صفحات العالم

“داعش” –مقالات متنوعة-

 

 

خنق “داعش” يبدأ في سوريا/ موناليزا فريحة

غزو “الدولة الاسلامية” مدينة الرمادي في أيار الماضي ثم اجتياحها تدمر وتمددها في دير الزور “بمواكبة” مقاتلات الائتلاف الدولي، أشاعت أجواء من التشاؤم بقدرة العالم على هزيمة هذا التنظيم البربري. القتلى العشرة آلاف الذين تباهى نائب وزير الخارجية الاميركي طوني بلينكن مطلع حزيران بسقوطهم في الغارات المستمرة منذ تسعة أشهر لا يشملون الآلاف والآلاف الآخرين الذين يواصلون التدفق الى سوريا والعراق من جهات العالم الاربع. شعار التنظيم “باق ويتمدد” أثبت طوال الاشهر العشرة الاخيرة صدقية تفوق كثيراً تهديدات أوباما بإضعافه وصولا الى القضاء عليه.

معركة تل ابيض “فرملت” هذا الزخم الجهادي. في هذه المدينة الحدودية، واجه التنظيم انتكاسته الاولى منذ طرده من تكريت قبل أشهر. وعلاوة على أهمية الابعاد السياسية والجغرافية لسقوطها في أيدي الاكراد، والهزات الارتدادية لهذا التطور في تركيا تُظهر الهزيمة السريعة لـ”الدولة الاسلامية” في معقلها أن التنظيم الجهادي يمكن اضعافه وربما القضاء عليه.

سقوط تل ابيض يمنع التنظيم من استقدام تعزيزات عبر تركيا الى الرقة ويقطع عليه طريقاً لتهريب النفط، حاجباً عنه مورداً أساسياً للتمويل. وبذلك يُفترض أن يصير الطريق أمام “وحدات حماية الشعب” الكردية وحلفائها من المقاتلين السوريين العرب مفتوحاً لمواصلة التقدم جنوباً.

ومع أن رقعة سيطرة “الدولة الاسلامية” في العراق أكبر بكثير منها في سوريا، فان اضعافها في أي من البلدين ينعكس حتماً على معنوياتها في البلد الاخر. قبل تل أبيض، شكلت معركة تحرير تكريت الضربة الاولى للتنظيم، وكان يمكن أن توجد دينامية جديدة لانهاء “الأسطورة”، إلا أنها عوض ذلك عمّقت الطابع المذهبي للحرب في العراق. وضع ميليشيات موالية لايران في مواجهة “الدولة الاسلامية” أعاد اطلاق نزعة طائفية عززت موقع التنظيم في معاقل السنة. ولا شك في أن هذه النزعة ستعقّد تحرير المناطق الأخرى من “داعش”.

من هذا المنطلق، تبدو محاربة “داعش” في سوريا أسهل. رقعة سيطرته في هذا البلد أصغر بكثير منها في العراق. وسبق لتنظيمات معارضة، آخرها “الجبهة الثورية السورية”، أن حاولت مواجهته في الرقة ودير الزور قبل أن تقضي عليها “جبهة النصرة”. لكن تجربة تل أبيض قد تكون نموذجا فعالاً لخنق هذا التنظيم التكفيري تمهيداً للقضاء عليه. يمكن الائتلاف الدولي أن يوسع هذه التجربة الى حلب تحديداً حيث المنفذ الاخير للتنظيم الى العالم الخارجي. هناك سيكون على المقاتلين الذين يحاربون النظام السوري أن يثبتوا للعالم (بعد تسليحهم بالطبع) أنهم هم، لا النظام السوري، الشريك الحقيقي للقضاء على وباء “الدولة الاسلامية”.

النهار

 

 

 

 

 

أميركا وإيران واستخدام «داعش» حافزاً لمشاريع التقسيم/ عبدالوهاب بدرخان

في «الحرب على الإرهاب» عمدت الولايات المتحدة إلى تهميش حلفائها وأصدقائها من عرب ومسلمين، وغدا تنظيم «القاعدة» أهم عندها من أي دولة في المنطقة. لم تحترمه كـ «عدو» يقاتلها لكنها صدمت بجرأته وتحدّيه لها في ما تفتخر به من رموز نظامها، ولعلها ممتنّة له، إذ أتاح لها استخدامه ذريعة لتغليظ تدخلاتها وإفراغ سياساتها من أي بعد إنساني أو قانون – دولي. وفي «الحرب على داعش»، مع ابتعاد الخطر عن الأراضي الأميركية، واصلت واشنطن النهج نفسه مستفيدةً من هذا التنظيم كما لو أن وحشيته مستمدّة من فظاظتها، أو أن دوره يمارس وظيفة رسمتها له، فمعظم قادته تخرّج في السجون الأميركية – العراقية. أما المتطوعون للقتال فجاؤوه عبر التنسيق الإيراني – السوري.

وبفضل «داعش»، كما بفضل حوثيي اليمن، كما بفضل «الإسلاميين» هنا وهناك، تجد أميركا أمامها خيارات لا حصر لها لتصنيع الأنظمة الجديدة العديمة الخبرة، وإقامة «دول» و «جيوش» و «مؤسسات» أكثر هشاشةً من تلك التي كانت وسقطت، بل الأهم أنها تستند إلى هذه التنظيمات والجماعات كمبرر لسياسات استثنائية من خارج السياقات المعهودة، بدءاً بغضّها النظر عن مجازر النظام السوري واقتلاعه نحو عشرة ملايين سوري من مواطنهم، ثم بتكيّفها مع استخدامه السلاح الكيماوي والسكوت على تدخل إيراني تخريبي في سورية وصولاً إلى استيراد «داعش» لتلميع «شرعية» للنظام. وكانت هناك بالتوازي، في العراق، جملة سياسات عبّرت عن نفسها بمراقبة أميركية سلبية للخلاف الحاد الذي نشب بين نظام أدارته طهران عبر نوري المالكي وبين السنّة في محافظاتهم، وقد أدّت الممارسات المذهبية والفئوية للحكومة إلى استدراج منهجي لصعود «داعش» وإسقاطه جيش النظام. هكذا، طُرحت في سورية المفاضلة بين بشار الأسد و «داعش»، وفي العراق بين المالكي و «داعش».

وقائع كثيرة تراكمت على مدى أعوام وباتت تشكّل اليوم الخلفية التي تبرر «سياسات الضرورة»، كالتعاطي الأميركي المباشر مع عشائر الأنبار لتسليح أبنائها وتدريبهم لمواجهة «داعش» طالما أن الثقة مفقودة بينهم وبين «حكومتهم»، أو اعتماد برامج لتدريب فصائل سورية معارضة «معتدلة وموثوق بها»، أو إظهار قبول للتوسّع الحوثي على حساب الحكم الشرعي في اليمن، أو على العكس اعتماد شروط للحل السياسي في ليبيا لا تأخذ في الاعتبار شرعية مجلس نيابي منتخب. وعدا ليبيا، فمن الواضح أن هذه السياسات رمت إلى تجميع أوراق في انتظار المساومة على الترتيبات الإقليمية بين أميركا وإيران. وفي ظل «لا استراتيجية» اتّسمت بها «الحرب على داعش»، برز خلال الشهور الماضية تنافس على الاستفادة من هذا التنظيم.

يتحدّث مسؤولون عرب، من سياسيين وعسكريين واستخباريين، باستياء عميق عن حرب يخوضونها ولم يتوصلوا بعد إلى فكرة شاملة ودقيقة عمّن هو «داعش» ومِن أين جاء ومَن دعمه ويدعمه ومتى ستصبح الحرب عليه ناجعة حقاً وما هو التصوّر الواقعي لنهايته الفعلية. يروي أحدهم أنه بادر نظيره الأميركي في لقاء ثنائي: إذا لم تقل لي، وأنا حليفك، من هي الأطراف التي صنعت «داعش» وما هو موقفكم منها، فإمّا أنكم لا تعرفون وهذا مستبعد، وإمّا أنكم متورّطون وهذا يقلقنا جداً، فهل أنتم ضد الإرهاب كما تقولون، أم أنتم معه طالما أنه بعيد عنكم. وردّ الأميركي بأنه في الحالين لا يستطيع إعطاءه إجابة… فمَن يُسمّى «حليفاً» أميركياً لا يصارح الحلفاء العرب بأي تقدير للموقف ولا يشاطرهم ما لديه من معلومات أو جزءاً منها على الأقل. لذا، يتحدّث هؤلاء المسؤولون بتشكيك بالغ عن «المواجهة» الأميركية لـ «داعش»، ولا يتردّدون في القول «حليفك عدوّك».

يقول مسؤول عربي آخر أنه وعدداً من نظرائه بلغوا في اتصالاتهم خلاصة مفادها أن أميركا ودولاً كبرى أخرى، فضلاً عن إيران، ترى في «داعش» و «جبهة النصرة» وأشباههما حافزاً للبحث في مشاريع لتقسيم سورية والعراق وليبيا، كما تعتبر أن سلوك الحوثيين قطع منذ زمن الأشواط الأخيرة التي تحول دون إبقاء اليمن موحّداً. وقد استنتج مسؤولون عرب من خلال لقاءاتهم بمبعوثي الأمم المتحدة إلى هذه الدول أنهم يكلفون تنفيذ قرارات لمجلس الأمن، وبعد تعيينهم يتلقون توجيهات قد تناقض مضامين القرارات الدولية، حتى لو كانت صادرة تحت الفصل السابع. فالمبعوث إلى ليبيا مثلاً مطلوب منه جلب الميليشيات الإسلامية إلى عملية سياسية مبنية شكلاً على «حكومة معترف بشرعيتها» لكن، بإمكانه أن يتجاوز هذا الاعتبار إرضاءً للميليشيات. وكان المبعوث إلى اليمن ذهب في التزام التوجيهات إلى حد تغطية للحوثيين في احتلالهم صنعاء وغزوهم منشآت الدولة وحتى في احتجاز الرئيس وأعضاء حكومته في إقامة جبرية، بل راح يواصل في الأثناء ما سمّاه حواراً بين الأطراف لوضعها أمام خيار وحيد هو الاعتراف بالحكم الحوثي كأمر واقع.

والثابت في كل هذه الظواهر أن المجتمع الدولي بات طريح عجزه عن التدخل من جهة، وضحية «الحرب الباردة» المتجددة بين أميركا وروسيا من جهة أخرى. لذلك، زادت مبادئ الأمم المتحدة تراجعاً وفقد «الفصل السابع» هيبته، ولم تعد هنا قيمة إلا لـ «الفيتو» التعطيلي الذي تتمتع به الدول الخمس المعروفة. وحتى الأمين العام لا يملك سوى أن ينفذ ما تريده الولايات المتحدة كما فعل في مناسبات عدة كان آخرها رفضه إدراج إسرائيل في لائحة الدول والجهات المنتهكة حقوق الأطفال… وفي مثل هذه الظروف الدولية، تصبح مصائر الشعوب والدول في مهب الريح، ويُنظر إلى المجزرة التي قضى ضحيتها عشرون سورياً من الطائفة الدرزية باعتبارها إنذاراً إلى القوى الدولية المعنية بسورية لأن تغيّر المعادلة الميدانية لمصلحة المعارضة بلغ لحظة تهديد الأقليات. كانت الولايات المتحدة ساءلت المعارضة باكراً جداً عمّا لديها من ضمانات لمنع حصول مجازر طائفية، ويومذاك لم يكن لدى المعارضة (وليس لديها الآن) ما تضمن به وجودها نفسه. لم تتنبّه أميركا أبداً إلى أن تعنت نظام الأسد ورفضه أي حل غير عسكري وتكراره المجازر (الطائفية أيضاً) كانت الخطر الأكبر ليس فقط على الأكثرية والأقليات معاً، بل على سورية كدولة ووجود.

ها هو نظام الأسد يتخذ من «داعش» ورقة ضمان للدويلة التي يريد أن ينكفئ إليها في رعاية الإيرانيين وحمايتهم، وبموافقة ضمنية من إسرائيل التي انتهزت الجريمة التي ارتكبتها «جبهة النصرة» ضد دروز ريف إدلب لتطرح مسألة «حماية» دروز السويداء. وفي هذا الوقت تبدي تركيا خشية من تقدّم «أكراد أوجلان» السوريين من عين العرب – كوباني الى مواقع «داعش» لطرده منها، فمثل هذا التطوّر معطوفاً على وصول أكراد تركيا للمرة الأولى بهويتهم القومية إلى برلمان أنقرة في الانتخابات الأخيرة يعني سقوط مشاريع رجب طيب أردوغان لـ «السلام الداخلي» لمصلحة صعود فكرة الكيان الكردي، إذ لا حياة لـ «إقليم غرب كردستان» السوري إلا بالتواصل مع كردستان العراق أو مع أكراد جنوب شرقي تركيا.

أما في العراق فشكّل الاحتلال «الداعشي» للمحافظات السنّية ورقة الضمان للهيمنة الإيرانية، وزاد من احتمالات تفعيل خيار الأقاليم أو حتى الفصل والتقسيم، خصوصاً أن طهران تريد المضي في تغيير وجه بغداد لتكون تحت سيطرة أتباعها. وتكمن المفارقة في أن الإعداد لـ «تحرير» هذه المناطق، بما اكتنفه من نقاش حول تسليح العشائر وتعامل سيئ مع نازحي الأنبار، عزز الاتجاه التقسيمي بدلاً من أن يحبطه، إذ بدا أن لدى الحكومة والإيرانيين تساؤلات عن جدوى مثل هذا «التحرير» ما لم يفضِ إلى اختيار واضح من جانب السنّة، فإمّا الخضوع لحكم إيران أو لحكم «داعش».

استطراداً، في ليبيا، يساعد التوسع «الداعشي» في الضغط الدولي على «الحكومتين» للقبول بتسوية سياسية تتجاوز إرادة غالبية الشعب من الناخبين، وهو ما دفعت إليه أميركا وبريطانيا سرّاً لاستثمار انفتاحهما على «الإسلاميين». وأخيراً، في اليمن، يستخدم الأميركيون وجود تنظيم «القاعدة» لاجتذاب الحوثيين ومراعاة أطماعهم السلطوية على حساب بقية اليمنيين… ولا شك في أن وظائف «داعش» وأخواته لا يزال أمامها مسار أميركي طويل.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

 

“داعش” و”الجهاديون” الأوروبيون/ مصطفى زين

فجّر فتى بريطاني في السابعة عشرة نفسه في العراق، ليكون أصغر انتحاري، على ما أفادت تقارير صحافية. ونشر موقع «إصدارات» الإلكتروني التابع لـ «داعش» شريط فيديو يروي فيه شاب، يقدم نفسه باسم أبو سلمان الفرنسي، نشأته في عائلة فرنسية مسيحية، ثم اعتناقه الإسلام والتحاقه بالتنظيم. ويقول بالفرنسية إنه طلب من زوجته الالتحاق به في الرقة بعدما شعر بـ «الأمان التام في الدولة المباركة التي أعطتنا منزلاً وكل ما احتجناه لتجهيزه، الحمدلله، وراتباً شهرياً».

هل كان هذان الشابان فقراء في بريطانيا أو فرنسا؟ هل كانا عاطلين من العمل؟ هل دفع العوَز آلاف الأوروبيين إلى ترك بلادهم و»الهجرة» إلى بلاد لا يعرفونها ودين لا يفقهون منه شيئاً، غير بعض ما ترجم لهم؟ هل العنف وإراقة الدماء ما يدفعهم إلى ذلك؟». هل هو الدفاع عن المظلومين والوقوف إلى جانبهم في مواجهة الديكتاتوريات؟

صدرت دراسات كثيرة في هذه الظاهرة. معظمها نفى أن يكون الفقر سبب هجرة الشباب الأوروبيين إلى «الدولة». فهؤلاء، حتى في أفقر دول القارة القديمة، يعيشون في ظل دولة الرعاية التي تؤمن لهم حاجاتهم إذا كانوا عاطلين من العمل. ولاحظت الدراسات أيضاً أن «المهاجرين» من الطبقة الوسطى. وأنهم كانوا في بلدانهم يعيشون حياة مرفهة قياساً إلى حياة أمثالهم في سورية أو العراق أو أي بلد في العالم الثالث، فضلاً عن أن المستقبل مفتوح أمامهم لتحقيق طموحاتهم، والعيش في مجتمع يعرفونه ويعرفهم، وفي ظل قوانين تحترم حقوقهم، فيما هم متجهون إلى المجهول. هل هذا المجهول يغريهم بالمغامرة؟ ربما.

واقع الأمر أن ظاهرة «الدواعش» الأوروبيين لم تنبت بين ليلة وضحاها. مثلها مثل ظاهرة «دواعشنا». «جهاديو» بلادنا (تسمية الإرهابيين في الإعلام الغربي) متجذرون في بلدانهم، خاضعون لتربية تهرب من الحاضر إلى الماضي، ولعصبيات دينية وطائفية ومذهبية، وهم نتاج طبيعي لثقافة مجتمعاتهم. أما «جهاديو» أوروبا فليسوا نتاج هذه العصبيات، عدا الذين يعيشون في غيتوات مغلقة، في فرنسا مثلاً، ويخضعون لتربية بيتية مبنية على كراهية محيطهم الذي يضطهدهم، كالمغاربة والتونسيين والقادمين من شمال أوروبا والمستعمرات. لجوء هؤلاء إلى «الدولة الإسلامية» وهروبهم من الاضطهاد مفهوم. أما الفرنسيون والبريطانيون والإسبان والهولنديون والألمان وغيرهم فجذور انخراطهم في المغامرة يجب أن تكون مختلفة بالضرورة. بعض الأبحاث تعيد هذه الظاهرة إلى اليأس والرتابة التي يعيشها الأوروبي فواقعه معروف ومستقبله معروف ومآله كذلك، لذا يستغل أي فرصة لتحقيق ذاته خارج الأطر الجاهزة. مثله تماماً مثل المغامرين الأوائل الذين عرّضوا أنفسهم للأخطار عندما غزوا البلدان الأخرى واستعمروها ونكّلوا وأبادوا شعوباً. هي ثقافة العنف المتجذرة في اللاوعي الجمعي للأوروبيين ما يدفعهم إلى الالتحاق بـ «داعش» وغيرها.

وإذا كان المستعمرون الأوائل يبرّرون عنفهم بأنه ضروري لنشر الحضارة والقضاء على التخلف، فالمغامرون الجدد يبرّرونه بأنهم يسعون إلى القضاء على الاستبداد. أي أنهم كأجدادهم يرتكبون ما يرتكبونه باسم الإنسانية. وهم في ذلك يلتقون مع حكوماتهم وأنظمتهم التي ما زالت تشرعن حروبها باسم الديموقراطية ونشر الحرية. أليس هذا ما تروّجه الدعاية الأوروبية الرسمية وغير الرسمية؟ ألم تكن الحرب على العراق للقضاء على ديكتاتورية صدام حسين؟ أليس هدف الحرب على سورية إطاحة الأسد لمساعدة الشعب السوري على تحقيق حريته؟ هل قال هولاند أو أوباما أو كاميرون أو بوش قبلهم أن سبب حروبهم هو النفط؟ هم يروّجون أنهم يدافعون عن مصالحهم. لكن لا أحد منهم يقول ما هي هذه المصالح. بل يروجون أنهم يقاتلون مع الشعوب المضطهدة.

بعيداً من الأسباب النفسية والاجتماعية التي تدفع الأوروبيين إلى الالتحاق بـ «داعش»، وقد تكون في معظمها صحيحة، هناك أيضاً سبب لا تتطرق إليه الدراسات يتلخص في أن الأوروبي ينشأ حراً ديموقراطياً وسط ثقافة استعمارية تمجّد العنف ضد الآخر.

الحياة

 

 

 

 

داعش” في عامه الأول وسباق محموم على الشرعية/ بيسان الشيخ

مر أمس عام على إعلان تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» الخلافة ومبايعته «أبو بكر البغدادي» خليفة على مساحة غير صغيرة من مساحة البلدين، قيل إنها ستبقى وتتمدد أكثر.

وصحيح أن الهدف المنشود لا يزال بعيداً، لكن الوقائع كلها تشير إلى أن «الدولة» متماسكة إلى حد بعيد، كما تحولت أرضها إلى «مهجر» جذاب للشباب جاؤوا بأعداد غير مسبوقة، من الشرق والغرب على السواء.

وإذ تتنوع سير هؤلاء وتختلف دوافعهم وفق بلدانهم وأعراقهم وتجاربهم الفردية والعامة بما يمنع رسم خط واحد لهجرتهم، يبقى الأكيد أنهم لم يأتوا إلى سورية أو العراق بهدف القتال والشهادة فحسب، بل أيضاً للعيش في «يوتوبيا» الخلافة، وبناء أسرة والبحث عن مستقبل كما يحدث في أي مهجر آخر، من دون أن يشكل العنف المفرط وطرق استعراضه أو نمط الحياة وقسوتها أي رادع فعلي لهم.

وتتزامن الذكرى السنوية الأولى لدولة خلافة البغدادي، مع حدثين أساسيين أولهما تصريح لافت لوزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، كشف فيه أن واشنطن واجهت صعوبة قصوى في تجنيد وتدريب متطوعين من الجيش العراقي لخوض الحرب على «داعش»، وأنه «لم تكن هناك نية للقتال أصلاً» في عدد من المناطق. وثانيهما خطاب للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، توجه فيه إلى الامتداد العشائري الأردني في العراق وسورية، وسلم خلاله «الراية الهاشمية» للجيش.

وفي وقت كان يفترض أن تقوم واشنطن بتدريب وتسليح نحو 24 ألف جندي عراقي في مهمة القضاء على «داعش»، ومثلهم أو أقل بقليل في سورية (وكان يمكن أن تنجح في مهمتها إلى حد بعيد لولا تلكؤ سياسي وعزوف شعبي)، فشلت الجهود الكبيرة المبذولة والإغراءات المقدمة في جذب أكثر من 7 آلاف متطوع في العراق، فيما البحث عن «معتدلين» لا يزال جارياً في سورية، ليبدو إذ ذاك أن «داعش» يجذب المتطوعين بأعداد أكثر ووتيرة أسرع مما يجذبهم منافسوه من جيوش وطنية أو «صحوات» عشائرية أو برامج تأهيل دولية.

ولكن تلك المساعي تفترض أيضاً، أن البحث عن تسليح المجموعات الأهلية من خارج المؤسسات العسكرية الرسمية، كالأكراد والعشائر السنية، يقوض فرص بقاء العراق ناهيك عن سورية، كياناً موحداً، وهي أصلاً فرص ضئيلة وهشة.

والحال أن تعويم هويات عرقية وطائفية بهذا الشكل المعلن والمباشر يؤدي إلى الإقرار التام (الدولي هذه المرة)، برفع حدود الدول التي بدأت «تجاهد لإثبات شرعيتها»، وفق كلام لقائد القوات المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي.

فصحيح أن «داعش» أطلق سباقاً للتسلح وملء الفراغ الأيديولوجي، فاستقطب الكثير ممن خذلتهم مصادر التمويل وخانتهم الأفكار أو طردتهم السياسة، لكنه أيضاً أطلق سباقاً محموماً وأكثر خطورة، نحو الشرعية والهوية الوطنية وأهلية الحكام في إدارة بلدانهم.

وليس ما يجري في الأردن اليوم إلا نموذجاً حياً عن هذه المعضلة الجديدة التي طرحت نفسها بسبب تمدد «داعش» وبقائه. فبغض النظر عما ذهبت إليه تأويلات كثيرة عن أدوار إقليمية يبحث عنها الأردن، وقد تكون صحيحة أو خاطئة، يبقى أن «لم شمل» العشائر الممتدة بين الأردن وسورية والعراق، تحت مظلة «شرعية» واحدة، يقول الكثير عن جوهر المسألة.

ذاك أن البحث عن سبل تحقيق انتصارات عسكرية على «داعش» ما عاد يكفي وحده عدا عن أنه صعب التحقيق، فتبين أنه لا بد من استنهاض هوية وطنية تقوم على مكونات رديفة ولكن متماسكة بما يكفي لشد العصب في مواجهة التنظيم. ولسان حال الأردن اليوم يقول أنه إذا كان لا بد من رفع للحدود بين البلدان الثلاثة، فثمة من هو أولى بهذه المهمة ولا تنقصه الشرعية. وبعيداً من احتمالات تمدد جغرافي فعلي، يبقى تمدد النفوذ السياسي أمراً قابلاً للتحقيق بالاعتماد على جيش وطني متماسك وقوي وسط جيوش منهارة خصوصاً بعد المهمة الأخيرة التي أنيطت به، وعلاقات دولية متينة، وخط سياسي وديني «معتدل».

أما الشعبية المتزايدة لـ «داعش» في الشارع الأردني وانضمام مزيد من الشبان إلى دولته في سورية، فمسألة ترتبط بمن يفوز في النهاية بذلك السباق المحموم نفسه.

* صحافية وكاتبة من أسرة «الحياة»

الحياة

 

 

الأسئلة التي لا يجرأون على الاقتراب منها!/ محمد مشموشي

لم يسأل «الممانعون» أنفسهم، ولن يسألوا في أي يوم قريب، الأسئلة الفعلية التي تطرح في مثل حالهم الآن وهم يشنون حروبهم المسلحة والسياسية والفكرية ضد التنظيمات الإرهابية والتكفيرية في سورية والعراق. أما السبب، فلأنهم في واقعهم هذا لا يريدون إجابات حقيقية عن تلك الأسئلة، ولا حتى أن يسمعوا بوجود مثل هذه الإجابات.

من هذه الأسئلة، على سبيل المثل لا الحصر، ما يأتي:

× هل كان للتنظيمات هذه أن تتوسع، بل أن تنشأ أصلاً، لو أن نظام بشار الأسد العائلي والطائفي والديكتاتوري استجاب للتظاهرات الشعبية المطالبة بالإصلاح مطلع آذار (مارس) 2011، وأجرى ما أمكن من تعديلات دستورية وفي الحياة السياسية والاقتصادية – الاجتماعية في سورية؟! أو لو أن رئيس الوزراء العراقي يومذاك نوري المالكي تعامل مع الطوائف والمذاهب والإثنيات في بلده باعتبارها مكونات وطنية وليست مجرد توابع لنظام «الولي الفقيه» الإيراني، كما أعلن هو نفسه عندما تحدث عن «موقعة كربلاء التي لم تنته بعد وهي لا تزال مستمرة منذ 1400 عام»؟!

× هل كان لها أن تسيطر على ثلاثة أرباع الأراضي السورية كما هي حالها الآن، لو أن النظام لم يعمد بعد أسابيع فقط من بدء الثورة ضده، للإفراج عن سجناء كانوا في أقبيته بتهمة الإرهاب، مثل زهران علوش الذي شكل لاحقاً «جيش الإسلام»، وغسان عبود الذي ترأس ما سماه «أحرار الشام»، وأحمد الشيخ قائد «لواء صقور الشام»، وغيرهم ممن يرفعون رايات «الجهاد» منذ نحو خمسة أعوام، أو أن تحتل كذلك معظم أراضي العراق، لو أن نوري المالكي لم يتعمد تهميش وحتى إقصاء المكون السنّي في شكل شبه كامل، ثم شن حملة عسكرية على اعتصام أهالي الأنبار احتجاجاً على هذا الإقصاء؟

× هل كان لـ «الدولة الإسلامية في العراق» التي باتت لاحقاً «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)، أن تعلن عن نفسها منذ 2005 كتنظيم لـ «مقاومة الاحتلال الأميركي»، وأن تقوم بعملياتها هناك طوال الفترة حتى 2012، من دون مباركة وحتى تشجيع حكومات بغداد ومن ورائها إيران التي تتحكم بكل مفاصل الحياة السياسية في العراق منذ ذلك الوقت؟

× هل كان لـ «داعش» و «جبهة النصرة» و «القاعدة»، وقبلها «جيش الإسلام» و «أحرار الشام» و «لواء صقور الشام» وغيرها، أن تشهر هويتها السنّية من جهة، وحتى أن توغل في ممارساتها الإرهابية والتكفيرية من جهة ثانية، لو لم تشهر نفسها على الضفة الأخرى المقابلة تنظيمات شيعية متطرفة مثل «عصائب أهل الحق» و «لواء أبي الفضل العباس» في العراق و «حزب الله» في لبنان… وصولاً في المدة الأخيرة إلى «أنصار الله» في اليمن؟

يرفض «الممانعون» أن يطرحوا مثل هذه الأسئلة، لا على أنفسهم ولا في العلن، لسبب واحد يتعلق بأنهم يفقدون بها وبالإجابات عنها مبرر حروبهم العبثية في سورية والعراق واليمن، فضلاً عن مبرر وجودهم ذاته كـ «محور مقاومة وممانعة» بقيادة نظام لم يفعل منذ قيامه في 1979 سوى أنه أوقد نار الفتنة السنّية – الشيعية على مساحة العالمين العربي والإسلامي. ليس ذلك فقط، بل تمكن عبرها من طمس هوية بلدين عربيين، ويهدد بتقسيمهما جغرافيا، مع ما للطمس والتقسيم من ارتدادات سلبية على بلدان المنطقة وشعوبها كلها.

وذريعة هؤلاء جاهزة على الدوام: فهذه التنظيمات إرهابية وتكفيرية ومتطرفة ولا تعترف بالآخر، تماماً كما هي حال كل من يقول أنه يجدر البحث عن سبب وجودها ثم توسعها… بما في ذلك هذه السطور، على رغم أن الهدف من كتابتها ليس سوى تفسير، أو أقله إلقاء بعض الضوء على هذه الظاهرة الغريبة عن المنطقة وتاريخها وشعوبها!

فليس خافياً أن مثل هذا الفكر كان موجوداً في الكتب، وحتى في بعض البيئات الموغلة بالتدين أو بالجهل والأمية، إلا أنه لم يتحول يوماً إلى ظاهرة مقبولة شعبياً أو إلى تنظيمات مسلحة تستدرج شباناً في المنطقة وفي العالم الغربي كما باتت حاله خلال الأعوام الأخيرة.

وهذا تحديداً ما يحاول بعض المثقفين والكتاب وخبراء العلوم السياسة، في المنطقة كما في العالم، أن يعثروا على أسباب ودوافع موضوعية له.

وإذا كان من نافل القول أن الفشل الذريع والمتمادي لأنظمة الحكم في عموم بلدان المنطقة يشكل واحداً من هذه الأسباب، وأن تنكر المجتمع الدولي للمظالم السياسية والاقتصادية – الاجتماعية التي تعانيها شعوب هذه البلدان يصلح ليكون سبباً آخر، وأن عنف الأنظمة غير المسبوق في مواجهة أي طلب للتغيير أو حتى الإصلاح هو سبب ثالث، وأن الفقر والبطالة وسوء التعليم والتمييز والتخلف عن العصر والهجرة الجماعية إلى بلدان العالم المتقدم هي أسباب ودوافع إضافية، فلا شك في أن الضرب على العصب الطائفي، وهو في المنطقة قبلي وعشائري كذلك، سواء من إيران مباشرة (دستورها المذهبي وحرسها الثوري في سورية والعراق واليمن) أو بأدواتها المذهبية والميليشياوية في بلدان المنطقة، قد لعب الدور الأكبر في ما نحن عليه في هذه الفترة… ليس لجهة توالد التنظيمات الإرهابية والتكفيرية هنا وهناك فقط، بل أيضاً لجهة تصاعد وتيرة الانضمام إليها من الداخل والخارج وتوسع نطاق عملياتها فيها.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى