صفحات سوريةمحمد سيد رصاص

خطة كوفي عنان: قراءة تحليلية


محمد سيد رصاص

في يوم 21آذار مارس2012جرى التوصل إلى اجماع للدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي حول بيان رئاسي يتعلق بالأزمة السورية،يدعم خطة كوفي عنان التي جرى في ذلك البيان تضمين نقاطها الست:( الالتزام بالعمل من أجل عملية سياسية شاملة يقودها السوريون،وقف جميع عمليات القتال،هدنة لإدخال المساعدات الإنسانية،الإفراج عن كل المعتقلين تعسفياً، ضمان حرية الحركة للصحفيين، واحترام الحق في التظاهر السلمي.).لم يحصل هذا التوافق حول الخطة التي تبنتها الجامعة العربية في يوم2تشرين ثانينوفمبر2011،وإن جرت ايحاءات دولية غامضة بحصول ذلك،فيماحصل تفارق بين موسكو- بكين وبين الغربيين حول المبادرة العربية الثانية التي تبناها مجلس وزراء الجامعة في 22كانون ثانييناير2012والتي كانت تتضمن”السيناريو اليمني”.

من الضروري،الإشارة هنا ، إلى أن الاتجاه نحو التعريب للأزمة السورية في الخطة الأولى للجامعة قد حصل بعد أربعة أسابيع من فشل مجلس الأمن بسبب الفيتو المزدوج الروسي- الصيني، في محاولة لجعل التعريب مخرجاً من انسداد التدويل،بينما كان الاصطدام بجدار حائط نيويورك في 4شباطفبراير مؤدياً إلى موت ليس فقط المبادرة العربية الثانية التي تضمَنها مشروع القرار المعروض للتصويت على مجلس الأمن وإنما كامل التعريب للأزمة السورية،ولتنقل بعده إلى أن تصبح قضية دولية بين البيت الأبيض(ومعه الاتحاد الأوروبي) وبين الكرملين(والصين ودول مجموعة البريك:الهند والبرازيل وجنوب افريقية).

جرت في 24شباطفبراير بتونس محاولة لتجاوز ذلك من خلال (مؤتمر أصدقاء سوريا)،عندما كان نصف معرًب ونصف مؤَقلم ونصف مدَول،ولكن ليبان بأن الانقسام العربي حول المسألة السورية،ونظيريه الاقليمي(الايراني- التركي)والدولي(الروسي الصيني- الغربي) قد جعل ذلك المؤتمر بدون نتائج على الأرض.انضاف فشل هذه المحاولة إلى توازنات جديدة لصالح النظام السوري بعد العملية العسكرية- الأمنية التي قام بها في (بابا عمرو)طوال شهر شباطفبراير بكامله ،وهو ماجعل ليس فقط “السيناريو اليمني” المتضمن في مبادرة22ينايرخارج السياق،وإنما معه كامل عملية التعريب، ولتدخل المسألة السورية في طريق تلمَس معالمه وزير الخارجية البريطاني عندما قال لوفد سوري معارض، التقاه في لندن بشهر تشرين ثانينوفمبر ،العبارة التالية:”لاحل في سوريا من دون روسيا”.

كان البيان الرئاسي لمجلس الأمن في 21آذارمارس هو حصيلة لكل العوامل السابقة المذكورة: فشلُ للتعريب الذي جرت عملية لايجاد آلياته عبر محاولة لم يكتب لها النجاح حصلت في قاعة مجلس الأمن الذي حملت إليه صيغة 22يناير ،فيماأريد من صيغة2نوفمبر العربية ايجاد بديل عن انسداد أبواب نيويورك التي قالها فيتو يوم4أوكتوبر.هنا،يمكن تلمس مدى تغير موازين القوى،من خلال انتقال الروس من تصريح وزير خارجيتهم لافروف لمرتين في كانون أولديسمبر عن “حل سوري على الطريقة اليمنية،بدل الحل على الطريقة الليبية” إلى رفض موسكو الصريح لمبادرة22يناير التي تتضمن “السيناريو اليمني” قبل الانتقال إلى اعلان وفاتها من خلال فيتو4فبراير،وهو مالايمكن تفسيره سوى باستغلال موسكو للموازين الداخلية السورية التي بدأ النظام السوري منذ الشهر الأول من العام الجديد يميلها لصالحه على الصعيد الأمني- العسكري،الأمر الذي سمح له في تحقيق مااستطاعه أمنياً وعسكرياً في (بابا عمرو)بفبراير،والذي انطلقت العملية ضده وأخذت مداها بعد أيام من فيتو 4فبراير وبالتزامن مع زيارة لافروف لدمشق.هذا التغير في الموازين يمكن تلمسه أيضاً من خلال الغموض الذي تتضمنه خطة كوفي عنان حول” الالتزام بالعمل من أجل عملية سياسية شاملة يقودها السوريون”من دون تحديد ملامحها ومآلاتها كماكان موجوداً في المبادرتين العربيتين يومي2نوفمبر و22يناير،مع اكتفاء ،في بيان 21آذار ثم في قراري مجلس الأمن الصادرين في يوم14نيسانإبريل بالرقم2042 و21نيسان2012بالرقم2043الداعمين لخطة كوفي عنان، بالإشارة إلى “القرارت ذات الصلة للجامعة العربية” مع عبارة وضعت في صيغة القرار2042بأن خطة عنان ذات النقاط الست تهدف “لتسهيل قيام مرحلة انتقال سياسي يقودها السوريون نحو نظام سياسي ديموقراطي تعددي”.

