلى بعض القوى المحسوبة على اليسار، في سوريا بالذات، كما في المنطقة العربية، والتي تصطف في معسكر النظام، بحجج أو بأخرى؟ وما رأيك ببعض الحكومات اليسارية، ولا سيما في أميركا اللاتينية، التي تقدم له، هي الأخرى، الدعم المادي والمعنوي؟
جاءت الثورات العربية عموماً لتطلق رصاصة الرحمة على اليسار التقليدي، وخاصة الأحزاب الشيوعية التقليدية، التي أصبحت منذ زمن بعيد بلا فعالية، وتحولت إلى هياكل فارغة من الأعضاء، ومحافظة ورجعية، بكل معنى الكلمة. وفي سوريا انحازت هذه الأحزاب الشيوعية إلى جانب النظام المجرم، وأصبحت شريكة معه في الجريمة. لذلك انفض عنها الكثير من قواعدها وخاصة الشباب، ونزلوا الى الشارع، في المظاهرات، إلى جانب أبناء جيلهم. وهذه الظاهرة تستطيع أن تلحظها في كل الحركة السياسية التقليدية في سوريا. فقد انفصل جيل الشباب، في الحركة السياسية الكردية والعربية والفلسطينية، عن قياداته وانخرط في الثورة. وفي جميع هذه الحركات السياسية كانت قيادات أحزابها عائقاً وكابحاً للشباب السوري الثائر. في ذات الوقت ظهرت تجمعات شبابية يسارية جديدة في سياق الثورة عبرت عن روحها، وأتمنى لها التوسع والانتشار، بحيث تتجاوز محدوديتها الحالية.
ولكن أعتقد أن الأزمة، في اليسار، ليست عندنا وحسب، بل هي في العالم كله، والى الآن لا يوجد تعريف لليسار ينتمي الى القرن الواحد والعشرين، وهناك الكثير من اليساريين السوريين يطلقون تصنيف ليبرالي على كل من اختلفوا معهم بالرأي. في حين أنهم ليس لديهم تعريف لأنفسهم سوى النفي، أي أنهم غير ليبراليين. الكثير من اليساريين لم يكونوا أوفياء لفكرة الثورة، والممارسة الثورية، التي تغير الواقع لصالح البشر، هذه الممارسة، التي ميزتهم منذ القرن التاسع عشر، لأنهم نشأوا في أحزاب غير ديمقراطية، أحزاب كانت تقمع الرأي الآخر. لذلك لم ينحازوا، عندنا، للتنوع الذي كانت تزخر به الثورة السورية، وارتابوا من الميول الدينية، عند الكثير من الشباب الثائر. أعتقد أن المشكلة الأساسية لشيوعية القرن العشرين، التي انهزمت، هي العداء للديموقراطية.
أما الأحزاب اليسارية السورية التي نشأت معارضة للحركة الشيوعية العالمية وللنظام، كحزب العمل الشيوعي، والحزب الشيوعي – المكتب السياسي، فقد كانت أقرب للثورة، لكن مشكلتها أنها مشتتة أيضاً، ومعظم أعضائها التاريخيين خارج التنظيم. وقد انبثق عن هذا الشتات منذ ربيع دمشق حزبان صغيران، حزب الشعب الذي يدعم المجلس الوطني، وحزب العمل الشيوعي الجديد، الذي يدعم هيئة التنسيق الوطنية. ولكن الكثير من الأعضاء التاريخيين لهذين الحزبين التاريخيين انخرطوا في الثورة من خارج هذه الأحزاب، عبر تشكيل مجموعات تدعم شباب الثورة على الصعيدين الاعلامي والثقافي والإغاثي، وشارك أولادهم وبناتهم في المظاهرات، منذ أول يوم.
وأعتقد أنه لذات السبب السابق، أي التاريخ المعارض للشيوعية التقليدية، فقد دعمت الكثير من الأحزاب التروتسكية، العربية والعالمية، الثورة السورية والثورات العربية، وكانت وفية لفكرة الثورة والتغيير.
10– ما موقفك حيال حقوق الأقليات القومية، والإثنية، في سوريا القادمة، ولا سيما الأكراد؟
أنا مع كامل الحقوق القومية، ولا سيما للأكراد السوريين، ضمن وحدة الأراضي السورية.
