“داعش”… تنظيم بلا دولة/ بشير البكر
انهار “داعش” الدولة كليّاً مع سقوط الرقة، “عاصمة الخلافة”، بعد قرابة شهرين من سقوط الموصل. انتهى كل شيء يتعلق برمزية هاتين المدينتين التاريخيتين، وبات “الخليفة” أبو بكر البغدادي بلا خلافة، ضائعاً، أو متخفياً، أو ميتاً تحت التراب في الصحراء العراقية السورية.
لم يقدم أحد معلومات عن مصيره هو وبقية أركانه، رغم أن الدول الكبرى التي ترعى الحرب على الإرهاب، مثل الولايات المتحدة الأميركية، تمتلك تقنيات مراقبة إلكترونية عالية تستطيع تتبع خطى هذه المجموعات التي شكلت خلال السنوات الثلاث الأخيرة مصدر الخطر العالمي رقم واحد.
بات في وسع من يسمونه “تنظيم الدولة الإسلامية”، من قنوات تلفزية ووكالات أنباء، أن يرتاحوا من عبء الواجب المهني الثقيل، وأن يستعملوا الاسم العاري تنظيم “داعش”، طالما أن الدولة سقطت رمزياً ومادياً، ولم يعد لها وجود في العراق والشام.
الأمر المثير للاهتمام اليوم هو ليس سقوط الدولة فقط، بل اختفاء جنود الدولة التي كانت تتحكم بحوالى 40 في المائة من مساحة العراق، و30 في المائة من مساحة سورية. وما خلا بضعة معاقين تم تصويرهم في الرقة مطلع هذا الأسبوع، لم تتمكن وسيلة إعلام من تصوير حتى جثة داعشي واحد، وحتى الذين جرى عرضهم في الرقة يبدون مثل حفنة من الفقراء المقطوعين الذين جرى لمّهم من الشارع، وتم تصويرهم مقابل مكافأة مالية؛ فلا شيء في نظرات عيون أغلبيتهم يوحي بأنه لا يدرك ماذا يحدث من حوله.
جاءت تطورات كركوك لتسرق الأضواء من الرقة، التي سقطت عمليّاً يوم الثلاثاء الماضي، ولم يبق داخلها أحد من الدواعش، كما أكدت مصادر مختلفة، فالبقية الباقية انقسمت قسمين؛ القسم المحلي جرى استسلامه وصار في قبضة مليشيات “سورية الديمقراطية”، وذلك بعد تدخل من زعماء عشائر المنطقة، والقسم الخارجي تم التخلص منه، ولم يتم منحه فرصة الاستسلام، وهناك تسريبات قالت إن الغالبية العظمى من هؤلاء قادمة من فرنسا.
هذا ما هو معلن، ولكن لا أحد يعلم الحقيقة. ويبدو أن هناك استراتيجية أميركية تم اتباعها منذ الموصل تعتمد على التكتم كلياً حول الأعداد الفعلية لقتلى ومعتقلي “داعش”، وربما هناك حكمة أميركية من وراء هذا السلوك.
سقوط الدولة لا يؤكد نهاية التنظيم، وهذا أمر يحيل إلى قيام الولايات المتحدة بتدمير إمارة “طالبان” و”القاعدة” عام 2001 بعد اعتداءات 11 سبتمبر. يومها عاد أسامة بن لادن وتنظيمه إلى العمل السري، وتطورت “القاعدة” في اتجاهات ومظاهر شتى، لعل أبرزها وأخطرها هو تنظيم “داعش”.
هناك من بين الخبراء من يرجح أن التاريخ سوف يعيد نفسه، ولن ينتهي خطر “داعش” بانتهاء دولة العراق والشام، والدلالة الأكبر على ذلك هي أن الولايات المتحدة التي قادت الحرب على “داعش” لم تُرفق ذلك برؤية سياسية لحل مشاكل المنطقة التي ساهمت في تهيئة حاضنة للتنظيم، وخصوصاً في العراق، حيث ساهم الاحتلال الأميركي في ولادة “داعش”، الذي تتحمل إدارة الرئيس السابق باراك أوباما مسؤولية أساسية عن تركه يترعرع في سورية والعراق منذ عام 2012، حتى احتل الموصل في يونيو/حزيران 2014.
إدارة الرئيس دونالد ترامب أكثر وضوحاً من سابقاتها على صعيد محاربة “داعش”، واستطاعت أن تنجز، خلال عشرة أشهر، ما لم تتمكن منه إدارة أوباما، ولكن تبقى أمامها مهمتان صعبتان؛ الأولى مطاردة تنظيم “داعش” الذي عاد إلى وضع ما قبل 2014، والثانية تهيئة الأرضية السياسية في العراق وسورية من أجل هزيمة أسباب ولادة “داعش”.
تظل هناك نقطة جديرة بالاهتمام، وهي “داعش” في سورية، الذي يقاتل في بعض المناطق غير آخذ في عين الاعتبار انهيار الموصل والرقة، وهذا يطرح أسئلة كثيرة حول مرجعيته ودوره وأهدافه، ولا سيما أنه بدأ عمله في سورية ضد الثورة السورية بصورة أساسية.
العربي الجديد