حول «المعارضة» السوريّة/ سمير العيطة
«المعارضة» مفهومٌ بحاجة إلى إعادة تقييم في الحالة السوريّة، خاصّة من قبل المعارضة ذاتها. ليس لأنّ السلطة القائمة تتلاعب بوصفها أنّها «معارضات» فحسب، بل أيضاً لأنّ هذا المفهوم دخل وثائق دوليّة كبيان «جنيف 1» الذي تبنّاه مجلس الأمن. والأهمّ أنّه مفهوم محوريّ لتحديد ما سيأتي بعد الحرب الحاليّة.
يرتبط تعريف مفهوم المعارضة بمناهضة السلطة القائمة ومواقفها وقراراتها، حتّى لو كانت منتخبة ديموقراطياً وتمثّل غالبية الناخبين. وهذا حقٌّ محفوظ لأيّ مواطنٍ في معظم الدساتير. وحدها الأنظمة الاستبداديّة تقمع الرأي الآخر، حتّى لو مثّل أقليّة. وكان وضع المفهوم في نصّ بيان جنيف قد جاء في سياقٍ معيّن من تطوّر الأزمة في سوريا، ارتبط بمبادرة أمميّة لإيجاد توافق إقليميّ ودوليّ على حلّ سياسيّ من ناحية، وعلى إيجاد توافق وصياغات بين الأطياف السوريّة المناهضة للسلطة من ناحية أخرى، وبعد واقع انقسام هذه الأطياف بين تجمّعات شديدة التنافس. لكن ذلك كلّه كان في صيف 2012، قبل أن يتحوّل الصراع من صراعٍ بين سلطة و»معارضة» إلى حربٍ.
كذلك تمّ إفراغ مفهوم «المعارضة» من مضمونه الأساس عندما رفض «المجلس الوطنيّ» في مؤتمر القاهرة وبعيده أن يتخلّى عن أنّه «الممثّل الشرعيّ والوحيد للشعب»، وعن «اعتراف» بعض الدول بذلك. ولم يغيّر تحوّل ذلك الاعتراف «الدوليّ» نحو الائتلاف أيّ شيءٍ على صعيد إفراغ المضمون، بل أخذ إنشاء «حكومة مؤقتة» للمعارضة نحو آليّات للتقسيم.
واليوم، وبعدما تحوّلت الحرب إلى فوضى وتشرذم أكثر فأكثر، ما زال البعض يتمسّك بقضيّة «الاعتراف الدوليّ» كشمّاعة، حتّى وإن دفعت الدول الأكثر تمسّكاً به باتجاه اتفاقات بين «الائتلاف» وقوى المعارضة الأخرى، متجاوزةً بذلك وحدانيّة التمثيل. في حين عادت مسألة توحيد «المعارضة» إلى واجهة الاهتمام، لكن في ظروفٍ أعقد بكثير ممّا كان عليه الأمر في 2012.
وكما أنهكت الحرب مؤسسات الدولة والسلطة القائمة التي باتت تعتمد على ميليشيات وقوى عسكريّة خارجيّة لحماية هيمنتها، فإنها أنهكت أيضاً معظم التنظيمات المعارضة سياسيّاً وإغاثيّاً وخاصّة ميدانيّاً. إذ لا يد لها فيما يحدث على الأرض، وليست هي من يقرّر المعارك العسكريّة ونهاياتها، حتّى تلك التي تبدو لصالحها. بل بات هناك قوى فاعلة داخليّة ذات تركيبة أمنيّة ـ سياسيّة ـ عسكريّة تسعى لفرض أمرٍ واقع، بعيد عن الوطن والمواطنة.
بالمحصّلة، يحتوي مفهوم «المعارضة» اليوم على التباسٍ كبير. فهل يُمكن اعتبار تنظيم «داعش» معارضة؟ وكذلك تنظيم «النصرة» المصنّف على قائمة الإرهاب الدوليّ؟ وإذا افترضنا أنّ جزءاً من المعارضة سينتصر عسكريّاً على السلطة القائمة، كما يقول بذلك البعض، فعلى أيّ أسسٍ ستقوم سوريا ما بعد هذا الانتصار؟ وفي المقابل، ما معنى الحلّ السياسيّ في ظلّ عدم ترابط ما هو سياسيّ بما هو عسكريّ؟
أمام هذا الواقع المتداعي، تراكضت قوى المعارضة السياسية نحو القاهرة بحثاً عن «وحدتها»، أو بالأحرى في محاولة لإحياء تعريف «المعارضة». لكنّها اكتشفت أنّ الانقسامات داخل كلّ مكوّن من مكوّناتها باتت أكبر حتّى من التجاذبات بينها. كما أنّها لم تعد قادرة حتّى للعمل فيما بينها على صيغ تشاركيّة لإنجاح استحقاقاتها كما في صيف 2012، كي يتحوّل الأمر تدريجيّاً إلى مشروع إنتاج جسم معارضٍ جديد، حتّى لو تمّ وضعه تحت عنوان «هيئة سياسيّة» مهمّتها التفاوض.
إنّ مفهومي «المعارضة» و «الممثّل الشرعيّ للشعب» باتا مُستهلكين، كما يتبيّن من جهود وقف الحرب والحلّ السياسيّ منذ «جنيف 2»، بما فيها لقاءات موسكو التشاوريّة التفاوضيّة.
وبالتالي، يحقّ أيضاً لمن يؤمن أنّ سوريا كـ «مفهوم»، أهمّ من فرز المعارضة بين تلك للقاهرة والأخرى للدوحة واسطنبول، أن يقول: إمّا أن نعمل جميعاً على ما يمكنه أن يعيد سوريا وطناً لجميع مواطنيه، وأن يُنهي الاستبداد والإقصاء والتطرّف ويمنع التقسيم، أو نصبر حتّى يأتي زمنٌ أفضل.
طباعة
جريدة السفير 2015©