صفحات سوريةطيب تيزيني

خطة عنان إلى أين؟


طيب تيزيني

أتت خطة كوفي عنان لتُحدث حوارات ساخنة في أوساط واسعة من السوريين والعرب والآخرين، نظراً لاعتبارين اثنين (أو أكثر). أما الأول منهما، فيقوم على كونها الأخيرة قبل الدخول في مسار آخر محتمل لمعالجة الأزمة السورية. ويبرز الاعتبار الثاني بوصفه تأكيداً على أهمية الخطة، وإجماع الكثيرين على ذلك. وربما هنالك اعتبار ثالث يؤكد الأهمية المذكورة، وهو الخطورة التي تتلبّس الثورة السورية بعمقها، حيث أعمال العنف الهائلة وغير المسبوقة التي ترافقها وتخترقها، وكذلك من حيث تعقيد المواقف الدولية منها.

وقد ظهر أحد أوجه التعقيد والخطورة للمسألة المعنية، حين راحت مواقف روسيا حيال ذلك تُطلُّ بعلاماتها، فلقد صدر أحد مواقف روسيا من ذلك، حين أعلِن قبل أيام أن الخطر الذي يهدد خطة عنان يكمن في أن المعارضة هي التي تسعى إلى ذلك، بتسخين الموقف عبر العنف الذي مارسته وتمارسه ضد النظام السوري. إن مناقشة هذا الرأي الروسي يقتضي تفكيك الخطاب الذي تقدمه هذه المعارضة، ليتضح أن مصالح المذكورة تتوافق، بالضبط، مع تنفيذ خطة “عنان” في نقاطها الست، فالتنفيذ المُراقَب لسحب أدوات القتل والقنص حقاً، والسماح بدخول الإعلام الخارجي إلى سوريا بالتزامن مع السماح بخروج تظاهرات سلمية، إن هذا وحده، على الأقل، سيفتح الأبواب طولاً وعرضاً لجعل سوريا عاصمة ومدناً وبلدات تعجّ بعدد من ملايين المتظاهرين السلميين بشعاراتهم السياسية، مِمّا يُفضي إلى تساقط النظام ربما دون طلقة رصاص واحدة.

ما يلفت النظر في الموقف هذا هو أن صُنّاع الإعلام في روسيا “لم يكتشفوا” أن مصلحة المعارضة السورية الوطنية تقوم فعلياً على تحقيق خطة عنان. أما فشل هذه الأخيرة، فمن شأنه أن يُمكّن لدبابات النظام وقنّاصه، الاستمرار في بقائهم في حالة من الفعل العسكري المفتوح. ومن الطريف أن دبابة أجهزة عسكرية صُوّرت مُخبّأة في منطقة سورية عن طريق تصوير الأقمار الصناعية، تعبيراً عن أن ما يفعله النظام السوري، حين يعلن عن استجابته لشرط سحب العتاد العسكري من المدن والمناطق السورية، لا يعدو كونه إخفاءً لهذا العتاد في أماكن يُعتقد أنها تحقق هذا الهدف.

أمام ذلك كله، يعلن المتحدث باسم كوفي عنان، أن فشل خطة عنان، ستكون لها نتائج خطيرة. ومن جهة أخرى، أعلن راسموس الشخصية المسؤولة في الاتحاد الأوروبي، أن الخطة المذكورة تحقق حلاً سلمياً للأزمة السورية، ومن ثم، ينبغي التشديد عليها قبل أن يفوت الأوان. بل إن وصول 300 رجل ضمن بعثة الأمم المتحدة إلى سوريا بعد حين، ربما لن يعني شيئاً جديداً على طريق الحل السلمي. فالحل الأمني العسكري يُراد له أن يبقى سيد الموقف الوحيد. وهذا ما لا يستطيع تجنيب سوريا مخاطر نوعية جديدة وجدّية. فمشروع الحرب الأهلية في سياق صراعات طائفية خصوصاً، هو ما يمكن أن ينبثق عن إبقاء الأمر على ما هو الآن، مِمّا يؤسِّس لمطلب التدخل الأجنبي العسكري. وهذا ما يمكن أن يفتح الباب على مصراعيه أمام ما قد يأتي من عقبات ربما لا يمكن السيطرة عليها.

دور القوى الوطنية المتّسمة بالحكمة والعقلانية والمتّسمة بهمِّ الحِفاظ على سوريا موحَّدة وقادرة على الخروج من هذا الوضع المأساوي الخطير، إنما هو ذو أهمية قد تكون -في ظرفنا هذا- حاسمة. ويدخل في هذا الموقف ما يمكن أن يترتب على ذلك من تقديم مساومات في سبيل عقد مصالحة أو أخرى، ولكن دون أن يتعرض ذلك للأهداف التي انطلقت الثورة منها ومن أجلها.

وفي هذا المنعطف، يبدو أنه من الأهمية بمكان أن ننوّه بالدور المحتمل، الذي قد يقوم به أولئك الأشخاص الذين يحتلون مواقع محترمة في الوسط الاجتماعي العريض، ويتَّسِمون بالحكمة والبصيرة في معالجة المعضلات المعقدة المستعصية لدى كل الفئات والمجموعات. ومن شأن هذا أن يُعوّل على ذوي الحكمة والوطنية، دون نسيان دور المصالح الخاصة بجماعة النظام السوري وحلفائه الروس والصينيين والإيرانيين وغيرهم.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى