خطأ فادح لحزب الله
عيسى الشعيبي
من المؤكد أن هناك أناساً بين ظهرانينا يتفهمون دوافع حزب الله الذاتية ومبرراته الموضوعية في وقوفه إلى جانب النظام السوري، وإن كانوا لا يقرّون لهذا الحزب، الذي سبق له أن نال، قبل نحو خمس سنوات، إعجاباً منقطع النظير لأدائه العسكري الباهر في جنوب لبنان ضد العدوان الإسرائيلي، اتخاذ موقف لا يتقاطع مع أشواق ملايين العرب وتطلعاتهم الجارفة إلى امتداد الربيع الديمقراطي، وتفتح أزهاره في أشد الديار العربية تصحراً، وأكثرها عطشاً إلى موسم ماطر بالحرية وحقوق الإنسان.
ومن المؤكد أيضاً أن هذا الحزب، الذي تتمتع قيادته بالحصافة ولا ترتجل المواقف عادة دون تبصر، يدرك بالمقابل مدى حساسية العرب عموماً، والسوريين خصوصاً، لكل موقف قد يبدو فيه صاحبه متماثلاً مع نظام قمعي متوحش، يواصل فقدان شرعيته، ويعمق عزلته العربية والدولية، ويتقدم خطوة وراء خطوة نحو المثول أمام قضاة محكمة الجنايات الدولية بتهم توثقها صور الأطفال المعذبين حتى الموت ومشاهد المقابر الجماعية، وأشرطة المدعوسين بأحذية الشبيحة.
ومع ذلك فقد آثر حزب الله الذي امتنع لنحو شهرين عن الانخراط المباشر في حملة قام بها حلفاؤه الصغار على شاشات التلفزيون السوري بصورة منفرة، دفاعاً عن خط الممانعة الهميونية وقلعة المقاومة الكلامية، أن يلوذ بما يشبه الصمت حرجاً، وأن يواصل الرهان على قدرة آلة القمع المجربة في حماة من قبل، في إعادة السوريين مرة أخرى إلى ما وراء جدار الخوف الذي حطموه ببسالة، ومن ثم الحفاظ على حبل السرة الذي يربطه بإيران قادراً على مده بأسباب القوة الصاروخية والمالية.
غير أن الوقوف في المنطقة الرمادية، والاعتصام بمواقف حمالة أوجه، لا تناسب نظاماً يمر بضائقة، وهو الذي بنى ميزته النسبية على ما يسميه ممانعة، وذلك على نحو الموقف الراشد الذي اتخذته حماس، الأمر الذي سبب مزيدا من الضغوط على حزب الله لاتخاذ سياسة معلنة لا تقبل التأويل إزاء ما يتهدد النظام من خسارة لا تعوّض، إذا ما ظل عارياً من ورقة توت حلف الممانعة، هذا الحلف الذي تفرق أيدي سبأ، ولم يبق منه سوى الحزب ذي السمعة الطيبة.
وعليه، فإن من المرجح أن تكون الضغوط التي تعرض لها حزب الله من تحت الطاولة، قد حملته حملاً على فض كل ما كان قد تبقى لديه من مواقف ملتبسة، كي يعلن على رؤوس الأشهاد انحيازه الكامل رسمياً، وليس إعلامياً فقط، ضد الثورة السورية المتعاظمة، وارتكاب هذا الخطأ الذي أملته ضرورات اللحظة السياسية الراهنة، مضحياً بجماهيريته الواسعة، بل وغير متحسب بما يكفي إزاء مضاعفات محتملة وآثار مدمرة على مكانة الحزب وعلى مستقبل علاقاته مع سورية الجديدة الآخذة في التشكل رويداً رويداً مع كل صلاة يوم جمعة.
إزاء ذلك، فإن من المرجح أن يكون حزب الله، الذي عض على جرحه العميق غداة اغتيال رئيس أركانه الشهيد عماد مغنيه في دمشق من دون أن يسائلها، حتى لا نقول أن يتهمها أو يلومها بكلمة واحدة، قد اجتاز نقطة اللاعودة في وقوفه إلى جانب نظام مكروه من شعبه، وسقط في اختبار نجحت حماس في عبوره بصعوبة، الأمر الذي قد يدوّن في تاريخ هذا الحزب صاحب اليد العليا في لبنان، على أنه أكبر خطأ ارتكبه في تاريخ ليس فيه سوى بعض السقطات المتفرقة والقليلة، مثل سقطة اجتياح بيروت الغربية قبل نحو سنتين.
ولعل قيام بعض السوريين بإحراق صور السيد حسن نصرالله أمام عدسات المصورين، أكثر الدلالات رمزية على مدى فداحة الخطأ الذي ارتكبه الرجل الذي رفعت صوره في الشوارع، وعلقت على جدران البيوت الفقيرة إلى جانب صورة جمال عبد الناصر، قبل أن ينتهج سياسة تكيل بمكيالين إزاء ثورة مصر وثورة سورية، ويظهر بمظهر تفوح منه الرائحة المذهبية حيال المجريات البحرينية، ثم يغامر بتبديد كل رصيده المجيد في لحظة ضعف لا تخلو هي الأخرى من حسبة طائفية، ويصادق بنفسه على التهم غير المؤكدة بالمشاركة مع الشبيحة في قمع المتظاهرين في درعا.
الغد