راشد عيسىصفحات الثقافة

داريو فو.. من ثورة الطلاب إلى ثورة السوريين/ راشد عيسى

 في إطار حملة التضامن الشعبية الواسعة أخيراً مع الشعب السوري وثورته، برز توقيع المسرحي الإيطالي داريو فو (نوبل للآداب 1997) على بيان يتضامن مع ثورة السوريين ويطالب بمحاكمة بشار الأسد بتهمة “ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”، كما يدين الصمت والتواطؤ مع النظام.

داريو فو (ولد العام 1926) من أبرز المسرحيين المعاصرين، سبق للسوريين أن قدموا عدداً من نصوصه على خشبات المسارح السورية من بينها “إيزابيل، ثلاثة مراكب ومشعوذ”، الذي قدّمته المخرجة نائلة الأطرش العام 1992، كمساهمة في الجدل حول ذكرى مرور خمسمئة عام على (اكتشاف، غزو، فتح) أميركا، والكلمات الثلاث كانت جزءاً من الجدل العالمي حول المناسبة حينذاك. إلى عروض أخرى مثل “امرأة وحيدة” وهو مونودراما من إخراج أمل عمران وتمثيل ناندا محمد. و”سوبر ماركت” من إخراج أيمن زيدان عن نص “لا تدفع الحساب”. كما اقتبس نصّه المشترك مع زوجته فرانكا راميه “حدث ذلك غداً” من إخراج أسامة غنم.

لطالما اعتُبر داريو فو محارباً من أجل العدالة، موظفاً كل طاقاته المسرحية في سبيل ذلك، ولعله من البديهي أن يكون مع ثورة تقف ضد أشرس نظام ظالم معاصر. “لست سياسياً، إنما أحارب من أجل العدالة”. هذا ما دأب داريو فو على قوله. كان دائماً منحازاً إلى قضايا الناس في بلده وفي بلدان أخرى، ولعلّه تعرّض مراراً للاعتداء والإيذاء الجسدي بسبب مواقفه.

“لقد تعرضت إلى حوالي أربعين اتهاماً ومرافعة، كما تم طردي من التلفزيون الإيطالي الرسمي، وفقدتُ عيني بسبب الاعتداء عليّ في إحدى التظاهرات.. هذا هو الثمن الذي يدفعه من يقول الحقيقة، هذا هو ثمن كلمات المهرج”. هذا ما يقوله داريو فو في مقابلة صحافية. أما عن المهرج فقد كان جلّ طموح الرجل أن يكون نوعاً من المهرج، هارليكان على سبيل المثال، أحد أنماط الكوميديا الارتجالية الإيطالية الشهيرة “الكوميديا ديلارتي”. هارليكان القاسي، اللاذع، والمضحك.

لكنه ليس المهرج المجاني، ليس مهرج الملك في البلاط. لقد قرر منذ العام 1968، إثر ثورة الطلاب حين كان العالم يمتلئ برغبة التغيير، أن يصبح مهرج الطبقة العاملة: “المهرجون الحقيقيون، منذ أرستو فان وحتى موليير، كانوا مشغولين على الدوام بحالات الجوع الأساسية، ليس فقط الجوع للطعام والجنس، وإنما كذلك الجوع للكرامة، الجوع للسلطة، والجوع للعدالة”، يقول داريو فو، كأنما المهرج هو حقيقته الوحيدة، لا مجرد قناع.

لجنة “نوبل” حين منحته جائزتها لم تغفل عن حقيقته تلك عندما ذكرت في بيانها أنه “يحاكي المهرجين في العصور الوسطى، حيث كانوا في يقومون بجلد السلطة والحفاظ على كرامة المضطهدين”. وهو بدوره حين تلقى الجائزة وزع على أعضاء لجنة التحكيم رسوماً كاريكاتورية ساخرة قام هو شخصياً برسمها، بعدما كتب لهم: “هل تدركون فعلاً ماذا تفعلون؟ أنتم تتوّجون على هذه الجائزة مجرد بهلوان”. داريو فو لم يكن يتوقع أن تكون الجائزة الأدبية الأرفع من نصيبه، كان يقود سيارته في الطريق حين أعلن نبأ فوزه بالجائزة، وكان قد لحق به أحدهم في سيارته رافعاً أمامه لافتة كتب عليها “داريو فو، لقد ربحت جائزة نوبل”، هكذا علم بنبأ فوزه.

داريو فو إذاً هو بشكل أساسي سليل الكوميديا ديلارتي الإيطالية بكل ما تعنيه تلك الكوميديا من التزام ثابت بالضحك، ومن توجّه إلى الجمهور حيث هو، ما يعني تغيراً مستمراً بالأشكال والموضوعات، أو لنقل تناول الموضوع في كل عرض بطريقة جديدة. ومن هنا نشأت الصعوبة في ترجمة ونقل مسرح داريو فو إلى اللغات الأخرى، هو الذي يكتب لمكان وجمهور محدد، كما أنه يكتب على الخشبة، بالإضافة إلى أن الكتابة بحكم التصاقها بالجمهور العريض، الشعبي كانت هي الأخرى شعبية بلا حدود، كتابة يصفها هو نفسه بالمبتذلة، الفظة، الصادمة، الأمر الذي كان دائماً يطرح سؤالاً حول كيفية نقل نصوصه من الخشبة إلى الكتب، فما بالك نقلها إلى لغات أخرى!

نصوص داريو فو قد تعاني فعلاً من ترجمتها إلى العربية، ربما تناسبها لهجات محلية جداً. لكن موقفه من الثورة السورية لن يحتاج إلى ترجمة.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى