صفحات العالم

خرافة “فلتان الشارع”


جهاد الزين

بين الحين والآخر تتجدد من الجنوب الى الشمال مرورا بالجبل نظريةُ “فلتان الشارع” السياسي في لبنان. وهي لعبة كلامية تمارسها الطواقم المتصارعة من السياسيين عندما يكون هناك حدثٌ أكان صغيراً أو كبيراً ذا طابع دراماتيكي ويحمل دماً كما يحتمل مظلوميةً ما، فإذا بنا تكراراً أمام “خطر عدم إمكان ضبط الشارع الغاضب”.

عن اي شارع او شارعين او شوارع نتحدث عندما يكون اللاعبون هنا أو هناك او هنالك “ممسوكين” داخلياً واقليميا.

لقد لاحظنا في أوقات ومشاكل عديدة ان منسوب الغضب مدروس، أكان عالياً جدا أو متوسطا أو خفيضاً. ولطالما لاحظنا قدرة القوى الممسكة بالطائفيات على توجيه شارعها وأعصابه بالاتجاه الذي تريد.

ينطبق هذا اليوم على الطائفتين السنية والشيعية وطبعا الطائفة الدرزية أكثر مما ينطبق – راهنا – على البيئة المسيحية بسبب درجة التنوع الشديد في هذه البيئة. التنوع القسري والتنوع الإرادي، وكلاهما ناتج عن عوامل سلبية وايجابية لدى المسيحيين اللبنانيين: الانشداد الى علاقات لبنان القديم حيث خليط النفوذ الكنسي والبورجوازي المديني والعائلي المناطقي والحزبي الطائفي… هذا على الرغم من استمرار نفوذ الاحزاب الكبيرة، وهي العوني والقواتي ونسبيا الكتائبي.

القوى الطائفية قوية جدا. ولهذا فالنظام اللبناني قوي جدا. فهو كما قلنا دائما نظام قوي يدير دولة ضعيفة بل تافهة. واحدى المفارقات الكبيرة حاليا الناتجة عن معادلة النظام القوي – الدولة الضعيفة أننا ربما كنا الدولة الوحيدة في العالم وقطعا في العالم العربي – حتى بعد “الربيع” – حيث رئيسا الجمهورية والحكومة ليسا بين الرموز السبعة الاقوى للنظام السياسي بل أكاد اقول ليسا رمزين له بالمطلق. ووحده رئيس مجلس النواب بين حَمَلَةِ المناصب موجودٌ بين الرموز السبعة الاساسية وهم ثلاثة موارنة وواحد سني واثنان شيعيان وواحد درزي.

أيضا سجّل النظام الطائفي اللبناني سمة أخرى في مسار تبلوره. لقد كان دائما نظاما تابعا بقوة للخارج لكن لم يحصل أيضا أن كانت قوى في الاقليم كاملة السيطرة على قواه السياسية المحلية مثل السنوات العشرين الاخيرة ولا سيما بعد انفراز الاستقطاب بين ثلاثة أنظمة: السعودية من جهة وايران – سوريا من جهة أخرى.

رحم الله الضحايا الجدد والسابقين وأعان عائلاتهم على الصبر. لكن “فلتان الشارع” في لبنان خرافة تعبوية سياسية سواء عندما يتعلق الامر باستنكار “شعبي” لزيارة ديبلوماسي اميركي الى النبطية أو بتظاهرة ما في طرابلس او غير ذلك من الامثلة.

 حمى الله اللبنانيين من كل “شوارعهم”؟

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى