خلاف مع واشنطن/ ميشيل كيلو
أعلنت واشنطن أنها لا تجد عدداً كافياً من السوريين الراغبين في التدريب على أيدي خبرائها العسكريين. يستغرب المسؤولون الأميركيون موقف العدد الأكبر من السوريين الذين يرفضون التدريب الأميركي، ويفوّتون على أنفسهم وعلى أسرهم ما يرتبط به من سلاح ومال، على الرغم من حاجتهم الماسة إليهما وفاقتهم الشديدة، ورغبتهم في قتال النظام الأسدي، والتخلص منه بأي ثمن.
لم يفهم الأميركيون، الباحثون بدأب عن “معتدلين سوريين”، أن هؤلاء لن يذهبوا إليهم لمجرد أنهم جياع وعزل وراغبون في مقاتلة النظام الأسدي وإسقاطه، ولم يفهموا أن أهدافهم ليست أهداف هؤلاء السوريين، وأن أولوياتهم ليست بين أولويات العازمين على إخراج الأسد من السلطة الذين نزلوا إلى الشوارع عزلاً، وواصلوا تحمل الرصاص والقتل أشهر، ثم أعواماً، من دون أن يفقدوا الأمل في انتصار ثورتهم، أو ينكصوا على أعقابهم ويعلنوا توبتهم وقبولهم العودة إلى بيت الطاعة الاستبدادي.
أعلنت أميركا ما كانت تعتقد أنه تحصيل حاصل، وبالتالي، سهل التحقيق، وهو أن المتدربين سيقاتلون تنظيم داعش الإرهابي، وأنها ستدربهم لهذه الغاية وحدها، حين بلغتها اعتراضاتهم قبلت انصراف عدد منهم إلى مقاتلة النظام، في مقابل انخراط غالبيتهم في حربها على الإرهاب. لكن ذلك لم يكن كافياً لاستدراج الأعداد اللازمة من طالبي السلاح والتدريب والمال إلى المعسكرات الأميركية، ولم يمثل دافعاً يقنعهم بالتخلي عن قناعاتهم الوطنية التي تعطي الأولوية للصراع ضد النظام، وترفض التخلي عنها في مقابل أي تعويض دنيوي أو شخصي.
لسنا هنا حيال مشكلة أميركية مع أشخاص بعينهم، نحن أمام هوة تفصل غالبية السوريين عن السياسات الأميركية التي يحمّلونها جزءاً كبيراً جداً من المسؤولية عن موتهم، وما آلت إليه أحوالهم، وبصورة خاصة بقاء النظام، وما رافقه من تحولات قلبت ثورتهم، من حراك سلمي يطالب بالحرية لشعب سوري واحد إلى اقتتال مذهبي/ طائفي مسلح بين السوريين، كان ثمن وحشيته المتزايدة فادحاً بالنسبة لهم، أفراداً وجماعات. بهذا المنظار، اعتبر سوريون كثيرون وعود أميركا بتدريبهم وتسليحهم ضرباً من التكفير عن ذنوبها حيالهم، لا يحق لها ربطه بأية اشتراطات، أو مصالح خاصة بها. وحين أعلنت أنهم سيدربون ليقاتلوا “داعش”، فهموا أنهم سيموتون في معركةٍ، يجب أن يخوضها جيشها وليس هم، وأنها مصرة على التنكر لشعبهم والتخلي عنه، ومصممة على زجهم في حرب ليست أولويتهم. لذلك، أعرضوا عنها، ورفضوا تغيير خيارهم الوطني الذي يجعل النظام عدوهم الرئيس، علماً أنهم لم يفعلوا ذلك حبا بداعش، أو تضامناً معها، فقد سبق لهم أن قاتلوها بشراسة، وأخرجوها من مناطق شاسعة، كانت قد احتلتها، آن كانت في أوج تقدمها وقوتها، وكانوا هم في قاع ضعفهم وجوعهم وحاجتهم إلى السلاح والذخيرة.
هل فهم الأميركيون ما يجري، وهو درس لهم، ولكل من يشكك في وجود ثوريين سوريين أصحاب قناعات ومبادئ تحكم حياتهم؟ وهل سيغير البيت الأبيض موقفه، ويعيد القضية السورية إلى مكانها في صدارة الأولويات الأميركية والدولية، أم سيواصل نهجه الالتفافي عليها، وتجاهلها، فيخسر ثقة القلة السورية القليلة جداً التي ما زالت مخدوعة به؟
يقال إن الكونغرس يفكر بوقف برامج التدريب الأميركية. ليته يفكر بالتخلي عن أي دور أميركي في سورية، وبترك القضية لأصحابها الذين يعرفون الطريق إلى حرية وطنهم، ويضعونها فوق أي اعتبار، وجعلتها تضحياتهم في متناول أيديهم.
العربي الجديد