صفحات العالم

دخول القاعدة إلى سوريا انتصار للأسد


محمد بن عبد اللطيف ال الشيخ

القاعدة مثل الأمراض والأوبئة، كلما كان الجسد مُنهكاً ضعيفاً غير قادر على المقاومة كان جسداً مثالياً لهذا المرض أو ذاك الوباء كي يغزوه وينتشر في أحشائه وخلاياه ويهد قواه. القاعدة في اليمن قَويت شوكتها عندما ضعفت الدولة أثناء القلاقل والاضطرابات التي اجتاحت الدولة مؤخراً؛ فشكل هذا الضعف للقاعديين بيئة ومناخاً مثاليين للحركة، واستقطاب الأتباع الذين كانوا يتوافدون إليهم من كل حدب وصوب.

الأخبار بدأت تتواتر عن وجود قاعدي بدأ يظهر في سوريا؛ ولا أستبعد ذلك بل كان متوقعاً، فأوضاع القتل والدماء والفوضى ستُغري بلا شك هؤلاء الدمويين القتلة وتُشجعهم على شد الرحال إلى سوريا، كما فعلوا في العراق؛ فهذه بيئتهم المفضلة، رافعين شعارهم الخدّاع إقامة (الدولة الإسلامية) حلمهم الذي يعملون من أجله. دخول القاعدة إلى سوريا هو غاية المنى بالنسبة لنظام بشار، فوجودها سيجعل العالم يغض النظر عن العمليات العسكرية الدموية، والشرسة، التي يُمارسها النظام ضد شعبه، على اعتبار أنها موجهة ضد القاعدة والقاعديين؛ كما يروج النظام منذ أن بدأ في قمع الانتفاضة، وبالتالي تضيع الثورة السورية بين هؤلاء وهؤلاء، بين نظام فتاك لا يتورع عن قتل شعبه، وبين كائنات تعيش على لعق الدماء ونثر أشلاء البشر على الطرقات باسم الإسلام؛ وهذا أشد خطر يواجه الانتفاضة الشعبية السورية على الإطلاق منذ انطلاقاتها؛ فعندما تصبح القاعدة في الطريق تتوقف كل الجهود العالمية المؤازرة للشعوب وانتفاضاتها، بل ربما ينحاز العالم أجمع إلى الطرف المناوئ لهذا التنظيم الإرهابي الخطير. لذلك فإن تصريح بان كي مون الأخير عن أن ثمة طرف ثالث في الصراع السوري غير الحكومة والمعارضة، يُعتقد أنه (القاعدة)، كان في حقيقته انتصاراً للأسد ونظامه، وإحراجاً للمعارضة، التي سيكلفها الكثير والكثير جداً على مستوى حشد المؤيدين في العالم حول الثورة وضد النظام، وتغير موازين القوى ربما لمصلحة النظام.

تجربة العراقيين مع الإرهاب، والقاعدة، يعرفها السوريون جيداً، فهناك ما يزيد عن مليون ونصف المليون عراقي غادروا العراق مجبرين وعاشوا في سوريا والمنافي هرباً من القاعدة والإرهاب، وصورة عراق الذبح والتفجير والاغتيالات وهدم البيوت على ساكنيها التي مارسها القاعديون بامتياز في العراق هي الصورة المرعبة التي يخاف السوريون أن يجدوا بلادهم فيها ذات يوم. لذلك فدخول القاعدة على الخط في سوريا هي انتكاسة حقيقية للانتفاضة السورية، ليس على المستوى الخارجي فحسب وإنما على المستوى الداخلي أيضاً؛ فالمترددون من السوريين الذين لم يحسموا موقفهم بعد في الوقوف مع النظام أو مع الثورة سيضطرون للوقوف في جانب النظام، لا حباً في النظام ولكن كراهية في القاعدة وأهوالها، وتجربة العراق وتفشي الإرهاب وانتشار الإرهابيين فيه يجعل كل عاقل يُفكر مرتين قبل أن يقف مع الثورة، فيُمهد – دون أن يعي – الطريق للقاعدة لأن تُفرز برقاتها المميتة في بلاده. هذه حقيقة أعرف أنها لدى كثيرين مُزعجة، إلا أنها هي الحقيقة؛ فالإرهاب القاعدي وباء قاتل ومميت إذا حل في بلد فقل على أمنه واستقراره ومستقبله السلام؛ ولو كنت محل الأسد وأقطاب نظامه لتنفست الصعداء، فدخول القاعدة على الخط أعاد لهم الأمل في البقاء بعد أن تلاشى أو كاد أن يتلاشى.

الجزيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى