صفحات العالم

خطابان وهدف واحد


مصطفى زين

يبدو الخطاب السياسي في ما يدور في سورية خارج لغة العصر. خطاب يستخدم مفاهيم عصبيات تنتمي إلى ما قبل تأسيس الدولة بما هي تجسيد لإرادة جماعة أو جماعات بينها عقد إجتماعي يوحد سائر الطوائف والأعراق في ظل قانون يحمي الحريات الفردية والجماعية. والطريف أن هذا الخطاب يجمع النيو ليبيراليين(ما بعد الحداثيين) والمغرقين في الماضي، يجمع الإسلاميين «المتنورين»، مثل «الإخوان المسلمين»، والذين يريدون العودة قروناً إلى الوراء. يكفي أن تقرأ (القراء قليلون في عصر الفضائيات) أو تسمع ما يقوله أحمد داود أوغلو أو رجب طيب أردوغان، أو أيمن الظواهري، او محمد مرسي، أو العرعور، كي تحضر أمامك صفحات من عصور غابرة مغرقة في التخلف المعرفي، وحتى اللغوي. صفحات ابتعدت عن الإنجازات الكبرى التي حققها المسلمون والعرب، وعادت إلى عصور سادها الإستبداد والتسلط والإقطاع الديني والسياسي.

هذا ما استعاره أردوغان في احد خطبه من شاعر تركي:

«مساجدنا ثكناتنا

قبابنا خوذاتنا

مآذننا حرابنا

والمصلون جنودنا

هذا الجيش المقدس يحرس ديننا».

في موازاة هذا الخطاب المتشنج، أو في مؤازرته، خطاب نيوليبيرالي استخدمه، ويستخدمه عرب وأوروبيون وأميركيون، يبرر السابق وينظر له، مضفياً عليه لمحة معاصرة مثل حق الأقليات والشعوب في تقرير مصيرها واختيار شكل الحكم الذي تريد، أو فرض الحكم الذي تريده الولايات المتحدة، مثلما حصل في العراق (ليس أكثر من منظري الحرب على بلاد الرافدين ومبرريها). أو مثلما يحصل الآن في ليبيا. وقد يحصل غداً في سورية إذا استمر العمل من الخارج والداخل لتفكيك المجتمع والدولة. من الخارج بحجة «تحرير سورية» (مشروع جو بايدن). ومن الداخل، بالتعاون مع هذا الخارج، بحجة هيمنة أقلية طائفية على الأكثرية.

إنها عقلية الغزو ولغته المتوازية للعقلية الإستعمارية القائمة أيضاً على الغزو. والتبريرات قديمة وجاهزة في الحالتين. في الحالة الأولى ليس لدى طالبي التغيير من خطاب غير الخطاب الديني لتأليب الطوائف بعضها على بعض. وليس لديها رؤية لكيفية التطور الإجتماعي الذي يحتاج إلى وقت طويل، وإلى حراك سلمي يؤدي إلى بناء دولة المواطنة على أنقاض الإستبداد من دون تدمير ما بناه السوريون ودفعوا ثمنه غالياً عبر عشرات السنين.

عبَر عن هذا التصور السلمي مسؤولون في «هيئة التنسيق» في الداخل، و الخارج، منهم، على سبيل المثال، حسن عبد العظيم وهيثم مناع، ومنذر خدام. خطاب الهيئة يستوعب تعقيدات المجتمع السوري، ويقر باستحالة التغيير أو القضاء على المعارضة بالقوة. ويأخذ مناع على «المجاهدين» القادمين من بلدان عربية أو غير عربية عدم معرفتهم بالمجتمع السوري المتعدد، ويتعاطون معه كأنه مجتمعهم الموحد في الدين والمذهب، ويرون أن اي مخالف لتوجهاتهم «كافر» و»ملحد» قتله واجب شرعي لاستعادة الماضي، بالقضاء على الحاضر والمستقبل.

أما معارضة الخارج، بعلمانييها و»إخوانها» وليبيرالييها فتشترك مع «المجاهدين» والأميركيين وتركيا والآخرين بخطاب الغزو الذي يريد التغيير الآن، ولو أدى ذلك إلى تدمير كل المؤسسات المدنية والعسكرية، وكل البنى التحتية والقضاء على الدولة، فضلاً عن تغيير النظام. من هنا دعواتها الدائمة إلى التدخل العسكري، أطلسياً كان أو اميركياً أو تركياً.

وعندما يتم القضاء على الدولة لن يجدوا ما يحققون فيه أحلامهم.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى