حين تواجه الهواتف المحمولة البنادق في سورية
يارا بيومي:
بيروت ـ في تونس ومصر لعبت وسائط التواصل الاجتماعي مثل موقع فيسبوك دورا محوريا في حشد الآلاف للمشاركة في الاحتجاجات الحاشدة التي أطاحت برئيسي البلدين.
لكن في سورية المحكومة بقبضة من حديد في ظل انتشار اجهزة الأمن وعدم تجاوز نسبة مستخدمي الإنترنت 20 في المئة وفي ظل القيود الصارمة المفروضة على وسائل الإعلام الأجنبية فإن نشطاء الإنترنت لا يستخدمون الشبكة في معظم الأحيان إلا لإظهار حجم الاضطرابات.
وقال وسام طريف الناشط في مجال حقوق الانسان الذي كان يتابع عن كثب الاحتجاجات على حكم الرئيس بشار الأسد ‘ما رأيناه في مصر وتونس كان نشاطا ضخما على الإنترنت انتقل الى الواقع’.
واضاف ‘في سورية يتعلق النشاط على الإنترنت بنشر تقارير عما يحدث على الأرض’.
وينسق ناشط سوري يطلق على نفسه اسم ابو عدنان شبكة من المواطنين أصحاب الاهتمامات المشتركة الذين يحاولون تغطية الأحداث في أنحاء البلاد من خلال تصوير الاحتجاجات التي تنتهي في الغالب باتخاذ قوات الأمن إجراءات صارمة ضدها وفقا لما يقوله شهود.
وربما لا تضاهي هواتفهم المحمولة بنادق الكلاشنكوف لكنهم نجحوا في إطلاع العالم على جوانب تكون عادة خفية في واحدة من اكثر دول الشرق الأوسط التي تحيط نفسها بالسرية.
وتنحي السلطات باللائمة في أعمال العنف على ‘مجموعات مسلحة’.
وقال ابو عدنان إن كثيرين يتوقون لتصوير الاحتجاجات والاشتباكات لكنهم لا يملكون الخبرة او الموارد اللازمة كما أنهم يخشون الحكومة التي تراقب دوما الأنشطة على الإنترنت.
ومن خلال علاقاته بوسائل إعلام وهيئات إعلامية زود ابو عدنان النشطاء بوصلات للإنترنت وهواتف تعمل بالقمر الصناعي وهواتف ذكية وكاميرات.
وقال لرويترز من سورية ‘أربعة من أصدقائي قتلوا. أحدهم كان في دوما وكان يصور معي. اختاره قناص على سطح أحد المنازل وكان يمكن أن يختارني. وقتل واحد بعد أن رفض إيقاف دراجته النارية واعتقل آخر وأفرج عنه ميتا وقتل واحد بالرصاص في درعا’.
وأضاف ‘وسائل الإعلام تلفق ما يحدث في سورية. واذا كان بوسعي مساعدة هؤلاء الرجال في إظهار ما يحدث فيجب أن أفعل هذا. وإذا لم أستخدم علاقاتي (بوسائل الإعلام) الآن فلا فائدة لها’.
وبعد مرور شهر تقريبا على بدء المظاهرات التي مثلت أخطر تحد لحكم الأسد الممتد منذ 11 عاما لم يتضح بعد ما اذا كان تصعيد العنف ضد المحتجين سيضطرهم في نهاية المطاف الى التزام منازلهم ام سيزيد غضبهم.
بالنسبة لأبي عدنان كانت مواجهة دامية حدثت قبل أسبوعين نقطة تحول أقنعته بأن من الأفضل تسجيل المظاهرات بدلا من محاولة تشجيعها.
قال لرويترز ‘نظمنا احتجاجا في دوما وسقط 11 شهيدا. وبالتالي قررنا الابتعاد عن تنظيم الاحتجاجات وركزنا على تغطية الأحداث’. وهو يقول إن حتى هذا ينطوي على مخاطر. وأضاف ‘انا شخصيا لا أهدف الى تغيير (النظام). المهم بالنسبة لي هو توثيق ما يحدث والجرائم التي ترتكب’.
وتفرض سورية قيودا صارمة على الإعلام. وطردت السلطات مراسل رويترز في دمشق الشهر الماضي وثلاثة صحافيين أجانب آخرين من رويترز بعد احتجازهم هناك ليومين او ثلاثة. واحتجز مصور سوري يعمل لحساب رويترز ستة أيام.
وتعني صعوبة الحصول على المعلومات أن تعتمد وسائل الإعلام المستقلة بشدة على اللقطات التي يسجلها النشطاء. وقال ابو عدنان إنه لولا جهودهم لشعرت الحكومة بأنها أقل عرضة للخطر. وأضاف ‘في الوقت نفسه أعتبر أن ما نقوم به يحمي الشبان من ارتكاب النظام المزيد من الأعمال الوحشية. لولا توثيقنا لوقعت مذبحة’.
ولا تغيب عن أذهان السوريين الأحداث الدامية التي شهدتها حماة حين سحق الرئيس الراحل حافظ الأسد والد بشار انتفاضة للإسلاميين عام 1982 بإرسال قوات قتلت الآلاف ودمرت أجزاء كبيرة من المدينة.
وقال ابو عدنان ‘سمعت قوات الأمن تقول لبعضها البعض احذروا فهناك كاميرات.. لا تشهروا اسلحتكم’.
ويؤكد ناشط صديق له وهو طالب بجامعة دمشق في الثالثة والعشرين من عمره أهمية توثيق الأحداث في سورية التي ما كانت لتخطر ببال قبل بضعة أشهر قبل انتفاضتي مصر وتونس.
وقال ‘حين تورد وسائل الإعلام تقريرا اخباريا ولا يوجد توثيق صوتي ومرئي يكون هذا مجرد حبر على ورق. لكن حين تكون هناك صور تكون للأخبار مصداقية’.
وبثت وسائل الإعلام الحكومية لقطات لمسلحين يطلقون النار على حشد من وراء جدار في درعا المدينة الجنوبية التي بدأت منها الاحتجاجات في آذار (مارس).
وانتقدت وسائل إعلام سورية والأسد نفسه ‘القنوات الفضائية’ لما تعتبره تغطية منحازة وكاذبة للاضطرابات.
ويقول نشطاء إن هذا يجعل من الضروري التحقق من صحة تسجيلات الفيديو التي يتلقونها عبر شبكاتهم قبل نشرها. ويقومون بهذا من خلال مقارنة عدة مقاطع لنفس الاحتجاج والاتصال بالأشخاص الذين أرسلوها الى جانب التحقق من التواريخ والبحث على شبكة الإنترنت للتأكد مما اذا كانت اللقطات قديمة.
واستخدمت السلطات السورية أساليب لجأ لها الحكام الذين واجهوا مشاكل خلال محاولتهم إخماد الانتفاضات في دول أخرى مثل قطع الانترنت والاتصالات الهاتفية في المناطق التي تشهد احتجاجات كبرى او قبل أن تدخل قوات الأمن المدينة.
ولا يكاد يستخدم شبكة الانترنت عدد يذكر من سكان درعا وهي بلدة قبلية فقيرة. لكن على الرغم من الحملة الأمنية المكثفة هناك حيث سقط معظم القتلى نشرت على الإنترنت لقطات لمواطنين غاضبين يحطمون تماثيل لأفراد عائلة الأسد.
وقال ابو عدنان ‘يواجهوننا ببنادق الكلاشنيكوف.. ونحن نواجههم بالهواتف المحمولة’