خيارات «داعش» في الرقة/ حسين عبدالعزيز
مع اقتراب حملة «غضب الفرات» التي تقودها «قوات سورية الديموقراطية» في محافظة الرقة من نهايتها، تضمحل الخيارات العسكرية لـتنظيم «داعش» بعدما بات شبه محاصر في مدينة الرقة آخر معاقل التنظيم في المحافظة.
المعطيات العسكرية منذ معركة الطبقة وسد الفرات، ثم التقدم السريع لـ «قسد» نحو الشرق باتجاه مدينة الرقة، تدل على أن التنظيم لن يخوض معركته المصيرية في هذه المدينة التي تعتبر ساقطة من الناحية العسكرية وليس من الناحية الزمنية.
والاتفاق الذي أجري بين «قوات سورية الديموقراطية» و «داعش» لترك المدينة والمغادرة نحو البادية ودير الزور، لم يكن ليتم لولا إدراك «قسد» أن التنظيم مستعد لمثل هذه الصفقة بعدما ظهر كثير من المؤشرات، مثل سرعة الانسحاب من بعض المناطق، ونقل قياداته وقواته الرئيسية إلى دير الزور.
ومع أن «قسد» نفت هذا الاتفاق، إلا أن معطيات كثيرة تؤكد وجوده، وأنه بُدئ بتطبيقه على الأرض، ولم يكن بيان «قسد» قبل أيام عبثياً اذ جاء فيه «نظراً للنتائج الإيجابية للبيان الذي أصدرناه بتاريخ 15/5/2017 والذي أعلنا من خلاله حماية حياة من يسلم نفسه وسلاحه من المنتمين إلى المجموعات المسلحة بمن فيهم داعش مهما كانت صفتهم ومهمتهم لقواتنا تمهيداً لتسوية أوضاعهم وحماية لعائلاتهم وذويهم وأهلهم نعلن تمديد هذه الفترة لغاية نهاية هذا الشهر 31/5/2017».
يحقق الاتفاق لـ «قوات سورية الديموقراطية» وتنظيم «داعش» جملة من الأهداف، فبالنسبة الى التنظيم تعتبر معركة الرقة خاسرة، بينما معركة دير الزور مفتوحة على احتمالات كثيرة، في ظل المساحات الجغرافية الواسعة والمفتوحة، وفي ظل الثقل الديموغرافي المتوافر هناك، فضلاً عن أن القوة العسكرية الحقيقية للتنظيم تكمن في دير الزور وليس في الرقة التي أخذت زخماً إعلامياً كبيراً كونها عاصمة التنظيم.
وبالنسبة الى «قسد»، يعني خروج «داعش» من الرقة نصراً عسكرياً سهلاً وبلا ثمن بشري يُدفع، ويعني بالنسبة الى الولايات المتحدة التخفيف من وتيرة قتل المدنيين بعدما ارتفعت حصيلة القتلى منهم إلى أرقام كبيرة خلال الشهر الجاري. كما يسمح الاتفاق للمحور المدعوم أميركياً بسرعة فتح معركة دير الزور التي أصبحت هدفاً واضحاً للنظام السوري وإيران وروسيا.
على أن أهم ما يمكن تحقيقه – وهذا ما جعل موسكو تهدد بضرب الاتفاق – هو أن انتقال التنظيم إلى جنوب محافظة الرقة بعد تجاوزه نهر الفرات وإلى دير الزور، سيجعل التنظيم وجهاً لوجه مع قوات النظام وحلفائه في الصحراء الممتدة بين محافظة الرقة والشمال الشرقي لمحافظة حمص، حيث يسعى النظام هناك إلى السيطرة على مساحات واسعة، وتحديداً السيطرة على بلدة السخنة الواقعة على الطريق الدولي بين تدمر ودير الزور، ليشكل بذلك مثلثاً جغرافياً يمتد من خناصر في الريف الشمالي الشرقي لحماة إلى تدمر فالسخنة، قبيل الانتقال إلى كباجب، أولى بلدات محافظة دير الزور من ناحية حمص.
ولم يكن مفاجئاً أن يعترض الروس على هذا الوضع الذي سينشأ نتيجة الاتفاق بين «قسد» و «داعش». فبالنسبة الى الروس، ستكون معركة الأميركيين وحلفائهم في الرقة سهلة بينما تكون معركة روسيا وحلفائها في شرق حمص ودير الزور صعبة، وسينجم عن ذلك خسائر في الأرواح لدى المحور الروسي وصعوبة في التقدم السريع على عكس ما سيحدث للمحور الأميركي.
ولهذا السبب، ستضرب موسكو أية محاولة من التنظيم للهروب من الرقة نحو الجنوب أو الجنوب الشرقي، ولن تعطي الأميركيين نصراً سهلاً، بل على العكس تبدو روسيا مرتاحة كثيراً من سقوط كثير من المدنيين بطائرات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
أمام ذلك، تبدو خيارات «داعش» قليلة أو شبه معدومة، ولن يكون أمامه سوى القتال حتى النهاية في المدينة، أو الانتقال نحو دير الزور وليس صحراء حمص باتجاه تدمر، كي لا يتعرض للقصف الروسي كما حدث قبل أيام حين استهدف الطيران الروسي رتلاً عسكرياً للتنظيم كان متوجهاً نحو تدمر عبر صحراء الرقة جنوب نهر الفرات.
لكن التوجه إلى دير الزور لن يكون بلا ثمن، حيث سيتعرض التنظيم لقصف التحالف الذي يحاول إجباره على التوجه نحو تدمر لمقاتلة النظام والقوى التابعة لإيران، فضلاً عن أن التحالف و «قسد» عزلوا الريف الشرقي لمحافظة حمص، ولن يكون أمام التنظيم سوى الطريق نحو تدمر والتعرض للقصف الروسي.
وقد يجد التنظيم طريقاً وسطاً من خلال التوجه نحو الجنوب الشرقي لمحافظة الرقة، فيبتعد عن المناطق المعزولة في الشرق ولا يدخل صحراء حمص نحو تدمر، إلا أن هذا الاحتمال قد يعرضه للقصف من الجانبين الأميركي والروسي معاً.
لقد تحول تنظيم «داعش» إلى هدف مشترك لكل أطراف الصراع المحلي والإقليمي والدولي بغية الاستحواذ على تركته، لكن إذا كانت محافظة الرقة قد حسمت للمحور الأميركي، فإن محافظة دير الزور لم تحسم بعد، وتبدو أصعب من أن يستحوذ عليها طرف بعينه.
* إعلامي وكاتب سوري
الحياة