حول اتفاق إنشاء “مناطق تخفيف التصعيد” –مقالات وتحليلات-
أين ضمانة أميركا؟/ ميشيل كيلو
يبدو أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يرسم سياساته بوحيٍ من مسرح العبث، وإلا لما تجرأ وحاول إقناع الذين فاوضهم في أستانة من السوريين أن دولته ستضمن أمن سكان أربع مناطق سورية وسلامهم، كأن جيشه لم يقتل سوريين منذ الأيام الأولى لثورتهم ضد سفّاحٍ حكمهم هو وأبوه بالنار والحديد، أو كأنه لم يغزُ سورية، بمجرد أن رأى عجز جيشي الأسد وإيران عن حماية مصالح روسيا في سورية وحولها، كما أقر بوتين، في تصريحات عديدة، أو كأن دولة ملالي إيران التي أكملت احتلال سورية منذ استولى الخميني على الثورة الإيرانية، وشكل حافظ الأسد وقاسم سليماني حزب الله، وأرسلت طهران جيشها وأحطّ ما عرفه العالم السفلي من قتلة ومرتزقة إلى بلادنا، لقتل شعبها ووضع يدها على وطنه، وتحويله إلى المحافظة الإيرانية الخامسة والثلاثين.
هل سيضمن الاحتلالان، الروسي والإيراني، سلام السوريين وأمنهم. كم مرة أعلنا أن وقف إطلاق النار الذي توصلا إليه في مفاوضات أستانة نهائي، وأنه يضمن إحجام النظام وجيشيهما عن خرقه؟ وهل حالت ضمانتهما دون مشاركتهما في قصف خان شيخون بالكيميائي؟ وكم غارة جوية وهجمة برية شن مرتزقتهما على آمني سورية وعزّلها، خلال وقف إطلاق النار المضمون، وهل شهدت الحرب قبله ما هو أشد سوءاً مما حدث بضمانته؟ أليس من غرائب مسرح العبث البوتيني أن يجعل مدخل الحل السياسي الدولي الذي لم تتوقف دبلوماسيته عن العمل لإبطاله واختلاق بدائل له تحوّله من أداة لتحقيق حرية السوريين إلى أداة تمزّق صفوفهم، وتخترقهم وتشعل الفتن بينهم، إكراماً لبشار الأسد الذي قال بوتين إنه أرسل جنرالاته إلى سورية من أجله؟ أخيراً، هل يصدّق عاقلٌ أن الكرملين قرّر، من الآن فصاعداً، حماية من يريدون إسقاط شخصٍ أرسل جيشه إلى بلادهم لإنقاذه منهم؟
غابت أميركا عن الاتفاق الروسي/ الإيراني، وحضرت تركيا. تُرى، هل لدى أنقرة قوة توازن قوة الحلف الروسي/ الإيراني التي تشرّق وتغرّب في سورية، وسبق لها أن جعلت من عفرين خطاً أحمر، لم تسمح للجيش التركي بالاقتراب منه، قلص فرضه منطقة “درع الفرات” من خمسة آلاف إلى ألفي كيلومتر مربع؟ خرق الروس والإيرانيون مراراً وتكراراً ما تقرّر في اجتماعات أستانة من وقف إطلاق نار، من دون أن تفعل تركيا شيئاً، فهل ستحمي سكان المناطق الأربع في حال قرّر النظام والإيرانيون اقتحامها منفردة ومجتمعةً، بمساعدة طيران الروس وبحجة محاربة جبهة النصرة، مثلما سبق لهؤلاء أن فعلوا في سوق وادي بردى، من دون أن يكون هناك أي رد فعل تركي، علماً أنه لم يكن في السوق مقاتلون من “النصرة”، وأن النظام لم يلق القبض على أي مقاتل بتهمة الانتماء إليها؟ تمتلك تركيا هامش مناورة محدوداً، ومن المؤكّد أنها لن تنجح في إلزام بوتين والرئيس الإيراني، حسن روحاني، بأي شيء، في حال قرّرا شطب المناطق، بعد أن يُحكم النظام قبضته على بقية مناطق سورية، حيث يستبعد أن يواجه قوى قادرة على مقاومته، ويرجح أن يركّز مجموع قوته عليها، بما فيها التي سيحرّرها اتفاق المناطق الأربع من القتال فيها! أخيراً، ماذا ستفعل تركيا لوقف ما قد يثيره النظام من اقتتالٍ بين تنظيمات مناطق الضمانات؟
من الحكمة أن تطالِب تركيا مع المعارضة بدخول واشنطن إلى الحلبة، ضامناً ليس فقط المناطق الأربع، بل لسورية التي ستخضع بعد الاتفاق لاحتلال روسي/ إيراني/ أسدي، لن يمنعهم أحد غير أميركا من اعتبار وضعها نهائياً، لأن سكانها لم يعودوا بحاجة إلى حقوقهم وحريتهم في ظل فظاعات النظام، وإلى وثيقة جنيف ولوازمها من قراراتٍ دولية، بينما سيتكفل الضامنون بإدارة المناطق الأربع بالطرق التي تعيدها إلى بيت الطاعة الأسدي، مثلما فعلوا في عشرات المناطق الأخرى التي استكملت هدن الروس فيها حل الأسد العسكري/ الأمني!
لا بد من إحياء التنسيق التركي/ الخليجي، ومن استئناف التعاون مع واشنطن التي يجب أن تضمن حقوق السوريين المعترف بها في وثائق وقرارات دولية، لا غبار عليها. ولا بد أن يضمن التعاون امتناع روسيا وإيران عن مواصلة حربهما ضد شعب سورية، كي لا تأخذنا ذريعة حماية المناطق الأربع من الإرهاب إلى ما بعد سورية وثورتها وشعبها.
العربي الجديد
هذه المبادرة الروسية/ حسين عبد العزيز
تشكل المبادرة الروسية بإقامة مناطق عازلة في سورية، أو كما سميت “مناطق تخفيف التصعيد” تطورا مهما، حيث استطاعت دفع الحراك السياسي الدولي الخاص بسورية إلى الأمام: عودة الاتصالات بين الرئيسين، الأميركي والروسي، بعيْد توقفها، إثر مجزرة خان شيخون، مشاركة أميركية في “أستانة 4” بمستوى أعلى من قبل، دعم أوروبي للمبادرة الروسية، ارتفاع مستوى التنسيق الروسي ـ التركي. لكن أهم ما يلفت الانتباه بالمبادرة هو التغير الحاصل في ذهنية صناع القرار في موسكو، واقتراب الأخيرة من الرؤية التركية التي طالما دعت إلى إقامة مناطق آمنة، بأهداف مختلفة تقريبا.
جاء المقترح الروسي نتيجة قناعة موسكو بفشلها في صناعة وقف إطلاق نار مستدام في سورية، بناء على رعاية الدول الثلاث الضامنة، فقد كشفت الأحداث حقيقتين لروسيا، الأولى أن النظام السوري وإيران لم يلتزما بالهدنة العسكرية، واستطاعا ضرب الاتفاق الروسي في الصميم، في وقت بدت موسكو عاجزة عن منعهما. والحقيقة الثانية وجود قوى عسكرية على الأرض ذات ارتباطات إقليمية تتجاوز تركيا، ولا بد من توسيع مروحة الدول ضامنة الهدنة.
وربما لا تنفصل معارك الغوطة الشرقية عن المبادرة الروسية، فليس مصادفةً أن تنطلق معارك الغوطة بعد ثلاثة أيام من لقاء وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، وليس مصادفةً أن تطالب المبادرة الروسية الفصائل المعتدلة بمحاربة المنظمات الإرهابية المدرجة على لائحة الأمم المتحدة، وأهمها تنظيم الدولة الإسلامية و جبهة فتح الشام.
وعلى خلاف المعارك السابقة، أعلن “جيش الإسلام”، هذه المرة، في بيان له، أن هدفه القضاء على هيئة تحرير الشام، وعمودها الأساسي “فتح الشام” في الغوطة الشرقية.
بدأت روسيا، في الآونة الأخيرة، تستشعر خطر الزحف الأميركي المتسارع في الملف السوري، ولا يتعلق الأمر بضربة مطار الشعيرات ومعارك الرقة فحسب، بل أيضا بالتحرّكات الأميركية في قلب محافظة دير الزور والجنوب السوري والجنوب الشرقي عند الحدود السورية ـ الأردنية والسورية ـ العراقية، مع نية أميركية لم تعد خافية بصنع وقائع جديدة على الأرض في المناطق الحدودية لسورية في الشمال والجنوب والشرق.
ومن شأن زيادة هذا الحضور العسكري الأميركي في سورية، مع اقتراب إدارة ترامب من الوصول إلى رؤية للحل السياسي، أن يعقّد الدور الروسي ويضعفه، إذا ما نجحت الأخيرة في إنجاز شيء ما على الأرض. ولذلك، يمكن القول إن المبادرة الروسية قد تكون، في أحد وجوهها، خطوة استباقية لقطع الطريق على التحرّكات الأميركية المستقبلية، أو على الأقل تثبيت الوقائع العسكرية التي حصلت أخيرا، من خلال هذه المبادرة التي تحظى بدعم دولي.
من هنا، ثمّة تساؤلات حول المبادرة وأهدافها الحقيقية، هل جاءت لتعويض الفشل الروسي في سورية المتمثل بوقف إطلاق النار؟ أم أنها محاولة لتحقيق الأهداف التي فشلت روسيا مسبقا في تحقيقها؟ يبدو أن الهدفين متلاصقان، فلا يمكن فصل رغبة موسكو في تثبيت وقف إطلاق النار وتحييد إيران أو إضعاف هيمنتها في سورية، عن رغبتها في تثبيت النظام وتقوية وجوده على حساب فصائل المعارضة.
بداية، يؤدي تطبيق المبادرة الروسية إلى وقف القصف الجوي ووقف إلقاء البراميل المتفجرة، ووقف العمليات العسكرية البرية للنظام وحلفائه، خصوصا في المناطق واضحة التقسيم، كما في حلب ـ إدلب وريف حمص الشمالي ودرعا في الجنوب. لكن، تبقى معضلة المناطق التي تتداخل فيها المنظمات الموصوفة بالإرهابية وفق الأمم المتحدة مع الفصائل الإسلامية المعتدلة، كما الحال في إدلب وريف حماة الشمالي.
إخضاع وفد المعارضة في أستانة لشروط مكافحة الإرهاب يعني تفرّغ الفصائل المعتدلة لقتال المنظمات الإرهابية، وتحديدا “هيئة تحرير الشام” التي توجد جنبا إلى جنب مع الفصائل الأخرى، وهذا فخ روسي هدفه اقتتال الأقوياء، خصوصا في إدلب، حيث القوى العسكرية منقسمةٌ بين تيارين كبيرين، وهذا وضعٌ سيخدم النظام على المدى البعيد، ويخدم حزب الاتحاد الديمقراطي وتوجهاته الانفصالية.
وبالتالي، لا يمكن فصل محاربة الفصائل المعتدلة للفصائل الإرهابية عن التزام روسيا بوقف العمليات العسكرية بشكل تام لحلفائها، فمن دون ذلك لا إمكانية لنجاح المناطق الآمنة التي قد تتحول إلى ما يشبه الغيتوات العسكرية لفصائل المعارضة، وهي المناطق التي استعصت على النظام.
وتبقى المشكلة الكبيرة المتمثلة في المرحلة التي تسبق تطبيق المبادرة، إذ إن المبادرة لن تطبّق بين ليلة وضحاها، وستحتاج إلى وقت للاتفاق على تفاصيلها، وهو وقتٌ قد تستغله موسكو لترتيب أوراق الميدان، بما يخدم مصالحها.
العربي الجديد
المناطق الآمنة بين الخارج وطموحات السوريين/ فايز سارة
شكلت فكرة المناطق الآمنة، هاجساً في مسار معالجة القضية السورية، سواء في المستوى الداخلي أو الخارجي. وكانت في إحدى خلفياتها تعبيرا عن عجز دولي لإيجاد حل شامل للقضية السورية، يتم بموجبه وقف عمليات القتل، التي يقوم بها نظام الأسد وحلفاؤه ضد السوريين والمقيمين منهم في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وكانت مساعي تركيا من أجل منطقة آمنة تجاور حدودها مع سوريا أبرز المبادرات المطروحة في السنوات الماضية.
وبدا من الطبيعي قيام نظام الأسد وحلفائه برفض الفكرة التركية، لأنها تشكل تدخلاً تركياً مباشراً في سوريا، وتحد من حرية تحرك النظام وحلفائه في المنطقة، وتجعل جزءاً من السوريين خارج عمليات القتل والتهجير والتدمير، التي يتابعها نظام الأسد ضد السوريين منذ بدء الثورة في ربيع عام 2011.
غير أن رفض فكرة تركيا للمنطقة الآمنة في الشمال السوري، لم يقتصر على خصوم تركيا، إنما امتد إلى «حلفائها»، وخصوصاً الولايات المتحدة، التي قابلت الفكرة التركية بالتسويف والمماطلة، فقد راوح الموقف الأميركي في عهد إدارة أوباما بين القبول بمناقشة الفكرة وإصدار الإشارات بمعارضتها، وهو أمر كاف من الجانب التركي لعدم تنفيذ الفكرة، خاصة أن الاتحاد الأوروبي أبدى تحفظات عدد من دوله على الفكرة. واستند الموقف الغربي في رفضه إلى نقطتين، أولاهما وأهمهما معارضة الغرب لدور تركي أكبر في القضية السورية، والثاني يتصل بمخاوف من سياسة تركية إزاء الأكراد في سوريا، مع تزايد دور وقوة قوات الحماية الشعبية، ولاحقاً قوات سوريا الديمقراطية، التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ((PYD الذي ترى فيه تركيا امتداداً لحزب العمال الكردستاني في تركيا (PKK) الموصوف من الجانب التركي بأنه منظمة إرهابية.
وحمل وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بداية عام 2017 ملامح تغيير في السياسة الأميركية حيال القضية السورية، كان بين تعبيراتها إعلان ترمب سعي إدارته إلى إقامة مناطق آمنة في سوريا، ثلاث منها في شمال البلاد ورابعة في الجنوب، وتم تكليف المؤسسة العسكرية الأميركية الإعداد لإقامة هذه المناطق في الأشهر الثلاثة الأولى من عهد ترمب.
ورغم أن موسكو قابلت المبادرة الأميركية بتحفظ أساسه اختلاف مواقف الطرفين في القضية السورية، وفي فهم كل منهما للفكرة، التي تعني بالنسبة لروسيا منطقة ذات طبيعة إنسانية، فإنها مضطرة للتعامل معها بشكل إيجابي للوصول إلى نقطة مشتركة مع الفهم الأميركي الذي يعني حماية شاملة للمناطق الآمنة، فطرحت مبادرتها لتكون على جدول أعمال اجتماعات آستانة بين المعارضة ونظام الأسد، بحيث تكون المناطق الآمنة محصورة في المناطق الأبعد عن جبهات الصدام المباشر بين قوات النظام وحلفائه من جهة وقوات المعارضة المسلحة.
وكما هو واضح، فإن ثمة تباينا في مفهوم ووظيفة المنطقة الآمنة حسب رؤية كل طرف، بحيث تخدم المنطقة الآمنة سياسته وأهدافه بالدرجة الأولى، وتعيد ترتيب العلاقات والتحالفات بين مختلف الأطراف المنخرطة في الصراع السوري وحول سوريا، قبل رؤية ما يمكن أن تقدمه للسوريين من شروط تخفف النتائج المأساوية لعمليات القصف والاجتياح العسكري، التي تسبب قتل وجرح وتشريد مئات المدنيين السوريين، وتدمر ممتلكاتهم وقدراتهم المادية الآخذة بالتدهور.
وإذا كانت المعارضة السورية مضطرة للتعامل مع فكرة المناطق الآمنة، انطلاقاً من الوقائع السياسية والميدانية المحيطة بالقضية السورية، بما تعنيه من تحييد لمناطق سورية عن الصراع، وإبعادها عن قائمة أهداف القصف الصاروخي وهجمات البراميل المتفجرة، والقصف بالسلاح الكيماوي كما حدث في مدينة خان شيخون في أبريل (نيسان) الماضي، ومن أجل تأمين حد أدنى لحياة المدنيين السوريين في شمال البلاد وجنوبها بعد أن أغلقت تركيا والأردن الحدود في وجه تدفق اللاجئين المدنيين، فإن المعارضة وافقت أن تكون المناطق الآمنة بما فيها الفكرة الروسية على جدول أعمال مباحثات آستانة، التي توقفت نتيجة استمرار قصف المناطق المدنية من جانب نظام الأسد وحلفائه.
ولعله من الحق التأكيد أن المصلحة السورية تبدو خارج سياق موقف المعارضة، بل إنها خارج سياق فكرة المناطق الآمنة في كل الأطروحات حول المناطق الآمنة رغم اختلافات الأخيرة، لأن مصلحة السوريين لا تكمن في معالجات جزئية، إنما تتجسد في وقف الحرب الجارية والوصول إلى حل سياسي، يضع حداً للكارثة التي صارت إليها حالة السوريين وبلدهم من قتل ودمار وتشتت، وهي المهمة الأولى التي ينبغي على المجتمع الدولي أن يقوم بها، بدل القيام بخطوات وإجراءات، لن تحل مشكلة السوريين، بل إنها سوف تضيف تعقيدات جديدة لقضية صارت شديدة التعقيد.. .
الشرق الأوسط
روسيا وخطة المناطق الأربع/ بكر صدقي
بالتزامن مع انطلاق الجولة الرابعة من مفاوضات آستانة، أمس الأربعاء، وصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى منتجع سوتشي للقاء بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، حيث من المتوقع أن يكون الملف السوري على رأس جدول أعمال هذا اللقاء. كما جرى اتصال هاتفي، قبيل زيارة أردوغان، بين بوتين والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، طغى عليه الموضوع السوري، ووصفه وزير الخارجية الأمريكي تليرسون بـ»البنّاء». وبأنه تم التباحث حول كثير من التفاصيل في موضوع «وقف الأعمال العدائية» الذي اتفق عليه بين البلدين في عهد أوباما، منذ شهر أيلول/سبتمبر 2016، وفشل المرة تلو الأخرى بسبب عدم احترام النظام الكيماوي وظهيريه الإيراني والروسي لمتطلباته.
جاءت جولة آستانة الجديدة، بوصفها الأولى بعد الضربة الصاروخية الأمريكية لمطار الشعيرات العسكري الذي انطلقت منه طائرات النظام لضرب بلدة خان شيخون بالسلاح الكيماوي، وبعد الزيارة الأولى لوزير الخارجية الأمريكي تليرسون إلى موسكو، في أول اتصال بين موسكو وواشنطن في عهد دونالد ترامب.
كل الوقائع السابقة هي «أولى» في نوعها، وذلك بمعيار تغير السلطة في الولايات المتحدة، وبوادر تغيير السياسة الأمريكية السابقة في كثير من الملفات العالقة، ومنها ـ وربما أهمها ـ الملف السوري. وتأتي أهمية هذا الملف، في هذا السياق، لا من أهمية سوريا أو ثورتها العظيمة أو همجية النظام البراميلي في مواجهة شعبه، أو حتى من وجود «دولة داعش الإسلامية» والحرب متعددة الجنسيات الدائرة ضدها، بقدر ما تأتي من اهتمام الرئيس الروسي بوتين به باعتباره ميدان الاختبار الأكثر بروزاً لسياسته الهادفة إلى تكريس دور روسيا الدولي كند للدولة العظمى الوحيدة. وبقدر ما شكلت سوريا «قصة نجاح» بالنسبة لبوتين في عهد باراك أوباما، وإن كان «نجاحا» دموياً تخريبياً جديراً بعقل مريض، من المحتمل أنها أصبحت، منذ ضرب الشعيرات وزيارة تليرسون لموسكو، عبئاً ثقيلاً لا يعرف بوتين كيف يمكن التخلص منه بأقل الخسائر الممكنة، كي لا تتحول سوريا إلى قصة فشل تام للعنجهية البوتينية.
يقال إن تليرسون قال لمخاطبيه الروس، في زيارته إلى موسكو: لقد عهدنا إليكم بحل الملف السوري، وقد فشلتم في ذلك. فإذا نظرنا الآن إلى التفاؤل الظاهر في تصريحات الوزير الأمريكي بشأن المكالمة الهاتفية بين بوتين وترامب، وأضفنا ذلك إلى كلام لافروف، قبل أيام، عن استعداد موسكو للتعاون التام مع واشنطن في الموضوع السوري، حق لنا الاستنتاج بأن بوتين بدأ يراجع حساباته في سوريا، وبات يبحث عن مخرج «مشرّف» يحفظ لروسيا بعض مصالحها في أنقاض سوريا على المدى الطويل.
وتبدو إيران بوصفها العقبة الأكثر صعوبة أمام موسكو في سعيها المفترض بحثاً عن مخرج يرضي واشنطن الجديدة. دارت تكهنات كثيرة حول زيارة لافروف إلى طهران، قبل فترة، لكن شيئاً لم يتسرب عن مضمون الرسالة الروسية إلى القيادة الإيرانية. فهل وضع الروس حليفهم في طهران أمام خيارات مرة ما زال الأخيرون يعاندون في تقبلها؟ هل وضع لافروف أمام الإيرانيين «كأس سم» جديد، بعد ذلك الكأس الذي تجرعه الإمام الخميني حين وافق على إنهاء الحرب مع العراق في 1988؟ هل يحتوي الكأس الروسي على تخلي طهران عن طموحها الامبراطوري في سوريا (وغيرها) بالقبول بتنحية بشار الكيماوي، بعدما استثمرت في بقائه، رغم أنف السوريين، الكثير من التضحيات المادية والبشرية والمعنوية طوال السنوات الست الماضية؟ بكلمات أخرى: هل كان لافروف مجرد ساعي بريد لإدارة دونالد ترامب الذي بدأ ولايته بحملة تهديدات ضد طهران، ويستمر في تمهيد الجو لضغوط عليها من المفترض أن تنهي تمددها الإقليمي ثمناً لبقائها داخل حدودها؟
هذا ما يمكن استنتاجه، إلى الآن، مما يدور في الأروقة الدبلوماسية وعلى منابر الإعلام بشأن الموضوع السوري الذي تتقاطع فيه مصالح إقليمية ودولية كثيرة.
في هذا السياق جاء الاقتراح الروسي الجديد بشأن «تهدئة جبهات القتال في أربع مناطق» بديلاً من مشروع ترامب المفترض بشأن «المناطق الآمنة»، أو تلاقياً معه. يريد بوتين بهذا الاقتراح امتصاص الفورة الترامبية في سوريا التي وضعت موسكو، فجأةً، في عزلة دولية خانقة. من المستبعد ألا يدرك بوتين أن مشاركة جنود إيرانيين في تثبيت هذه التهدئة، إلى جانب الجنود الروس والأتراك وفقاً للمشروع الروسي، كفيل وحده بإشعال الجبهات بدلاً من تهدئتها. فهل الغاية من مشروع التهدئة هذا كسب بعض الوقت لإقناع إيران بالحسنى بأن الظروف تغيرت، وعليها تقبل ما لم تكن تتقبله في السابق؟ كما لإلقاء الاتهام بالفشل عن نفسها وتلبيس إيران بها أمام الأمريكيين؟
على أي حال، يسعى بوتين إلى التفاهم مع أردوغان، خلال زيارة الأخير لموسكو، على إقناع فصائل المعارضة المسلحة التي تمون عليها أنقرة بخطة موسكو حول «المناطق الأربع»، خاصة وأن المشاركة العسكرية التركية في ضبط التهدئة المقترحة قد تغري أردوغان بالموافقة، الأمر الذي سيشكل «هدية» ممتازة للزعيم التركي يمكنه تقديمها للرأي العام في بلده كـ»إنجاز» في السياسة الخارجية، في مواجهة خصومه الداخليين الكثر. يستدل من مشاركة الفصائل العسكرية، على أي حال، قبول تركي مبدئي للخطة الروسية، بعدما قاطعت تلك الفصائل جولة آستانة السابقة رقم 3.
هذا التفاهم الروسي – التركي، مضافاً إلى التفاهمات المستجدة بين موسكو وواشنطن الجديدة، من شأنهما وضع طهران المقبلة على انتخابات رئاسية في الزاوية الصعبة.
فهل كان تفجير السيارة المفخخة في مدينة إعزاز على الحدود التركية، قبيل ساعات من زيارة أردوغان لسوتشي صباح الأربعاء، هي الرسالة الإيرانية الدامية إلى موسكو وواشنطن وأنقرة، بتنفيذ داعشي؟
٭ كاتب سوري
القدس العربي
نص المقترح الروسي لـ”مناطق الفصل“
وجاء في نص المقترح “إن الاتحاد الروسي وجمهورية تركيا وجمهورية إيران الإسلامية” رعاة “نظام وقف إطلاق النار في الجمهورية العربية السورية”، يقترحون “إنشاء مناطق التصعيد في محافظة إدلب، إلى الشمال من حمص، في الغوطة الشرقية (التي ينشئها الضامنون) وفي جنوب سوريا (التي ينشئها الضامنون والأطراف المعنية الأخرى) بهدف وضع حد فوري للعنف، وتحسين الحالة الإنسانية، وتهيئة الظروف المواتية للنهوض بالتسوية السياسية للنزاع المسلح الداخلي في الجمهورية العربية السورية”.
وتضمن البند الثاني من المقترح “وفي حدود مناطق تخفيف التصعيد:
- ضبط الأعمال القتالية بين الأطراف المتنازعة، بما في ذلك استخدام أي نوع من الأسلحة؛
- توفير وصول إنساني سريع وآمن وبدون إعاقة تحت سيطرة الضامن؛
- تهيئة الظروف اللازمة لتقديم المعونة الطبية للسكان ولتلبية الاحتياجات التجارية أو المدنية الأخرى للمدنيين؛
- اتخاذ التدابير اللازمة لاستعادة مرافق الهياكل الأساسية الاجتماعية وإمدادات المياه وغيرها من نظم دعم الحياة؛
- تهيئة ظروف العودة الآمنة والطوعية للاجئين، وعمل هيئات الحكم المحلي”.
أما البند الثالث فتضمن “وعلى طول حدود مناطق التصعيد، أنشئت المناطق الأمنية لمنع وقوع حوادث وإطلاق النار مباشرة بين الأطراف المتنازعة”.
وتشمل المناطق الأمنية ما يلي:
– نقاط التفتيش لضمان حرية تنقل المدنيين العزل، وإيصال المساعدات الإنسانية، فضلا عن الأنشطة الاقتصادية؛
– مراكز المراقبة لضمان تنفيذ أحكام نظام وقف إطلاق النار.
ويقوم ممثلو القوات الحكومية السورية وجماعات المعارضة المسلحة التي انضمت إلى نظام وقف إطلاق النار بمهامهم عند نقاط التفتيش ومراكز المراقبة. ويمكن نشر الوحدات العسكرية التابعة للدول المراقبة في المناطق الأمنية من أجل مراقبة الامتثال لنظام وقف إطلاق النار.
أما البند الخامس، فتضمن واجبات الضامنين، وهي:
- ضمان وفاء الأطراف المتصارعة بالاتفاقات؛
- اتخاذ جميع التدابري الالزمة ملواصلة القتال ضد تنظيم داعش وجبهة النصرة وغريها من األشخاص واملجموعات واملنظامت التابعة يف مناطق التصعيد.
- مساعدة القوات الحكومية والمعارضة المسلحة على مواصلة القتال ضد تنظيم داعش وجبهة النصرة والأشخاص والجماعات والمنظمات التابعة لها، فضلا عن المنظمات الإرهابية الأخرى التي أدرجتها الأمم المتحدة على هذا النحو خارج مناطق التصعيد؛
- مواصلة الأنشطة لإدراج جماعات المعارضة المسلحة التي لم تشارك حتى الآن في التسوية السلمية في نظام وقف إطلاق النار.
وينص المقترح على أن “يقوم الضامنون في غضون 5 أيام بعد التوقيع على المذكرة بتشكيل فريق عامل مشترك معني بالتصعيد (يشار إليه فيما يلي باسم “الفريق العامل المشترك”) على مستوى الممثلين المأذون لهم من أجل تحديد حدود نزع السلاح، ومناطق التصعيد، والمناطق الأمنية، فضلا عن حل المسائل التشغيلية والتقنية الأخرى المتصلة بتنفيذ المذكرة. ويتعين على الضامنين أن يتخذوا التدابير اللازمة لاستكمال تعريف خرائط مناطق التصعيد والمناطق الأمنية بحلول 22 أيار / مايو 2017″. كما “يعدّ الفريق العامل المشترك بحلول التاريخ المذكور أعلاه الخرائط مع مناطق التصعيد والمناطق الأمنية التي سيوافق عليها الضامنون فضلا عن مشروع نظام الفريق العامل المشترك. وسيقدم الفريق العامل المشترك تقاريره إلى الاجتماعات المتعلقة بتسوية الأزمة في سوريا في إطار عملية أستانة”.
وتركت الوثيقة خالية التواريخ إلى حين تحديدها، لكن النص يشير إلى أنها ستوقع في نسختين “لهما قوة قانونية متساوية، كل منهما باللغات العربية والتركية والفارسية والإنجليزية والروسية. ولحل الخلافات في التفسير، ينبغي استخدام نص الوثيقة باللغة الانكليزية”.
نص وثيقة المناطق الأربع في سوريا
الجمهورية الإسلامية في إيران، والاتّحاد الروسي، والجمهورية التركية، بوصفهم ضامنين لمراقبة نظام وقف إطلاق النار في سورية (من هنا فصاعدًا ستتمّ الإشارة إلى الأطراف المذكورة بـ “الضامنين”). مسترشدين ببنود قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 لعام 2015؛ ومؤكّدين التزامهم المتين بسيادة واستقلالية ووحدة وتكامل الأراضي السورية؛ ومعبّرين عن تصميمهم على خفض مستوى التوتر العسكري والنهوض بأعباء أمن المدنيين في سورية، اتّفقوا على التالي:
البند الأول: مناطق الحدّ من التصعيد ينبغي أن يتمّ إنشاؤها بهدف لأنهاء العنف بشكل عاجل، وتحسين الوضع الإنساني، وخلق ظروف ملائمة لدفع التسوية السياسية للصراع في سورية، وهي تشمل المناطق التالية:
– محافظة إدلب وأجزاء معيّنة من المحافظات المجاورة (اللاذقية، حماة، وحلب).
– مناطق معيّنة من شمال محافظة حمص.
– الغوطة الشرقية.
– مناطق معيّنة من جنوب سورية (محافظتي درعا والقنيطرة).
– إنشاء مناطق للحدّ من التصعيد ومناطق آمنة هو إجراء مؤقت، ستكون مدّتة مبدئيًّا 6 شهور، وسيتمّ تمديده تلقائيًّا بالاستناد إلى توافق الضامنين.
البند الثاني: ضمن خطوط مناطق الحدّ من التصعيد:
– يتوجّب وقف العدائيّات بين الأطراف المتصارعة (النظام السوري، ومجموعات المعارضة المسلّحة التي دخلت نظام وقف إطلاق النار، وتلك التي ستدخله)، متمثّلة باستخدام أي أنواع الأسلحة، بما يشمل الوسائل الجويّة.
– ينبغي توفير وصول المساعدات الإنسانية بشكل سريع وآمن ودون عوائق.
– توفير الظروف لإيصال المساعدات الإنسانيّة للسكان المحليين، وتلبية الاحتياجات الأساسية للمدنيين.
– اتخاذ إجراءات لاستعادة مرافق البنى التحتية الأساسية، بدءًا بإمدادات المياه، وشبكات توزيع الكهرباء.
– خلق ظروف مؤاتية لعودة آمنة وإرادية للاجئين والمهجّرين داخل البلاد.
البند الثالث: جنبًا إلى جنب مع خطوط الحدّ من التصعيد، ينبغي تأسيس مناطق آمنة بهدف منع الحوادث والمواجهات العسكرية بين الأطراف المتصارعة.
البند الرابع: المناطق الآمنة يجب أن تتضمّن التالي:
– نقاط تفتيش لضمان حركة بلا عوائق للمدنيين العزّل، وإيصال المساعدات الإنسانية، فضلًا عن تسهيل تدشين بعض النشاطات الاقتصادية.
– مواقع مراقبة لضمان الالتزام ببنود نظام وقف إطلاق النار.
– عمل نقاط التفتيش ومواقع المراقبة، جنبًا إلى جنب مع إدارة المناطق الآمنة، يجب أن يتمّ ضمانه من قبل قوّات الضامنين للاتفاق. يمكن نشر أطراف ثالثة، إذا استدعى الأمر، بتوافق الأطراف الضامنة.
على الضّامنين أن يلتزموا بعمل الإجراءات التالية:
– اتّخاذ كافة التدابير لضمان تحقيق نظام وقف إطلاق النار من قبل كافة الأطراف المتصارعة.
– اتّخاذ كافة التدابير لمواصلة القتال ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، و”جبهة النصرة” (فتح الشام)، وكافّة الأفراد والمجموعات والمتعهّدين والكيانات المرتبطة بـ”القاعدة” أو “داعش”، كما تمّ تحديده بواسطة مجلس الأمن، داخل وخارج مناطق الحدّ من التصعيد.
– مواصلة الجهود ليشمل نظام وقف إطلاق النار مجموعات المعارضة المسلحة التي لم تنضمّ إليه سابقًا.
– ينبغي على الضامنين، بعد أسبوعين من توقيع الوثيقة من قبل مجموعة العمل المشتركة على تخفيف التصعيد، يشار إليها من هنا فصاعدًا على أنها “مجموعة العمل المشتركة”، أن يجمعوا ممثّليهم المعتمدين بهدف تحديد خطوط مناطق الحدّ من التصعيد، والمناطق الآمنة، فضلًا عن حلحلة كافّة القضايا العمليّاتية والتقنية المتعلّقة بتطبيق الوثيقة.
– ينبغي على الضامنين، حتى تاريخ 4 يوليو/تموز 2017، أن يتخذوا خطوات لاستكمال إعدادات خرائط مناطق الحدّ من التصعيد والمناطق الآمنة، إضافة إلى فصل مجموعات المعارضة المسلحة عن المجموعات الإرهابية المذكورة في الفقرة الخامسة من الوثيقة (داعش والنصرة).
– ينبغي على مجموعة العمل المشتركة، وفق التاريخ المذكور أعلاه، تحضير خرائط مناطق الحدّ من التصعيد والمناطق الآمنة ليتمّ الاتفاق عليها بإجماع الضامنين، فضلًا عن مسودّة القوانين المتعلّقة بمجموعة العمل المشتركة.
– يتوجّب على مجموعة العمل المشتركة إرسال تقارير عن نشاطاتها للقاءات الدولية رفيعة المستوى المنعقدة في أستانة.
تدخل الوثيقة المقدّمة حيّز التنفيذ في اليوم التالي لتوقيعها.
مفاوضات آستانة: ملامح تعب على وجه القاتل/ حازم الامين
عشية نهاية الجولة الرابعة من مفاوضات آستانة، وزع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تقريراً قال فيه: «إن النساء والفتيات هن أكثر الفئات عرضة للتأثر في سياق تفتيش المنازل وعند نقاط التفتيش وفي مرافق الاحتجاز، بعد اختطافهن من القوات الموالية للحكومة وفي المعابر الحدودية». وأشار التقرير إلى العنف الجنسي كأسلوب «منهجي» في الحرب السورية.
والتعبير الأخير، «أسلوب منهجي»، لم يسبق أن ورد في أي تقرير أممي يتناول حروب منطقتنا، على رغم أن عنفاً جنسياً شهدته حروبنا الأخرى، لكنه لم يكن منهجياً. و «منهجياً» تعني أن لهذا العنف وظيفة سياسية وعسكرية، وهو جزء من منطق الحرب ومن وظائف المقاتل فيها. البوسنة، في التقارير الدولية، شهدت عنفاً جنسياً منهجياً مارسته الميليشيات القومية الصربية بحق السكان البوشناق، وكانت وظيفته استئصالية وتتمثل في هز علاقة السكان بالمناطق التي يعيشون فيها، ودفعهم إلى مغادرتها عبر تصويرها مسرحاً لاغتصاب النساء البوشناقيات.
التقرير الأممي الذي وُزع عشية انتهاء مفاوضات آستانة قال إن في سورية عنفاً جنسياً منهجياً، وأشار إلى القوات الحكومية، وفي مكان آخر إلى «داعش»، وبما أن التنظيم خارج نطاق المفاوضة في آستانة وفي غيرها، يبقى على المرء أن يتأمل في حال المفاوضات وقد جلس على منصتها طرف يقول التقرير الأممي أنه يمارس عنفاً جنسياً منهجياً.
من المؤلم فعلاً أن يُوضع سوريون على طاولة مفاوضة مع طرف لم يوفر نوعاً من أشكال القتل إلا استعمله في سياق حربه عليهم. وهو طوّر أشكال القتل عبر خيال خصب على هذا الصعيد. فالحرب في سورية أنتجت قاتلاً «مُبدعاً» وسباقاً. البراميل المتفجرة التي تلقيها الطائرات نموذج عن علاقة النظام برعيته، ذاك أن البراميل لا تصلح لحرب جبهات، لأن أهدافها غير الدقيقة ليست مقاتلين متحركين، إنما مدنيون يسقط البرميل في شكل عمودي فوق رؤوسهم. وفي فكرة البرميل، يتكثف الحقد ويتحول فعلاً سياسياً على طاولة المفاوضات. مفاوض النظام يقول: هذا أنا وهذه قوتي. أسلحة كيمياوية وبراميل متفجرة، وأخيراً عنف جنسي منهجي. وكل هذا موثق بتقارير أممية لا يرقى إليها شك.
«داعش» فعل ذلك في المدن التي حكمها. العنف الجنسي المنهجي أخذ شكل سبي نساء هناك. وهو استعاض عن فكرة السقوط العمودي للبرميل المتفجر من السماء إلى الأرض، بسقوط عمودي مواز، يتمثل بإلقائه مواطنين عُصاة عن سطوح المباني. لكن «داعش» لم يُدعَ إلى طاولة مفاوضة. هو عدو مطلق للبشرية، ولا مكان له في قاعات البحث عن مستقبل. وهنا تكمن القسوة الممارسة بحق السوريين، أي في عدم اعتبار عدوهم الآخر، أي النظام، عدواً مطلقاً. يُمكن أميركا وأوروبا أن تعتبراه عدواً مطلقاً لقيمهما، وهما قالا ذلك، وكرراه. لكن على السوريين أن يكونوا «واقعيين» ويفاوضوا من ترفض أميركا وأوروبا مفاوضته.
ليست هذه دعوة إلى مغادرة طاولة المفاوضات سواء في آستانة أم في جنيف، إنما لعرض القسوة التي تنطوي عليها طاولة المفاوضات تلك، ولعل ذروة هذه القسوة أن يجلس مفاوض في مقابل ممثل النظام بشار الجعفري. ففي وجه ذلك الرجل، تتكثف ملامح التعالي التي ترمز إليها كل أساليب القتل التي يُمارسها جيشه في سورية. هو وجه أبو مصعب الزرقاوي في مشهد ذبحه رهينة، مع فارق غير طفيف، يتمثل في أن الأخير يحمل سكيناً بيده، فيما الثاني يعقد ربطة عنق من دون أن يُخفي سكينه عن أحدٍ.
في هذه اللحظة، تشهد مفاوضات آستانة اختراقاً. روسيا تعلن عن مناطق آمنة ومحظورة على الطيران، وتُلمح إلى إمكان انسحاب الميليشيات الإيرانية في مرحلة أخرى من الهدنة. وتركيا تطلب من المعارضة السورية القبول بأن تكون طهران طرفاً في مراقبة تطبيق الهدنة في حربٍ هي طرف فيها!
الإرهاق بدأ يظهر على وجوه الجميع. القاتل مرهق أيضاً، وأكلاف الحرب في ظل الاختناق الاقتصادي والأثمان البشرية بدأت تُثقل عليه. النظام في أسوأ أيامه على ما يبدو، ونقطة قوته الوحيدة اقتناع العالم بأن المعارضة عاجزة عن أن تكون بديلاً، لا بل عاجزة عن أن تنتظم في سياق من التسوية التشاركية. وهذه هي صورة الاختناق السوري، واختناق العالم في سورية.
توزيع التقرير الأممي عن العنف الجنسي المنهجي جاء تتويجاً لمفاوضة بين نظام قاتل على نحو معلن، ومعارضة مفلسة ومُرتهنة كشفت أطراف فيها عن أنها سليلة قيم النظام وشبيهته إذا ما قُيض لها أن تحل محله.
المُغتصَبة والمُغتصَب السوريان خارج ذهول العالم من النظام القاتل. فالقيم اهتزت حين شطبت صور غاز السارين في خان شيخون وجه العالم. لا صور للعنف الجنسي المنهجي الذي أشار إليه التقرير الأممي أخيراً. إذاً، لا ذهول ليرافق توزيع التقرير. الذهول لم يُحدثه الفعل، أي القصف بغاز السارين، إنما أحدثته حقيقة أن العالم عاين ما حصل.
هذا درس لنا جميعاً في لعبة موازين القوى. فالسياسة في الحروب هي أن تملك القدرة على تحمل مفاوضة قاتلك. أن تجلس في مقابل بشار الجعفري، وأن تصاب بالنعاس أحياناً. أن لا تغضب من أن العالم اكترث لضحايا الكيماوي ولم يكترث لضحايا الاغتصاب المنهجي. ففي المرة المقبلة، وهي مقبلة لا محالة، عليك أن تُصور الاغتصاب كما صورت ضحايا غاز السارين.
هنا تنتصر الضحية، حتى لو كان المفاوض عنها على هذا المقدار من الارتهان. الضحية حين تحول الصُراخ والألم إلى طاقة لاستدراج العالم إلى موقعها، تُحقق اختراقاً لا يستطيع تحقيقه مفاوض مقيد بشروط مستتبعيه. لطالما نجح سوريون في فعل ذلك، ولطالما سقطت فصائل إسلامية معارضة في التماهي مع النظام.
قال بنيامين نتانياهو عن الانتفاضة الفلسطينية الأولى: «إن الفلسطينيين نجحوا في تصويرنا للعالم بأننا قتلة، وهكذا انتصروا علينا». أفعال النظام في سورية فاقت بمئات الأضعاف أفعال الجيش الإسرائيلي في تلك المرحلة. النظام في سورية أقل حساسية حيال «الضمير العالمي»، لكن ما كشفته خان شيخون هو أن لا أحد محصن، وأن تصدعاً أصاب منظومة القتل نتيجة ذهول العالم. إنه تصدع لن يطيحها، لكن مفاوضات آستانة كشفته.
الحياة
التهدئة السورية بين تكريس التقسيم واقتتال الفصائل/ كميل الطويل
أثار اتفاق آستانة الخاص بمناطق التهدئة الأربع في سورية غضب جزء من المعارضة المسلحة التي حذّرت من أخطار «التقسيم». هل هناك فعلاً خطر أن التهدئة ستقود إلى تقسيم؟
لا بد من القول، بداية، إن المناطق المشمولة بالتهدئة هي محور الصراع الأساسي بين القوات النظامية وحلفائها الذين يعملون بإشراف إيراني، وبين المعارضة على تنوّعها، سواء كانت توصف بالمعتدلة كـ «الجيش الحر» أو بالمتطرفة والإرهابية كـ «هيئة تحرير الشام» (فرع «القاعدة» سابقاً). وتبدأ هذه المناطق من شمال البلاد وتشمل إدلب وأجزاء محيطة بها من ريف حلب الغربي وريف اللاذقية الشرقي وريف حماة الشمالي، وتمتد إلى وسطها لتشمل ريف حمص الشمالي (الرستن وتلبيسة ومحيطهما)، نزولاً إلى غوطة دمشق الشرقية، وانتهاء بأجزاء من الجنوب (درعا والسويداء).
بمنطق الربح والخسارة، تبدو المعارضة مقتنعة بأن تكريس خطوط التماس الحالية حول هذه المناطق الأربع سيُعتبر خسارة لها ومكسباً للنظام. سيحتفظ الأخير بمعظم ما بات يُعرف بـ «سورية المفيدة»، من اللاذقية غرباً، إلى حلب شمالاً، مروراً بمناطق الثقل السكاني في وسط البلاد وجنوبها (حماة وحمص ودمشق ودرعا). كما أن تكريس هدوء الجبهات مع المعارضة سيسمح للنظام بتركيز جهده ضد «داعش»، وهو أمر يبدو أنه في طور الترجمة حالياً، في ظل الأنباء عن نقل مئات الجنود إلى تدمر بهدف التقدم شرقاً نحو السخنة ومنها إلى دير الزور لإنهاء حصارها. وسيسمح هذا الأمر، في حال تمكن النظام من تحقيقه، باستعادة وسط البلاد وشرقها الغنيين بالنفط والغاز. وأكثر من ذلك، تخشى المعارضة، كما يبدو، استغلال التهدئة لتكريس ما تعتبره «تغييراً ديموغرافياً» يتمثّل بإسكان مؤيدين للنظام في مناطق هُجّر معارضوه منها (كما حصل في صفقة الإجلاء المتبادل بين كفريا والفوعة – الزبداني ومضايا، وفي ضواحي دمشق، وحي الوعر الحمصي، واحياء شرق حلب).
كل هذا يثير بالتأكيد خوف المعارضين، لكن أكثر ما يخيفهم هو أن يؤدي اتفاق آستانة إلى تهدئة مع النظام وحرب داخلية بين الفصائل. وواضح أن الاتفاق يتوقع من الفصائل المعتدلة أن تتصدى للمتطرفة أو الإرهابية، للمساعدة في تحريك مسار «الانتقال السياسي». وقد ظهرت بوادر ذلك في اقتتال فصائل الغوطة الشرقية، وهي إحدى مناطق التهدئة الأربع. واتهمت «هيئة تحرير الشام» («النصرة» أو فرع «القاعدة» سابقاً) «جيش الإسلام» بأنه حاول القضاء عليها هناك في إطار هذا الاتفاق الذي رعته روسيا. ويبدو خطر تكرار هذا الاقتتال واضحاً في إدلب ودرعا. ففي الأولى، يُرجّح «تلزيم» معركة القضاء على «الإرهابيين» إلى تركيا التي يمكنها العمل مباشرة أو من خلال فصائل محسوبة عليها. أما في الثانية، فيمكن أيضاً «تلزيم» المهمة للأردن وحلفائه في فصائل «الجبهة الجنوبية».
وإذا كان ما سبق يبرر موقف المعارضة المشكك في اتفاق التهدئة وخطر أن يؤدي إلى «تقسيم»، فقد كان لافتاً أيضاً أن موقفها هذا شاركها فيه خصومها الأكراد، وتحديداً «حزب الاتحاد الديموقراطي»، الجناح السياسي لـ «وحدات حماية الشعب». بدا موقف الأكراد مفاجئاً كونهم هم من يُتهم بالسعي إلى التقسيم، من خلال إنشاء إدارة ذاتية، من الحسكة شرقاً (مقاطعة الجزيرة) إلى حلب غرباً (مقاطعتي عين العرب وعفرين). والواقع أن الأكراد يعيشون فعلياً في مناطق تهدئة قسرية. ففي شرق البلاد وشمالها (من الحسكة إلى منبج بريف حلب الشمالي الشرقي)، يعمل الأكراد تحت حماية التحالف الذي يقوده الأميركيون، سواء في مواجهة «داعش» أو تركيا وحلفائها. أما في مقاطعة عفرين بريف حلب الغربي، فهم يعيشون أيضاً تحت حماية «رمزية» توفرها روسيا التي نشرت قوة صغيرة مع جنود سوريين لطمأنتهم إزاء تهديدات الأتراك وحلفائهم.
خلاصة الأمر، كما ظهر في السطور السابقة، أن سورية تعيش فعلياً واقع تقسيمها إلى مناطق نفوذ. ما تخشاه المعارضة، كما يبدو، أن يُكرّس اتفاق التهدئة هذا التقسيم الفعلي إلى ما لا نهاية في ظل عدم تحقيق تقدم في المسار السياسي … ويُطلق اقتتالاً بين الفصائل يُعرف كيف يبدأ ولا يُعرف كيف يمكن أن ينتهي.
الحياة
محميات روسية/ حسام كنفاني
خلال أيام قليلة، شهدت التطورات السياسية السورية ما يمكن تسميته انقلاباً في المواقف الدولية في ما يخص رؤية الحل للوضع في البلاد، وما كان سابقاً مرفوضاً بشدة من كل الأطراف المؤيدة للنظام أصبح اليوم مطلب هذه الأطراف التي بدأت بترويجه وحشد الدعم لقيامه، وفق حسابات خاصة، مرتبطة بالأساس بتحولاتٍ في موازين القوى، وظهور لاعبين جدد على الساحة. فالحديث عن المناطق الآمنة كان بالأساس مطلباً لأنصار الثورة السورية، وفي مقدمتهم تركيا، منذ اليوم الأول لبدء قتل النظام السوري شعبه، لكن هذا الطلب كان يواجه بتهديدات ورفضٍ من الأطراف كافة، سواء المؤيدة للثورة أو المعارضة لها. فحتى الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، لم تكن متحمسّةً للفكرة، وترى أنها باب لفتح مواجهة إقليمية لا تريدها وليست مستعدّة لها، وهو ربما ما حفّز المعارضة الحادة للفكرة من الدول المؤيدة للنظام السوري، وفي طليعتها روسيا.
هذه المواقف، وتحديداً مواقف روسيا وإيران والنظام، من المناطق الآمنة، كانت ثابتةً حتى الأسبوع الماضي، والذي شهد تغيراً مفاجئاً، إذ باتت هذه المناطق مطلباً روسياً أساسياً تحت مسمى “مناطق خفض التوتر”. وعلى الرغم من أن هناك فرقاً بين المسميين في الجوهر، إلا أنهما في النهاية يخدمان الهدف نفسه، في الظاهر، وهو إيجاد مناطق خارج أطر النزاع، وتكون مناسبةً لاحقاً لعودة اللاجئين إليها، وهو الأمر الذي تطالب به دول غربية عديدة بدأت ترى في اللاجئين السوريين أزمة تحتل الأولوية في القضايا الداخلية. لم يتأخر النظام وإيران في التهليل للفكرة الروسية، بغض النظر عن المواقف التي كانت تطلق سابقاً، فموسكو باتت قاطرة هذا المحور الذي يسير خلفها في مختلف تحولاتها التي من الواضح أنها ناتجةٌ عن قراءاتٍ دقيقة للتغيرات في موازين القوى الدولية التي تحتم “انحناءً” لمرور العاصفة.
من هنا، جاء “الانحناء” الروسي باتجاه المناطق الآمنة، ومسمّاها “مناطق خفض التوتر”. ويبدو من الواضح أن موسكو قرأت المتغيرات الدولية والدخول الأميركي المفاجئ على الخط السوري، وحاولت استبقاء الأحداث للإبقاء ممسكةً بخيوط اللعبة، فالعاصمة الروسية عملياً لم تقدم تنازلاً حقيقياً في مقترحها الجديد، بل عمدت إلى اللعب على وتر التوجهات الدولية، وتقديم خطتها بأنها البديل الذي يلبي المتطلبات الدولية، ولا سيما بعد الحديث الأميركي الكثير في الآونة الأخيرة، وتحديداً بعد الضربة على سورية، عن ضرورة إنشاء هذه المناطق. القراءة الروسية للتصريحات الأميركية، والمرفقة بأفعالٍ على الأرض تمثلت بدوريات أميركية في الداخل السوري، أفضت إلى قناعة بأن واشنطن تنوي قرن أقوالها هذه المرة بالأفعال، فكان من الضروري القيام بخطوة استباقية تسوّق على أنها تخدم الهدف نفسه من دون أن تُفقد موسكو وحلفاءها مكانتهم السورية.
خطوة “مناطق خفض التوتر” تأتي في هذا السياق. ولهذا تسعى موسكو إلى ترويجها في الغرب عموماً، ولدى الولايات المتحدة خصوصاً، على اعتبار أنها فكرةٌ تخدم مصالح الأطراف كافة، وهو ما لم تقتنع به واشنطن بعد. لكن التصريحات الروسية الشارحة للمناطق، والتي لم ترد في الاتفاق الموقع في أستانة، توضح أن ما تريده موسكو من هذه المناطق مختلفٌ تماماً عن الفكرة الأساسية لـ “المناطق الآمنة”. فالتسريبات الأولية تشير إلى نية روسيا نشر قوات موالية لها لضمان الأمن، وتعيين مجالس محلية خاضعة للقرار الروسي، ثم فرض حظر على طيران التحالف تحديداً فوق هذه المناطق. نقاط توضح أن موسكو تسعى إلى إنشاء محمياتٍ خاصةٍ بها داخل سورية، تمنع بموجبها التدخلات الخارجية، الأميركية تحديداً، وتحمي وجودها ومصالحها.
العربي الجديد
مناطق آمنة أم معسكرات اعتقال؟/ عبد الرحمن الراشد
لا تستعجلوا الحكم، خطة الملاذات الآمنة في سوريا ليست سيئة أبداً لكن، كما ذكر أحد المعلقين، في التفاصيل تكمن الشياطين.
عندما طُرحتْ قبل سنوات فكرة تخصيص مناطق للفارين من القصف والحرب، سريعاً عارضها النظام السوري ومعه إيران وروسيا. ثم ساعدهم الرئيس الأميركي السابق متحججا بأنها غير عملية.
بعدها ضاعفت القوى الثلاث، نظام الأسد وإيران وروسيا، من عمليات تدمير المدن بشكل واسع جداً، كانت تهدف إلى تضخيم عدد اللاجئين وتصدير المشكلة إلى الخارج. وبالفعل بلغت أعداد المشردين وعابري الحدود أرقاما قياسية في تاريخ الحروب، نحو مليونين ونصف مليون لاجئ سوري في لبنان والأردن، ومثلهم فر إلى تركيا. وفي عام واحد زحف مليون لاجئ سوري إلى أوروبا عبر تركيا بشكل لم تشهد له القارة مثيلا منذ الحرب العالمية الثانية، واندس بينهم عناصر من تنظيمات إرهابية ومخابرات النظام. وبالفعل عمّ العالم الخوف من اللاجئين السوريين.
ضغط الأوروبيون يطالبون بإقامة ملاذات للاجئين داخل سوريا، إلا أن الروس رفضوها. اعتبر حلفاء الأسد الملاذات لعبة سياسية معاكسة تهدف إلى إقامة كانتونات مستقلة.
واستمر النظام يقصف جواً، بهدف تهجير ملايين الناس من الحواضر ذات التجمعات البشرية الكبرى. حلب، أكبر المدن، لم يتبق فيها سوى نسبة صغيرة من السكان. وبعد إغلاق كل الحدود صار في داخل سوريا اليوم نحو سبعة ملايين مشرد، وخمسة ملايين لاجئ في الخارج، الأكبر في التاريخ المعاصر.
تغيرت الإدارة الأميركية، وغير دونالد ترمب سياسة بلاده حيال الصراع في سوريا، وحكومته تتميز بأن من بين قياداتها جنرالات عملت ميدانيا في المنطقة تعرف حقائق الأرض. عاقبت الإدارة نظام الأسد وحلفاءه، بقصفها مطار الشعيرات، إيذاناً بسياستها الجديدة، وطالبت بمناطق آمنة على الخريطة.
صحيح أن هذه الفكرة قديمة، منذ نحو ثلاث سنوات، لكن المفاجئ أنه تم تطبيقها سريعا وفي أقل من أسبوع من الكشف عنها! خطوة تؤيدها القوى المعنية، الأميركية والروسية وتركيا والخليج والأردن، وتعارضها بشدة إيران ونظام الأسد.
من دون أن نغفل التفاصيل المقلقة والسلبية، فإن الخطة جيدة. اعتماد الملاذات يعني أولاً أن مصير الشعب لم يعد تحت رحمة ثلاثي دمشق، إيران وروسيا. أصبحت هناك شرعية على أرض سوريا بتكليف الدول الأخرى مثل تركيا والولايات المتحدة.
ثانياً، الملاذات توقف مشروع تصدير اللاجئين الخطر على استقرار الأردن وتركيا ولبنان وأوروبا، والذي خطط له معسكر دمشق الشرير.
ثالثاً، وقف عملية التغيير الديموغرافي التي ترسمها إيران، مع الأسد، بإعادة ترتيب المناطق طائفياً، وتؤمن السيطرة على المناطق الاستراتيجية، وتبني ممراً جغرافياً يربط مستعمرات إيران الجديدة ببعضها، العراق وسوريا ولبنان.
ورابعاً، ستعطي الملاذات المعارضة السورية المدنية فرصة لأول مرة للعمل سياسيا على الأرض.
رغم ذلك للملاذات مخاطر محتملة، فهي قسمت خريطة سوريا سياسيا. أعطيت أميركا المناطق التي تهم أمن حلفائها، الأراضي المتاخمة للأردن وإسرائيل والأكراد. وأعطيت موسكو مناطق محاذية للبنان وأخرى تقطنها الأقليات وفيها قواعدها الروسية. أما تركيا، فقد أوكلت بالمنطقة المتاخمة لها.
ومن المخاطر المُحتملة أن تتسلل إليها الجماعات الإرهابية وتجند من سكانها، وتتحول إلى قضية عالمية. كذلك لن يكون سهلا تأمين الحاجات المعيشية والأمنية للمناطق المزدحمة، مما سيجعل السيطرة عليها صعباً وقد ينتقل الاقتتال إلى بعضها. ومن دون حل سياسي، أو انتصار عسكري حاسم، الملاذات ستصبح مثل معسكرات اعتقال لملايين الناس. ورغم هذه المخاطر، تبقى ضرورة لوقف المأساة الإنسانية، وتخليص ملايين الأبرياء من براثن النظام وحلفائه. وقد وأدت هذه الخطوة الحل الذي فرض قبل شهرين بتتويج النظام حاكماً بقوة الاعتراف الدولي، وستدفع الجميع للبحث عن حل معقول بديل.
الشرق الأوسط
“مناطق تخفيف التصعيد”.. آمنة؟/ بديع يونس
تحبّذ الأمم المتحدة استخدام تعبير “مناطق وقف التصعيد” على مصطلح “المنطقة الآمنة” حيث إن تجربتها بين عامي 1993 و1995 في سيريبرنتشا شرق صربيا كانت كارثية. مجزرة بحق آلاف المسلمين ارتكبها الجنرال الصربي ملاديتش تحت مرأى القوات الهولندية – الأممية التي كان واجبها حفظ أمن المواطنين آنذاك… وقد فشلت حينها. واستذكر المجزرة صراحة المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة استيفان دوجاريك، أثناء إبداء الموقف الأممي من اتفاق أستانا 4.
لكنّ ما تفضله الأمم المتحدة من تسمية على أخرى، إنما يختلف في المضمون والتعريف والوظيفة. فلم تعد المسألة مسألة تسميات ومصطلحات بل تتعادها بتداعياتها الآنية والمستقبلية. اتفاق أستانا 4 الذي انتهى بالإعلان عن وقف التصعيد في المناطق الأربعة يحمل في طيّاته تفاصيل سياسية وعسكرية أكثر من “حمامة سلام” ترفرف في أجواء سوريا المأزومة.
الفرق بين المصطلحين جوهري. فـ”المنطقة الآمنة” هي منطقة لا يتم فيها إطلاق رصاصة واحدة ويعيش فيها المدنيون بأمان وتتم حمايتهم عبر طرف ثالث بغطاء أممي، ويفرض في أجواء هذه المنطقة حظر للطيران.
أما منطقة وقف التصعيد، فهي تعمل على الحدّ من الاشتباكات والحدّ من تحليق الطيران وتخفيض وتيرة العمليات على أن تكون هناك حواجز أمنية فاصلة بين طرفي النزاع عادة داخل المناطق عبر طرف ثالث (على الأرجح روسيا، التي هي أصلا طرفا بالنزاع) كما يتم وضع لجنة مراقبين لوقف التصعيد، لا لمنعه أو منع حدوثه.
طبعاً، كانت الأمم المتحدة لترحّب بالتوصّل إلى أيّ اتفاق يحمل عنواناً أكثر إيجابية من الوضع الحالي ولو بالشّكل. فدورها “الداعي إلى إحقاق السلام” يتحتّم عليها الترحيب بأي اتفاق يحمل في طياته تخفيض التوتر.
العنوان رنّان وجذّاب، ولا يمكن المبادرة إلى رفضه دولياً وإعلامياً بدون حجة قوية لأيّ من الدول. وهنا تُطرح تساؤلات حول هذا الاتفاق وظروفه ونجاعته.
روسيا بهذه النتيجة، كلّلت مساعيها في لعبة الأمم للتوصل إلى “اتفاق” في أستانا، لو بعد أربع دورات. وهذا الاتفاق الذي استبعد أو استبعدت نفسها منه واشنطن وحضرته بصفة مراقب، كرّس الوجود الروسي بسوريا.
كما أنّه ثبّت وضعا عسكريا قائماً، وعلّق بعضاً من هذه الحرب لفترة من الوقت. ولكنّ اختيار المناطق الأربعة ليس اعتباطياً، كما أنّ مصادر في المعارضة ـ والتي ترفض هذا الاتفاق ـ تؤكد أن الخرائط حول تقسيم المناطق أحاديّة وتفصّلها روسيا على مقاس مصالحها والتي تمرّ بالنظام.
ففي درعا، أعطى الاتفاق راحةً للنظام بأنّ العمليات الهجومية ضد مواقعه جنوب سوريا ستتوقف.
وفي دمشق، فإنّ الهجوم المباغت الذي شنته الفصائل المعارضة والتي اقتربت فيه فعليا من العاصمة في الشهور الأخيرة، لن يتكرّر بتطبيق هذا الاتفاق.
أما إدلب، فهي أصلا بمعظمها خارج سيطرة النظام وتم ضمها لهذه المحافظات لإعطاء بعض من “الصدقية” وإظهاره على أنه غير “أحاديّ المصلحة”.
كما أنّ الإيرانيين وقّعوا على هذا الاتفاق وهم طرف أساسي في الحرب.. وفيما المكاسب السياسية لإيران منه غير معلومة بعد، وغير واضحة… فإنّ ذلك يُرجّح نظرية المكاسب العسكرية كالتي تمت الإشارة إليها في الفقرة السابقة من هذا المقال. وبالتالي يتقاطع ذلك مع تصريحات المعارضة بأنّ هذا الاتفاق هو “انتصار عسكري للنظام”. وما يعزّز هذه الفرضيّة أكثر من غيرها، هو أنّ النية من اتفاق أستانا ليست بإنهاء الحرب بل بتعليقها، وإلا كان ليكون الاتفاق على كامل الأراضي السورية وليس انتقائياً وفق الخطة الميدانية. إضافة إلى أنّ الساعات الأولى من دخوله حيّز التنفيذ شهدت سلسلة خروقات (بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان) عبر براميل متفجرة وقذائف صاروخية ومدفعية في ريف حماه الشمالي واشتباكات على أكثر من محور، كما قصف في شرق دمشق، وفي ريف حلب الشمالي.. بين النظام وحلفائه من جهة والفصائل المعارضة من الجهة الأخرى (ولم يكن القصف والمعارك يستهدف داعش لإيجاد مبررات).
أما أنقرة، فيزداد الشرخ بينها وبين واشنطن ويلتئم تباعاً مع موسكو. قضية إسقاط الطائرة الروسية تم حلّه، أما الأوضاع مع الأميركيين فتزداد تعقيدا منذ محاولة الانقلاب الفاشلة ورفض واشنطن تسليم فتح الله غولن، وما تلاه من دعم أميركي متزايد لقوات سوريا الديمقراطية ورفض أنقرة الشرس له (بسبب موقفها من الأكراد)، وصولا إلى اللقاء الأخير بوتين – أردوغان.
بالخلاصة، فإنّ استبعاد مصطلح “المنطقة الآمنة” واستخدام “مناطق خفض التوتر ووقف التصعيد” إنما يشير إلى وضوح البعد السياسي – العسكري للاتفاق، الذي لا يصبّ إلا في مصلحة محور عرّابي “أستانا”. والشرح يكمن في التسمية وتفاصيلها.
“المناطق الآمنة في سوريا”:صفقة كبرى بين روسيا وأميركا/ بسام مقداد
وصفت صحيفة “فزغلياد” الروسية، اتفاق إنشاء “مناطق تخفيف التصعيد” في سوريا بـ”الصفقة الكبرى”، واعتبرت أن الاتفاق ينبىء بتغير جذري طرأ على موقف روسيا تجاه الأزمة السورية.
وقالت الصحيفة، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه كان قد أعلن عن موافقة روسيا على إنشاء هذه المناطق، قبل لقاء أستانة، وذلك في ختام اللقاء مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سوتشي، وقال إنه سبق أن ناقش هذا الأمر مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال المحادثة الهاتفية معه، وأن واشنطن تدعم هذا الإجراء.
وبحسب “فزغلياد”، فإن الدبلوماسيين الروس في لقاء أستانة، لم يوافقوا فحسب على الفكرة، التي كان يقترحها الأميركيون والأتراك منذ زمن طويل، بل وقدموا أيضاً خطة ملموسة لإنشاء هذه المناطق وترتيبها.
ورأت الصحيفة أن الدول العظمى “يبدو أنها قد عثرت، ولأول مرة بعد ست سنوات على الحرب في سوريا، على معادلة للسلام في هذا البلد”. وقال بوتين إنه قد أجرى مشاورات مسبقة مع دمشق وطهران، وإن الإشراف على تنفيذ الهدنة في المناطق الآمنة سوف يشكل موضوع مفاوضات مستقلة، وأن “الحرب على الإرهاب” في سوريا سوف تتواصل بعد إنشاء هذه المناطق أيضاً.
واعتبرت الصحيفة، أن خطة إنشاء “مناطق آمنة” في سوريا هي خطة قديمة، عملت عليها إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ولكنها اصطدمت برفض روسي قاطع، حيث أعلن وزير الدفاع الأميركي وقتها، في الكونغرس، أن إنشاء مثل هذه المناطق يعني في الحقيقة صداماً مباشراً مع القوات المسلحة الروسية، أي إنه، وبكل بساطة، أمر غير ممكن بالنسبة لأميركا، في حين أن هذه الحدة في الموقف الروسي لم تكن موجودة مع إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب، حيث أمر وزارة الدفاع الأميركية بإعداد خطة “المناطق الآمنة” في سوريا خلال 90 يوماً، ونتيجة للتعاون الدبلوماسي مع روسيا، أصبح هذا الاتفاق جاهزاً للتنفيذ.
ونقلت الصحيفة عن عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الفدرالية أولغ ماروزوف قوله، إن الإتفاقية بشأن إنشاء مناطق آمنة “هي إشارة طيبة جداً”، إلا أنه حذر من استخدام مصطلح “صفقة”.
ويؤكد ماروزوف أن إقامة مثل هذ المناطق “هي فكرتنا المزمنة”، وتقوم مهمتها في اجتذاب الشركاء، الذين يتوقف عليهم حل الصراع في سوريا، إلى هذه الفكرة. و”استعداد اثنين من شركائنا الأساسيين؛ الولايات المتحدة وتركيا، (لم تكن إيران قد وقعت بعد على مذكرة أستانة)” لدعم هذه الفكرة “هو إشارة إيجابية جداً”. إلا أنه يحذر من توهم الإفتراض، بأنه “قد تم العثور على مفتاح لجميع المشاكل في سوريا. أعتقد أن الأمر هو البداية فقط”.
وتنقل الصحيفة عن ماروزوف تأكيده بأنه لا يعتبر أن روسيا قد ابتعدت بذلك عن الأسد. ويقول “الأسد، حسب معلوماتي، قد ساند فكرة المناطق الأربعة هذه. والأمر يتم بموافقة الأسد التامة، ولا يمكن أن يكون الأمر على غير ذلك. فروسيا تقول، وكما في السابق، أننا موجودون في سوريا بدعوة من الحكومة الشرعية، ولا يسعنا أن نعمل، من دون تنسيق مواقفنا مع الأسد”.
أما عميد إحدى كليات مدرسة الإقتصاد العليا في موسكو سيرغي كاراغانوف، فيعتبر أن روسيا قد انتصرت سياسياً في سوريا، وأقامت نظام تعاقب الأنظمة، وحققت جميع الأهداف، عملياً، ولذلك “أصبحنا نملك الآن مواقع قوية بما يكفي لكي نبدأ المحادثات، لاسيما وأننا بحاجة إلى اي اتفاق، في نهاية المطاف، لأن الحرب التي لا تنتهي قد تمتصنا”. وأكد هذا البوليتولوج للصحيفة، أن روسيا ينبغي أن تعيش “بعقلها، وليس بعقل الأسد”. والمحافظة على بقاء الأسد في السلطة “ليس هدفنا. هدفنا هو التوصل لإقامة سلم ثابت نسبياً في سوريا”.
الأمر الذي تجدر الإشارة إليه، هو أن الكلام، الذي ساقته أعلاه صحيفة “فزغلياد” يوم الأربعاء الماضي، وأكدت فيه انسجام الكرملين التام مع ما طرحه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن ضرورة إقامة مناطق آمنة في سوريا، بل والمساعدة في إعداد الخطة اللازمة لذلك، قد عادت في اليوم التالي تماماً، أي الخميس، لتقول عكسه. فقد كتبت في التاريخ المذكور مقالة بعنوان “روسيا وتركيا وإيران سوف يقومون بما لم يتسنى للولايات المتحدة القيام به”. وقالت، إن المناطق الأربعة الآمنة، التي وقع مذكرة إقامتها كل من روسيا وتركيا وإيرا ن في أستانة، قد تصبح مناطق حظر طيران أيضاً، كما كان يرغب الأميركيون. إلا أن ما يجري “ليس تنازلاً لواشنطن، بل هو جزء من استراتيجية أشد تعقيداً، وليس متاحاً للولايات المتحدة أن تستوعبها”.
وبدون الدخول في تفاصيل ما ورد في المقالة الثانية حول المناطق الآمنة في سوريا وصعوبة تحقيقها، كما أشارت الصحيفة، إلا أن المناطق الآمنة هذه ليست، كما يبدو، سوى “الإنتصار” الذي تحدث عنه أحدالخبراء الروس أعلاه، وقال إن روسيا تحتاجه للخروج من الحرب السورية، التي تهدد بأن تكون بلا نهاية. و”الإنتصار” المشار إليه ينبغي أن يؤمن لروسيا، من جهة، عدم عرقلة الحوار التوددي مع الإدارة الأميركية الجديدة، التي لا يمكن تصور أي حل في سوريا بدونها، ومن جهة ثانية أن لا يمس هذا “الإنتصار” ما تحقق من “عظمة” لروسيا خلال مشاركتها في المقتلة السورية المتواصلة منذ سنوات.
المدن
اتفاق المناطق الآمنة.. حبر على ورق/ سلام السعدي
تجنّبا للحرج، سارع النظام السوري إلى الإعلان عن موافقته على إنشاء ما أسماها “مناطق خفض التوتر”، وذلك قبل يوم واحد من إعلان كل من روسيا وتركيا وإيران التوصل إلى اتفاق لإقامة ما يفترض أن يكون “مناطق آمنة” في سوريا.
ويأتي الاتفاق الجديد بعد نحو خمسة أشهر من توقيع اتفاق الهدنة في العاصمة الكازاخية “أستانة”، ليتم كما تم الاتفاق السابق في ظل غياب الولايات المتحدة الأميركية.
ورغم الحديث عن تشكيل مناطق آمنة للمرة الأولى من قبل النظام السوري وحلفائه، لكن بنود الاتفاق لا تشير إلى وجود ما يجعله مختلفا بصورة كبيرة عن اتفاق الهدنة السابق.
هنالك جديد بكل تأكيد ولكنه لا يرتبط، حتى الآن، ببنود الاتفاق وإنما بالسياق السياسي والدولي العام الذي جاء فيه، وخصوصا الانخراط المتزايد للولايات المتحدة الأميركية في الملف السوري وفي ملفات المنطقة بصورة عامة.
إذ بدت الأطراف الراعية للاتفاق الجديد، روسيا وتركيا وإيران، وكأنها تريد تحقيق تقدم في الملف السوري بالتوازي مع النشاط الأميركي المثير للمخاوف.
فمنذ تولي الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب للسلطة مطلع العام الحالي، عمل على استعادة تدريجية للنفوذ الأميركي في العراق وسوريا من خلال إرسال المزيد من القوات والمعدات العسكرية وتكثيف الهجمات على تنظيم الدولة الإسلامية.
الأهم هو الضربة العسكرية المفاجئة التي وجهتها الإدارة الأميركية للنظام السوري بعد استخدامه للسلاح الكيمياوي، وإعلانها بوضوح عن إمكانية تكرارها كلما اقتضت الحاجة.
تختلف طبيعة مخاوف روسيا وإيران وتركيا ولكنها مخاوف جدية في نهاية المطاف. إذ يثير التزايد المستمر في عدد القوات الأميركية في سوريا والعراق مخاوف إيران وروسيا من خسارة المكاسب التي حققها البلدان خلال سنوات الانكفاء الأميركي.
أما تركيا فلا تزال تشعر بقلق كبير من جراء التحالف والدعم الكبير اللذين تحظى بهما القوات الكردية في سوريا من قبل الولايات المتحدة، وتكثيف مخططات استعادة مدينة الرقة من الدولة الإسلامية، وهو ما سيعزز من نفوذ وقوة الميليشيات الكردية.
هذا فيما يتعلق بالسياق الدولي والإقليمي الذي جاء فيه الاتفاق، أما فيما يتعلق بجوهره، فلا يبدو أنه مختلف عن اتفاق الهدنة الذي جرى توقيعه في العاصمة الكازاخية أستانة، إذ يشترك الاتفاقان في غياب آلية واضحة للتطبيق.
لقد أبقى غياب تلك الآلية اتفاق أستانة حبرا على ورق، إذ واصل النظام السوري استخدام آلته العسكرية بدعم روسيا وإيران لاقتطاع أجزاء كبيرة من مناطق شملتها الهدنة. كما عمل اتفاق الهدنة على تقييد المعارضة السورية أكثر بكثير من قدرته على تقييد النظام.
وأخيرا، زرعت الهدنة بذور الخلاف وانعدام الثقة في صفوف الفصائل العسكرية وخاصة بين التيار الجهادي والتيار المعتدل.
هكذا، تسبب الاتفاق السابق في حدوث انشقاق كبير فصل التيار الجهادي عن الجيش الحر، إذ اندلعت اشتباكات على إثره وشكلت فصائل متشددة مع تنظيم القاعدة هيئة تحرير الشام، فيما اضطرت فصائل صغيرة من الجيش الحر إلى الاندماج في صفوف أحرار الشام.
وبسبب كل ما ذكر، رفضت فصائل الجيش الحر التوقيع على الاتفاق الجديد رغم أن إنشاء مناطق آمنة لطالما اعتبر أحد أهم مطالبها.
ما قد يجعل من الاتفاق خطوة هامة للتوصل إلى حل للصراع السوري هو وضع آلية تنفيذ جدية تحرم النظام السوري من استخدام سلاح الجو في تلك المناطق، بالإضافة إلى مشاركة أميركية فعالة في الآلية التنفيذية وفي الدفع نحو التسوية السياسية.
إن فكرة تشكيل مناطق آمنة في سوريا هامة للغاية وقد تغير من شكل الصراع في حال تم تنفيذها، إذ تمنع الفوضى المريعة في المناطق المحررة، بالإضافة إلى القصف الهمجي اليومي الذي يمارسه النظام وروسيا، عودة السكان إلى مناطقهم ومباشرة حياة طبيعية، واستعادة الفاعلية الاجتماعية والسياسية المفقودة منذ سنوات.
يرزح المدنيون الذين قرروا الاستقرار في المناطق المحـررة تحت ظـروف معيشية وأمنية شديدة القسوة، إذ تغيب الخدمات التي تشمل الصحة والتعليم والكهـرباء والماء والمحروقات والصرف الصحي.. إلخ عن تلك المناطق. لذلك تعتبر الإدارة المدنية المركزية والقـوية للمناطق المحررة ضرورة ملحة، ليس اليوم فقط، وإنما منذ أعوام طويلة.
من هنا تأتي أهمية الاتفاق الجديد في حال أمكن ترجمته على أرض الواقع. إذن ليس من المتوقع أن يلتزم النظام السوري بتنفيذ مثل ذلك الاتفاق وخصوصا أن استراتيجيته خلال السنوات الماضية قد قامت على منع إقامة أشكال حكم بديلة في المناطق الخارجة عن سيطرته.
ويعد غياب آلية واضحة لتنفيذ الاتفاق وتغيير بنود رئيسية كانت تشير بوضوح إلى منع تحليق طيران النظام السوري في تلك المناطق، مؤشرا على عدم جدية والتزام الأطراف الداعمة للنظام.
كاتب فلسطيني سوري
العرب
مناطق آمنة للدول أم للسوريين؟/ وليد شقير
مضحك مبك أن يطالب وفد المعارضة السورية في مذكرته إلى اجتماعات آستانة، بأن تنسحب قوات النظام السوري إلى حدود 30 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، أي تاريخ بدء سريان وقف النار الذي رعته روسيا مع إيران وتركيا، والذي استولد اجتماعات الأربعة في العاصمة الكازاخية.
فور توزيع مذكرة فصائل المعارضة المسلحة بمطالبها إلى الدول الضامنة لوقف النار، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي سخرية، نظراً إلى التشبيه المأسوي بالمطالبة العربية بالانسحاب الإسرائيلي إلى حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967.
وفيما قصدت الفصائل المعارضة وقف الخرق الواضح من قبل النظام لوقف النار واستعادة المساحات الجغرافية التي احتلها في ظل الوقف الهش للنار، فإن السخرية السوداء حول هذا المطلب، تخفي ما هو أدهى في اجتماعات آستانة التي انعقدت على وقع مسودة المقترحات الروسية التي طرحت قيام 4 مناطق سميت «مناطق تخفيف التصعيد». وهي محافظة إدلب شمال حمص، الغوطة الشرقية، وجنوب سورية. لا يشي الطرح الروسي إلا بأنه يرسم حدوداً لبعض مناطق النفوذ الراهنة في «سورية المفيدة»، بين المعارضة والنظام، تتولى مراكز مراقبة دولية الإشراف على خطوط التماس بينها، مع ما يعنيه ذلك من إمكان استئناف الاشتباك بينها، على رغم أن المقترحات صيغت باسم تثبيت وقف النار.
ومع أن موسكو اكتفت بتسريب «المقترحات» ولم تتبنها إلا الأربعاء، بعد اتصال فلاديمير بوتين بدونالد ترامب، فإن توزيعها المناطق على هذا الشكل، ترك مناطق أخرى لمصيرها، مثل الشمال، حيث يوجد الأتراك والأكراد والأميركيين (شرق الفرات)، و «الجيش السوري الحر» وفصائل إسلامية، و «داعش» و «جبهة النصرة»، والرقة ودير الزور، وحمص وشمالها وحلب وغربها (حيث القصف مستمر)، ودمشق ومحيطها والمناطق المحاذية للبنان (من الزبداني إلى القصير) حيث يوجد «حزب الله» وإيران وسائر ميليشياتها المتعددة الجنسيات. هذا يعني أنها تسلم بالسيطرة عليها للفرقاء الخارجيين والمحليين الآخرين. أما ضم الجنوب إلى المناطق الآمنة فهدفه إبعاد إيران تطمينا لإسرائيل. وبعدما كان التعاون الروسي الأميركي في عهد باراك أوباما لا يتعدى «إدارة الحرب السورية»، بات الآن «إدارة تقاسم النفوذ» في سورية المفيدة، إلى أن يتفق بوتين مع ترامب.
توحي موسكو باستعدادها لملاقاة واشنطن حول طرح دونالد ترامب «المناطق الآمنة» منذ 4 أشهر، وتحوله خياراً بعدما تناوله فلاديمير بوتين في مكالمته مع الرئيس الأميركي الأربعاء، والذي أعقبه الرئيس الروسي بتصريحه أمس أثناء لقائه رجب طيب أردوغان، بأن الفكرة «تحتاج إلى مزيد من العمل». لم يظهر هذه المرة سيرغي لافروف ليستخدم براعته الديبلوماسية في استبعاد المناطق الآمنة، كما جرت العادة حين كرر أردوغان والمعارضة ودول الخليج العربي طرحهم في السنوات الماضية. كان هدفه إبقاء اليد العليا لطائراته كي تقصف وتقتل وتدمر.
استبق بوتين وضوح نيات واشنطن، ونسب «تبلور» مبادرته إلى «مناقشة المشاكل الحساسة للأزمة مع الشركاء في تركيا وإيران وداخل سورية نفسها». تنكّر لصدورها عن ترامب والآخرين، وترك غموضًا عندما ربط نجاحها بحظر جوي، مشترطاً لتحقيقه وقف النار على الأرض، فيما الحظر الجوي هدفه وقف وحشية النظام عبر البراميل المتفجرة واستخدام الكيماوي من الجو. في انتظار اتضاح الألغام التي زرعها الكرملين أمام عملية التطبيق، أنقذت موسكو صيغة آستانة، التي كاد إخراج الأميركي أنيابه في مطار الشعيرات يقضي عليها بصفتها إطاراً يتحكم به الدب الروسي. رمت الطعم لإيران وتركت المناطق التي تقع تحت نفوذها معلقة، محتفظة بالموقف من وضعها العسكري اللاحق في حال جرى تثبيت مناطق النفوذ الأربعة، فطهران ليست مستعدة لتسهيل مشاريع الحلول التي يمكن أن يتفق عليها حليفها الروسي مع خصمها الأميركي الذي يلح على خروجها و «حزب الله» من سورية. وطهران، مثل موسكو، تسابق على طريقتها المناطق الآمنة الأميركية، وتسعى إلى حماية الرقعة التي شاركت بشار الأسد في إحداث تغييرات ديموغرافية فيها. والحزب سعى إلى إعادة نازحين في لبنان إلى بعض مناطقهم المحاذية للحدود، لتصبح مناطق إيرانية آمنة. وكل هذا يفسر إبقاء واشنطن على مقعدها بصفة «المراقب».
الأهم في المبادرة الروسية نصها على نشر وحدات عسكرية تابعة لدول مراقبة، وهو أول إيحاء بالموافقة الروسية على إرسال قوات دولية من دون نشرها يستحيل ولوج الحل السياسي جدياً. وهذا يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن يسبقه اتفاق أميركي لن يصدر إلا بعد أن يتأكد من أن النقاش الحاصل في بعض الدوائر المغلقة بحثاً عن بديل للأسد، بعد نقله إلى «بلد آمن» مع بعض حاشيته، انتهى إلى نتيجة.
الحياة
الأسد وهواجس «الآمنة» و«الهادئة»/ راجح الخوري
ما الفرق بين «المناطق الآمنة» التي تدعو واشنطن منذ عامين إلى إقامتها في سوريا، و«المناطق الهادئة» التي اقترحتها موسكو أخيراً، وكانت موضع نقاشات جادة عند المعارضة السورية وفي أنقرة، قبل أن يتم التركيز عليها خلال اجتماعات «آستانة4» التي أعطتها اسماً جديداً، هو المناطق «المنخفضة التوتر»؟
ليس هناك حتى الآن صيغة توضيحية أو توفيقية بين «الآمنة» و«الهادئة»، لكن بين الصيغتين فُتِحت أبواب الهواجس على مصراعيها في دمشق كما في طهران، رغم مشاركة وفدين من سوريا وإيران في مفاوضات آستانة، وتأييد بشار الجعفري لهذا المقترح، انطلاقاً من مخاوف متصاعدة من احتمال التوصل إلى تفاهم أميركي – روسي يفرض الحلول في سوريا، من بوابة هذه المناطق، التي لن تكون تحت سيطرة النظام أو ساحة للتدخلات الإيرانية المتفاقمة.
يوم الثلاثاء الماضي، كان قصر المهاجرين نهباً للهواجس، عندما أكد الرئيس دونالد ترمب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، بعد اتصال هاتفي مسهب بينهما، أن النزاع السوري طال أكثر من اللازم، وأنهما اتفقا على تكثيف المشاورات بين وزيري خارجية البلدين لإيجاد حل ينهي هذه الأزمة.
وقبل أن يكشف البيت الأبيض أن ترمب وبوتين تفاهما على ضرورة أن تفعل كل الأطراف ما في وسعها لإنهاء العنف، وأنهما ناقشا موضوع إقامة المناطق الآمنة، كان الكرملين قد أصدر بياناً وصف المحادثات بأنها عملية وبناءة، وأنها ركّزت في شكل خاص على تنسيق التحركات الأميركية والروسية في سوريا، وعلى مكافحة شاملة للإرهاب.
مع وصول ستيوارت جونز نائب وزير الخارجية الأميركية إلى آستانة، وهو ما يعكس توافر مناخ مستجد من التفاهم، أشار بيان البيت الأبيض إلى أن المحادثات كانت جيدة للغاية، وركّزت على موضوع «إقامة مناطق آمنة أو ينعدم فيها التصعيد لتحقيق سلام دائم لأغراض إنسانية وعدد من الأسباب الأخرى»!
ما هذه الأسباب الأخرى؟
ليس واضحاً تماماً، كما أنه ليس من الواضح ما إذا كان المقترح الروسي بإنشاء أربع مناطق هادئة سيتحوّل إلى مبادرة تتبلور عبر التفاهم مع واشنطن، خصوصاً بعدما كان هذا المقترح موضوع نقاش مستفيض بين بوتين ورجب طيب إردوغان في القمة بينهما في سوتشي يوم الأربعاء الماضي، لكن محتوى المقترح الذي كانت موسكو أبلغته شفاهة إلى المعارضة السورية، يثير كثيراً من التساؤلات التي توازي هواجس النظام السوري وحلفائه الإيرانيين طبعاً.
عملياً قبل أن تبدأ المفاوضات في آستانة كانت المعارضة السورية قد سرّبت أن موسكو قدمت لها مقترحات جديدة حول الأزمة بهدف تخفيف التوتر، من خلال إنشاء أربع «مناطق هادئة» تتوزّع بين إدلب وأرياف حلب وحماة وحمص ودرعا والقنيطرة، حيث يتم فيها حظر القصف والطيران، كذلك عدم استخدام أي نوع من الأسلحة، كما تدعو هذه المقترحات تنظيمات وقوى المعارضة إلى المساعدة في طرد تشكيلات «داعش» و«جبهة النصرة» من تلك المناطق.
ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كانت المحادثات بين ترمب وبوتين تطرّقت إلى عمق المقترح الروسي في شِقِّه المتعلّق بالدعوة إلى «مشاركة قوات من الدول الضامنة على الأرض للإشراف على تطبيق بنود وقف الأعمال القتالية، وتشكيل مجموعة عمل مشتركة من هذه الدول تتولى حلّ المسائل التقنية».
ما تلك المسائل التقنية؟ وهل ستضم الدول الضامنة إيران إلى جانب روسيا وتركيا وهو ما سترفضه المعارضة؟
ليس من أجوبة أو صيغ واضحة موضوعة في التداول، لكن ثمة ما يفتح نافذة واسعة على تساؤلات عميقة ومهمة، تتصل بما سبق أن أعلنه بوتين شخصياً في العام الماضي، حول صيغة الفيدرالية كمخرج وحل للأزمة السورية، خصوصاً عندما يستند المقترح الروسي إلى «الجانب الإنساني» في الدعوة إلى «تأمين مرور المدنيين بين المناطق المقترحة وعودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم، وكذلك إيصال المساعدات الإنسانية، وإعادة تحضير البنى التحتية، وتوفير متطلبات الحياة اليومية للناس»!
مشاركة تركيا في محادثات آستانة ركّزت تحديداً على استطلاع ممثلي المعارضة السورية حول أمرين، وهما:
ما الحدود التي توضّح هذه «المناطق الهادئة» الأربع التي تقترحها روسيا؟ وهل هناك خرائط لهذا؟ ومن هي تحديداً «الدول الضامنة» التي يمكن أن تتولى الإشراف على تنفيذ هذه الخطة، خصوصاً أن المقترح يدعو صراحة إلى إرسال وحدات عسكرية من هذه الدول، للإشراف على وقف النار وتنظيم الحدود بين المناطق الأربع التي يصنّفها المقترح الروسي كما يأتي: إدلب – شمال حمص – الغوطة الشرقية – جنوب سوريا.
وكالة «سبوتنيك» الروسية ركزت كل نشاطها في آستانة على تسويق المشاورات والتحركات التي دارت حول المقترح الروسي، وعلى ترحيب وفد المعارضة به، حيث قال فاتح حسون إن اقتراحات روسيا مشجعة، وإن تنفيذها «يتطلّب من المجتمع الدولي تدخلاً أكبر، وروسيا تدعو فعلاً إلى تدخل دولي أكبر وهذا أمر إيجابي»!
وتثور الهواجس في دمشق وطهران اللتين ضاعفتا حدة القصف والتصعيد مع بداية الاجتماعات في آستانة، رغم حضور الجانبين المحادثات، خصوصاً في ظل مخاوف متزايدة من أن ينشط الحوار بين واشنطن وموسكو، على خلفية السعي إلى تظهير صيغة مشتركة بين «المناطق الآمنة» و«المناطق الهادئة»، وقوات «الدول الضامنة» التي ستتولى تنفيذ الاتفاق على الأرض، التي يكرر الأسد أنه سيحررها شبراً شبراً، في حين تفترض إيران أنها هي صاحبة القرار الفصل فيها، وسبق لها أن أعلنت أنها باتت تسيطر حتى على دمشق!
وهكذا مع تصاعد الحديث عن المقترح الروسي وتفاهم ترمب مع بوتين على ضرورة التوصل إلى حل سريع للوضع في سوريا، لم يكن مستغرباً أن تسارع إيران إلى الإعلان عن أنها ستواصل إرسال مستشارين عسكريين إلى سوريا دعماً لقوات الأسد، وفي هذا السياق تعمّد قائد القوات البرية في الحرس الثوري محمد باكبور القول مباشرة عشية افتتاح محادثات آستانة: «إن القوات البرية التابعة للحرس الثوري موجودة في سوريا لمساعدة (فيلق القدس)، وإن الدعم لا يقتصر على التخطيط فقط، وبسبب هذا يجب أن تكون القوات موجودة في ميدان القتال».
المعارضة السورية كانت قد نشرت وثيقة موقعة من الرئيس بشار الأسد في 11 أبريل (نيسان) الماضي، وجاء فيها أنه يوافق على وضع الميليشيات التي تقاتل معه تحت قيادة إيرانية مباشرة، وينصّ البند الخامس من الوثيقة على «أن تبقى قيادة أفواج الدفاع المحلي العاملة مع الجانب الإيراني موكلة للجانب الإيراني»، بما يعني أن إيران تملك حق الإمرة على هذه القطاعات العسكرية، وهو ما سيزيد حتماً من التعقيدات التي ستواجه تلك المناطق آمنة كانت أو هادئة!. . .
الشرق الأوسط
ناشيونال إنترست: اتفاق تجميد الصراع بسوريا.. أين يكمن الشيطان؟
ترجمة منال حميد – الخليج أونلاين
تناولت صحيفة ذا ناشيونال إنترست الأمريكية اتفاق التهدئة، أو ما يسمّى “خفض التصعيد”، الذي أُعلن عنه في اجتماع “أستانة 4” في كازاخستان حول سوريا، والذي جاء لأول مرة بضمانة ثلاث دول فاعلة على الأرض؛ وهي روسيا وإيران وتركيا.
وقالت الصحيفة إن الاتفاق على ما يبدو يمكن أن يضع نهاية للوضع المأساوي في سوريا، رغم أن التنفيذ على الأرض سيكون أمراً معقّداً، “خاصة أن الشيطان سيكون كامناً في العديد من التفاصيل”.
تقول الصحيفة إن صفقة الاتفاق الروسية التركية الإيرانية تبدو شاملة ومعقولة، حيث سيتم إنشاء أربع مناطق لتخفيف التصعيد فيها؛ وهي إدلب، وأجزاء من حمص، والغوطة الشرقية، وبعض أجزاء بجنوب سوريا، حيث من المقرر أن يتوقف القتال والقصف في هذه المناطق.
الهدف الرئيس من الاتفاق، كما تقول الصحيفة، واضح؛ “وهو تجميد الصراع وتوفير إمكانية لإغاثة الشعب السوري الذي يتعرّض للعنف والتجويع على مدى السنوات السبع الماضية، كما أن انخفاض العنف يمكن أن يسهم في إطلاق مفاوضات أكثر جدية حول مستقبل سوريا”.
الشيطان يكمن في التفاصيل، كما تقول الصحيفة، فعلى الرغم من حالة التفاؤل التي سادت عقب توقيع الاتفاق، فإن هناك عدة تساؤلات لا إجابة عنها يمكن أن تؤدي إلى نسف هذا الاتفاق؛ ومن أبرز تلك المشاكل التي قد تعترض الاتفاق: هل ستشارك المعارضة السورية المسلّحة في الاتفاق؟
يأتي هذا بعد أن اعترض وفد المعارضة السورية المشارك في اجتماعات أستانة على مشاركة إيران في هذا الاتفاق واعتبارها دولة ضامنة، حيث اعتبرت أن إيران دولة محتلّة، ويجب أن تسحب مليشياتها من سوريا، وهو أمر يدل على أن الفصائل السورية المسلّحة متحفّظة على مشاركة طهران في الاتفاق واعتبارها كدولة ضامنة.
التساؤل الثاني للصحيفة يتعلق بماذا سيحدث إذا انتهك النظام السوري الاتفاق؟ ولا سيما أن الاتفاق يحظر على القوات الجوية التابعة للنظام العمل داخل مناطق خفض التوتر الأربع التي تم الاتفاق عليها، فلقد سبق أن وقّع النظام السوري عدة اتفاقات لوقف إطلاق النار، إلا أنه وبعد مضي أيام خرق تلك الاتفاقات بحجة مكافحة الإرهاب، “وليس هناك أي بند في الاتفاق ينص على ما يمكن أن يتعرض له النظام في حال خرق وقف إطلاق النار، وهل ستحاسبه روسيا إذا ما قام بخرق الاتفاق؟”.
كما تساءلت الصحيفة عن كيفية محاربة “الإرهاب” في المناطق الأربع؟ خصوصاً أن الاتفاق نص على أنه يتعيّن على الضامنين اتخاذ كافة التدابير اللازمة لمواصلة القتال ضد داعش وجبهة النصرة، وجميع الجماعات المرتبطة بالقاعدة في مناطق التصعيد.
إلا أن الاتفاق لم يجب على الآلية التي يجب اتخاذها لمحاربة التنظيمات التي توصف بالإرهاب في مناطق الاتفاق الأربع، خاصة أن فصل الفصائل المعتدلة عن الفصائل المتشددة أمر في غاية التعقيد.
هذه المشكلة، تؤكد الصحيفة، “هي التي عصفت سابقاً باتفاقيات سابقة لوقف إطلاق النار والتهدئة في سوريا، خاصة أن العديد من الفصائل المصنّفة على أنها فصائل إرهابية تعمل على مسافات قريبة من الفصائل المعتدلة”.
أما السؤال الرابع للصحيفة بشأن الاتفاق فركّز على “هل ستراقب القوات الدولية مناطق تخفيف التوتّر، كيف ومتى؟”، مشيرة إلى أنه “لا يمكن أن يترك اتفاق كهذا رهناً بيد المعارضة السورية وقوات النظام، وسبق أن انهارت اتفاقات مماثلة لوقف إطلاق النار، ولعل ما جرى في حلب العام الماضي خير مثال على ذلك، حيث تم استغلال اتفاق لوقف إطلاق النار للحصول على المزيد من المكاسب على الأرض”.
ترجّح الصحيفة أن يتم وضع مراقبين دوليين على طول المناطق الآمنة التي تم الاتفاق عليها، وهم في الغالب سيكونون من روسيا، حيث إن النظام السوري يرفض وجود أي مراقبين دوليين، لا سيما أمريكيين.
وأضافت: “وجود مراقبين روس ربما يكون مرفوضاً من طرف المعارضة السورية، التي لا ترى في روسيا طرفاً محايداً، ومن ثم فإنه يجب أن توفّر الأمم المتحدة قوة مراقبة دولية”.
وتختم الصحيفة الأمريكية تساؤلاتها بالاستفسار إن كان هذا الاتفاق سيسهم في تحريك المحادثات السياسية أم لا؟ قائلة: “لم يتمكّن المبعوث الأممي لسوريا، ستافان دي مستورا، من تحقيق الكثير في الجانب التفاوضي، وربما الشيء الوحيد الذي حقّقه دي مستورا هو جمع النظام والمعارضة في مفاوضات لا تزال مستمرة، رغم أنها لم تحقق شيئاً على الأرض”.
وتلفت النظر إلى أن “الغرض من اتفاق تخفيف التوتر وتجميد خطوط المعركة أينما كانت هو بناء الثقة، وصولاً إلى حل سياسي، رغم أن المؤكد أن أنصار الأسد سيعارضون أي اتفاق سياسي أو عملية انتقالية تنتهي بنهاية الأسد، كما أن المعارضة السورية ستعمل من أجل إنهاء حقبة الأسد كحل للبدء بمرحلة سياسية جديدة في سوريا”.
وتبيّن صحيفة ذا ناشيونال إنترست الأمريكية، أنه “إذا كانت الخطة تسعى لبدء مرحلة انتقال سياسي جديدة في سوريا عبر بناء الثقة بين النظام والمعارضة؛ فإن ذلك يمكن أن يحقّق تقدماً، ولكن علينا ألا نفترض أن الخطة ستكون ناجحة. الحقيقة أن الكثير من الأسئلة بقيت معلّقة ولم يجب عنها الاتفاق الذي وُقّع بضمانة روسيا وتركيا وإيران.
خارطة “مناطق التهدئة”: لهذه الأسباب تخشى المعارضة السورية التقسيم
عدنان علي
يثير اتفاق إنشاء “مناطق تخفيف التصعيد” ارتباكاً في الساحة السورية. وعلى الرغم من أن فرض مناطق آمنة في بعض المناطق هو مطلب قديم للمعارضة السورية، بغية تحييد المدنيين عن القصف الجوي، إلا أن الصيغة التي تمخض عنها اجتماع أستانة الأخير لم تكن هي ما أرادته المعارضة، في ظل مخاوف من أن يكرس الاتفاق مناطق نفوذ محلية وخارجية تكون مقدمة لتقسيم البلاد، إضافة إلى توجسها من دور إيران، خصوصاً أنه لم يتم التشاور مع المعارضة بشأن هذه الخطط. ولعل العنصر الأخطر الذي نص عليه الاتفاق بكل وضوح هو ضرورة مواصلة القتال ضد تنظيمي “الدولة الإسلامية” (داعش) و”جبهة فتح الشام” (النصرة سابقاً)، ما قد يعني إثارة احتراب داخل المعارضة السورية التي تتداخل فيها مناطق نفوذ الفصائل مع “جبهة فتح الشام”، على غرار ما يحصل حالياً في الغوطة الشرقية. وأعطت الخطة تاريخاً حتى 4 يونيو/ حزيران المقبل لتحقيق الفصل بين فصائل المعارضة “المعتدلة” و”جبهة فتح الشام”. ويعيش في الغوطة التي شملها اتفاق مناطق تخفيف التصعيد حالياً قرابة 350 ألف نسمة من أصل نحو مليونين قبل الحرب، وقد استطاعت قوات النظام في الفترات الأخيرة أن تقلص المساحة التي تسيطر عليها قوات المعارضة في المنطقة، بعد أن بلغت أكثر من 185 كيلومتراً مربعاً في أوج توسعها قبل عامين. ولجأت قوات النظام في الأسابيع الأخيرة إلى تشديد الحصار على الغوطة من خلال إغلاق الأنفاق التي تربطها مع منطقتي برزة والقابون الخاضعتين للمعارضة في شرق دمشق، ما تسبب في ارتفاع كبير في أسعار كل البضائع. ووقف القتال مع قوات النظام في الغوطة، يعني على الأرجح توجيه البنادق نحو “جبهة فتح الشام” وهو ما حصل أخيراً، وهذا يريح النظام.
المنطقة الثانية التي يشملها الاتفاق هي محافظة إدلب وأجزاء من المحافظات المجاورة اللاذقية، وحماة، وحلب. وإذا كانت الخرائط التفصيلية لحدود المناطق المشمولة بالاتفاق لم توضع بعد أو لم يجر تسريبها على الأقل، فإن المحتمل أن المقصود بالمناطق المجاورة لمحافظة إدلب هي تلك الخاضعة لسيطرة المعارضة في المحافظات الثلاث، أو أجزاء منها على الأقل. وفي كل هذه المناطق هناك وجود قوي لـ”جبهة فتح الشام”، بل لعل الوجود الأقوى في محافظة إدلب، ما يعني أن أي تطبيق للاتفاق سوف يعني احتراباً فصائلياً. تزيد مساحة محافظة إدلب عن ستة آلاف كيلومتر مربع بشريط حدودي مع تركيا يبلغ 129 كيلومتراً. وهي تحاذي محافظات حلب واللاذقية وحماة. ويعيش فيها اليوم نحو مليون نسمة بحسب بعض التقديرات (كان عدد سكانها قبل الثورة 1.5 مليون نسمة)، وهي تستقبل مئات آلاف النازحين من المحافظات الأخرى، فيما فرّ عشرات الآلاف من سكانها الأصليين إلى خارج البلاد.
وتُعتبر محافظة إدلب مدينة وريفاً من أكثر المناطق التي تتعرض للقصف الجوي، سواء من طيران النظام أو الطيران الروسي أو حتى طيران التحالف، وكل ذلك بحجة استهداف “جبهة فتح الشام” فيها، ومن غير المعروف حتى الآن ما إذا كان القصف سيتوقف على المحافظة بموجب الاتفاق أم سيتواصل بالحجة نفسها، علماً أن القليل من الغارات كانت تستهدف مقرات للجبهة، وأغلبها موجّه لأهداف مدنية أو تابعة للفصائل الأخرى.
والمنطقة الثالثة المشمولة بالاتفاق هي “مناطق معيّنة من شمال محافظة حمص” ويُقصد بها على الأرجح مناطق سيطرة المعارضة في ريف حمص الشمالي، مثل الحولة والرستن وتلبيسة وتيرمعلة. يقيم في هذه المناطق اليوم نحو 350 ألف نسمة، كثير منهم نازحون إليها من خارج المنطقة، من أصل نحو نصف مليون نسمة كانوا يقطنونها قبل الثورة.
وعلى غرار مناطق المعارضة الأخرى، تخضع المنطقة للحصار من جانب قوات النظام، فضلاً عن تعرضها للقصف المستمر بالطيران والمدفعية، خصوصاً بعد أن استقبلت معظم المسلحين الذين تم إخراجهم في أوقات سابقة من محافظة حمص، بموجب اتفاقات مع النظام. وهذه المنطقة تُعتبر حيوية للنظام، نظراً إلى توسطها بين مناطق سيطرته في حمص ومعاقله في الساحل وفي ريف حماة الغربي. وهي وإن كانت لا تشكل خطورة عسكرية على النظام، فإن موقعها يحظى بأهمية كبيرة.
والمنطقة الرابعة والأخيرة هي “مناطق معيّنة من جنوب سورية في محافظتي درعا والقنيطرة”. والأرجح أن إدراج هذه المنطقة له علاقة بمحاذاتها لفلسطين المحتلة، إذ تتفق روسيا مع الولايات المتحدة على ضرورة تأمين الحد المطلوب من الهدوء والاستقرار في هذه المنطقة. ومن هنا برزت أخيراً تسريبات عدة عن خطط أردنية – بريطانية – أميركية للقيام بعمليات عسكرية مشتركة في هذه المنطقة، بهدف تطهيرها من تنظيم “داعش” والتنظيمات المتطرفة، ورسم قواعد صارمة للاشتباك هناك ضمن توازن لا يتيح انتصار أي من النظام أو المعارضة على الطرف الآخر. وقد سعت قوى إلى طرح مشاريع للإدارة الذاتية في مناطق الجنوب، فيما عمد النظام لأول مرة إلى إقامة “معابر نظامية” تفصل مناطق سيطرته عن مناطق سيطرة المعارضة في بلدتي خربة غزالة وداعل.
وما لا يخفى عن الملاحظة في هذا التوزيع الجغرافي للمناطق التي ستشملها الخطة، أنها تستثني كل مناطق شرق البلاد، سواء تلك التي تخضع لسيطرة تنظيم “داعش” أم سيطرة الوحدات الكردية. هذه المناطق هي تقريباً تخضع لنفوذ الولايات المتحدة التي تدعم بشكل علني المليشيات الكردية هناك وتعتبرها الشريك الأساسي لها في محاربة تنظيم “داعش”. كذلك تستثني الخطة شمال سورية الأوسط، حيث النفوذ الرئيسي لتركيا، والتي تدعم مجموعات من “الجيش السوري الحر” إضافة للمكوّن العربي والتركماني، بما يضمن عدم اتصال الكانتونات الكردية ببعضها بعضاً. يضاف إلى ذلك، غرب حلب، حيث القصف مستمر، ودمشق ومحيطها والمناطق المحاذية للبنان من الزبداني إلى القصير حيث يوجد حزب الله وإيران.
ورأى عضو القيادة العسكرية في المنطقة الجنوبية أيمن العاسمي، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن أخطر ما في الخطة هو قضية المعابر بين مناطق النظام والمعارضة، والتي قد تكون مقدّمة للتقسيم في حال طال الوضع الراهن، وتراجعت فرص الحل السياسي، خصوصاً أن هذه المعابر ستكون خاضعة لقوى أجنبية وهم بشكل أساسي الروس والإيرانيون والأتراك. واعتبر العاسمي أن عدم شمول الاتفاق كل المناطق السورية يعدّ بمثابة قنابل موقوتة قد تنفجر في أي وقت وتطيح الخطة كلها. ورأى أن الخطة الروسية قد تكون مقدمة لتطبيق خطة أميركية كانت قيد الإعداد وألمح إليها الرئيس دونالد ترامب في أكثر من تصريح، إذ إن الأولوية عند الأميركيين هي محاربة تنظيم “داعش” وتقليص النفوذ الإيراني في المنطقة، معتبراً أن هذه الخطة، وعلى الرغم من اعترافها بإيران كدولة ضامنة للاتفاق، لكنها في المحصلة قد تقود إلى تقليص الدور الإيراني، خصوصاً مع دخول أطراف أخرى إلى المعادلة مثل الولايات المتحدة وقطر والأردن والسعودية، في مراحل لاحقة عند التطبيق العملي للخطة. وأضاف أن ما يدعم ذلك حديث روسيا أنه بعد ستة أشهر، أي مع نهاية المرحلة الأولى من الخطة، سيتم التفكير بوضع جدول زمني لسحب المليشيات التي تدعمها إيران من الأراضي السورية.
وكان اللواء المنشق محمد حاج علي، قد صرّح لـ”العربي الجديد” أن “المشكلة في هذا الاتفاق تكمن في مسائل عدة، أولاها كيف يمكن أن يكون العدو هو ضامن. والمسألة الأخرى هي ضرورة أن يتبع الاتفاق التوصل إلى حل سياسي دائم، لأننا نخشى أن تطول مدة إقامة هذه المناطق وتصبح عنواناً للتقسيم”. وأضاف حاج علي أنه “ليس لدى المعارضة ثقة بالروس والإيرانيين، ولا حتى الأتراك، في ضمان وقف إطلاق النار، لذلك فهي تريد أن يكون الاتفاق نتاج اتفاق دولي، وتشرف الأمم المتحدة على تطبيقه”، مشيراً أيضاً إلى وجود تعقيدات كثيرة تعترض الاتفاق من الناحية التنفيذية والميدانية.
من جهتها، طالبت فصائل المعارضة في بيان مشترك لها أمس أن يشمل أي وقف لإطلاق النار كل المناطق و”فصائل الثورة بلا استثناء، وقد تجاوبت الفصائل الثورية المسلحة بطريقة إيجابية مع عملية وقف إطلاق النار، إلا أن الدولة الضامنة لنظام الأسد لم تستطع إلزامه بتطبيق بنود اتفاق أنقرة الموقع في 29 كانون الأول/ ديسمبر 2016″، حسب تعبيرها.
روسيا تتفرّد بهندسة مناطق التهدئة السورية
موسكو، واشنطن ــ العربي الجديد
دخل اتفاق إنشاء مناطق الحد من التصعيد في سورية، حيز التنفيذ منتصف ليل الجمعة السبت، في ظل غموض لا يزال يلف الكثير من تفاصيله، وهواجس من تداعياته على الصراع في البلاد، فيما بدا أن روسيا هي اللاعب الأبرز في هذا الاتفاق، مع سعيها لهندسة هذه المناطق، بتحديد قوانينها وخرائط حدود هذه المناطق، إضافة إلى القوى التي ستشارك في تأمينها، مع بروز دور متصاعد للقوات الشيشانية والأنغوشية التي تستعين بها موسكو في الأراضي السورية، والتي قد يكون لها دور في هذا المجال.
ودخلت المذكرة التي وُقّع عليها خلال مؤتمر أستانة الخميس، حيز التنفيذ ليل الجمعة-السبت كما أعلنت وزارة الدفاع الروسية أمس، مشيرة إلى أنه تم تعليق استخدام الطائرات الحربية الروسية في المناطق المحددة بالاتفاق اعتباراً من 1 مايو/أيار الحالي. وأوضحت الوزارة في إيجاز صحافي أن فريق عمل مشتركاً ستشكله الدول الضامنة (روسيا وإيران وتركيا) سيتولى إعداد خرائط لحدود مناطق وقف التصعيد والمناطق العازلة (مناطق الأمن) التي ستمتد على حدود مناطق وقف التصعيد. وأكد رئيس مديرية العمليات العامة لهيئة الأركان الروسية، سيرغي رودسكوي، أن المناطق العازلة أو أشرطة الأمن، التي تهدف إلى منع وقوع صدامات عسكرية بين الأطراف المتنازعة، ستتضمن نقاطاً للرقابة على الالتزام بالهدنة وحواجز لضمان تنقل المدنيين غير المسلحين، وإيصال المساعدات الإنسانية ودعم الأنشطة الاقتصادية. وأعلن أن المذكرة تسمح بزيادة عدد المناطق الآمنة في المستقبل.
وفي دلالة على الدور الروسي الرئيسي في هذا الاتفاق، أعلن رئيس الوفد الروسي إلى مفاوضات أستانة، ألكسندر لافرنتييف، أنه يحظّر على طيران التحالف الدولي بقيادة واشنطن العمل في أجواء مناطق وقف التصعيد بسورية منذ التوقيع على المذكرة الخاصة بإنشاء هذه المناطق. وأوضح أن هذا الحظر ليس مسجلاً في المذكرة، ولكن “هذه المناطق مغلقة منذ الآن أمام طلعات التحالف الدولي”. وأوضح أن الأهداف التي يُسمح للتحالف الدولي بضربها في سورية هي مواقع “داعش” في منطقة الرقة وفي عدد من البلدات قرب الفرات، وفي دير الزور وفي الأراضي العراقية.
وبشأن نظام الرقابة على وقف إطلاق النار، أقر لافرنتييف أن العمل على صياغته لم يكتمل بعد. وتابع أنه لم يتم بعد تحديد الدول التي سترسل مراقبيها إلى مناطق وقف التصعيد، لكنه رجح مشاركة الأردن في الرقابة على وقف إطلاق النار في المنطقة الجنوبية. وأضاف: “نشر مراقبين من أي دول ثالثة وإشراكهم في بعثات المراقبة بالأشرطة الآمنة التي ستنشأ عند حدود مناطق وقف التصعيد يتم بالتوافق بين الدول الضامنة”.
ويبقى موضوع القوات المشاركة في تأمين هذه المناطق الملف الأكثر غموضاً. ووفق الاتفاق، فإنه على طول حدود “مناطق تخفيف التصعيد”، سيتم إنشاء “مناطق أمنية” تتضمن حواجز ومناطق مراقبة، الهدف منها تفادي أي حوادث أو مواجهات بين الأطراف المتنازعة. ومن المفترض، وفق المذكرة، أن تؤمن قوات من الدول الضامنة الحواجز ومراكز المراقبة وإدارة “المناطق الأمنية”. كما من الممكن أن يتم “نشر أطراف أخرى في حال الضرورة”. هذه “الأطراف الأخرى” تثير تساؤلات عن هويتها. وفي هذا السياق، كان لافتاً ما كشفته مجلة “فورين بوليسي” الأميركية عن تصاعد دور الوحدات الخاصة الشيشانية والأنغوشية التي تستعين بها موسكو في سورية. هذا الأمر يطرح تساؤلات عن إمكان استعانة موسكو بهذه القوات لتأمين “مناطق الحد من التصعيد”.
وأشارت المجلة إلى تضخم عدد “المقاولين الخاصين” الذين يقاتلون نيابة عن الكرملين، لافتة إلى نشر وحدات عديدة من الكوماندوس الشيشاني والأنغوشي. واعتبرت أن الانتشار المستمر لهذه الكتائب يمثّل تحولاً استراتيجياً للكرملين، إذ إن هذا الوجود المتزايد يسمح لموسكو بأن يكون لها دور أكبر في تقرير الأحداث على الأرض. وبحسب المجلة، يمكن لهذه القوات أن تكون حيوية في الحد من أي إجراء يتخذه نظام الأسد من شأنه أن يقوّض مصالح موسكو.
وقالت “فورين بوليسي” إن الدور والحجم الدقيق لهذه الكتائب غير مؤكد، مشيرة إلى أن تقارير أولية ذكرت أن عدد الشيشان المنتشرين بلغ في ديسمبر/كانون الأول الماضي حوالى 500 عنصر، بينما اقترحت بعض التقديرات ما يتراوح بين 300 و400، فيما عدد الأنغوش أقل ويصل لحوالى 300. وعلى الرغم من تسمية هذه القوات بأنها “شرطة عسكرية”، فقد أفادت التقارير بأن الوحدات يجري توظيفها في دور يتجاوز بكثير حرس المنطقة الخلفية، وهي مهمة نموذجية لهذه الوحدات: إدارة نقاط التفتيش، وتوزيع المساعدات، وحراسة القواعد، وحتى تنسيق الدفاع عن معاقل مؤيدة للنظام مع قوات الأخير.
ويبقى الموقف الأميركي من هذا الاتفاق وتطوراته الأبرز، وفي هذا السياق أعلنت موسكو أن وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأميركي ريكس تيلرسون سيبحثان موضوع مناطق وقف التصعيد في سورية، خلال لقائهما المقرر على هامش اجتماع مجلس القطب الشمالي في ألاسكا يومي 10 و11 مايو/أيار الحالي.
وكانت واشنطن قد رحّبت بحذر باتفاق إنشاء مناطق تخفيف التصعيد، لكنها أعربت عن القلق إزاء قيام إيران بدور في الاتفاق. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، هيذر نورت: “ما زالت لدينا مخاوف بشأن اتفاق أستانة حول مشاركة إيران بصفتها ما يسمى بلداً ضامناً”. وتابعت أن “ما حققته نشاطات إيران في سورية هو المساهمة في العنف، لا وقفه، فيما أدى الدعم الإيراني المطلق لنظام (بشار) الأسد إلى إطالة مأساة السوريين العاديين”.
كذلك طالبت باريس بمتابعة دولية لاتفاق إقامة “مناطق تخفيف التصعيد”. وقال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية إن بلاده “تنتظر أن تترجم هذه الالتزامات على أرض الواقع، وأن تتيح إيصال المساعدات الإنسانية بحرية”. وأضاف أن فرنسا “تجدد الإعراب عن أملها في أن يخضع وقف القتال لمتابعة دولية وحدها كفيلة بمنع معاودة العنف لاحقاً”.
في المقابل، أعرب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ونظيره الكازاخي، نور سلطان نزاربايف، عن ارتياحهما لتوقيع مذكرة إنشاء مناطق وقف التصعيد. وأفادت الرئاسة الروسية في بيان بأن الرئيسين بحثا هاتفياً، أمس الجمعة، نتائج الجولة الأخيرة من مفاوضات أستانة، وأعربا عن أملهما في أن تنفيذ مذكرة مناطق وقف التصعيد سيسمح بتعزيز نظام وقف إطلاق النار وسيساعد على تسوية الأزمة السورية. وكان بوتين قد عقد اجتماعاً مع مجلس الأمن القومي الروسي جرى خلاله تبادل الآراء بشأن تسوية الأزمة السورية.
حتى لا تحِلّ أستانة محل جنيف/ محمود الريماوي
شيئاً فشيئاً تتحول الاجتماعات في العاصمة الكازاخستانية أستانة إلى بديل لمفاوضات جنيف. صممت هذه الاجتماعات وأخرجتها الدبلوماسية الروسية، بالتنسيق مع طهران والنظام في دمشق، ثم جذبت إليها تركيا، ولاحقاً المعارضة السورية وموفد الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا. وبينما يتردّد دائماً أن الهدف من الاجتماعات هو وقف إطلاق النار وتنظيم هدنات، تعمل موسكو على منح صفة سياسية لهذه الاجتماعات، ابتداء من تصويرها “مطبخاً خلفياً” لمفاوضات جنيف، وأنها تشقّ الطريق وتمهدها أمام تلك المفاوضات. ومن أجل تغليب الطابع السياسي على هذه الاجتماعات، فإن نظام دمشق يتمثل فيها بوفد سياسي، هو نفسه الوفد إلى جنيف، مضافاً إليه مستشارون عسكريون وأمنيون، بينما يقتصر تمثيل المعارضة على قادة فصائل المعارضة.
شيئاً فشيئاً، وأمام انعدام المبادرات من أصدقاء سورية، فإن استئناف مفاوضات جنيف أصبح مرهوناً بما يجري في أستانة، والأولوية هي هناك. وابتداء من الأربعاء الماضي (3 مايو/ أيار الجاري) عقدت جولة رابعة، من دون رؤية أية نتيجة على الأرض للاجتماعات السابقة سوى تهجير المدنيين من ريف دمشق ومن حمص، وسوى تواصل قصف الطيران مناطق سكنية في إدلب ودرعا، ومشافي ومراكز الدفاع المدني هنا وهناك. حتى صباح الخميس، كان وفد المعارضة يرفض الانضمام إلى الاجتماعات لعدة أسباب، من أبرزها أن الطرف الذي يقدّم نفسه ضامناً لاتفاق وقف إطلاق النار، وهو روسيا، لا يتوقف قصف طيرانه على مرافق مدنية.
يُعيد البيان الذي أصدرته المعارضة التذكير باتفاق تركي روسي على وقف إطلاق النار جرى
“الاكتفاء بما سُمّي تخفيف التصعيد وصفةٌ أو صيغةٌ يسهل استخدامها لإطالة الأزمة” في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وتم إيداع وثائقه في الأمم المتحدة، لكن النظام وحلفاءه لم يسبق أن التزموا بما يتم الاتفاق عليه.. والمؤسف أن الطيران الروسي طرفٌ أساسٌ في الخروق الجسيمة.
في الدورة الجديدة لاجتماعات أستانة، تقدّم الطرف الروسي خطوةً أخرى، طارحاً فكرة تتلاقى مع المقترح التركي والأميركي، ومع مطلب المعارضة إنشاء مناطق آمنة. وقد جاءت مبادرة موسكو هذه لقطع الطريق على واشنطن، وعلى اللقاء بين الرئيسين دونالد ترامب ورجب طيب أردوغان، قبل أن تتبلور فكرتهما نحو المناطق الآمنة. وقد جاء الطرح الروسي ليستبدل مطلب مناطق آمنة، وكذلك ليستعيض عن مطلب وقف إطلاق النار، بمقترح مناطق تخفيف التصعيد، وهي تسميةٌ مخاتلة تسمح بالتنصل من الالتزامات، ما دامت الأمور غائمةً على هذا النحو. إذ بعد 74 شهراً من إطلاق النيران، بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة، وبغير توقف، فإن وقف إطلاق النار لا يمثل بعد هدفاً راهناً، بل المطلوب تخفيف التصعيد فقط، ما يثير تساؤلاتٍ جدّية حول: كيف يمكن قياس تخفيف التصعيد، وما هي معايير التصعيد، ومحدّدات تخفيفه؟ يتحدّث المقترح، كما تم تسريب بعض بنوده، عن دول ضامنة، ودول قد تشارك في قوات فصل. ومن بين الدول الضامنة إيران التي أعلن مسؤولون فيها، عشية اجتماعات أستانة، عن إرسال مزيدٍ من القوات الإيرانية البرية إلى سورية، من أجل مواصلة “الجهاد المقدّس” فيها.
استرعى الانتباه أن الرئيس التركي، أردوغان، الذي عقد لقاء قمة مع الرئيس فلاديمير بوتين، تزامناً مع افتتاح اجتماعات أستانة، أبدى تأييداً مبدئياً للطرح الروسي، مُذكّراً أنه لطالما دعت بلاده إلى هذا المطلب، من دون الدخول في تفاصيل، وقد تسرّب أن أنقرة طلبت إضافة منطقة رابعة في ريف اللاذقية إلى المناطق الثلاث التي اقترحتها موسكو في ريف دمشق وإدلب وريف حماة. ومع توارد الأنباء عن وثائق أربع أعدّتها موسكو، فالثابت أن الجدل حولها سوف يستغرق وقتاً، وكذلك الجدل لدى البدء بتطبيقها، إنْ قُيّض لهذا التطبيق أن يتم. لكن، هل سيتوقف إطلاق النار خلال ذلك؟ ليست هناك أية ضمانة على الإطلاق، بالنظر إلى تجارب عديدة سابقة. هل سيتوقف استهداف المدنيين والمرافق المدنية؟ لا ضمانة، فلم يسبق لهذه الاجتماعات أن حرّمت استهداف المدنيين والمرافق المدنية أو جرّمته، علماً أن بعض ما سُرّب من وثائق إلى وسائل الإعلام يتضمن “مواصلة القتال ضد جبهة النصرة والأشخاص والجماعات والمنظمات التابعة لها”، وهي صيغةٌ تسمح، وقد سمحت من قبل، بادّعاء إيران ومليشياتها، وكذلك من النظام، أن كل فصائل المعارضة هي على هذه الشاكلة. وذلك في وقت تُطلق فيه أيدي مليشيات إيران اللبنانية والعراقية والأفغانية والباكستانية، إضافة إلى الحرس الثوري، لخوض “جهادها المقدّس” ضد الشعب السوري، وعلى أرض هذا الشعب.. وحجة الدبلوماسية الروسية أن مجلس الأمن لم يُصدر بعد قراراً بخصوص هذه المليشيات، ولو تقدّم طرفٌ بمشروع قرارٍ لمجلس الأمن بخصوصها لأفشلته روسيا.
لمواجهة ذلك، وبصرف النظر عن نتائج اجتماعات أستانة، من المهم التمسّك بمطلب مناطق
“قُصد من اجتماعات أستانة منح إيران مكافأة معنوية سخية، نظير جهادها” آمنة يُحظر فيها الطيران، ويتم وقف إطلاق النار بقوة فصل محايدة، وفي مناطق متفق عليها، بما يسمح بعودة اللاجئين إلى ديارهم، ويضع حداً لسياسة الاقتلاع والتغيير الديمغرافي القسري. على أن يتساوق ذلك مع استئناف مفاوضات جنيف، وتطبيق ما تتضمنه مرجعية هذه المفاوضات، بضمانات ورعاية إقليمية ودولية. أما الاكتفاء بما سُمّي تخفيف التصعيد فهو وصفةٌ أو صيغةٌ يسهل استخدامها لإطالة الأزمة، وتحت ادّعاءات شتّى، منها القول إن ما قد يجري ليس تصعيداً، بل تخفيفاً له! والهدف هو جبهة النصرة ومن يشايعها. وفي حالاتٍ سابقةٍ، وبينما كان القصف الجوي والمدفعي يتواصل في مناطق عديدة، ويسقط المدنيون يومياً وبالعشرات، كانت التصريحات من هنا وهناك تصدر وتتحدّث أن وقف إطلاق النار يجري احترامه بصورة كبيرة!، وقد انزلق المبعوث الأممي من قبل إلى إطلاق مثل هذه التصريحات المُجافية للواقع والوقائع. وها هو المبعوث قد حضر إلى أستانة بصفة مراقب، في رسالةٍ ضمنية من منظمي هذه الاجتماعات مفادها بأن المنظمة الدولية التي تمثل كل دول الأرض وشعوبها لا يحق لها المشاركة، أو التذكير بالقرارات الدولية الصادرة عنها، وذات الصلة بالأزمة السورية، والواجبة الاحترام والتنفيذ. وواقع الحال أنه قُصد من اجتماعات أستانة، في الأساس، إقصاء المنظمة الدولية والمجتمع الدولي وأصدقاء سورية، ومنح إيران مكافأة معنوية سخية، نظير جهادها، وهي ومليشياتها ضد شعب سورية، ومضاعفة المحنة التي يتجرّعها هذا الشعب العربي.
“مناطق التهدئة”: اختراع روسي لإدامة الحرب؟
نقلت وكالات أنباء روسية عن المبعوث الروسي إلى محادثات السلام السورية ألكسندر لافرنتييف قوله، الجمعة، إن “المناطق الآمنة” التي ستقام في سوريا ستُغلق أمام الطائرات الحربية الأميركية وطائرات “التحالف الدولي”.
وقالت “الأمم المتحدة” في بيان لها إن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس، متحمس للاتفاق، إذ “سيكون من المهم أن يؤدي هذا الاتفاق بالفعل إلى تحسين حياة السوريين”.
وجاء في بيان لوزارة الخارجية الأميركية: “تدعم الولايات المتحدة أي جهد يمكن أن يخفف، بشكل حقيقي، العنف داخل سوريا، ويضمن الوصول غير المشروط للمساعدات الإنسانية، ويركز الطاقات على محاربة داعش وإرهابيين آخرين، ويهيء الظروف لحل سياسي موثوق للصراع”. وتابع “نثمن جهود تركيا والاتحاد الروسي للتوصل إلى هذا الاتفاق، وقد شجعنا المعارضة السورية على المشاركة بشكل فاعل في المباحثات بالرغم من صعوبة الظروف على الأرض”.
وأشار البيان إلى أن الولايات المتحدة تسلمت نسخة من الاتفاق، الذي توصلت إليه الدول الثلاث في اجتماع أستانة، إلا أنها أكدت أن الحكومة الأميركية “ليست مشاركة مباشرة في المفاوضات وليست طرفاً في الاتفاق حتى الآن”.
وأعربت واشنطن عن مخاوفها من اتفاق “أستانة 4″، “بما في ذلك ضلوع إيران في ما يدعى بدور الكفيل، وذلك لأن دور إيران في سوريا ساهم في العنف فقط، وليس في إيقافه، بالإضافة إلى أن دعمها غير المشروط لنظام الأسد ساهم في استمرار معاناة السوريين العاديين”. وأضاف البيان “نحن نتوقع من النظام وقف كل الهجمات ضد المدنيين وقوى المعارضة، وهو أمر لم يفعله من قبل، ونتوقع من روسيا ضمان امتثال النظام”. وتابع “على المعارضة أن تفي بالتزاماتها مع تركيا ككفيل، بفصل نفسها عن الجماعات الإرهابية المصنفة، بما في ذلك هيئة تحرير الشام، والتي تواصل اختطاف آمال الشعب السوري في حكومة تمثيل ومساءلة”.
التوافق على إنشاء “مناطق خفض التوتر” في ريف دمشق وإدلب وشمال حمص والجنوب السوري، والتي وقعها ممثلو البلدان “الضامنة”؛ تركيا وإيران وروسيا، اشتملت على مذكرة تضمنت أجندة زمنية يبدأ تنفيذها السبت بإقرار “وقف شامل للنار” في هذه المناطق، على أن يتم تشكيل فريق عمل في غضون أسبوعين لوضع خرائط محددة للمناطق وتحديد آليات الرقابة.
ورفضت المعارضة القبول ببند يُفوّض البلدان الضامنة بنشر “قوات مراقبة” ما يجعل لإيران دوراً في الاشراف على “وقف اطلاق النار” وهي التي تشنّ الهجمات ضد المناطق المحررة. وانسحب أربعة أعضاء من وفد المعارضة من الجلسة الختامية عندما دُعيَ رئيس الوفد الإيراني إلى المنصة لتوقيع المذكرة.
رئيس الوفد الروسي قال إن بلاده ستعمل “ما في وسعها لتجنب استخدام الطيران في المناطق الآمنة”، مؤكداً أن الاتفاق ينص على هدنة لستة شهور قابلة للتمديد. وقال إن الحديث عن انسحاب القوات التابعة لإيران من سوريا ممكن بعد تثبيت “هدنة مستقرة”.
وأصدر وفد المعارضة بياناً رفض فيه “أي مبادرة أو اتفاق عسكري أو سياسي، ما لم يكن معتمداً بشكل مُلزِم على قرار مجلس الأمن 18/ 2/ 2013، وجميع القرارات الدولية ذات الصلة، وفي شكل خاص القرار 2254/ 2015 وبنوده 10 و12 و13 و14، والمتضمنة شروط مبادئ وإجراءات تفاوضية بموجب القانون الدولي الإنساني”. وجدد الوفد تأكيده رفض أي اتفاق ما لم يتضمن “وحدة الأراضي السورية، ورفض دور إيران ومليشياتها كضامن، واعتبارها دولة معادية، بالإضافة إلى وضع جدول زمني لخروج المليشيات الأجنبية، وأن يكون اتفاق وقف النار شاملاً، فضلاً عن وجود ضمانات ملموسة بالتزام الدول الضامنة أي اتفاق أو تعهُّد، وتأكيد جميع القرارات الدولية ذات الصلة، وبخاصة قرارات مجلس الأمن 18/ 2/ 2013 و2254/ 2015”.
ومناطق “خفض التوتر” أو “التهدئة” هو اختراع روسي، لتخفيف وضبط الأعمال القتالية بين الأطراف المتنازعة. ويعني ذلك “وقفاً لإطلاق النار” في هذه المناطق، ووقفاً لتحليق الطيران العسكري “شرط ألا يسجَّل أي نشاط عسكري في تلك المناطق” وفق ما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أوضح أن محاربة “التنظيمات الإرهابية” مثل تنظيم “الدولة الإسلامية” أو “جبهة فتح الشام” ستتواصل حتى مع إقرار هذه المناطق. ما يعني استمرار العمليات العسكرية لحلفاء النظام، ضد مناطق المعارضة، بما يتوافق مع مصالحهم الاستراتيجية، ويخضع لتفسيرهم الخاص لوجود “المنظمات الإرهابية”. القصف الجوي الروسي على أحياء حلب الشرقية، لدعم هجمات إيران والنظام البرية، استمر حتى إخراج كامل سكان الشرقية، بحجة وجود “جبهة النصرة” والتي لم يتجاوز عدد مقاتليها في الأحياء الشرقية بضع مئات من أصل 14 ألف مقاتل من فصائل المعارضة، باعتراف الأمم المتحدة والمبعوث الدولي إلى سوريا.
وستوفر مناطق خفض التوتر المقترحة “وصولاً إنسانياً سريعاً وآمناً” و”تهيئة لظروف العودة الآمنة والطوعية للاجئين” طبقاً للمقترح الروسي.
و”مناطق خفض التوتر” هي أقل تأميناً وحماية من المناطق “الآمنة” أو “العازلة” التي تقام عادة في مناطق تتعرض لحروب وصراعات داخلية. وتتطلب “المنطقة الآمنة” موافقة من “مجلس الأمن” وفرض حظر جوي ووجود قوات مجهزة على الأرض لمنع الاعتداء على المدنيين. بينما لا يقتضي إقامة “مناطق خفض التوتر” موافقة دولية أو فرقاً عسكرية مجهزة ومنتشرة على الأرض.
المدن
خطة أميركية لسوريا.. لبنان ليس بعيداً/ منير الربيع
لا توحي الأجواء أن إتفاق آستانة سينفّذ. قد يكون وقف إطلاق النار مطلب كل القوى في سوريا وخارجها، إنما الصراع على مناطق النفوذ، وعلى المرحلة المقبلة، لايزال مستمرّاً بين الجميع. بيان وزارة الخارجية الأميركية كان واضحاً في رفض وجود إيران كضامن لتنفيذ هذا الإتفاق. لدى واشنطن شروط عديدة للسير في أي تسوية سورية، أولها إبعاد إيران على المناطق الأساسية وخصوصاً الحدودية منها، سواء أكان في الجنوب السوري، أم من الحدود العراقية، وحتى تقويض نفوذها على الحدود اللبنانية. صحيح أن واشنطن تدعم مناطق آمنة في سوريا، لكن ليس بالطريقة التي خرج بها آستانة.
سارعت إيران إلى التمسّك بالتوقيع على مندرجات آستانة لتضمن موقعها في اللعبة المستقبلية. وبموجب هذا التوقيع، فإن إعلان آستانة سيلحظ شرعية من الدول الموقعة على الإتفاق، للنفوذ الإيراني على منطقة جغرافية واسعة تمتد من وادي بردى إلى تلكلخ، أي يكون هذا النفوذ على طول الحدود اللبنانية السورية. هذا الإتفاق، يمثّل تقسيماً واضحاً لمناطق النفوذ، فبالإضافة إلى منطقة النفوذ الإيرانية على الحدود اللبنانية السورية، سيكون الساحل منطقة مستقرة خاضعة للنفوذ الروسي، وللأتراك المنطقة الشمالية، والأكراد في الحسكة، والأميركيون والبريطانيون في درعا. لكن هناك اعتراضات كثيرة على هذا الإتفاق، ومصيره سيكون معلّقاً على ثلاثة اجتماعات أساسية. الأول بين وزيري الخارجيتين الأميركي والروسي في آلاسكا، واللقاء بين الرئيسين الأميركي والتركي، وفيما بعد لقاء ترامب مع قادة دول الخليج. وتؤكد المصادر أن هذه الاجتماعات ستغيّر كثيراً من هذا الإتفاق إلى حدّ إلغائه.
هذا المنطق لن يمرّ، لأنه يتعارض مع خريطة الطريق الأميركية، والتي تتلخص بالقضاء على داعش، واستعادة المناطق التي سلّمها النظام إلى التنظيم، وتصبح بيد المعارضة السورية القريبة من واشنطن، من جهة الشرق للأكراد وقوات سوريا الديمقراطية، والجهة الجنوبية الشرقية في اتجاه الحدود العراقية السورية، ستكون تحت سيطرة قوات معارضة قريبة من واشنطن ولندن. والقنيطرة ستكون خاضعة لترتيب دولي تحت رعاية المعارضة، فيما المنطقة الشمالية ستكون على جدول الإتفاقات بين دونالد ترامب ورجب طيب اردوغان. وربما يجري الإتفاق بين الرجلين حول إمكانية إطلاق عملية درع العاصي، لمحاربة تنظيم القاعدة في إدلب، ولمشاركة الطيران التركي في معركة الرقة.
وأصرت أنقرة على مشاركة الفصائل المعارضة في اجتماع آستانة 4 بناء على إتفاق مع موسكو، ولكن رفض الفصائل وجود إيران كضامن لتنفيذ الإتفاق، كان رسالة تركية واضحة، فلم ترد أنقرة الإختلاف مع الروس أو إفشال المؤتمر، ولكنها أيضاً لا تريد القطع مع واشنطن. وهي تنتظر ما يمكن أن يتم التوافق عليه مستقبلاً. في الأجواء المتداولة، ثمة من يشير إلى إمكان بلورة تفاهم ثلاثي، أميركي- روسي- تركي، في وجه إيران في سوريا.
وهذا ما سينجم عنه، تقويض النفوذ الإيراني، وعدم الاعتراف بأي منطقة خاضعة لسيطرة طهران وحلفائها. وهذا ما سيبدأ من المنطقة الجنوبية، التي من المفترض أن تُطلق فيها عملية عسكرية جديدة شبيهة بعملية درع الفرات في الشمال، تحت إسم درع اليرموك وتشارك فيها قوات معارضة معتدلة، تعمل على مواجهة تنظيم داعش، وحزب الله في القنيطرة. وكذلك الأمر في درعا وإنطلاقاً منها نحو البادية، والحدود السورية العراقية، حيث قد يطلق على الفصائل إسم درع الشرقية لتتولى السيطرة الكاملة على الحدود الجنوبية مع العراق، ولمحاصرة تنظيم داعش من الجهة الجنوبي لدير الزور. وتشير الأجواء إلى تمسّك أميركي بوجوب محاصرة النفوذ الإيراني في دمشق ومحيطها وتقويضه عبر هجوم من الجهة الشرقية.
تعرف إيران وحزب الله أنهما مستهدفان من هذه العملية السياسية. وهذا الاستهداف قد يتطور إلى توسيع العمليات العسكرية ضد الإيرانيين وعناصر حزب الله في سوريا. لكن قوة إيران تكمن في الميدان، بالتالي فإن الرد سيكون عسكرياً، لكن كيف وأين ومتى؟ الجواب تحمله التطورات والأيام المقبلة. وماذا عن لبنان في ضوء هذه التطورات؟ هناك من يشير إلى أنه لن يكون بعيداً عنها، بالنسبة إلى الطرفين الدوليين.
المدن
خريطة “المناطق العازلة” في سوريا
كشفت وزارة الدفاع الروسية، الجمعة، وللمرة الأولى، خريطة المناطق التي يشملها اتفاق “مناطق التهدئة”، إلا أنها أشارت إليها بتسمية مغايرة لما تم الحديث عنه بعد التوصل إلى الاتفاق في أستانة، وأسمتها “المناطق العازلة” أو “مناطق أشرطة الأمن”.
ونقلت قناة “روسيا اليوم” عن رئيس إدارة العمليات العامة في هيئة الأركان الروسية الفريق أول سيرغي رودسكوي قوله، إن هذا الاتفاق يهدف إلى منع وقوع اشتباكات بين الأطراف المتنازعة في سوريا، وأكد أنه سيدخل حيّز التنفيذ مع حلول يوم السبت، وسيتم إنشاء نقاط للرقابة على الالتزام بالهدنة، وحواجز لضمان تنقل المدنيين، وإيصال المساعدات الإنسانية ودعم الأنشطة الاقتصادية.
وأوضح رودسكوي أن أكبر منطقة تم إنشاؤها في شمال سوريا، وهي تشمل ريف إدلب والمناطق المحاذية – مناطق شمال شرقي ريف اللاذقية، وغربي ريف حلب وشمال ريف حماة. ويسكن في هذه المنطقة أكثر من مليون شخص، وتسيطر عليها تشكيلات مسلحة تضم أكثر من 14.5 ألف فرد.
وتمتد المنطقة الثانية شمالي ريف حمص، وهي تشمل مدينتي الرستن وتلبيسة والمناطق المحاذية الخاضعة لسيطرة فصائل مسلحة تضم نحو 3 آلاف فرد. ويسكن في المنطقة قرابة 180 ألف نسمة.
وتشمل المنطقة الثالثة الغوطة الشرقية، حيث يسكن قرابة 690 ألف مدني. وشدد رودسكوي على أن هذه المنطقة لا تشمل القابون التي تسيطر عليها بالكامل “هيئة تحرير الشام”. ويبقى هذا المعقل للمعارضة مصدرا لعمليات القصف على دمشق، بما في ذلك على محيط السفارة الروسية. وشدد على أن عملية “محاربة الإرهاب” في هذه المنطقة ستستمر.
أما المنطقة الرابعة فتمتد في جنوب سوريا في المناطق المحاذية للحدود الأردنية في ريفي درعا والقنيطرة. وتخضع أغلبية الأراضي في هذه المنطقة لـ”الجبهة الجنوبية” التي تضم نحو 15 ألف مسلح. ويسكن في المنطقة نحو 800 ألف مدني.
وبذلك يبلغ عدد مسلحي المعارضة في المناطق الأربع نحو 42 ألف فرد.
حوار روسي أميركي في الشرق الأوسط: تفاوض حول عدم التصادم
ترى تحاليل المتابعين لشؤون منطقة الشرق الأوسط ضرورة الحد من التجاذب الثنائي الذي يحكم العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية لإطفاء الحرائق المندلعة في الشرق الأوسط، حيث تزيد سياسة المحاور التي ينتهجها كلا الطرفين في تصعيد مستويات التوتر في منطقة الشرق الأوسط. وترى مجموعة الشرق الاستشارية “ميدل ايست بريفينغ” أن الوضع الراهن يتطلب الحوار بين روسيا والولايات المتحدة سواء رغب الطرفان في ذلك أم لم يرغبا.
تحاول روسيا الاستفادة من ساحة المعركة السورية في مفاوضاتها الأوسع مع الولايات المتحدة. وبالتالي تعمل موسكو على لعب دور “المفسد” في ساحة المعركة السورية لزيادة المخاطر التي تواجه الولايات المتحدة في عملياتها هناك، في محاولة لجذب الأميركيين للحوار.
وينزّل بعض الخبراء في هذا السياق الخطة الروسية الأخيرة بشأن المناطق لتخفيف التصعيد في سوريا، والتي اتفقت عليها موسكو مع طهران وأنقرة. واستقبلت واشنطن هذا الاتفاق بتشكّك. وعبرت الخارجية الأميركية عن قلقها من الاتفاق، وقالت إنها تشك في مشاركة إيران كدولة ضامنة له وفي سجل دمشق في ما يتعلق بتنفيذ اتفاقات سابقة.
ويؤكد الموقف الأميركي أن آفاق أي تسوية أو اتفاق قد ترتبط بتساؤلات عن قدرة روسيا على توفير ضمانات ملموسة بتقييد التحركات الإقليمية لحلفائها الإيرانيين وإلزامهم بمحاذير سياسية وأمنية محددة، وهو الأمر الذي لم تنجح في فرضه في الفترة السابقة.
ومع ذلك، لا يرى خبراء في مركز ستراتفور الأميركي للأبحاث الأمنية والإستراتيجية أن هناك تصعيدا سلبيا في أفق العلاقات بين موسكو وواشنطن، بل بالعكس يرى المركز أن هناك إمكانية للجانبين للتفاوض حول عدم التصادم. ويتوقع أن ينمو حجم التعاون بين روسيا والولايات المتحدة خلال الربع الثاني من العام 2017.
التقاء في الخليج العربي
تتفق مجموعة الشرق الاستشارية (ميدل ايست بريفنغ) مع ما جاء في توقعات ستراتفور للربع الثاني من العام الحالي، مشيرة بدورها في تقرير حديث لها إلى أن مصالح الطرفين تقتضي الحوار أكثر من أي وقت مضى. وبينما تركز واشنطن على الحرب ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية، تمدّ روسيا يدا لإيران فيما يدها الأخرى ممدودة لحلفاء الولايات المتحدة وخصوم إيران، أي لدول الخليج العربي، وتلتقي الأطراف الثلاثة في الحرب ضدّ الإرهاب.
وتدق المجموعة البحثية الأميركية التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، على أكثر الأوتار حساسية في هذه العلاقة الثلاثية، وهي دول الخليج العربي وما تمثله من حليف استراتيجي للطرفين الروسي والأميركي. وهذه الأهمية هي التي تفرض على الخصمين التقليديين التوصل إلى اتفاق حول الأوضاع الأمنية في دول الخليج.
ويكمن السبب في أن روسيا لها نفوذها الخاص في إيران كما هو حال الولايات المتحدة وما تتمتع به من نفوذ في دول مجلس التعاون الخليجي. وإذا استخدمت القوتان العظمتان علاقاتهما للتوصل إلى مصالحة إقليمية، ولعبتا دورا في التوصل إلى وحدة أمنية بين ضفتي الخليج، لن يكون هناك مصدر للاضطرابات والعنف والإرهاب في الشرق الأوسط كنتيجة لذلك.
هدت العلاقات الخليجية الروسية تحسنا ملحوظا في السنوات الأخيرة على الرغم من وجود العديد من الخلافات. وعلى الرغم من أن إيران تمثل تهديدا مباشرا لدول الخليج، إلا أن روسيا، والتي تعتبر أقرب حليف لطهران، لم تسع لإفساد العلاقات الخليجية الروسية. كذلك لم تستطع الأزمة السورية، والتوسع المطرد للحرس الثوري الإيراني في العراق، وتدخله في اليمن، والاتفاق النووي التأثير أيضا على العلاقات الروسية الخليجية.
ومن الممكن تفسير ما حدث على أن السياسة العربية تأخذ حذرها لتجنب اكتساب الأعداء في ظل مواجهتها للنفوذ الإيراني. وهذا يدل على رغبة دول الخليج العربي في إبقاء قنواتها مفتوحة مع بلد يتمتع بالنفوذ القوي على إيران، للاستعانة به في حال نشوب صراع مباشر أو أثناء عقد المفاوضات. وتتفهم روسيا بدورها تحوُّل دول الخليج إلى قوة إقليمية قادرة على تشكيل الأحداث في الشرق الأوسط، وتعتبرها لاعبا رائدا في تلك المنطقة.
وأيا كانت الأسباب، نرى تبادل زيارات متكررا من حين لآخر بين المسؤولين الروس والمسؤولين الخليجيين. ومع ذلك، يبدو حساب اللعبة بالنسبة إلى موسكو بسيطا: ففي محاولة من روسيا لاسترجاع مكانتها في النظام العالمي الحالي، تأمل موسكو أن تقلص دول الخليج من توجهها عن الغرب وأن تميل نحو الشرق بدلا أكثر. لكن يبدو أن سقف توقعات الكرملين منخفض من ناحية دول الخليج عنه في إيران أو سوريا. وعلى ما يبدو فإن العلاقات بين الغرب ودول الخليج العربي غير قابلة للكسر.
يذكّر دور روسيا في إيران الآن بدور الاتحاد السوفييتي في مصر خلال الستينات، لكن المقارنة لا تظهر عادلة في الكثير من الجوانب من الناحية التاريخية؛ فإيران ليست عربية ولا سنية، والعصر الحالي ليس كعصر صعود القومية العربية، وعوامل أخرى كثيرة. لكن في كلتا الحالتين، لم تلعب موسكو دورا لتقييد التحركات الإقليمية لحلفائها في طهران. هناك الكثير من الدروس التي يمكن أن نتعلمها من التاريخ، وهناك الكثير من الاختلافات بين الماضي والحاضر التي يجب أن تُأخذ في الاعتبار من حيث تأثيرها على العلاقات المتنامية بين روسيا ودول الخليج.
تغييرات بحكم أمر واقع
لقد تغير موقف الولايات المتحدة في ما يتعلق بروسيا، منذ وقت الغزو الروسي لأفغانستان وحتى وقت المعارضات الروسية الأوكرانية. وحتى في فترة ما بعد الحرب الباردة، تغير موقف الولايات المتحدة بسبب عوامل داخلية. لا يوجد عاقل في الولايات المتحدة، سواء كان سياسيا أم لم يكن، يستطيع أن يتخيل مرة أخرى حدوث سيناريو مشابه لغزو العراق.
روسيا أيضا تتغير، فلم تعد لديها نفس الأيديولوجيا والقوة الاقتصادية والقوة العسكرية والعلاقات الدولية، مثلما كان الاتحاد السوفييتي سابقا. وينطبق نفس المبدأ على دول الخليج، فقبل عقد من الزمن، تحدّث البعض عن الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والنمو العسكري والتأثير الإقليمي. أما الآن، فلم يعد الحال كما هو في الماضي.
ونتيجة لذلك شهدت العلاقات الروسية-الخليجية منذ عام 2011 تناميا ملحوظا، حيث عقد وزراء خارجية الجانبين سلسلة من المحادثات المنتظمة التي ارتكزت على مناقشة بعض المخاوف المشتركة مثل الإرهاب والاستقرار الإقليمي والتجارة والنفط.
وتبدو الصورة الراهنة معقدة بعض الشيء، جاعلة من إقرار توازن استراتيجي في المنطقة تحديا صعبا بالنسبة إلى موسكو، حيث يتوسع النفوذ الإيراني في العراق وفي سوريا، وفي لبنان، وأيضا من خلال مساعدة الحلفاء الطائفيين داخل دول مجلس التعاون الخليجي.
وتتشارك الولايات المتحدة وروسيا في مهمة واحدة هي محاربة الإرهاب، ولكن حتى الآن، تتمثل محاربة الإرهاب في توجيه الضربات العسكرية بأم القنابل الأميركية وأبي القنابل الروسي. وعلى الرغم من أن الوقت قد حان لكي يتحد الأبوان معا، فإن إنجاز المهمة باستخدام “القنابل” لا يصل بنا إلى المعركة الحقيقية، التي تتطلب أيضا البعض من الدبلوماسية، وتجديد الخطابات الدينية، والحوار والتنمية الاقتصادية والسماح للنقاش الحر دون خوف وفرض قيود، لتتماشى جنبا إلى جنب مع كل من “أم وأب القنابل”.
وبينما تسير المنافسة الإستراتيجية الإقليمية بين إيران والعرب عكس تحقيق الاستقرار والسلام، تلعب المنافسة الدولية بين روسيا والولايات المتحدة أيضا دورا في تدمير الأمن الدولي والاستقرار الإقليمي، لذلك يتعين عليهما فتح حوار يسعى لإيجاد سبل لتهدئة الشرق الأوسط.
ولم يكن من المستحيل التوصل إلى عقد بعض الصفقات الإقليمية بين روسيا والولايات المتحدة أثناء الحرب الباردة لتعزيز الأمن في أوروبا.
واليوم هناك ظروف تساعد على تحقيق اتفاقات مماثلة من أجل الاستقرار في الشرق الأوسط؛ فمع تطور العلاقات الروسية بضفتي الخليج العربي وفي ظل الدور القيادي الذي تلعبه الولايات المتحدة في المنطقة يمكن التوصل في النهاية إلى اتفاق.
وبدأت إدارة ترامب بالفعل في الضغط على إيران لفرض القيود على الحرس الثوري الإيراني. وهذه خطوة إيجابية من شأنها أن تساعد روسيا على كبح جماح تدخلات الحرس الثوري الإيراني، وبالتالي نزع فتيل أحد مصادر الإرهاب الرئيسية في الشرق الأوسط.
وسيشجع التنسيق بين الولايات المتحدة وروسيا لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط كلا القوتين على الانتقال إلى مستوى أعلى في النظام الدولي، ولكن لكي ينجح الطرفان في السيطرة على الأوضاع في الشرق الأوسط، ينبغي أن يركزا على إعادة تقييم الخبرات التي استُنتجت من الحرب الباردة على المسرح الأوروبي، وكذلك يجب التركيز على جهودهما المشتركة للتوصل إلى الاتفاق النووي.
العرب
مناطق تخفيف التصعيد في سوريا.. تقسيم ناعم للنفوذ
وقّعت روسيا وتركيا وإيران في أستانة مذكرة تقضي بإنشاء مناطق تخفيف التصعيد في سوريا من دون أن تحمل توقيع الحكومة السورية أو الفصائل المعارضة. ما هي آلية تطبيق هذا الاتفاق وهل لديه فرص نجاح؟
تتضمن مناطق تخفيف التصعيد ثماني محافظات تتواجد فيها الفصائل المعارضة من أصل 14 محافظة سورية. ولا تشمل المذكرة محافظتي دير الزور والرقة التين يتواجد فيهما تنظيم الدولة الإسلامية، كما تؤكد على ضرورة مواصلة القتال ضد الجهاديين.
1 – ما هي المناطق المعنية بمذكرة أستانة؟
* محافظة إدلب التي يسيطر عليها تحالف فصائل إسلامية وجهادية بينها جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا).
* أجزاء من محافظات اللاذقية (غرب) وحماة (وسط) وحلب (شمال)، من دون أن تحدد المذكرة ما هي تلك الأجزاء.
وتسيطر الفصائل المعارضة على مناطق في ريف اللاذقية الشمالي وريف حماة الشمالي والقسم الأكبر من ريف حلب الغربي وأجزاء من ريفها الشمالي. وجميع تلك المحافظات محاذية لإدلب.
* أجزاء في ريف حمص (وسط) الشمالي، والذي تسيطر الفصائل المعارضة على مناطق فيه.
* في الغوطة الشرقية، التي تعد معقل الفصائل المعارضة وخاصة جيش الإسلام قرب دمشق.
وقد خسرت الفصائل المعارضة خلال العام الماضي مساحات جغرافية واسعة من الغوطة، لكنها لا تزال تسيطر على المدن الأساسية ومنها دوما وعربين وحرستا.
* أجزاء من جنوب سوريا، أي في محافظتي درعا والقنيطرة. وتسيطر الفصائل المعارضة على غالبية محافظة درعا باستثناء مناطق في الريف الشمالي وأجزاء من المدينة مركز المحافظة. كما تسيطر الفصائل المعارضة على الجزء الأكبر من محافظة القنيطرة. وتتواجد مجموعة موالية لتنظيم الدولة الإسلامية في أجزاء صغيرة من المحافظتين.
2 – ما هو الجدول الزمني؟
تؤكد المذكرة الموقعة من الدول الضامنة، تركيا الداعمة للمعارضة وروسيا وإيران حليفتا دمشق، أنها عبارة عن “إجراء مؤقت مدته ستة أشهر” قابلة للتمديد بموافقة الضامنين.
ويجدر على الضامنين وبعد أسبوعين من توقيع المذكرة تشكيل “مجموعة عمل مشترك” لترسيم حدود المناطق المعنية والبت في قضايا مرتبطة بتنفيذ المذكرة. ويجب على الضامنين، وفق المذكرة، وبحلول الرابع من يوليو 2017 الانتهاء من وضع الخرائط.
3 – ما هي آلية تطبيق الاتفاق؟
في مناطق تخفيف التصعيد، سيتم بشكل أساسي “وقف أعمال العنف بين الأطراف المتنازعة (الحكومة السورية والمجموعات المعارضة المسلحة التي انضمت أو ستنضم إلى اتفاق وقف إطلاق النار) بما في ذلك استخدام أي نوع من السلاح ويتضمن ذلك الدعم الجوي”.
وأكدت موسكو أن وقف الطيران في المناطق المعنية يشمل أيضا طائرات التحالف الدولي قيادة واشنطن التي تستهدف الجهاديين في سوريا منذ 2014.
كما سيتم العمل على ضمان وصول المساعدات الإنسانية والطبية وتأهيل البنية التحتية وتوفير الظروف المناسبة لعودة اللاجئين والنازحين الراغبين. وعلى طول حدود “مناطق تخفيف التصعيد”، سيتم إنشاء “مناطق أمنية” تتضمن حواجز ومناطق مراقبة، الهدف منها تفادي أي حوادث أو مواجهات بين الأطراف المتنازعة.
ومن المفترض، وفق المذكرة، أن تؤمن قوات من الدول الضامنة الحواجز ومراكز المراقبة وإدارة “المناطق الآمنة”. كما من الممكن أن يتم “نشر أطراف أخرى في حال الضرورة”.
وعلى الدول الضامنة اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لضمان تقيد الأطراف المتنازعة بوقف إطلاق النار الهش الذي توصلت إليه تركيا وروسيا في نهاية ديسمبر.
وتؤكد المذكرة ضرورة اتخاذ الدول الضامنة “كافة الإجراءات اللازمة داخل وخارج مناطق تخفيف التصعيد لمواصلة القتال ضد داعش وجبهة النصرة” وكافة المجموعات المرتبطة بهما. كما على الضامنين العمل على فصل فصائل معارضة عن “المجموعات الإرهابية” التي تحددها بـ”جبهة النصرة” وتنظيم الدولة الإسلامية.
4 – ما هي فرص النجاح؟
تدعو روسيا في كافة المحادثات المتعلقة بالشأن السوري إلى فصل الفصائل المعارضة عن جبهة النصرة، التي أصبحت جبهة فتح الشام بعد فك ارتباطها بتنظيم القاعدة. وطالما شكل استثناء جبهة النصرة معوقا أمام أي اتفاقات لوقف إطلاق النار في سوريا، خاصة لتحالفها مع فصائل معارضة في مناطق عدة أهمها إدلب وحلب.
واعتبر نوا بونسي الباحث في مجموعة الأزمات الدولية أن الاتفاق الموقع “يبدو أكثر جدية من جهود سابقة في أستانة”، مشيرا إلى أنه “كما العادة، من المرجح أن يفشل نتيجة الثغرة في موضوع النصرة”.
وأضاف بونسي على حسابه على تويتر “من أجل أن تكون هناك فرصة أمام أستانة، نحن بحاجة للمزيد من الوقت لمعالجة مشكلة هيئة تحرير الشام (مجموعة فصائل بينها جبهة فتح الشام)”.