حياة المهجّرين السوريين في أعناق الحكومة وكل اللبنانيين الشرفاء
ب.ش
مَن مِن اللبنانيين لم تحمله ظروف الحروب والمجازر، والمعارك والخطف والقمع والغزوات الإسرائيلية والميليشيوية، من مغادرة بيته ومنطقته والنزوح الى مناطق أخرى آمنة. ومَن مِن اللبنانيين لم يعانِ موجات “التهجير” الطائفي والحزبي والسياسي، والتي شرّدته بين الأمكنة، والجبال، والمناطق. فاللبنانيون كانوا، على امتداد أكثر من خمسة عقود مشاريع “ترحيل”، وتهجير دائمة. وما زالوا حتى اليوم، وبفضل الوصايات السابقة، والوصايتين “الحاليتين” (وإسرائيلهما)، داخل هذه الاحتمالات. وما زالت حتى الآن آثار حرب تموز “المجيدة”، التي أسفرت عن تهجير أكثر من مليون مواطن لبناني من الجنوب إزاء العدوان الإسرائيلي الهمجي، والمستدرر و”المستجلب” بإرادة إيرانية سورية نفذها حزب الله (دام ظله الشريف). لكن ما هو إيجابي في هذه المآسي أن اللبنانيين استقبلوا الوافدين والهاربين والنازحين في منازلهم وفي مدارسهم وفي مؤسساتهم… وحضنوهم، وقدموا إليهم الخدمات… ولا ننسى أن ألوف اللبنانيين وفي مناطق عميمة، هربوا الى سوريا، فاحتضنهم الناس هناك، بضيافة كريمة. فنحن إذاً وحتى الآن “مشاريع” تهجير دائمة. أولا يهدد بعضهم اليوم اللبنانيين (أي أهلهم) بحروب أهلية إذا سقط النظام السوري؟ وهذا يعني، إذا حصل ذلك، فملحمة التهجير اللبنانية بأيدي العملاء والمسلحين والمرتزقة قد تعود.
وعندما نتابع المشهد السوري الدموي، وعمليات التقتيل، والقصف، والاعتقالات، والاغتيالات، لا يمكن أن نتغاضى عن نزوح ألوف المهجرين السوريين من ويلات الوحشية، الى الأردن وتركيا ولبنان. فعندنا أكثر من عشرة آلاف سوري مهجّر، يعانون الخوف أولاً من اختطاف بعضهم، أو اعتقالهم وتسليمهم للنظام السوري، والحاجة ثانياً، والظروف السيئة المخجلة، وتخلّي هيئة الإغاثة العليا عنهم بقرار وزاري تبناه الصادق الصَّدوق المصداق الصديق صندوق العجائب النجيب العجيب نجيب ميقاتي، وكأن إغاثة هؤلاء الأشقاء الفقراء والمضطهدين جريمة قد تساوي عندهم جريمة التعامل مع العدو! هؤلاء المهجرون مسؤولية في أعناقنا وفي عنق الحكومة، التي تسعى عبر بعض إعلامها الى تشويه صورتهم، وتعاملهم كأنهم “إرهابيون” أو قتلة… في الوقت الذي تعامل فيه النظام السلمي، البريء، ذا الأكف البيضاء، والسرائر الناصعة بتواطؤ يقارب المشاركة في الجريمة، وبتبرير أقبح من “الذنوب”، لمنع أي مساعدة عن هؤلاء بأطفالهم ونسائهم ورجالهم وشيوخهم ومرضاهم: فالذين يمنعون المستشفيات في سوريا عن استقبال الجرحى، هم أنفسهم يجبرون “حكومتنا” التافهة، حكومة الانقلاب، والتبعية، والفساد على فرض السلوك ذاته: قتل الجريح، وإهمال المريض، وتجريم الهارب.
وحسناً فعلت 14 آذار بزيارة وادي خالد وبعض المناطق التي تعجّ بالمهجّرين المساكين. لكن الزيارات على ضرورتها غير كافية: يجب تنظيم حملة ضد الحكومة وإجبارها “قانونياً” وإنسانياً على دعم هؤلاء، وعونهم (لا أقصد ميشال بلا عون، وعون بلا ميشال، والجنرال بلا ميشال ولا عون!)، على تخطي محنتهم في انتظار العودة الى وطنهم، (ونتمناها قريبة جداً جداً). والغريب، أن حزب الله مثلاً (الذي ينتحل اسم “الله” ولله أسماء حسنى رائعة) جدير به، وبالنسبة الى إيمانه العميق برحمة الله، ورحماته وبشعبه (أبعد من جماهيريته العظمى)، أن يبدي تعاطفاً إنسانياً، وبشرياً (ولو كان بعضهم غير آدمي، أقرب الى جبلّة الآلهة والأولياء والقديسين!)، ورفقاً: كان يجدر بحزب الله أن يكون أول المبادرين لنجدة هؤلاء. أوليسوا رعايا حليفهم النظام… القائم! أَقسّمتم كذلك سوريا (كما قسّمتم لبنان) الى رعايا وناس أطهار تدافعون عنهم، وآخرين لا رحمة تجوز عليهم! أعدنا الى المانوية التي تجعل أحياناً من الناس وحوشاً؟ على الأقل كفوا عن تزوير حقائق هؤلاء، وعن تشويه صورتهم، وعن نفي وجودهم! أحد المسؤولين السوريين البلغاء صرح بأن ليس في لبنان أي مهجّر سوري! أو مخطوف!
أخيراً، حياة هؤلاء وأوضاعهم في رقاب الحكومة… وكذلك في رقاب كل اللبنانيين.
كل سوري مهجر يجوع، ويتشرّد، ويحتاج.. من دون مساعدة، جريمة… في حق كل لبناني أياً كان.
المستقبل