11 – كيف تنظرين إلى العلاقات الفعلية بين الثورات العربية المختلفة، وإلى أي حد ترين ضرورة قيام أوسع التنسيق والتضامن، في ما بينها، في سياق رؤية لمستقبل المنطقة، قائمة على إرساء وحدة حقيقية في ما بينها، تكون السبيل الوحيد نحو تقدمها، وتحررها من الهيمنة الإمبريالية على خيراتها، وتمكنها من فرض حل ثوري للقضية الفلسطينية، كما لوجود الدولة الصهيونية في فلسطين التاريخية؟
أعتقد أن الفكر القومي العربي اليوتوبي التقليدي انهزم في القرن العشرين، لعدة أسباب لسنا بصددها الآن. والثورات العربية الراهنة أنشأت نسخة حديثة من الوجود العربي المشترك. وفي الحقيقة لم أكن أتوقع، وأعتقد أنه لم يكن أحد يتوقع، هذا التأثير الصاعق للثورة التونسية على الشعوب في المنطقة العربية، في حضيضها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. ومن ثم جاءت الثورة المصرية وألهبت مشاعر الشباب العربي على نحو مذهل.. فقد سرت نار مشتركة في الهشيم العربي دللت على وحدة الوجود والمصير في المنطقة. وقد وعت هذه الشعوب أن تصديها للقضايا الكبرى، كقضية فلسطين، بدون حل مشاكلها الحياتية الاقتصادية ونيل حرياتها السياسية، جعل الديكتاتوريات تعسكر حياتها وتنهب ثرواتها باسم محاربة اسرائيل، وأكثر من ذلك كانت هذه الديكتاتوريات مرتهنة للخارج، وتخدم اسرائيل كما لم يخدمها مؤسسو هذه الدولة العنصرية. وعندما تحصل هذه الشعوب على حريتها وكرامتها وحقوقها الاقتصادية، سوف تقرر وتفرض حلولها الثورية لكل قضايا المنطقة المستعصية. وعلى رأسها قضية فلسطين المحتلة.
12- أخيراً، لقد خضت تجربة السجن، في زنازين النظام، فما الانطباعات التي تركتها في نفسك، سواء من مواقع المواطَنَة، أو بصفتك امرأة، بوجه خاص؟
وبالمقابل، كيف ترين إلى موقع المرأة السورية في الحراك الشعبي السوري، كما إلى الموقع الذي تريدينه لها، في ظل سلطة ديمقراطية ثورية منشودة؟
لقد عشت تجربة السجن لمدة أربع سنوات في عهد الأسد الأب، وفي هذا العهد الذي تأسست فيه كل السمات الديكتاتورية والاستبدادية والتوحش ونهب الثروات، كانت السجون هي ساحات الحرية الوحيدة في البلاد. كما كانت ساحات للتعارف والتشارك للآراء المختلفة، والطوائف المختلفة، لم تكن متاحة في السجن الكبير الخارجي. كانت بروفة للمواطنة الحديثة. كنا ننام في نفس الغرفة، نساءً ننتمي إلى كل طوائف سوريا، والى كل الاتجاهات الفكرية السورية. كنا يساراً وإخواناً مسلمين معاً، وكان معنا معتقلات من قوميات غير عربية. هذا النظام لم يكن نظاماً طائفياً علوياً، ولا قومياً عربياً ولا علمانياً ولا اسلامياً، بل كان نظاماً تسلطياً لا يهمه سوى الاستمرار في السلطة، ونهب ثروات البلاد. لذلك كان معارضوه من كل التيارات والطوائف يقبعون في السجون، أو في القبور، أو في أقبية الصمت الرهيب.
المرأة كان لها دور كبير في الثورة السورية، ولكنها لم تكن تظهر في الإعلام، كثيراً، في المظاهرات، لأن هذه كانت تخرج من الجوامع حيث الفضاء الوحيد الذي كان متاحاً، في هذه الدولة التسلطية. ولكن النساء ظهرن، كناشطات ثوريات، منذ البداية. والدور الحقيقي الذي قامت به المرأة في المناطق الثائرة، وبعيداً عن الاعلام، كان مذهلاً. فقد خرجت النساء من البيوت في هذه المناطق لتتظاهر، وتسعف الجرحى، الذين يتساقطون برصاص الأمن. والأهم من ذلك كان لها دور في المطالبة بالمعتقلين، وتحريرهم في الكثير من الأحيان. ففي كل مظاهرة كانت الأجهزة تقوم باعتقال أعداد هائلة من الشباب الثائر، وتضعهم في مخفر البلدة أو في المفرزة الأمنية في البلدة. وبعد انتهاء المظاهرة كانت تذهب النساء، على نحو جماعي، الى هذه الاماكن للمطالبة بهم، بصوت عالٍ وجماعي، ويهتفن: بدنا المعتقلين…بدنا المعتقلين.
وقد عملت المرأة، أيضاً، في الاغاثة، عندما أصبحت هذه المناطق منكوبة من القصف والتشريد اللذين مارسهما النظام.
وأظن أن كل هؤلاء النساء سوف يكون لهن دور كبير، في بناء سوريا الجديدة الديمقراطية الحرة.
13- هل أنت حريصة على تسمية ما يحدث ثورة؟
نعم! وكل المآلات الحالية والسلبيات والانحرافات عن مسار الثورة سببها التشبث غير الشرعي، وغير العقلاني، بالسلطة.. ولا يغير من طبيعة ما يحدث شيء، بما هو سيرورة ثورية. ولكن ذلك سيجعل عملية بناء سوريا الديمقراطية أكثر تعقيداً، لأن للعسكرة، مهما تكن، أمراضَها، التي ستمتد إلى ما بعد انتهائها، إضافةً الى الاحقاد والشروخ التي تزداد، وسوف تزداد، في كل يوم يستمر فيه هذا النظام، في تشبثه بالسلطة، وفي عنفه، ووحشيته.
الثورة الدائمة- العدد الثالث