“داعش” يبيع قمح الرقة للنظام.. ويحرم أهلها منه/ سالم ناصيف
استمراراً لنهج التضييق المتعمد من قبل تنظيم داعش على عامة الناس داخل مناطق سيطرته، أقدم التنظيم مؤخراً على رفع ثمن الخبز داخل محافظة الرقة لمرات متلاحقة حتى وصل سعر ربطة الخبز التي تحتوي على خمسة أرغفة إلى 110 ليرات (حوالي 0.44 دولار).
وذكر أحد أعضاء حملة “صرخة من الرقة” (تحفظ عن ذكر الاسم لدواعٍ أمنية) العاملة على تدوين ونشر انتهاكات تنظيم داعش، لـ “المدن”، أن قرار رفع ثمن الخبز صدر بشكل رسمي عن “ديوان المطاحن” التابع للتنظيم. وهي الزيادة الثالثة التي تحدث خلال شهر واحد. ورجّح عضو الحملة أن يكون السبب المباشر لرفع ثمن الخبز هو بيع التنظيم لمخزون القمح الموجود في صوامع الرقة للنظام عبر تاجر حلبي مبايع لداعش. وكان ذلك المخزون يكفي الرقة مدة ثلاثة سنوات. وتم شحن مخزون الصوامع من القمح إلى مناطق النظام بمعدل 45 ألف طن أسبوعياً.
وسرعان ما استأنفت الأفران عمليات البيع بالسعر الجديد البالغ 110 ليرات، وهي بمعظمها أفران يشرف عليها التنظيم ويقوم بإدارة عمليات تزويدها بالطحين والوقود. ويبلغ عدد الأفران 20 فرناً موزعة على كافة مناطق المحافظة الواقعة تحت سيطرة التنظيم، من أصل 49 فرناً كانت تعمل قبل الثورة. ومن أهم تلك المخابز الأفران الآلية، وكانت أربعة منها تغطي مدينة الرقة، إضافة إلى فرنين موجودين في الريف، سبق أن عمل التنظيم على تحويل طاقتهما الإنتاجية لصالح معسكراته وقواته على جبهات القتال.
قرار رفع ثمن الخبز ناتج عن عمليات بيع القمح والطحين عبر سماسرة يتبعون لتنظيم داعش. وهذا النوع من السمسرة يوازي نموذج “الخصخصة” الذي سبق أن عمل عليه النظام قبل الثورة رغم نظمه الاشتراكية التي يدعي تطبيقها. وقد عمل التنظيم على إيجاد هذا الشكل من “الخصخصة” كي لا يتهم بالقيام بعمليات التجارة المباشرة مع النظام، وآخرها عمليات بيع مخزون صوامع القمح. كما يتولى السماسرة الجدد عمليات شراء القمح من المحصول الجديد من المزارعين في المحافظة بثمن 48 ليرة (حوالي 0.1 دولار) للكيلو الواحد، وهو السعر الذي حدده داعش. من ثم يتم طحن القمح في مطاحن يشرف عليها التنظيم الذي يعمل على توجيه التجار لتزويد المخابز بالطحين وفق كميات وأسعار يحددها هو أيضاَ، بحجة إشرافه على عمليات البيع والشراء، لكن التنظيم يتقاضى نسبة من الأرباح عن كل عملية تجري، وهي أتاوة تجري في كل مراحل البيع والشراء وصولاً إلى عمليات بيع الخبز في الأفران، حيث يتقاضى نسبة تساوي خمس ليرات عن كل 85 ليرة (حوالي 0.34 دولار) من ثمن الخبز المباع.
وتعتبر زيادة ثمن الخبز حالياً، الثالثة خلال شهر واحد، وبذلك يكون التنظيم قد سجل سابقة برفع سعر الخبز. فقد كان ثمن الربطة الواحدة يباع بمبلغ 60 ليرة (حوالي 0.24 دولار) قبل شهر واحد فقط، من ثم ارتفع ثمنها بقرار من “ديوان المطاحن” إلى 75 ليرة (حوالي 0.3 دولار)، ثم إلى 100 ليرة (حوالي 0.4 دولار) وصولا إلى 110 ليرات. وبهذا تكون ربطة الخبز تباع بزيادة تبلغ ستة أضعاف عمّا هي عليه في مناطق سيطرة النظام، الذي سبق أن رفع ثمن الخبز مرتين هو أيضاً حتى بلغ ثمن الربطة 35 ليرة، وفيها تسعة أرغفة.
ويأتي قرار رفع سعر الخبز من قبل داعش داخل مناطق سيطرته ليلقي بأعباء اقتصادية إضافية على كاهل السكان الذين يعتبرون الفئة الأكثر فقرا، ولم يتمكنوا نتيجة ظروفهم المادية السيئة من النزوح إلى مناطق أخرى أو الهجرة كما فعلت النسبة الأعظم من سكان المحافظة، حين انقض عليها تنظيم داعش بعد أشهر من تحريرها على يد الجيش الحر. ويأتي على رأس تلك الفئة المعدمة اقتصادياً فئة الموظفين الذين كانوا يعملون في مؤسسات النظام لكنهم لا يتمكنون من الذهاب إلى المناطق التي يتواجد فيها مندوبو النظام كي يتقاضون رواتبهم الشهرية.
ويعتبر سلاح التضييق على المعيشة من أهم أسلحة تنظيم داعش في إخضاع أهالي الرقة لسلطته الدائمة وإجبار الذكور منهم على الانضواء تحت لوائه، سواء عن طريق التطوع للقتال في جبهات القتال مقابل رواتب شهرية تراوح بين 60 الف (حوالي 240 دولارا) و75 الف (حوالي 300 دولارا) لكل مقاتل، أو من خلال الوظائف المدنية التي يتحكم التنظيم بإداراتها.
المدن