صفحات سوريةمنذر خدام

خيار كوسوفو


منذر خدام

مع أنه من المبكر والسابق لأوانه نعي مبادرة كوفي أنان، فالمبادرة بحسب القائمين عليها تتقدم وإن كان ببطء شديد، فإن السؤال: ماذا بعد مبادرة كوفي أنان في حال فشلها؟ بدأ يطرح وبقوة في الحقل السياسي والدبلوماسي المحلي والعربي والدولي.

على الصعيد المحلي تكاد تتفق جميع قوى المعارضة السورية على أهمية تنفيذ مبادرة كوفي أنان، التي أجمعت على الموافقة عليها لاعتبارات مختلفة، لأن الخيارات التي يمكن أن تطرح في حال فشلها كلها خطيرة على حد زعمها. فبحسب ما صرح به الدكتور برهان غليون رئيس المجلس الوطني السوري، فإن خيار التدخل العسكري الخارجي في سوريا سوف يتقدم في حال فشلت خطة كوفي أنان. ومن المعلوم أن خيار التدخل العسكري الخارجي لإسقاط النظام هو أحد الخيارات الرئيسية التي يتبناها المجلس الوطني السوري، بل هو الخيار الوحيد الذي يستطيع إسقاط النظام بحسب ما يصرح به بعض القادة النافذين فيه. ولذلك لم يكن غريبا أن يشكك هؤلاء منذ البداية بإمكانية نجاح مبادرة أنان، بل بدأوا يتحدثون عن وفاتها منذ الأسبوع الأول للإعلان عنها.

أما بالنسبة لهيئة التنسيق التي تتبنى الخيار السلمي لإسقاط النظام فإنها تدعو إلى إنجاح تطبيق هذه الخطة مع أنها تجد فيها تراجعا كبيرا عن خطة الجامعة العربية الصادرة بتاريخ 22-1-2012، وتتهم قوى في النظام وبعض القوى المسلحة غير المنضبطة وغير الخاضعة للجيش السوري الحر بالعمل على إفشالها من خلال الاستمرار في العنف. وإذا كانت الهيئة تقول بأنه من السابق لأوانه إعلان فشل خطة أنان، إلا أنها تدرك جيدا أن جميع الخيارات المطروحة في حال فشلها سوف تكون «قاتمة».

بدوره كان الجيش الحر قد أعلن التزامه بخطة أنان، وأنه سوف يوقف إطلاق النار من جانبه، إلا في حال الدفاع عن النفس وحماية المتظاهرين السلميين. ومن المعلوم، بحسب ما صرح به الممثل السياسي لكوفي أنان في سوريا السيد كريفت فإن قيادة قوات المراقبين الدوليين تلتقي مع قياداته الميدانية وتنسق معها.

على الصعيد العربي، وبدفع من المجلس الوطني السوري وبعض قوى المعارضة السورية في الخارج وبمساعدة بعض الدول الإقليمية كانت قد تخلت جامعة الدول العربية عن دورها القيادي في حل الأزمة السورية، وتحولت إلى موقع القبول بدور تقديم الدعم لما يصدر عن مجلس الأمن بهذا الخصوص. لكن اللافت فيما يخص مبادرة كوفي أنان التي عدت في حينه مبادرة دولية وعربية في آن واحد، وصار صاحبها ممثلا شخصيا للسيد بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة، وكذلك للسيد نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية، أن بعض الدول العربية لم تكن تراهن على نجاحها، وكان أمير قطر قد صرح في حينه بأن حظوظ المبادرة من النجاح لا تزيد عن ثلاثة في المائة. اليوم وبعد مضي أكثر من شهر على بدء تنفيذ خطة أنان بدأت الشكوك تسيطر في الخطاب السياسي العربي الرسمي حول نجاح مبادرة أنان، بل صار الحديث عن فشلها صريحا ومعلنا. وعندما سئل السيد نبيل العربي من قبل وفد من معارضة الداخل السوري كان قد زاره في سياق التحضير للقاء المعارضة السورية، عن البدائل التي يراها لخطة أنان في حال فشلها، أجاب بصريح العبارة أن هناك دولا (لم يسمها) تعمل على ما يسمى «خيار كوسوفو». غير أنه أضاف قائلا بأن احتمال هذا الخيار ضعيف جدا بحسب رأيه.

إذن ثمة خيار اسمه «خيار كوسوفو» يجري العمل عليه بصمت كبديل لخطة أنان في حال فشلها. ومن أجل التحقق من ذلك سئل السفير الروسي عن الخيارات المطروحة دوليا في حال فشل خطة كوفي أنان، أجاب السفير بأن هناك بعض الأطراف الدولية مدعومة من بعض الدول العربية تعمل على هكذا خيار، لكنه يرى أن احتمال تنفيذ هذا الخيار لا يزال ضعيفا، فروسيا لن تسمح بتمريره عن طريق مجلس الأمن. أما إذا حاولت هذه الدول تنفيذه من خارج مجلس الأمن فلن تستطيع روسيا منعهم. إلا أن السفير عاد ليؤكد من جديد أن «خيار كوسوفو» سوف يكون جنونا، وسوف يفجر الإقليم برمته، لذلك فهو يعتقد أن طرح هكذا خيار لا يعدو كونه مجرد وسيلة للضغط السياسي.

وفي ذات السياق سئل السيد كريفت ممثل السيد كوفي أنان في سوريا عن احتمالات فشل خطة كوفي أنان، وعن البدائل المحتملة. أجاب بأنه وفريقه يعملون على إنجاح الخطة، وأنه من السابق لأوانه الحديث عن فشلها. أما بخصوص ما يجري الحديث عنه من احتمال تدخل عسكري في سوريا تحت عنوان «خطة كوسوفو»، فإنه يعتقد بأن هذا الاحتمال ضعيف، في تأكيد غير مباشر على وجود شغل ما على هكذا احتمال من قبل بعض الدول الأوروبية والإقليمية والعربية (امتنع عن تسميتها).

إذن البديل لفشل خطة أنان هو «خيار كوسوفو» بحسب ما بدأ يخرج إلى العلن من بعض الدوائر الدولية والعربية. ويبقى السؤال مشروعا حول جدية هكذا احتمال، رغم أن الأجوبة عنه كلها كانت قد وضعت في خانة الضعيفة الاحتمال. وبالفعل لم تعلن أي دولة عن استعدادها للتدخل العسكري في سوريا. لقد نفى حلف الأطلسي مرارا على لسان أمينه العام أي احتمال للتدخل العسكري في سوريا، كما رفضت تركيا والأردن السماح بالتدخل العسكري في سوريا انطلاقا من أراضيهما. ومن أجل التخفيف من رمزية الرسالة التي ترتبت على مناورات «الأسد المتحفز» التي شاركت فيها تسع عشرة دولة، والتي جرت على الأراضي الأردنية، صرح ناطق رسمي أردني بأن هذه المناورات لا تستهدف أحدا، وأنها لا تعدو كونها تدريبات روتينية.

الخطاب السياسي الدولي، وآخره ما صدر عن قمة الثمانية، كله يركز على ضرورة الحل السلمي التفاوضي للأزمة السورية ويطالب بضرورة تنفيذ خطة كوفي أنان كحزمة واحدة. ويبدو لي من خلال أسئلة الموفد الشخصي لكوفي أنان إلى سوريا السيد جان ماري جينينيرو أن تفسيرا جديدا لتطبيق خطة كوفي أنان بدأ يطرح، وهو يفيد بضرورة العمل دفعة واحدة على جميع بنود الخطة ومنها بند التفاوض مع النظام، وهناك ضغوط بدأت تمارس على المعارضة السورية للقبول بذلك.

إن فشل خطة كوفي أنان على الأرجح لن يطرح «خيار كوسوفو» بل سوف يطرح خيار «الحرب الأهلية» طويلة الأمد، وهذا ما تعمل عليه أطراف دولية وإقليمية عديدة وفي مقدمتها إسرائيل. احذروا أيها العرب وأيها السوريون قبل فوات الأوان من أن تتحول سوريا إلى أفغانستان ثانية.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى