“داعش” كشركة مساهمة دولية/ إياد الجعفري
كان لافتاً ذلك التوصيف الذي قدمه المعارض السوري، فراس طلاس، لتنظيم “الدولة الإسلامية – داعش”، مشبهاً إياها بالشركة المساهمة الدولية. وفيما يذهب طلاس بعيداً في تعميم البعد المؤامراتي – المخابراتي، على صعيد تأسيس التنظيم، واستثماره، وأخيراً، إنهائه.. تُظهر الأحداث الأخيرة أن ذلك البعد دقيق في جانب استثمار التنظيم، تحديداً، وبشكل جلّي لا يقبل الكثير من الشك.
فالأحداث التي تلت إبعاد قافلة التنظيم التي غادرت جرود عرسال في صفقة مع حزب الله، بموافقة النظام، وما لاقاه ذلك من اعتراض أمريكي، ودخول روسي على الخط، لاحقاً.. كلها تؤكد وجود خلافات بين مستثمري التنظيم، الأمر الذي يطرح تساؤلات جدّية حول مستقبله بعد أن فقد، أو يكاد، مراكزه المدنية الرئيسية في سوريا والعراق.
ورغم حجم التعقيد الكبير في ظاهرة “داعش”، حيث تتداخل عوامل سياسية ودينية واجتماعية واقتصادية ومخابراتية، معاً، في تشكيلها.. إلا أن البعد المخابراتي بات جلياً في استثمار التنظيم من جانب لاعبين إقليميين ودوليين، بطريقة علنية، لم تعد تخفى على أحد. فالأمريكيون الذين أفادوا من فوبيا التنظيم في خلق وجود ميداني مباشر لهم، وفي دعم شركائهم الأكراد في سوريا لتشكيل كيان سياسي – لم يُعمّد بعد – يسيطر على معظم ثروة سوريا من النفط والغاز، لم يُفاجأوا، دون شك، بوجود صفقات وتبادل مصالح، بين التنظيم، وبين النظام السوري وحليفه الإيراني. لكنها المرة الأولى التي يعترض فيها الأمريكيون بصورة جدية على ذلك التنسيق، لأنه بدأ يطال مصالحهم.
فإبعاد مقاتلي التنظيم كان سيتم إلى مناطق يعتزم الأمريكيون إرسال الأكراد للاستيلاء عليها، قريباً، وهو ما أُعلن في اليومين الأخيرين. فقوات سوريا الديمقراطية، تعتزم التوجه إلى دير الزور. فيما يسارع النظام السوري، بغطاء روسي، لاستعادة المحافظة، قبل فوات الأوان. وفي هذا السباق، حصل أول تضارب مصالح مباشر، في عملية استثمار تنظيم “الدولة الإسلامية – داعش”. فالنظام يريد أن يرسلهم إلى شرق دير الزور، حيث يمكن لهم المساهمة في التصدي للقوات الكردية. وهو ما ضاق به الأمريكيون.
لكن، ماذا عن عشرات الصفقات وترتيبات التنسيق المتبادل، بين التنظيم، وبين نظام الأسد وحلفائه، سواء في جنوب دمشق، أو سابقاً، على صعيد تمرير النفط والغاز، من الشرق إلى مصفاة حمص وبانياس؟!.. ألم يكن الأمريكيون يعلمون بذلك؟. لماذا لم يعترضوا على هذا الأمر حينها؟
الروس بطبيعة الحال، دخلوا على خط استثمار التنظيم، فأمّنوا غطاءً جوياً لتقدم سريع لقوات النظام، كي تمر قرب قافلة “داعش” التائهة في البادية، وتسبقها نحو دير الزور. ومن ثم يطلب الروس من الأمريكيين الابتعاد، جوياً، عن القافلة، حفظاً لقواعد منع الاشتباك الجوي بين الطرفين. وهكذا يضطر الأمريكيون للاستجابة، لكنهم لاحقاً يستهدفون مقاتلين من التنظيم حاولوا اتخاذ طريق مختلف بعيداً عن القافلة، باتجاه شرق دير الزور. فالروس يريدون تأمين وصول القافلة بمن فيها من مقاتلين، إلى وجهتها المتفق عليها سابقاً مع النظام السوري وحزب الله، فيما يحاول الأمريكيون إفشال ذلك المسعى.
ذلك التطور يطرح تساؤلاً ملحاً، ما مبرر هذا الحرص من جانب النظام وحزب الله، على الالتزام بالاتفاق مع “داعش”، وتأمين وصول قافلته إلى وجهتها، وهم الذين خرقوا عشرات الاتفاقات المبرمة برعاية روسية، مع فصائل معارضة، في مرات سابقة، سواء في الزبداني ومضايا، أو في وادي بردى، أو في الغوطة الشرقية؟!، لماذا يحرص النظام، وحزب الله، على تنفيذ اتفاقاتهم، بدقة، مع التنظيم، فيما يخرقون عشرات الاتفاقات مع المعارضة، سواء كانت تتعلق بوقف إطلاق النار، أو بإدخال المساعدات؟!
يتضح ذلك أكثر في جنوب دمشق، حيث يبدو أن التنظيم يحظى بعلاقة مع نظام الأسد، أكثر هدوءاً ووداً، من تلك التي تحظى بها فصائل معارضة وقّعت اتفاقات مصالحة محلية، في المنطقة نفسها!.. يتضح الجواب حينما نعرف أن الاشتباكات في جنوب دمشق، تحصل بصورة رئيسية، بين التنظيم وبين فصائل معارضة. فيما يحظى النظام بالهدوء على جبهاته، في أغلب الأحيان.
بطبيعة الحال، يعلم السوريون جيداً، ومنذ سنوات، أن هناك حالات تنسيق وتبادل مصالح، وصفقات اقتصادية وتجارية كبرى، تجري بصورة شبه يومية، بين التنظيم، وبين نظام الأسد.. ويعلم الأمريكيون بذلك أيضاً، دون شك. فما الذي استجد حتى يغضب الأمريكيون من اتفاق إجلاء مقاتلي التنظيم من لبنان؟ الجواب ببساطة، أن عمليات الاستثمار في “داعش”، بدأت تتضارب.
ومنذ أن حزم الأمريكيون أمرهم للقضاء على التنظيم، بغية وراثة مناطقه، اتضح أن الأمريكيين في طريقهم للتخلي عن أسهمهم في “داعش”. فيما يبدو أن النظام السوري وحليفيه الإيراني والروسي، ما يزالان يراهنان على فعالية أسهمهم في التنظيم. لكن دون شك، فإن الشراكة بين الطرفين في تنظيم “داعش”، قد ولّت، وهو ما يجعل هذه النسخة من التنظيم في طريقها للانهيار. بانتظار نسخة جديدة مرتقبة، تعتمد على الركائز ذاتها، لكنها تتخذ أشكالاً جديدةً، وتتشارك العوامل الموضوعية، مع الدوائر الاستخباراتية، في تخليقها.
المدن