خلاف بين موسكو ودمشق حول مستقبل «مناطق النفوذ»/ إبراهيم حميدي
ما أن انتهت قوات الحكومة السورية بدعم من الجيش الروسي من معارك وتسويات الغوطة الشرقية وريف حمص، حتى بدأ السؤال يتصاعد في موسكو من جهة وطهران ودمشق من جهة أخرى، عن المرحلة المقبلة ومستقبل مناطق النفوذ الخارجي الثلاث الباقية: جنوب غربي سوريا، شمال غربي سوريا، شمال شرقي سوريا.
أما في برلين وباريس وعواصم أخرى، فكان السؤال، يتناول كيفية تحريك العملية السياسية ومستقبل مساري جنيف وآستانة وإمكانية الإفادة من تجربة مينسك للحل الأوكراني باجتراح «مينسك سوري».
الاعتقاد في برلين وباريس ودول أخرى، أن الأمر لم يعد يتعلق بالسوريين، نظاماً ومعارضة. بل بات يتعلق باللعبة الكبرى. لذلك؛ فإن إحدى القضايا التي حملتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي أمس، هو الإفادة من خصوصية العلاقة الألمانية – الروسية، وإطلاق مجموعة عمل جديدة خاصة بسوريا، مشابهة لمجموعة مينسك، بحيث تضم روسيا، وأميركا، وألمانيا، وفرنسا. ولا شك أن الرئيس الفرنسي مانويل كامرون سيحمل الفكرة ذاتها إلى بوتين في 25 الشهر الحالي، خصوصاً بعدما فشل اقتراح فرنسي سابق بتأسيس «مجموعة اتصال».
الاقتراح الألماني الجديد هو بين اقتراحات أخرى، كان بينها الجمع بين مجموعة آستانة التي تضم روسيا وإيران وتركيا من جهة ومجموعة الدول الخمس ذاتها التفكير المماثل، أميركا، وفرنسا، وبريطانيا، والسعودية، والأردن التي انضمت إليها لاحقاً ألمانيا.
العقبة أمام هذا الاقتراح، هو رفض واشنطن الجلوس على طاولة مع الجانب الإيراني خصوصاً بعد قرار الرئيس دونالد ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي. أما ألمانيا، فإنها تحمل بعض المقترحات لتجاوز هذه العقدة. لكن جهوداً كبيراً مطلوبة لذلك، خصوصاً إذا أضيفت العقبات القائمة بين روسيا وأميركا حالياً.
هذه العقبات زادت في الأيام الأخيرة؛ إذ إن واشنطن رفضت حضور اجتماع آستانة الأخير. كما أن الجانب الأميركي لا يزال يفضل مفاوضات جنيف وإن كان لا يبذل الرأسمال السياسي الكافي لتحريكه.
موسكو من جهتها تسير في مسار آستانة، وباتت أنقرة تدعمها في ذلك وتفضله على مفاوضات جنيف وتنفيذ القرار 2254. لذلك، فإن إحدى نتائج اجتماع آستانة الأخير كان الاتفاق على عقد الاجتماع المقبل في سوتشي في يوليو(تموز) المقبل لبحث الملف السياسي، مع أن عملية استانة كانت مخصصة للبعد العسكري وإجراءات بناء الثقة فقط.
لكن العقدة أمام موسكو، كانت في إقناع دمشق على السير في المسار السياسي لسوتشي، أي تشكيل لجنة دستورية من قبل المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا. وكان لافتاً، أن الأمر تطلب لقاءً بين الرئيس فلاديمير بوتين والرئيس بشار الأسد الذي وافق على إرسال قائمة من مرشحين إلى اللجنة الدستورية لـ«تعديل» الدستور الحالي، مع تجنب ذكر مفاوضات جنيف.
ولم يكن هذا الخلاف الوحيد بين موسكو من جهة وطهران ودمشق من جهة أخرى؛ ذلك أن الخلاف الآخر الذي استدعى لقاء بوتين والأسد، يتعلق بمرحلة ما بعد الغوطة. بحسب المعلومات، فإن موسكو تفضل التزام «هدنة الجنوب» مع أميركا والأردن. وكان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بحث مع نظيره الروسي سيرغي لافروف «ترتيبات» معينة لجنوب سوريا، تتعلق بفتح معبر نصيب الحدودي وتجنب العمل العسكري وتحييد السلاح الثقيل وانسحاب ميلشيات إيران إلى مسافات متفق عليها تصل إلى 25 كيلومتراً من الحدود ومحاربة فصائل «الجيش الحر» تنظيمي «جبهة النصرة» و«جيش خالد» التابع لـ«داعش». ويعتقد الجانب الروسي بإمكانية الوصول إلى «ترتيبات» مقبولة من الأردن وإسرائيل وأميركا تسمح بانتشار الجيش السوري من دون معارك.
لكن طهران تدفع دمشق للذهاب عسكرياً إلى جنوب غربي سوريا والسيطرة عليها، وهما تعتقدان بأن لديهما «إمكانية الردع العسكري» لإسرائيل في حال تصاعدت المواجهات في الجنوب؛ ما يعتبره الجانب الروسي «مغامرة فيها الكثير من المخاطر»، قد يستغلها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتصعيد عسكري لـ«تصفية الحساب ومنع أي موطئ قدم إيراني في سوريا».
حماسة طهران ودمشق إزاء العمل العسكري في إدلب التي تضم 2.3 مليون شخص، نصفهم من النازحين، بات أقل بعد اجتماع آستانة الأخير الذي بارك نشر الجيش التركي 12 نقطة مراقبة كان بعضها بين إدلب، وحماة، واللاذقية، وحلب؛ ما يعني قبول تولي تركيا «عزل» إدلب وحل مشكلة الأجانب في «هيئة تحرير الشام» وغيرها، الذين يقدرون بعشرة آلاف من أصل 60 ألف عنصر.
أما المنطقة الثالثة في شمال شرقي سوريا، فإنها خاضعة أكثر للمزاج الروسي – الأميركي وتطور العلاقات بينهما، خصوصاً أنها المنطقة الوحيدة التي يقوم نوع من التعاون بين البلدين وسط توترات في مناطق أخرى. لكن، طهران ودمشق تدفعان رويداً رويداً في جعل الإقامة الأميركية والفرنسية شرق نهر الفرات وفي معسكر التنف مرهقة ومكلفة، إضافة إلى توفيرها ذخيرة للخطاب السياسي السوري الذي يتضمن «مقاومة الاحتلال» ورفض قبول أي قوات أجنبية غير شرعية. وهذا العنصر وافق عليه الرئيس بوتين عندما طالب خلال لقائه الأسد أول من أمس بانسحاب جميع القوات الأجنبية من سوريا، الموجودة من دون موافقة دمشق.
الشرق الأوسط