صفحات سورية

داعش» والاستثناء الإيراني/ هشام منوّر()

 

 

لم يكن مفاجئاً أن يتبنى ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية هجمات في تونس في أكثر من مناسبة، وفي السعودية والكويت، وفي فرنسا ومصر ونيجيريا، وطبعاً في سوريا والعراق وليبيا ومالي، لكن التنظيم لم يضرب أبداً داخل إيران، في ممارسة تثير أكثر من علامة استفهام.

ليس المقصود من طرح السؤال أنه على داعش ضرب إيران لكي تستقيم الأمور في أعيننا، أو ربط علاقة متسرعة بين إيران وداعش، فعلى كل حال هناك بلدان عديدة لم ترد فيها حادثة عنف متبناة من قبل التنظيم، مثل (إسرائيل) والصين واليابان وألمانيا وبلدان أخرى، لكن كل ما نوده هو قراءة هذا السؤال ضمن معطيات وظروف محددة.

واقع الحال يشير إلى أن تنظيم داعش لا يتوانى عن ضرب المصالح الإيرانية ومصالح حلفائها خصوصاً في العراق وسوريا ولبنان، سواء تجلى ذلك في شن الهجمات «الانتحارية« ضد سفاراتها ومراكزها الثقافية والدينية، أو حتى ضرب العمق الشعبي الشيعي الموالي لسياساتها ومذهبها كما حدث في تفجيرات الضاحية الجنوبية الأخيرة، بل إنه في الأول من حزيران (يونيو) الماضي قام مسلحون من «الدولة الإسلامية في العراق والشام« بمهاجمة نقطة أمنية بقصر شيرين في الحدود الإيرانية العراقية، وقتلوا عسكريين إيرانيين اثنين. باستثناء ذلك لم تسجل حوادث فعلية ضربت العمق الجغرافي الإيراني وتبنتها «داعش«، بالرغم من أن الشيعة عموماً هم العدو اللدود للتنظيم المتطرف.

كان تنظيم «داعش« في البداية فرعاً في العراق تابعاً للقاعدة، حينها كان يتزعمه أبو مصعب الزرقاوي، وكانت إيران لديها علاقة مع القاعدة بما يشبه تحالفاً ضمنياً على أساس المصلحة المشتركة، حيث تود إيران من القاعدة محاربة القوات الأميركية وتجنب المساس بالأمن الإيراني، وبالمقابل ترك طرق الإمداد مفتوحة في الحدود مع أفغانستان والعراق، ويبدو أن تمرد «داعش« على تنظيمه الأم «القاعدة« لم يغير من هذه العلاقة شيئاً.

بدا هذا واضحاً في تسجيل صوتي نشرته وسائل الإعلام في أيار (مايو) الماضي للمتحدث باسم «داعش« أبو محمد العدناني، يقول فيه: «ظلَّت الدولة الإسلامية تلتزم نصائح وتوجيهات شيوخ الجهاد ورموزه؛ ولذلك لم تضرب الدولة الإسلامية الروافض في إيران منذ نشأتها، وتركت الروافض آمنين في إيران، وكبحت جماح جنودها المستشيطين غضباً رغم قدرتها آنذاك على تحويل إيران لبرك من الدماء«. مضيفاً: «وكظمت غيظها كل هذه السنين، تتحمّل التهم بالعمالة لألد أعدائها إيران لعدم استهدافها، تاركة الروافض ينعمون فيها بالأمن والأمان امتثالاً لأمر (القاعدة) للحفاظ على مصالحها وخطوط إمدادها في إيران«.

سبب ثان ساعد إيران في أن تبقى في مأمن من ضربات «داعش«، يتجلى في كون الأغلبية منها تعتنق المذهب الشيعي، ومن المعروف أن تنظيم «داعش« ينتسب لـ«الإسلام السني« بالأساس، فهو ينصب نفسه حامياً للسنة في العراق ضد السياسات الطائفية للحكومة العراقية، وبالتالي فليس لدى داعش عمق سكاني بإيران، حيث يمكن تجنيد أنصاره هناك لشن هجمات كما يحصل مع بعض الدول الأوروبية.

بالإضافة إلى ذلك فإيران ليس بلداً سهلاً بالنسبة للمتطرفين، كالشأن مع بلدان أوروبا التي توفر الحرية في التنقل والتعبير والكثير من الخصوصية والحقوق الفردية، حتى أن بعض «المتشددين« الإسلاميين يخرجون في مظاهرات رافعين أعلام «داعش« دون أن يتعرضوا للاعتقال كما يحصل في السويد وبريطانيا، هذه الميزات لسوء الحظ توفر للتنظيم المتطرف فرصاً كبيرة للتجنيد والتنقل والتصرف بحرية، الأمر الذي يجعل أوروبا الأكثر تعرضاً للتهديدات الإرهابية بشكل عام، وفي نفس الوقت فإن غياب هذه الميزات في دولة ما مثل إيران، يقلل من تعرضها للأخطار، ويزيد فرص اعتراض أي تهديدات.

سبب أخير يجعل إيران في مأمن من تهديدات داعش، يتبدى في أن الأدبيات الدينية للتنظيم المتطرف تدرج المعركة مع إيران (الشيعة) وإسرائيل (اليهود) في الحرب الكبرى، والتي لن تحدث إلى بعد إنهاء الحروب مع (المرتدين) ثم مع (الصليبيين)، وبذلك فالتوسع في المنطقة العربية يحتل أولوية بالنسبة لداعش أكثر من التوجه نحو إسرائيل وإيران، وإن كانت قريبة منهما جغرافياً.

من المحتمل أن هذه العوامل الأربعة قد ساهمت مجتمعة في تحييد خطر داعش عن إيران، أو على الأقل منعته أن يصل لأراضيها، بيد أن ثمة أسئلة ملتبسة ما زالت بدون جواب، فكيف يحارب تنظيم «داعش« ميليشيات إيران وحلفائها بسوريا والعراق، وفي الوقت نفسه يتجنب شن هجمات على الأراضي الإيرانية؟

() كاتب وباحث

المستقبل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى