حوار مع هيثم مناع
1- هل تتوقعون أن يؤثر قرار النظام السوري بالتوقيع على بروتوكول المبادرة العربية في الخطوات الإجرائية التي كانت ستتخذ بحق سوريا إقليميا ودوليا ؟
– قضية البروتوكول جزء صغير من مكونات المبادرة العربية. وهو بالنسبة لنا وقبل كل شئ، عودة لأسس هذه المبادرة القائمة على وقف الحل الأمني العسكري باعتباره جريمة لا ضرورة، إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، السماح للسلطة الرابعة والمراقبين بالدخول للبلاد. وأظن بأن مسؤولية السلطات السورية، فيما إذا أردنا إغلاق الباب أمام الشروط الموضوعية لحرب أهلية، تكمن في أن تتخلى عن سياسة التدخلات العنيفة في مواجهة الحركة المدنية الاجتماعية، وإلا فلن تنجح في إبعاد العنف من الحياة اليومية للناس باعتبارها المنتج الأول له.
2- يعتقد البعض أن التدويل والعسكرة بل والتدخل العسكري الخارجي لم تعد كلمات مجردة غريبة عن الملف السوري، أين وصلت هذه الكلمات الثلاثة وهل ستحل محل ثلاثية هيثم مناع التي أطلقها في الشهر الأول للإنتفاضة (لا للعنف، لا للطائفية ولا للتدخل العسكري المسلح) ؟
– علينا كسوريين وعرب أن تكون لدينا الجرأة السياسية والأخلاقية كي نطرح سؤالاً على الجميع وهو إلى أين نتجه اليوم؟ والواقع أن الإجابة على هذا السؤال تبدو صعبة فهناك من يضع نفسه في وضع عمى ألوان سياسي مزمن، أعني بهذه الفئة المناصرين للنظام والذين يرون ضرورة بقاءه حتى ولو تسبب ذلك في تحطيم المجتمع والدولة. وفي مواجهة هؤلاء تجد من يقول أن إسقاط النظام السوري بالإمكانات الذاتية يبدو أمراً غير ممكن ولهذا يرون الاستعانة بمن يتحالف مع السوريين لاسقاط هذا النظام أياً كان هذا الآخر، فكل ما يعني تلك الفئة هو أن يسقط النظام ولو على السيناريو الليبي أو العراقي. وفي الواقع كل من هذين الفريقين يخدم الأخر، المناصر للنظام حتى لو تحطم المجتمع يدفع الطرف الأخر إلى طلب التدخل الخارجي. وطلب التدخل الخارجي يخدم النظام لأنه يثير المشاعر الوطنية ويعبئ المجتمع ويبعده عن الهدف الأساس وهو إسقاط النظام وقطع أوصال منظومتي الفساد والاستبداد. ولا شك في أن الحل العسكري يبدو مدمراً للسلطة والمجتمع على حد سواء. فقد يؤدي في النهاية إلى تمزيق البلاد وتهديد وحدة الجيش والشعب والبلاد. ولهذا أرى أنه يجب التركيز على المسلمات الأساسية للثورة السورية: الثورة السورية سلمية مدنية مناهضة للطائفية وتعتمد على القدرات الذاتية للشعب السوري. ولنكن صريحين، الثورة السورية إذا تسلحت ماتت وإذا تطيفت ماتت وإذا تدولت ماتت.
3- في اجتماعاتها الأخيرة، قالت الجامعة العربية إن تجاوب النظام السوري مع قراراتها كان بطيئا جدا، وبرر النظام السوري أكثر من مرة لجوءه للعنف بأنه لم يعط الفرصة الكافية للقيام بالإصلاحات التي وعد بها. هل تقتنعون بمبررات النظام السوري؟
– ينطبق على السلطة السورية الجملة المأثورة “السلطة هي التي تخلق الجريمة، ثم تبحث عن التسمية المناسبة لوصفها، تبحث عن الفئة الأفضل لتلبسها إياها ثم تعود لتعاقبهم”. أظن بأن بشار الأسد وزين العابدين كلاهما أعطيا من الفرص ما لم يعط لرئيس عربي في الأزمنة المعاصرة. بل أكثر من ذلك، حتى قبل ساعة من الخطاب الأول للأسد، تحدثت لقيادي إسلامي بارز فقال لي “الله يهديه ويجنب البلد الأسوأ فيبدأ بنفسه بالإصلاح وبسرعة”. الثورة في بلد كسورية مكلفة اقتصاديا وبشريا وعسكريا واجتماعيا. السلطة تتخبط وتغطي على تخبطها بالحل الأمني العسكري. الحديث في السياسة في المناسبات، المقترحات والقرارات متأخرة عن مطالب الناس حتى لا أقول في غاية التخلف. عندما تقوم السلطة السياسية في أي بلد بعمليات تصحر سياسي وإفقار ثقافي واغتيال منهجي للعقل لا يمكن إلا أن تكون هي نفسها ضحية لما تفرض على الشعب. فرويد يقول بأن معاشرة المستبد تجعل المعارضين له يحملون من أخلاقه، ويمكن أن نضيف بأن سياسة تجهيل المجتمع عملية معقدة تحمل التجهيل الذاتي للحاكم في طياتها.
4- هل تؤمنون بوجود مؤامرة خارجية ضد سوريا وهل هناك أدلة ملموسة على هذه المؤامرة ؟
– من المضحك القول أن الحركة الشعبية المدنية مؤامرة خارجية، ولكن من السذاجة أيضا الإعتقاد أن الملف السوري لا يسيل لعاب كل طامح لمال أو نفوذ في هذا الجزء الهام من العالم. وليس لدي أدنى شك في أن سوء إدارة الأزمة والتوحش الأمني هما اللذان وضعا الملف السوري في سوق البورصة السياسية الإقليمية والدولية. لقد ضخم القمع السلطوي احتياجات الصمود من إسعاف جرحى لنجدة مطرودين من العمل لمساعدة أكثر من مئة ألف إنسان دخلوا السجن في هذه الفترة لعشرات آلاف النازحين داخل وخارج البلد.. صحيح هناك تجار البؤس ومن اغتنى من “الخطاب الثوري”، ولكن هل تعرفين عدد العمليات الجراحية التي جرت خارج المشافي المعروفة وتكاليفها؟. لقد اعتمدنا ومازلنا على البناء المدني، أي تعزيز ممارسة التطوع والتبرع والمشاركة للرد على احتياجات الحراك الثوري، ناضلنا ونناضل من أجل تحجيم التدخل الخارجي ومواجهة المال السياسي والإعلام المجيش والبروباغندا الدبلوماسية والسياسوية للحفاظ على أخلاق وقيم الثورة والحؤول دون تحول الصراع في سورية إلى صراع على سورية. لكن السياسية التدميرية للسلطة الأمنية تضاعف تكاليف الثورة بشكل جنوني وتدفع بالكثير إلى طلب العون من الشيطان. عندما أصرخ في كل صباح “وطني ليس يصفقة وأنا لست بتاجر”، تنهال عليّ مئات الشتائم على الشبكة العنكبوتية الاجتماعية من موظفين محترفين تدفع لهم مؤسسات ودول من أجل القيام بذلك. في وضع كهذا المسؤولية الأخلاقية والسياسية عن صيرورة التآمر طرفا تقع على السلطة السياسية التي تتحدث بنظرية المؤامرة لأنها هي السبب المباشر للتدخل غير السوري في الشؤون السورية.
5- هل ترون مصلحة مباشرة للولايات المتحدة أوروبا في خلق فتنة طائفية في سوريا، وما هي احتمالات خلق هذه الفتنة ؟
– وفق الحديث المعلن للدول الغربية ثمة مخاوف على الأقليات الدينية والقومية، وهم يحذرون من الطائفية ويكررون ذلك في الإعلام بعد اجتماعاتهم ببعض السوريين. كقطب مدني ديمقراطي واضح، نادرا ما نسمع ملاحظات عن المخاوف على الأقليات، هيئة التنسيق الوطنية لديها “عهد الكرامة والحقوق” الشهير وهو إعلان نطالب باعتباره نصا مؤسسا للجمهورية الثانية يضمن حقوق الأقليات ويرفض التعرض لهذه الحقوق في البرلمان لأنها في صلب بناء سورية الجديدة وليست مادة مساومة من أغلبية انتخابية.
6- لوحظ أن دمشق وحلب ظلتا حتى الساعة خارج سياق الاحتجاجات منذ بدايتها منذ أكثر من 9 أشهر، ألا يؤثر ذلك على صورة الثورة السورية ؟ هل يمكن أن نطلق على تحرك شعبي اسم الثورة في حين أن جزء كبير من الشعب يقاطعه ؟
– نعم لا تزال دمشق وحلب خارج سياق المظاهرات وكان الأمر سهلاً أن تظهر فيها الاحتجاجات في البداية ولكن اليوم صار الأمر أصعب. وتفسيري لذلك، وإضافة للترتيبات والكثافة الأمنية الدراكونية، أن كلا المدينتين تعتبران من المدن الهادئة ونسبة الأزمة الاقتصادية فيها ضعيفة نسبة للمناطق النائية كما أن لسكان كلا المدينتين مكاسب محددة وهؤلاء يخافون من غياب الاستقرار حتى ولو كان هذا الاستقرار أشبه بمستنقع مياه راكدة. لا شك أيضاً في أن تطرف الشعارات ساهم في تخويف المدن والأقليات وأبعد الوسط المستقر. ومن غير المستبعد أن تنضم دمشق وحلب للمظاهرات في سورية في حال جرى التمسك بالسلمية ولم يكن هناك تطرف في الخطاب وإن كنت أرى ذلك صعباً اليوم.
لقد قال اللواء رستم غزالي رئيس مخابرات ريف دمشق يوماً لوفد في درعا، أن النظام سيحول حياة المناطق التي تتمرد عليه إلى جحيم بينما سيقلب حياة المناطق التي تتعاون معه إلى نعيم. وهذا التصرف المجرم خلق حالة تردد أمام ما يسمى بحق، عقوبات جماعية ترتكب بحق مناطق بأكملها.
في هيئة التنسيق الوطنية نستعمل صيغة الإنتفاضة-الثورة، نحن في سيرورة ثورية قتلت النظام القديم في العقول والقلوب، لكنها لم تنجح بعد في قتل المؤسسات الدكتاتورية ومباشرة الإنتقال الديمقراطي الذي نريده سلميا.
7- بدأت “الثورة السورية” سلمية إلا أنها تحولت بسرعة كبيرة إلى عمليات مسلحة من قبل المحتجين، ألم يضر تسليح الثورة بها وبمصداقيتها ؟
– هناك عملية تعويم لقضية التسلح في الإعلام الخليجي والغربي، وهناك خطاب ديماغوجي حول ضرورة دعم الأشكال المسلحة المنشقة عن الجيش، وهي كما نعرف تتعزز اليوم بمتطوعين غير عسكريين. كذلك يوجد جماعات مسلحة غير سورية دخلت سورية. كل هذه المظاهر مظاهر خطيرة ستعزز الشروخ التي أوجدها العنف السلطوي وتوفر المناخ للصراع الأهلي المسلح. تعميم استعمال السلاح يعطي المبرر للطرف الأكثر تسلحا وتنظيما بالبقاء في الميدان. الثورة السورية قوة جذابة للمجتمع الواسع بقدر ما تحافظ على سلميتها. التسلح قصر نظر رد فعلي وموقف ديماغوجي من بعض السياسيين الذين يبنون رصيدهم من المزاودات اللفظية، لكن هذه اللعبة خطيرة ونتائجها كارثية.
8- كثيرون لديهم قناعة راسخة بأن الحرب في سوريا هي حرب في المنطقة تتداخل فيها مصالح أطراف عديدة، ربما لتصفية حسابات أو تحقيق توازن معين.. هل يقنعك مبررات أولئك الذين يقولون إن سوريا تدفع ثمن مواقفها السابقة من الصراع العربي الإسرائيلي ومن دعمها لحماس وحزب الله وإيران ؟
– الموقف الإقليمي للسلطات السورية جانب من جوانب القضية يمكن أن يتضخم أو يتقزم وفق الطرف المتحدث. بالنسبة لجماعة 14 آذار أو 8 آذار مثلا هذا الموضوع كبير الأهمية لأنه يمس مباشرة مستقبل لبنان، بالنسبة للمواطن السوري المتوسط، وطنية النظام لا تقل عن وطنية أحزاب المعارضة التي يعرفها. الترويج لخطاب هجومي على حزب الله وإيران في الإعلام الخليجي لا يمثل وجهة نظر الأغلبية في المعارضة الديمقراطية وفي المجتمع الواسع، كلنا يعرف شكل وحجم وصيغ التعاون الإقليمي للسلطات السورية، وكلنا يعرف أن أغلبية السوريين تحرص على علاقة جيدة بالمقاومة ودول الجوار وتريد من كل الأطراف تفهم ودعم المطالب المشروعة للشعب السوري وعدم الفصل بين الوطني والمواطني.
9- في حال صدر قرار بالتدخل العسكري ضد النظام السوري، ماهو الشكل الذي تتوقعونه لهذا التدخل ؟ هل تتوقعون مثلا تدخلا مباشرا للناتو كما حصل في الحالة الليبية، وما هو الدور التركي المرتقب برأيكم ؟؟
– يمكن توجيه السؤال للمدافعين عن التدخل العسكري الخارجي أو من يستجدي هكذا تدخل، نحن ضد تدخل الناتو أو أي تدخل أحادي من دولة مجاورة، ضد أي تدخل خارج القانون الدولي لحقوق الإنسان والشرعية الدولية. وقد كان هذا هو موقف المعارضة السورية بكل أطرافها حتى 2004، بعد احتلال العراق نشأ اتجاه يتحدث في الصفر الاستعماري وفي التدخل الخارجي ولهذا الإتجاه موارد تمويل كبيرة ودعم من عدة أطراف، ولكنه يشكل أقلية في الأوساط الشعبية. للأسف اليوم ومع التوحش الأمني ثمة تيار متصاعد للمطالبة بأي تدخل خارجي يخفف القتل والضحايا. يتناسى هؤلاء أن ضحايا التدخل العسكري الخارجي في العراق مئات الآلاف وفي ليبيا عشرة أضعاف ما فقدنا من شهداء في سورية.. وأن التدخل الخارجي سيزيد عدد الضحايا بشكل كبير عوضا عن أن يوقفه. بالتأكيد كل من يشعر بعدم وجود نقاط ارتكاز شعبية وعسكرية له في سورية يختار الاستقواء بالخارج.
10- يهيأ لي أن الثورة السورية وبعد كل هذا الوقت لم تكتسب الدعم الشعبي العربي اللازم، ما السبب برأيكم ؟
– نحن كمعارضة سياسية نتحمل مسؤولية كبيرة في ذلك لأن، ثمة تصريحات ومواقف غير وطنية للبعض ندفع ثمنها فنبدو وكأننا ثوريين حسب الطلب وسياسيين غايتهم إرضاء وتطمين الأوساط الأمريكية والغربية.
11- كثير من مواقف المعارضة السورية في الخارج بدت غير مقنعة للرأي العام، خصوصا منها تلك التي تتهافت على التدويل وطلب الحماية الدولية، وأصابت تصريحات رئيس المجلس الوطني السوري الدكتور برهان غليون الأخيرة الكثيرين بالاستياء، ألا ترى بأن عدم انسجام المعارضة السورية في مواقفها قد أضر بالثورة السورية ؟
– تصريحات غليون تمثل غليون.
12- علمت بأن الرئيس التونسي المؤقت منصف المرزوقي طلب من أعضاء المجلس الوطني السوري في مؤتمره الأول الذي عقد بتونس، العمل على إقناع “الدكتور هيثم مناع” بالانضمام إلى المجلس. لماذا لم تشارك في أشغال المجلس، وكيف سترد على دعوة صديقك في النضال الحقوقي منصف المرزوقي ؟
– لم يدع المجلس الوطني أحدا من هيئة التنسيق الوطنية لهيئته العامة. توأمي التونسي منصف يعرف بأن الإنضمام سلوك غير ديمقراطي، خاصة عندما يكون المرء في قيادة هيئة تضم 15 حزبا سياسيا ومئات المثقفين والحقوقيين والفنانين والأدباء والشخصيات العامة المستقلة من خيرة أبناء الوطن ولها مواقف مشرفة في قضايا الوطن والمواطنة. لقد قلت دائما، المجلس الوطني يمثل اليمين الديني واليمين الليبرالي وهيئة التنسيق الوطنية تمثل الوسط واليسار الوطني الديمقراطي -المدني في سورية، وفي هذه المرحلة من الضروري التوصل لبرنامج ورؤية مشتركة للإنتقال الديمقراطي، لكننا بالتأكيد نختلف في أساسيات، وبالتأكيد أيضا يصعب أن نكون في أية بنية اندماجية. وبرأيي فإن مشروع سورية الغد التاريخي يحتاج لكتلة صلبة تنويرية الثقافة، مدنية الدولة، ديمقراطية المنابع والممارسات، وتنموية الرؤى. تعبر عن الموزاييك الثقافي والحضاري الخصب للمجتمع السوري وتضمن حقوق كل المكونات القومية والدينية.
الحوار المتمدن