خوف من فوضى/ سلامة كيلة
اليأس من الربيع العربي، والكفر بالثورات العربية، ارتبطا بالخوف من فوضى انتشرت في بلدان حدثت فيها الثورات عموماً، فليبيا في وضع مأساوي، وسورية في وضع أسوأ، وحتى مصر وتونس تعانيان من فوضى، وهو أمر بات يطرح ضرورة الاستقرار، ويؤسس لقبول أي ديكتاتور. هذا وضع كتل مهمة من “النخب”، ومن الفئات الوسطى التي شاركت في الثورات.
لماذا الفوضى؟ لأن نظاماً بديلاً لم يتشكّل بعد، ولأن مطالب الشعب التي طرحها، حين انفجر في ثورته لم تتحقق. فالاستقرار يتحقق، عندما تتبلور سلطة بديلة مقبولة شعبياً، بالضبط، لأنها حققت مطالب الشعب، وما يجري هو إعادة إنتاج السلطة القديمة من دون تحقيق أي مطلب، أي مطلب على الإطلاق، حيث لم تكن المسألة تتعلق بإزاحة رئيس، أو إجراء انتخابات “ديموقراطية”، بقدر ما كانت مسألة بطالة وجوع وفقر وتهميش، وانهيار التعليم والصحة والبنية التحتية بالأساس، مع وجود استبداد، ورئيس مطلق، ويحكم إلى الأبد.
ولا شك في أن نشوب الثورات، وخصوصاً استمرارها سنوات، يفرض موضوعياً ضعف السلطة، لأن قوة السلطة لا تقوم على امتلاكها أدوات القمع، وضخامة هذه الأدوات فقط، بل تقوم على استقرار الوضع، بركون الشعب إلى “الهدوء”. ولهذا، حال تحرك الشعب تتشكّل قوتان تتصارعان، فتظهر حدود قوة السلطة التي تبدأ في التراجع، خصوصاً أن حراك الشعب ينعكس خلخلة في بنية السلطة ذاتها، فهي تتشكل من أفراد من الشعب، تنقسم وفق الانقسام الطبقي في المجتمع، ما يفرض تآكلاً في قوة السلطة. ويفرض ميزان القوى الجديد هذا، “الفوضى”، في حال غياب البديل الذي يستطيع استلام السلطة، وحل مشكلات الشعب مباشرة.
غياب البديل هذا هو مدخل رفض وصف ما يجري بأنه ثورات، وبالتالي، رفض “الفوضى” والخوف منها. لكن تشكيل البديل هذا هو من مهمة “النخب” التي تنعى الثورات، أو ترفضها، لأنها لا تقاد من “حزب ثوري”. “النخب” هنا تحمّل الشعب مسؤولية ما كان يجب أن تقوم به هي، وباتت تطلب من الشعب المفقر أن ينتظر الزمن الذي تستطيع هي فيه تشكيل هذا الحزب، بعد أن “تسمح السلطة بذلك” (بتحقيق الديموقراطية وسيادة قيم الديموقراطية الغربية، لكي لا تعاني من القمع، فتنشئ بديل السلطة من دون اعتراض السلطة، وهذه مسخرة). الشعب آخر مَن يثور، لأنه لا يثور إلا حين يصل إلى حد لا يعود يستطيع العيش فيه، “لا يعود يحتمل الوضع الذي هو فيه”. وبالتالي، لا يعود يمتلك ترف الانتظار، فكيف يُطالَب بأن ينتظر أكثر؟ فقط لأن “النخب” تأخرت في إنجاز مهمتها.
إذن، لا شك في ضرورة “الحزب”، البديل الذي يجب أن يفرضه الشعب سلطة جديدة، لكي تحقق مطالبه (بالتالي لا يقبل أن يأتي “الحل” من داخل السلطة ذاتها)، ولقد نهضت الثورات وهو غائب، بالتالي، فلا يفيد الخوف من الفوضى، أو الاستعانة بديكتاتور، لكي يفرض الاستقرار، فكلاهما يزيد في الفوضى، لأن الاستعانة بديكتاتور لا يحل مشكلات الشعب سوف تبقي الصراع قائماً، ولسوف تضعف الدولة أكثر، وأن الخوف سوف يمنع تشكيل البديل الذي يعيد تنظيم الثورة، لكي تنتصر. فالفوضى هي نتيجة نقص تنظم الشعب في مواجهة سلطات مستبدة وعنيفة. وهذه هي مهمة “النخب”، أي الفئات التي تستطيع التنظيم وتطوير الوعي ووضع الاستراتيجيات التي تجعل الثورات تنتصر.
العربي الجديد