خدعة “أصدقاء سوريا”/ عمر قدور
لا يعلم السوريون ما الذي حدا بمجموعة “النواة الصلبة لأصدقاء الشعب السوري” إلى إصدار بيانها الأخير من لندن في الثالث من الشهر الحالي، والذي انصب مضمونه على رفض الانتخابات الرئاسية التي يحضّر لها النظام. فالانتخابات المشار إليها هي آخر ما يشغل بالهم، ولن يضيف التشكيك في شرعيتها شيئاً إلى رصيدهم، وكأن معركة الوجود التي يخوضونها كل يوم أمام آلة القتل متوقفة على توصيفات سياسية من هذا القبيل، أو كأن عدم شرعية نظام الإبادة الجماعية متوقفة على بيانات تستبق الانتخابات بينما تتغاضى عن “شرعية” وجود النظام في المؤسسات الدولية. وحتى في الجامعة العربية التي أعادت له الكرسي الشاغر مع العَلَم في قمتها الأخيرة، وبدعم كبير من مصر التي قد لا ننتبه لولا البيان إلى وجود نظامها الحالي المؤيد لقرينه السوري ضمن النواة الصلبة لأصدقاء الشعب السوري!
يصف البيان الانتخابات المرتقبة بأنها “خداع للديمقراطية”، وأيضاً بأنها “ستكون مسخرة ديمقراطية، وستكشف رفض النظام لأساس محادثات جنيف، وستزيد من الانقسام في سوريا”، وأيضاً “ستشكل سخرية من الأرواح البريئة التي ماتت في النزاع”. ليشدد على أن الطريق الوحيد للخروج من النزاع السوري هو حل سياسي مبني على التطبيق الكامل لبيان جنيف1، والقبول بالأجندة والتراتبية التي حددها الإبراهيمي لاستئناف المفاوضات. هنا ينبغي أن نضع خطاً أسود عريضاً تحت التراتبية التي ذكرها البيان وهي على التوالي: العنف والإرهاب – هيئة الحكم الانتقالية – المؤسسات الوطنية – المصالحة الوطنية. أي أن البيان فعلياً يتبنى موقف النظام في جنيف2 عندما أصر على تجزئة بيان جنيف1، والبدء ببند العنف والإرهاب ثم التسويف والمماطلة في مناقشته منعاً من الوصول إلى البند الذي يليه. كذلك يتبنى البيان تمييع بنود سلة جنيف كلها بإقرار هذه التراتبية، لأن البدء بملف العنف لا يحدّد الجهة السورية المسؤولة المناط بها التصدي للوضع الأمني، وبتأجيل الاتفاق على الهيئة الانتقالية لا تعني هذه الأولوية سوى إسناد المهمة للنظام الحالي.
بيان “النواة الصلبة” يذكّر بأسوأ ما في بيانات القمم العربية في ما يخص القضية الفلسطينية، أي يذكّر بذلك الإنشاء الذي يقوم مقام الأفعال ويترك للخصم القيام بها على هواه. إذ من المعلوم أن النظام وحلفاءه لن تخدش حياءهم أوصاف من نوع “خداع للديمقراطية”، هم الذين لا يؤمنون أصلاً بالديمقراطية، وإن اضطروا إليها فعلى سبيل التبادل المؤقت للكراسي في النموذج الروسي. وعندما يخلو البيان من أي تلميح بالرد، أقله تهديد بالسعي إلى سحب شرعية النظام وإسقاط عضويته في المنظمات الدولية، فهو لا يساوي الجهد الذي بُذل في صياغته التي لا يُستبعد أنها كانت محل خلاف بين أعضاء المجموعة أنفسهم. لكن أهم ما يثيره البيان، خارج اللغو عن الديمقراطية، هو الدور الحقيقي لمجموعة النواة الصلبة لأصدقاء سوريا، والأثر السلبي الذي تلعبه المجموعة إزاء القضية السورية ككل.
لعل أهم ما تفعله المجموعة إدارة الخلافات بين أعضائها لصالح لجم المتحمسين منهم لدعم المعارضة وإسقاط النظام. تحديداً ينبغي النظر إلى الدور الأميركي الذي يعتمد ما سُمي موقع “اللاعب الخلفي” في الشأن الليبي؛ هذه المرة ليس لقيادة إسقاط النظام وإنما لفرملة اللاعبين المتقدمين وإعادتهم إلى الخلف كلما تقدم أحدهم أكثر مما يريد اللاعب الأميركي. بوسع المتابع أن يستذكر المرات التي تحمست فيها دول مثل فرنسا أو المملكة المتحدة لدعم المعارضة ثم تراجعت تحت الضغط الأميركي، وأيضاً استذكار المواقف الإقليمية بدءاً من تهديدات أردوغان وصولاً إلى المحاولات السعودية لثني الإدارة الأميركية عن موقفها الحالي، وكلها ذهبت هباء أمام متانة التفاهم الأميركي الروسي الذي يجري فرضه على دول المجموعة.
ولا يخفى استثمار الإدارة الأميركية في الخلافات بين دول المجموعة، فهناك الخلاف السعودي التركي حول مصر، والخلاف الخليجي-الخليجي حول مصر والدور الإيراني، فضلاً عن التوجس الأردني التقليدي من الانخراط في عملية غير محسوبة بدقة. هذه العوامل مجتمعة تسهّل على الإدارة الإمساك بخيوط الملف السوري إذ تطوق عملياً خطوط إمداد المعارضة، فالمتحمسون لدعم الأخيرة عسكرياً لا يجدون طريقاً لها بسبب المختلفين معهم في ملفات أخرى.
كما نعلم، ليست المرة الأولى التي تتكون فيها مجموعات إقليمية أو دولية على أرضية نزاع ما، وتكون غايتها محاصرة تداعيات النزاع والتنسيق في ما بينها أو تنظيم خلافاتها. مجموعة “دول جوار العراق” قبيل الغزو الأميركي بسنوات مثال على ذلك؛ المشكلة في أن تدّعي مجموعة ما صداقة شعب منكوب وتحت تسمية “النواة الصلبة” ثم لا يرتفع سقف دعمها فوق الدعم الإنساني، أو بالأحرى يُستغل الدعم الإنساني في كل مرة للتلويح به كبديل عن الدعم السياسي الحقيقي المطلوب. من حق دول المجموعة أن تنسق في ما بينها بعيداً عن ادّعاءات الصداقة، لأن خلاصات قراراتها لا ترتقي مطلقاً إلى حد الدعم الذي يضمن حماية السوريين، أو تمكينهم من حماية أنفسهم بأنفسهم. بل لقد استبق وزير الخارجية الأميركي البيان بطمأنة نظيره الروسي إلى أن إدارته لن تسمح بمرور أسلحة نوعية للمعارضة، وربما حان الوقت ليعلن السوريون بصراحة أن صداقة الإدارة الأميركية لهم تكمل ما تفعله الأسلحة الروسية بهم.
من سخريات الإنشاء أن يتحدث البيان عن “خداع للديمقراطية” مع وجود إدارة أميركية لم تقدّم وعوداً صادقة سوى لحلفاء النظام.
المدن