داعل : الثورة تعاقب سارقيها/ معتصم الديري
على بعد ٨٥ كيلومتراً إلى الجنوب من دمشق، تقع مدينة “داعل”، السباقة دائماً لتكون المبادرة على مر المراحل.
هي أول من وهبت بيوتها للمقاومة الفلسطينية، ويشاع أن الزعيم الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، قطنها فترة وجوده في سوريا قبل حرب تشرين 1973.
وفي احد شوارعها، نُظم أول إعتصام علني أمام فرع حزب البعث في آذار/ مارس ٢٠١١. كما أنها أول من أزاحت تمثال حافظ الأسد في سوريا في ١٧ من الشهر نفسه.
تغير عليها طائرات النظام اليوم، لكن المدينة التي اقتحمتها قوات النظام في أيار/ مايو من العام ٢٠١١، صمدت في مواجهة العقاب النظامي النموذجي “جوع-قنص-قصف”.
انتظر أهلها قرابة العامين حتى شهدوا التحرير بقيادة لواءين في المدينة وحولها، وهما “لواء الفجر” و”لواء المعتز”.
اليوم تشهد المدينة طقوس تحرير من نوع آخر، بعدما بدأت الأخبار تتوالى عن جهود تُبذل لتحرير الثورة من سارقيها. أصيل العبد الله، أحد مؤسسي المركز الاعلامي السوري وابن المدينة، اختصر ما يجري بالقول : “القصة واضحة، مجموعة من المسلحين المحسوبين على الثوار “بالاسم”، تقوم بسرقات واعمال منافية للاخلاق، فيتم إعتقال المسلحين من قبل قضاء الثورة، المؤسسة الرادعة لحرامية ومتسلقي الثورة”.
“قضاء الثورة”، يفسّر هيكليته أحد أعضاء المجلس المحلي في المدينة، وفضل عدم الكشف عن اسمه، موضحاً لـ”المدن” أنه يتألف من “المجلس العسكري للمدينة، القضاة المنشقين، رجال الدين ورجال المدينة المعروفين بسمعة طيبة”، ليشمل بذلك كل العائلات الكبيرة والصغيرة في المدينة.
وفيما أشار إلى أنه “يدعى القضاء الثوري للمنطقة الغربية”، أوضح أن بدايته كانت مع لجنة أمنية ولجنة شرعية قبل أن ينتقل إلى “هيئة مؤسساتية تناسب الثورة في المدينة ومشاكلها”.
أما العبد الله، فتحدث عن تعامل صارم يقوده قضاء الثورة مع السارقين “فكلهم ينتمون الى أكبر العائلات في مدينة داعل، ومنهم قيادات كبيرة بين الثوار، ولكن شارك في عملية القاء القبض عليهم والتحقيق أشخاص من العائلة نفسها. وهو ما كان بمثابة رسالة لكل من يعتقد بغياب فكرة الرادع او السلطة، وأنه يوجد أشخاص فوق القانون”.
وأوضح أن المتهمين، المنتمين إلى كتيبة “عمار الحريري”، حصلوا في بداية الأمر على إخلاء سبيل لفترة محدودة مقابل دفع كفالة، بعدها رجعوا الى المحكمة التي أخذت شهادتهم واستمعت إلى اعترافاتهم، ومن بعدها أصدرت الحكم بحقهم”.
بدوره، اعتبر عضو المجلس المحلي أن هذه التجربة “ستفتح الباب لنا لفتح قضايا سرقة وانتهاكات قديمة، كنا قد قمنا بأرشفتها”.
وأضاف “مثلاً الآن صدر الحكم بالسجن والنفي لكل أعضاء المجموعة والقادة المتهمين. منهم من سيسجن 3 أشهر ومنهم 6 أشهر، ولكن الجميع سيغادر المدينة والبلاد حتى تنتهي الثورة، بعد أن يعيدوا أيضاً السيارات التي سرقوها لأصحابها، مع غرامة عن كل شهر بقيت تلك السيارات معهم، بالاضافة الى غرامات أصدرها القضاء الثوري بحقهم ترجع للمدينة متمثلة بمجلسها المحلي”.
كما شمل الحكم “حل الكتيبة المكونة من أربعين عنصراً، وتوزيع عناصرها الذين لم يشملهم الحكم على مجموعات أخرى يراها المجلس العسكري”.
وبينما يطغى الاعتدال والمدنية على المنطقة الغربية في محافظة درعا، الأمر الذي أدى إلى الترحيب بالقرار من قبل الأهالي بما في ذلك أسر السارقين، يبدو الأمر أكثر تعقيداً في المنطقة الشرقية.
تعقيد فسره عضو المجلس المحلي، بالقول : “القضية في اختلاف من يدير القضاء هناك، حيث تسيطر “جبهة النصرة”، التي تعد أكبر وجوداً في المنطقة الشرقية أكثر منها في الغربية”.
والأخيرة “تبدو صارمة بقضايا أرى شخصياً انه يمكن حلها بطريقة أسهل، وأكثر تقبلاً للمجتمع، فمثلاً أنا أرفض قطع يد السارق ما دام يمكن تجاوز القضية بحلول أسهل، واكثر تقبلاً بين الناس”. وأضاف “إن كان على ديننا فهو دين يسر، وأعرف أن قضايا عديدة بدأت تُنقل من القضاء الثوري في المنطقة الشرقية الى الغربية، لصرامة الحل ولكن بطريقة أكثر تقبلاً وذكاء”.
والأهم أن قضية السارقين لن يكررها كثيرون بعد أن رأى الجميع كيف تحاسب الثورة مرتكبي هذه الأفعال.
المدن