صفحات العالم

خلاص الفلسطينيين من خلاص السوريين..الحرية لاتتجزّأ

ماجد كيالي

لا يتعاطف الفلسطيني مع قضية السوريين، وضمنها مع ثورات الشعوب العربية، من معطى خارجي، بل إنه يتعاطف في ذلك مع قضيته بالذات، باعتبار قضية فلسطين، ليست مجرّد قضية قطعة أرض، وإنما هي معنى للحرية والكرامة والعدالة أيضاً، فلا تحرير من دون مواطنين أحرار، ولا معنى للتحرير من دون حرية، فالتحرّر الفلسطيني هو جزء من التحرّر العربي.

هكذا، فعندما يتعاطف الفلسطيني ـ السوري بالذات، مع ثورة السوريين خصوصاً، فإنه في ذلك يتعاطف مع الضحايا، الذين ينتمي إليهم، والذين يحسّ بهم، وبمعاناتهم ومكابداتهم، فقد عاش بين ظهرانيهم، طوال 65 عاما، وبات جزءا منهم، إذ عاش آلامهم، واستبشر بآمالهم.

هذا هو معنى أن قضية الحرية لا تتجزأ، ومعنى الشعار: “فلسطيني سوري واحد”، الذي صدحت به حناجر المتظاهرين الفلسطينيين، في معظم مخيمات اللاجئين على امتداد الخارطة السورية، منذ اندلاع الثورة السورية المشروعة.

وعموماً، فقد شكّلت سوريا وطناً ثانياً للفلسطينيين السوريين، بفضل شعبها الطيب، والصابر، بتنويعاته الجميلة، والأليفة، والذي يعتبر في كل شيء، أكثر شبهاً بالفلسطينيين، فهذه سوريا، وهذه بلاد الشام، وهنا ثمة اساطير واحدة، وحكايات مشتركة نشأت، ربما، منذ ما قبل الكنعانيين والفينيقيين، وعايشت غزوات اليونان والرومان، مروراً بجيوش الفاتحين الاسلاميين، وصولاً الى العصور الحديثة.

ليس ثمة بين فلسطين وسوريا حواجز، ولا سدود، لا جغرافية ولا بشرية، وليس بين الفلسطينيين والسوريين فوارق لا في العادات ولا في التقاليد، ولا في التاريخ ولا الفولكلور، وليس ثمة تباينات لا ثقافية ولا سياسية، حتى على مستوى العائلات ثمة اصول وفروع عائلية متشابكة، أكثر مما يوجد بين اي بلد عربي وآخر.

فمنذ النكبة عاش معظم الفلسطينيين اللاجئين في سوريا، في مخيمات، لكنها لم تكن معزولة عن مدن السوريين، وفوقها ثمة فلسطينيون آخرون عاشوا في حارات السوريين ذاتها، كما ثمة سوريون عاشوا في مخيمات الفلسطينيين، التي باتت جزءا من ضواحي الفقر، في هذا البلد الرائع، والغني بحيويته وتنوعه.

هكذا، بات للفلسطيني السوري حكايتان، حكايته الاصلية عن النكبة، والتشرد، وعن وطنه المتخيل، وشعبه اللاجئ، والمشتّت، وعن إسرائيل التي غيّر قيامها تاريخه وحياته، وثمة أيضا إلى جانبها حكايته الثانية، التي تتعلق بسوريا، وطنه الواقعي، او المتعيّن، الذي ولد وعاش ودرس واشتغل وأحب وتزوج وبنى أسرة فيه، وفيه نمّى ثقافته ومشاعره، وصداقاته وتجاربه الشخصية. والحال فإن الفلسطينيين لم يشعروا البتة بأنهم غرباء في هذا البلد، تماما مثلما لم يشعروا بأنهم مدينون لأي نظام مر عليها، لأن الفضل في كل ذلك إنما يعود للسوريين كشعب، لا لأحد غيرهم.

في غضون ذلك، بديهي ان الفلسطيني كابد ما كابده السوري، وعاش ما عايشه طوال العقود الماضية، جراء الحرمان من الحرية، وانتقاص الكرامة، وتغوّل الأجهزة الأمنية، وتهميش المجتمع، وتدهور الحال الاقتصادية.

كما عايش الفلسطينيون فوق كل ذلك التدخّلات الفجّة والعبث المكشوف في شؤون كياناتهم السياسية، وخياراتهم الوطنية، وتقييد أي محاولة منهم لتطوير مجتمعاتهم ومخيماتهم وأحوالهم.

ومعلوم أن النظام السوري، طوال أربعة عقود، لم يوفر الحركة الوطنية الفلسطينية، فعدا مسؤوليته عن خسارة الجولان، فهو اشتغل بدأب على التلاعب بقضية فلسطين، وتوظيفها في خدمة مصالحه، على الرغم من وقفه المقاومة نهائيا، مع استمراره بالتبجح بالمقاومة والممانعة.

وكانت ذروة ذلك في تحويله جيشه لضرب الحركة الوطنية الفلسطينية والحركة الوطنية في لبنان، في اواسط السبعينات، وعبثه بالساحة الفلسطينية، عبر تشجيع الانشقاقات فيها، وطرده الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات من سوريا، في مطلع الثمانينات، ودعمه حركة “أمل” في شن الحرب على المخيمات الفلسطينية في بيروت، في أواسط الثمانينيات، ورعايته جماعة “فتح الإسلام” التي تسببت بدمار مخيم نهر البارد، قبل سنوات.

هذا يفسر كيف ان قطاعات واسعة من الفلسطينيين السوريين، على رغم قلقها المفهوم على مصيرها، وجدت نفسها في صف معظم السوريين من الثائرين، وهو ما تم التعبير عنه بالتعاطف مع الضحايا، وبمحاولة التخفيف عنهم، وهو ما تجلى بتحويل المخيمات الى بيئة آمنة وحاضنة للسوريين الذين لجئوا اليها هرباً من عسف النظام ومن عنفه ووحشيته، لاسيما بعد تعمده تدمير عديد من مخيماتهم وممتلكاتهم، بالقنص وبالقصف بالمدفعية والطائرات، حتى بات ثمة، غير مئات المعتقلين، اكثر من ألف وخمسمئة شهيد فلسطيني في المخيمات، التي تعرض اكثرها للتدمير والحصار، مع تشريد أغلبية سكانها.

وفي معمعان الثورة السورية، ولاسيما بعد طغيان العسكرة عليها، على النواقص والثغرات والمشكلات المتضمنة فيها، عانى الفلسطينيون في المخيمات، مثلهم مثل السوريين في أحياء دمشق وحلب وحمص وغيرها، جراء ضعف التنظيم، وغياب المرجعيات السياسية والعسكرية للثورة، ومن المسلكيات الخارجة عن القانون، ومن الفوضى الناجمة عن كل ذلك. ويأتي في هذا الإطار خوض العمل المسلح بطريقة مزاجية وفوضوية، رفعت كلفة الثورة كثيرا، وأضرّت بالسوريين، من الناحيتين المادية والبشرية، ونجم عنها خصوصا خسارة البيئات الشعبية الحاضنة للثورة، بتشرّد سكانها، وهو ما حصل في بعض المخيمات أيضاً، ولاسيما في مخيم اليرموك، عاصمة الشتات الفلسطيني.

والحال، ليس ثمة من حلّ خاص للفلسطينيين في سوريا، ومن يبحث عن ذلك هو متوهّم، أو مضلّل، أو ينضوي في إطار الكيانات الفصائلية، التي باتت متقادمة ومستهلكة، أو من تلك التي تدين ببقائها لوجود النظام القائم.

وبديهي فإنه في خضم هذا الصراع الجاري والضاري، فإن النظام الذي يقتل شعبه، ويدمر بلده، لن يقصّر أن يفعل ذلك مع الفلسطينيين، فقد فعلها سابقا معهم في لبنان، كما فعلها مع اللبنانيين والسوريين، وبالأصل فقد رفض هذا النظام تحييد المخيمات، وجعلها بيئات آمنة لمن يقصدها، بإصراره على جعلها قاعدة له في هجماتها الوحشية على الأحياء السورية المجاورة لها.

والقصد أن ماحصل في مخيمات اليرموك ودرعا واللاذقية وحندرات وخان الشيخ والنيرب وسبينه وذا النون والحسينية، بغض النظر عن الحكايات الخاصة لكل منها، وضمنه مسؤولية بعض الجماعات العسكرية المتطرفة عن بعض ماحصل هنا او هناك، حصل مثله في المناطق والأحياء والمدن السورية، في داريا ودوما والزبداني والقابون وجوبر وبرزة والتضامن والحجر الاسود والقدم، وفي درعا وحمص وحلب والدير، سواء من قبل النظام، الذي تعمد رفع كلفة الثورة، بإمعان القتل والتدمير في البيئات الحاضنة لها، أو بسبب النواقص والمشكلات المتعلقة بالثورة السورية، والجماعات المسلحة التي تصدرتها.

الآن، ثمة حرب تجري في سوريا، وثمة صراع دام على كل شبر فيها، وفي الغضون، وبغض النظر عن رأينا وتقييمنا لهذا الأمر، فقد بات خلاص الفلسطينيين من خلاص السوريين، فالحرية لا تتجزّأ.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى