خمسة مؤتمرات سورية.. وثورة واحدة تتلاشى!/ وليد بركسية
ربما لا يكون الحديث عن تشتت المعارضة السورية وفشلها في تشكيل جبهة موحدة طوال سنوات الثورة السورية السبع، جديداً، إلا أن المؤتمرات الخمسة لقوى المعارضة السياسية المختلفة المتزامنة مع بعضها خلال الفترة الحالية، جدد الجدال الدائر بين السوريين والنخب السياسية والإعلامية المعارضة، ليصل النقاش إلى مستوى التساؤل حول هوية المعارضة السورية نفسها ومعنى أن يكون السوري معارضاً للنظام اليوم.
وعقب انتهاء فعاليات مؤتمر للمعارضة السورية في العاصمة الأميركية واشنطن، لتشكيل “لوبي سوري معارض” شبيه باللوبي الإيراني المعارض في الولايات المتحدة، وما رافقه من لغط إثر تسريبات للمعارض البارز ميشيل كيلو، هاجم فيها بعض المعارضين الذين هاجموه في وقت سابق، انعقد مؤتمر آخر في العاصمة الكازاخية أستانة، الاثنين، على أن تعقد مؤتمرات لاحقة في كل من الرياض وجنيف وسوتشي، ولكل منها أهداف مختلفة ومشاركون مختلفون يدّعي كل منهم أنه يمثل المعارضة السورية الحقيقية، في وقت يهاجم فيه الإسلاميون والفصائل العسكرية جميع تلك القوى في محاولة احتكار صفة المعارضة على الثوار المسلحين في الداخل فقط.
ويشكل ذلك كسراً في أدبيات الخطاب السوري المعارض، لأنه حتى وقت قريب كان الجدال بين القوى المعارضة يتمحور حول أحقية كل فئة/منصة معارضة في القول بأنها تمثل “الشعب السوري”. ولا يعني ذلك إدراكاً من القوى المختلفة بقصورها أو أخطائها السابقة، ولا تواضعاً منطقياً يأتي من اعتراف بحقيقة أن القوى السياسية التي ظهرت بعد العام 2011 لم تكن يوماً قادرة على تمثيل الشعب السوري بكافة أطيافه، لأسباب بنيوية وإقصائية وعنصرية أحياناً، بل لأن تلك القوى باتت مجبرة على خفض سقف خطابها العالي أمام الواقع الذي فرضه النظام السوري “المنتصر” في بعض زوايا في الحرب ووسع نطاق نفوذه في البلاد، بشكل دراماتيكي منذ بسط سيطرته على حلب، في وقت باتت فيه القوى الدولية متحمسة لإنهاء حالة الحرب في البلاد بصورتها العسكرية، مع الإبقاء على هامش زمني مفتوح من المفاوضات المقبلة، تضمن فيه الدول الراعية للنظام أو الراعية للمعارضة، توسيع نفوذها على سوريا التي توقفت بالفعل عن الوجود مثلما يعرفها أو يتذكرها السوريون أنفسهم كدولة موحدة.
ويتخذ الجدال بين المعارضين في مواقع التواصل شكل الشتائم، وهو أسلوب بات متكرراً في المشهد السوري للأسف، وخصوصاً مع تهميش المعارضة السياسية واستيلاء الفصائل العسكرية على المشهد في الداخل، بما في ذلك الفصائل الجهادية المتطرفة، والتي لم تستطع أي قوة سياسية أن تملأ الفراغ الناتج عن الهزائم المتتالية التي تلقتها بشكل متسارع بعد التدخل العسكري الروسي في البلاد العام 2015، علماً أن تلك الفصائل كانت مقسمة أصلاً، ما يرجح أن افتراض انتصارها قبل سنوات على قوات النظام وحلفائه لم يكن ليغير من مشهد المعارضة المشتت في شيء، بل كان سيعني تناحراً إضافياً بين قوى المعارضة نفسها على السلطة والنفوذ، إنما بصورة المنتصرة في الحرب وليس الخاسرة مثلما هي اليوم.
والحال أن النقاشات تبدو بدائية وغير قادرة على تقديم أسباب كل هذا التشتت البنيوي في صفوف المعارضة، والذي طبع المشهد العام عقب الثورة العام 2011 بكل الانشقاقات الداخلية التي حصلت في التكتلات السياسية المعارضة الأولى التي نشأت حينها. ولا تنجو من ذلك نقاشات المعارضين البارزين أنفسهم، ويقتصر الجدل الذي يطرحونه حول الشتيمة والشتيمة المضادة، أو توصيف ذلك المشهد المخجل فقط مثلما يفعل كيلو في توضيحه اللاحق المتداول بكثافة عبر مواقع التواصل حول التسريب المذكور، بقوله أن السوريين باتوا خبراء في تشويه سمعة بعضهم البعض.
ويصب كل ما سبق بشكل مدهش ومقلق معاً، في سياق الرؤية الروسية للحل السياسي في البلاد، وبالتحديد “مؤتمر شعوب سوريا” الذي دعا إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، وأثار غضب نظام الأسد، لأن تسمية “شعوب سوريا” تعاكس خطاب النظام عموماً عن “الشعب السوري الواحد”، وهو شعار رفعه المتظاهرون السلميون في أيام الثورة الأولى أيضاً، حيث بنى النظام خطابه الدبلوماسي والدعائي على فكرة الشعب الواحد الذي يقاتل ضد الإرهاب، فيما يعطي مصطلح “شعوب سوريا” سردية بديلة قائمة على فكرة الحرب الأهلية متعددة الأطراف.
وفي ضوء هذه الرؤية، تقدم فئات المعارضة بخطابها القائم على تخوين الفئات الأخرى، تأكيداً على السردية الروسية، التي تنفي حتماً صفة الثورة ضد النظام الدكتاتوري، وتسطح كل ما جرى في البلاد بأنه مجرد حرب أهلية على السلطة، وتصبح كل فئة معارضة هنا ترميزاً لفئة عرقية أو طائفية معارضة مقابل النظام الممثل لجميع الموالين. ويتعزز ذلك بتخلي فئات المعارضة ذاتياً عن خطاب “تمثيل الشعب السوري”، في وقت تذوي فيه الثورة السورية عن الوجود شيئاً فشيئاً، وهو أمر مؤسف لأن تلك الثورة كانت الأمل الوحيد للسوريين بمستقبل ديموقراطي أفضل يتخلصون فيه من عقود الدكتاتورية والقمع.
المدن