حول الطائفية الجديدة في سوريا
فؤاد حميرة
خلال كتابتي لمسلسل الحصرم الشامي بأجزائه الثلاثة ، اضطررت للعودة إلى مراجع عن تاريخ دمشق وبلاد الشام بعامة ، ولقد قرأت ما ينوف عن أربعين مرجعا ، وكانت المعلومات التي حصّلتها ، تصدم ذاكرتي ، وتصدم معلوماتي المعلبة ، إذ لا طائفية في دمشق كمان كنت أسمع ، ولا اندفاع لنصرة مذهب على آخر زسأورد لكم بعض المعلومات التي اتفقت على ذكرها جميع تلك المراجع .
في حي الميدان بدمشق وهو يعد من أكثر أحياء دمشق القديمة تشددا دينيا ، يوجد زقاق اسمه (زقاق الحشاشة) وكان يضم عائلات علوية واسماعيلية منذ ثلاثمائة عام .
حي التيامنة في دمشق ، يسكنه الدروز الذين هاجروا من وادي التيم قبل ثلاثمائة عام تقريبا
حي الأمين يسكنه الشيعة منذ ذات الفترة إن لم يكن أبعد تاريخيا
وقد روى لي صديق درزي طاعن في السن أن والده ذكر أمامه مرات عدة أنهم حين كانوا ينزلون بمنتجاتهم الزراعية إلى دمشق ، وبعد بيع بضاعتهم ، يفترشون الأرض في ساحة عامة ويتناولون غداءهم في رمضان دون أن يتعرض لهم أحد من المسلمين ولاحتى بكلمة لوم أو عتاب
هذا ما يتعلق بالمذاهب الإسلامية
أما بخصوص الطوائف الأخرى ومنها المسيحية ،وهنا يحدث خلط كبير في المفاهيم خاصة وأن دمشق شهدت ما يسمى بـطوشة النصارى ، حين هب أهالي القيمرية وهاجموا المسيحيين في الأحياء المجاورة ، ولن أستفيض هنا في شرج أن السبب لم يكن طائفيا وإنما هو عامل اقتصادي ارتدى ثوبا طائفيا ولعل الحصرم الشامي في جئه الثاني يشرح هذه التفاصيل التي لا أجد مكانا لذكرها هنا ، ولكني أقول لكم أن أحد آغاوات دمشق حمى الكثير الكثير من العائلات المسحية في بيوته الكثيرة ، وقد أرسل له نابليون الثالث هدية من الذهب حينها ، وأنا أهدي هذا الرجل ، كل ما أملك من مشاعر الاحترام.
طبعا نجح القناصل الأوربيين حينها في استغلال هذه الحادثة وتضخيمها وتضخيم أعداد الضحايا لتوشيه صورة الإسلام وصورة التعايش الأخوي في المدينة وذلك لأسباب لا أراها خافية على أحد. .
إذا …من أين نبعت هذه الطائفية وهذه المذهبية فجأة؟ لماذا بات العلوي خائف على نفسه من شقيقه وشريكه السني في الوطن ؟ وكيف استفاق حقد النسي على جاره وشريكه في الفقر والذل والمهانة ؟لماذا صمت كل من الحقد والخوف كل هذه السنين ، ثم نبحا دفعة واحدة؟
باب بيتنا في الدحاديل لم يغلق يوما وقد ذكرت ذلك ، ومعها لم يتعرض أيا من أفراد أسرتنا حتى لنظرة غير مريحة …الحاج أبو النور أطال الله في عمره ، دفعني في فترة من مراحل الطفولة إلى الذهاب لمسحد الثريا في الميدان برفقة ابنه صديقي محمود الزنهور ، ولقد واظبت على المسجد دروسا وصلاة سنوات ، ولم يمنعمي والدي العلوي من ذلك وإنما شجعني انطلاقا من يقينه بأن المسجد لن يعلمني إلا بر الوالدين والصدق والأمانة وباقي الأخلاق الحميدة وما إلى ذلك
حين توفيت والدتي لم نقم لها عزاء في قريتنا لأننا لا نعرف فيها ولو اسم شخص واحد قريب كان أم من خارج نطاق العائلة ، فكل عمري قضيته في دمشق بين عائلات شامية وحورانية وديرية وحلبية وحمصية وحموية ومن مختلف مدن سوريا
حين توفي أخي ، جاء لعزائه أكثر من ثخمسة ألاف شخص في حي الدحاديل ، 99 بالمائة منهم من الطائفة السنية ، بل إن إمام مسجد خديجة الكبرى واظب ثلاثة أيام على حضور العزاء وإلقاء موعظة قصيرة تحمل من المعاني الساميةما يدعوك لاشتهاء الصلاة والفخر بإسلاميتك
من أين قفزت هذه الطائفية فجأة؟
أقول لكم سرا …لن أصدق ولا تحت أي يافطة أو عنوان أن محمود الزنهور وأخوته يضمرون لي الحقد أو أن الحاج أبو خالد المهايني يتربص بي ، وأن عائلة المصري ، يتحينون الفرصة لقتلي ، أو أن علي الحايك صديق عمري ، يرافقني لكي يبقى قريبا من ضحيته الموعودة وأنه قضى سني عمره ينتظر مثل هذه اللحظة
لن أطيل …ولكنني أدعوا الجميع كمواطن سوري إلى عدم تصديق خرافة الطائفية في سوريا ، وأن ما صدر عن بعض الموتورين لا يمثل الغالبية بل إن الجميع يستهجن الأفعال الناقصة أيا كان مصدرها
الطائفية الجديدة في سورية خرافة لا أعرف من يصدرها ومن يحاول إيقاظها في مجتمعنا هذا على افتراض أنها نائمة ، وأنا لا أعتقد أنها نائمة، وإنما هي غير موجودة في أساسها ، ولا ينخدعن أحد ببعض شعارات التاريخ وفتاوي إمام واحد أدانها باقي الإئمة ، يجب ألا نبني على إشاعات وأحاديث وسير سهرات الشتاء في القرية …البناء يجب أن يكون على أساس مرجعي علمي
السنة الذين أعرفهم وأصادقهم أضعاف اضعاف العلويين ، فتعالوا إن شئتم يا اصدقائي واقتلوني على علويتي ، وأنا واثق تماما أنكم لن تلبوا هذه الدعوة وإنما ستأتون إلي حاملين صحون الموالح والمازة وباقة ورد وكلمة للاحتفال سوية بالانتصار على الطائفية وعلى من ينشرها