خطّة السعودية لبقاء الأسد: رهان جديد/ منير الربيع
لم تكن إشارة التحالف العربي في اليمن إلى أن الصواريخ التي يستهدف بها الحوثيون المملكة العربية السعودية، وصلتهم من لبنان، مسألة عابرة. ورغم غرابة الأمر، فالمقصود واضح، وهو تحميل حزب الله مسؤولية ذلك، بما يستتبعه ذلك من ردود وتداعيات. يقصد السعوديون اتهام الإيرانيين، لكن مواجهة إيران داخل إيران مسألة غير قابلة للتفكير، وارتداداتها ستكون مدمّرة. لذلك، لا بد من تجميع الملفات وتكبيرها ضد حزب الله، الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة، والقوة العسكرية العابرة للحدود. الرسالة واضحة، من يريد استهداف إيران يبحث عن مكان لاستهدافها، والمكان قد يكون لبنان.
كانت وجهة النظر التي تشير إلى استهداف النفوذ الإيراني في المنطقة، تتطلّع لأن تكون أي ضربة ستوجه إلى طهران وحلفائها في سوريا، لكن على ما يبدو أن المعادلة آخذة في التغيّر. إذ إن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن استعداد القوات الأميركية للانسحاب من سوريا، ووقف كل أشكال الدعم المالي لفصائل موالية، يحمل كثيراً من المعاني والخلفيات. هو إعلان أميركي صريح للإنسحاب من سوريا، لكن هذا لن يحصل إلا بعد تأمين مصالح أميركا وحلفائها. تلتقي هذه المصالح على مسألة أساسية هي تحجيم النفوذ الإيراني، أو إخراج إيران من سوريا، وإضعاف حزب الله فيها وتالياً في لبنان، في مقابل ضمان السيطرة الأميركية على العراق، لأن الهدف الاستراتيجي للوجود الأميركي في شمال شرق سوريا، ليس مواجهة داعش والسيطرة على النفط فحسب، بل قطع الطريق الإيرانية الواصلة من طهران إلى بيروت، والإمساك الجيد بالورقة العراقية.
أرفق الكلام الأميركي بتطور سعودي لافت جاء على لسان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي اعتبر من واشنطن أن رئيس النظام السوري بشار الأسد باق في السلطة، ولن يرحل. لكن عليه أن لا يتحول دمية بيد الإيرانيين. هي نظرية سعودية قديمة تعود إلى أيام الملك عبدالله وتجلّت في تسوية السين سين التي كانت ترتكز على المقاربة السعودية للوضع في لبنان، وقامت على أساس المصالحة مع الأسد مقابل إبعاده عن الإيرانيين. لكن هذه النظرية أثبتت فشلها سابقاً، فيما إعادة إحيائها اليوم تستند إلى رهانات سعودية جديدة، تبنى على تفاهمات مع الأميركيين والروس في آن واحد.
بعد كل ما جنته سوريا من دمار وتهجير، استفاقت الدول التي كانت داعمة للثورة السورية نظرياً أو افتراضياً، على أن الأسد لن يرحل. كل الشعارات التي رفعت سابقاً عن رحيل الأسد وأن لا مكان له في مستقبل سوريا سقطت إلى غير رجعة. أعلن بن سلمان كلمة السرّ، التي توضح كثيراً عن المسار السعودي ليس في سوريا فحسب، بل في لبنان أيضاً، من خلال الرهان على دعم رئيس الجمهورية وتحالفه مع تيار المستقبل، لمصلحة إبعاده عن حزب الله. وهذه ستكون مصلحة لبنانية عليا بعد توجيه ضربات موجعة للحزب بفرض العقوبات عليه وتحجيم نفوذه ونفوذ إيران في سوريا.
حتى الضربات الأميركية على مواقع إيرانية في سوريا أصبحت مستبعدة. وجود الروس يفرض معادلة تمنع أي خطوة من هذا النوع. لذلك، يأتي الإعلان الأميركي عن الاستعداد للإنسحاب من سوريا في إطار تبادل كرات التفاوض مع موسكو، رغم التصعيد بين البلدين حالياً. لا تمانع السعودية، وأميركا، الوجود الروسي في سوريا، لكنهما تمانعان الوجود الإيراني. وهذا عنوان تفاوضي أساسي يجري مع الروس لتسوية العديد من الملفات. فالسعودية قدمت تنازلاً كبيراً لموسكو بالقبول ببقاء الأسد، لكنها تريد مقابل ذلك تحجيم نفوذ إيران وتطويقها. وتعتبر الرؤية السعودية أن بقاء القوات الأميركية في سوريا حالياً عنصراً أساسياً لضمان التوازن ورسالة أساسية لإيران.
تشير مصادر متابعة إلى أن السعودية تقدّم تنازلات مقابل إخراج إيران من سوريا، وتربط المصادر بين الموقفين السعودي والأميركي، خصوصاً أن ليس لدى الأميركيين أهداف إستراتيجية من الوجود في سوريا سوى حماية نفوذهم في العراق، ومواجهة داعش وفرض توزان دولي في سوريا، وقطع طريق إيران الإستراتيجية على الحدود العراقية السورية، بالإضافة إلى ضمان مصالح حلفائهم المعنوية. وهذا لا يمكن أن يحصل من دون إبرام تسوية مع روسيا وليس مع إيران.
وفق النظرة السعودية، لا يمكن القضاء على حزب الله في لبنان، لكن هناك إماكنية للقضاء عليه في سوريا، ليس عبر حملة عسكرية بالضرورة، إنما من خلال قطع خطوط تواصله وخنق الرئة التي يتنفّس منها وهي السيطرة الإيرانية على الخط الذي يمتد من إيران إلى العراق فسوريا فلبنان. حينها لن يستطيع حزب الله إرسال عناصر للتدريب ولا الحصول على الأسلحة كما كان الوضع سابقاً. يراهن السعوديون على هذا المبدأ لضمان مواجهة إيران وإخراجها من سوريا، وهم يعتبرون أنه لن يكون لروسيا أي مصلحة في بقاء إيران على الأراضي السورية، لأنه لا يمكن لأي دولة كبرى أن ترضى بتقاسم مناطق النفوذ مع دولة إقليمية أخرى. وأكثر، يراهن السعوديون مجدداً على إبعاد الأسد عن الإيرانيين إنطلاقاً من أن المجتمع العلوي في سوريا يفضّل التأقلم مع الروس على التعايش مع الإيرانيين.
هي وجهة سعودية جديدة تنطلق في المنطقة. فبعدما كان الأسد رأس الفتنة في العالم وأكبر راع للارهاب، أصبح مقبولاً مقابل الرهان عليه للخروج من العباءة الإيرانية. الوجهة نفسها تطبّق في لبنان عبر محاولات لإبعاد حلفاء حزب الله عنه. وهذا ما تراهن عليه السعودية في مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية. لكن هذا المسار ليس حديثاً وأثبت فشله في السابق. فشله مجدداً لن تكون إنعكاساته على سوريا فحسب، بل على المنطقة بأكملها، خصوصاً أن الإيرانيين لن يتنازلوا. وأول بوادر الرد كانت عبر الصواريخ البالستية في اتجاه الرياض. وإذا كانت سوريا محمية روسياً، فالمظلّة فوق لبنان تعتريها ثقوب كثيرة.
المدن