خوفاً من الحرب الأهلية
مسعود يونس
بعد تسعة أشهر من الحراك الشعبي في سوريا ومواجهة السلطة الأمنية لهذا الحراك يبدو المستقبل السوري غامضاً ومقلقاً. فالسلطة والمعارضة، كل منهما، يجد نفسه في مأزق لا أفق منظوراً للخروج منه، وفق الأهداف التي يسعى إليها. كانت السلطة مطالبة في بداية الحراك الشعبي بإجراء اصلاحات بنيوية تنقل نظام الحكم من حكم شمولي إلى دولة يحكمها القانون. غير ان هذه السلطة التي حكمت سوريا لأربعة عقود حكما شمولياً مطلق الصلاحيات، اختارت بدلا من الإصلاح اللجوء إلى القوة، لقمع الحراك الشعبي، وكانت الحصيلة منذ بدء الاحتجاجات آلاف القتلى وعشرات آلاف المعتقلين والمفقودين، ما كرس يأساً كاملاً من أي إصلاح، ورفضاً عارماً لهذا النظام برموزه وأدواته.
أمام هذه الصورة التي تبدو واضحة للعيان، لم يعد للسلطة حيز للتقدم أو التراجع. فالتراجع عن استعمال الحل الأمني واخلاء المدن والساحات من القوى العسكرية والأمنية يدفع الملايين في سوريا للنزول إلى الشوارع واحتلال المرافق واعلان العصيان. أما التقدم أي المضي في الحل الأمني فهو سياسة عبثية لا قرار لها. وأبسط دروس التاريخ تكشف لنا العلاقة الجدلية بين ازدياد القمع وتطور الاحتجاج.
وإذا كان النظام في سوريا في مأزق فإن المشروع المعلن للمعارضة والذي يطالب بدولة ديموقراطية ويعتمد الأدوات السلمية للتعبير عن مطالبه هو أيضا يعاني مأزقه. منذ تسعة أشهر والتظاهرات الشعبية التي تجتاح المدن السورية تواجه بالقمع وسقوط القتلى والجرحى والاعتقالات. والأداة الأمنية بيد النظام ما زالت تمتلك من التماسك ما يسمح لها بالاستمرار في القمع والتنكيل، ونحن نرى ان عناصر من الجيش السوري تعتمد الفرار وتتجمع في وحدات للقتال ضد قوى النظام. والسؤال المطروح هو عن المدى الزمني الذي يمكن ان تستمر فيه أساليب المعارضة السلمية بوجه السلطة الأمنية. وإذا نظرنا إلى دروس التاريخ فمن حقنا ان نخاف من تحول متدرج من الثورة السلمية إلى حمل السلاح في مواجهة ادوات السلطة القمعية. وفي بلد متعدد الانتماءات كسوريا أخشى ما نخشاه ان ينزلق الصراع إلى حرب أهلية دموية. فتتغير قواعد الصراع بحيث لا يعود بين نظام شمولي ومعارضة تدعو إلى دولة ديموقراطية، انما ينزلق إلى تحارب بين مقومات المجتمع السوري الاثنية والطائفية، فيتفكك النسيج الاجتماعي الجامع وتتفتت مساحة الوطن إلى محميات متحاربة.
ان التوازن السلبي الحاصل في سوريا والذي لا يدعو للارتياح يتطلب التطلع إلى خارج سوريا. فسوريا لا تعيش في كوكب منفصل. وأول المعنيين بمساعدة القطر السوري على تجاوز محنته هم العرب بفعل روابط الهوية والانتماء وموقعهم بين الأمم.
على رغم ذلك لقد انتظرت الجامعة العربية طويلاً قبل ان ترفع الصوت مطالبة بوقف حمام الدم في سوريا وتدخل في أخذ ورد مع السلطات فيها. وما زال الموقف الروسي المعترض في مجلس الأمن يشل أي قرار يمكن ان يصدر عنه. والعرب وان اتفقوا على الضغط على النظام السوري فهم لا يملكون ما يكفي لمنعه من الاستمرار في سياسة الحل الأمني التي اعتمدها، ما يتطلب إجماعاً دولياً مفتقداً من أجل الوصول إلى تحول ديموقراطي في سوريا بالطرق السلمية. هكذا يصبح الموقف الدولي في مأزق يحاكي الموقف الداخلي في سوريا.
ان الموقف الروسي المتعارض مع الموقف العربي والغربي تحت شعار ردع التدخل العسكري الأجنبي كلام حق يراد به باطل. فالتدخل العسكري ليس السبيل الأوحد لإيقاف آلة القمع السورية من الاستمرار لا بل هو السبيل الأخير وعلى الأغلب لا يثير حماسة أحد. انما الاجماع الدولي يمكن ان يستعمل أدوات ديبلوماسية واقتصادية وضغط معنوي بما يحقق النتيجة دون اللجوء إلى التدخل العسكري.