يمكن أن يكون هذا الغموض انعكاساً للتوازن القلق الموجود حول سوريا في طوابقه الثلاث:دولياً بين واشنطن و موسكو،اقليمياً أنقرة في موازاة طهران،وداخلياً بين نظام لم يستطع خلال عام كامل أن ينجح في انهاء الحراك عبر حله الأمني- العسكري وبين حراك لم يستطع أن يسقط النظام.وهنا، لايمكن عزل أجواء انعقاد لقاء استانبول(مجموعة5+1)حول البرنامج النووي الايراني ،التي أوحت باستعداد أميركي لقبول “استمرار ايران بتخصيب اليورانيوم مقابل ضمانات حول سلمية برنامجها النووي”،عن أجواء خطة كوفي عنان التي صدر قرار داعم لها من مجلس الأمن في يوم14نيسانإبريل الذي جرى فيه ذلك اللقاء المتعلق بايران على الأراضي التركية،في وقت أثبتت مجريات عام كامل من الأزمة السورية أن حلول الأخيرة لايمكن أن تكون بعيدة عن توافقات الرباعي (واشنطن – موسكو – أنقرة – طهران).

هذا يعني أن خطة عنان انتظارية أومفتوحة على التوازنات المتحركة المقبلة،وليست خطة طريق محددة المعالم،كماكانت مبادرتا الجامعة العربية،ولكن في الوقت نفسه أتت – أي خطة عنان- بعد تحديد ممنوعات اللعبة السورية:التدخل العسكري الخارجي،والحرب الأهلية، إثر قناعة دولية واقليمية بأن تكرار سوري لسيناريو الناتو في ليبيا سيقود إلى اضطراب عالمي بعد أن كانت سوريا منصة لأول أزمة عالمية تشعلها موسكو في وجه واشنطن في عصر مابعد الحرب الباردة ،وبأن التدخل العسكري الخارجي- كماتثبت تجارب أفغانستان والعراق وليبيا- سيقود إلى حرب أهلية سورية لن تكون “داخلية،وإنما حرباً أهلية في الاقليم”كما عبَر الرئيس التونسي في كلمته بقمة بغداد الأخيرة،مثلماكان عليه الأمر في فرنسة مابعد ثورة1789لماأدى الاضطراب الداخلي الفرنسي إلى حروب أوروبية هزت القارة العجوز بين عامي1792و1815،وهو أمر لايستطيع تحمله العالم ولااقليم الشرق الأوسط الذي تعايش مع حريق لبناني داخلي كان محصوراً في النطاق الجغرافي لبلاد الأرز بين عامي1975و1990هذا إذا لم يستفد من النار اللبنانية لطبخ طبخات خاصة بهذا الطرف الاقليمي أوهذا.

ماسبق،لايمكن تلمسه فقط من خلال الغموض وعدم تحديد ملامح خطة عنان،فقط،وإنما أيضاً من خلال الآليات البطيئة في التنفيذ،والتي تساعد على تسييل كل طرف للتوازنات لصالحه من أجل تحسين مواقعه عندما يجري الجلوس إلى مائدة التفاوض بين أطراف الأزمة السورية،ولكن على مايبدو ليس إلى زمن طويل من بدء خطة عنان التي بدأ اعلانها من نيويورك بعد عام وثلاثة أيام من بدء انفجار الأزمة السورية،والتي قالت نتيجة أيامها الطوال تلك المئتان والتسع والستون كماتقول تسعون دقيقة من مباراة لكرة القدم تنتهي نتيجتها بالتعادل بين طرفيها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى