حين خرجت سعاد نوفل عن عاديتها/ صهيب أيوب
تبدو سعاد نوفل في غاية العادية. حتى بالكاد يتوقع أحد أن تفوز بجائزة لحقوق الانسان، وهي جائزة تشيكية مرموقة اسمها “هومي هوميني”. وستقدَّم لها في الثاني من شهر آذار/مارس، أثناء افتتاح أحد أهم مهرجانات الافلام الوثائقية المتخصصة في حقوق الانسان في براغ وهو مهرجان “عالم واحد” One World.
لم تنل نوفل الجائزة لسيرتها التي تبدو عابرة قبل انطلاق الثورة السورية. بل لجرأة “شبه استثنائية” في مواجهة عناصر “داعش” وحيدة، وهي تمسك كرتونة “رافضة” دُوّنت فيها عبارات ضد التنظيم وعناصره، وهي تجوب بها مدينة الرقة وصولاً الى مركز التنظيم، وكانت قبل ذلك رفعت يافطات ضد النظام، تساوي فيها بين “داعش” واستبداد النظام.
تجاوزت سعاد وضعها. وقاومت ضمناً وعلانية صورة المرأة في بيئتها. خرجت إلى التظاهر العلنيّ، وهي تكسر صورة المرأة المحجبة في بيئة شبه صحراوية. خرجت الى الحيز العام كما هي. وطالبت بحقها كمواطنة سورية. ووقفت لاحقاً ضد مفاهيم “داعش” وذكوريته. وأضربت عن الطعام بغية الإفراج عن معتقلين، ووقفت واعتصمت من أجل وقف عمليات الخطف والاعتقال التي يشنها التنظيم ضد الناشطين وأعضاء مجلس الحكم المحلي، وعادت واحتجت ايضاً بعدما دمّر التنظيم جزءاً من كنائس الرقة ونهبها. كل هذا يبدو مستغرباً من امرأة لم يعترف بها احد. ولا بنضالها.
لم تكن سعاد معروفة قبل تركها الرقة نهائياً. ولم تكن وسائل الاعلام تلقي الضوء على عملها المدني، هي التي قالت بصوت مربك أنها ضد ظلم “داعش” في “عز” حكمهم وأمامهم. يحفظها ناشطو الثورة السورية وهي ترتدي حجاباً ملوناً وبنطال “جينز” كحلياً. هذا البنطال ازعج التنظيم، لكنها أصرت على ارتدائه والوقوف به قرب مقرهم.
لم تكن نوفل معروفة حينها، الا في العادية التي شكلتها صورتها وسيرتها معاً. فهي ربّة منزل ومعلمة مدرسة ابتدائية. قررت المشاركة في بداية الثورة ضد نظام الأسد وحكم البعث السوري. لكنها سجلت تاريخاً فريداً. سجلته كفرد معزول لا يحمل سلاحاً بل كرتونة. وقفت منتصبة وسط الشارع. حينها لم يجرؤ أحد على مواجهة تنظيم متشدد ومتطرف في قلب المدينة المنسية، والتي امست قبلة الجهاديين بعد اعلان حكم الشريعة فيها.
بدأت تظاهرتها “وحيدة”، بعدما رفضت التوقيع على بيان أصدره “شباب الرقة” يقضي بالتعهّد بعدم التظاهر في 19 تموز/مايو 2013 على خلفية اعتقال زوج أختها، فراس الحاج صالح، بعد محاولته مع رفاق له مقاومة تمدد “داعش”.
خرجت في صباح اليوم التالي من منزلها متجهة الى مقرّ التنظيم. بقيت لأيام متتتالية تتظاهر امام أعينهم، الى ان قاموا باطلاق النار عليها وهدر دمها. لم يثنها ذلك على اكمال تظاهرتها. صارت تتخفى في الرقة، الى ان خرجت الى تركيا وبدأت إضرابها عن الطعام.
وسبق لسعاد مع بداية الثورة الخروج في تظاهرات طيّارة. رأت بأم العين سقوط أوّل “شهيد” في الرقة. وبعدَ نزوح سكان دير الزور وحمص إلى مدينتها، عملت على تأمين أوضاعهم ومساعدتهم.
لم تكن سعاد قبل الثورة السورية، تعرف الكثير عن أحوال السوريين ولا عن تاريخهم في زمن حافظ الأسد، ولم تكن على دراية ايضاً بمحطات رئيسة في مسيرة شعبها، جاء كل ذلك متأخراً مع بداية الثورة.
بعد تحرير الرقة في آذار/مارس 2013 من قبضة نظام الاسد، شاركت مع زملائها في تأسيس “مجلس الحكم المحلي في الرقة”، محاولين تشغيل مرافق المدينة العامة. ضاع حلم الحكم المحلي، وضاع حلم الثورة ايضاً. لكنها واجهت التنظيم. قاومته، رغم معارضة أهلها خروجها للتظاهر…. قاومت بيئتها وذكورية الثوار وجهاديو التنظيم، قاومت العنف والرضوخ، ونالت في خضم المذبحة السورية جائزة، هي أبعد ربما ما تطمح اليه هذه المرأة، التي تريد سوريا حرّة، لا داعشية ولا اسدية.
يشار الى ان جائزة “هومو هوميني” تقدم سنوياً إلى أفراد استثنائيين قدَّموا مساهمات جليلة في تعزيز حقوق الإنسان و الديموقراطية.
المدن