درعا.. هل هي كل المدن السورية؟!
حامد بن عقيل
قبل أن يبدو السؤال حول درعا بحاجة إلى تخمينات أقول إنني على ثقة أن درعا جزء من النسيج السوري، فهي لا تختصر سوريا، وهي ليست لا أفضل ولا أقل شأنا من جميع المدن السورية. ما حدث أن درعا كانت إحدى المدن السورية التي تلقت شرارة موجة الاحتجاجات السورية، أمام السفارات السورية في الخارج وأبرزها السفارة في العاصمة المصرية، ثم شرر الاحتجاجات في دمشق وحلب وبنياس.
وصلت درعا متأخرة، بعد بدء الغضب السوري بيومين، لكنها واصلت حتى الآن العمل على استمرار هذا الغضب. وفجر اليوم لفقت لها سلطات البعث فصلاً مسرحياً هزيلاً حول وجود أسلحة، وسقط إثنا عشر شهيدا من المعتصمين. ما أشبه درعا بسيدي بوزيد في تونس، ومدينة السويس في مصر. الهامش الذي يصبح المتن، والضامن لاستمرار الغضب حتى يعم أرجاء سوريا.
النظام السوري نظام دموي إجرامي، والقتلى حتى الآن لا يتناسب عددهم مع أعداد المحتجين والمتظاهرين المسالمين الذين لازال من الممكن السيطرة عليهم دون الحاجة إلى كل هذا العنف، لكن يبدو أن المطالب المعلنة من قبل المحتجين هي ما يبرر كل هذه القسوة. إنها ردة فعل النظام البوليسي الراسخ في سوريا حين يأتي بحجم المطالب وليس بالنظر إلى محدودية أعداد المتظاهرين. فتعديل الدستور في سوريا لا يحدث إلا لتولي الابن تركة أبيه في “الجمهورية” السورية، وحالة الطوارئ لا يمكن رفعها لأنها أوشكت على بلوغ نصف قرن، أي أن من حكم شعبه بهذا القانون لن يجد وسيلة بديلة بعد هذه المدة الزمنية التي ابتلعت جيلين من شباب سوريا، وإطلاق سراح المعتقلين في سجون سوريا وصفة لا يستسيغها نظام يبدو أنه يعمل بذات العقلية منذ أول يوم له في الحكم وحتى الآن بعد نصف قرن، إذ اختفى ما يقارب الثمانمائة مواطنا سوريا في أسبوع واحد هو عمر انتفاضة الشعب السوري!. هذا إذا تغاضينا عما حدث فجر اليوم في درعا لأننا لا نعلم على وجه الدقة كم اختطف هذا النظام الفاشي.
إلا أن ما يمكن ملاحظته هو أسلوب عمل الأنظمة الثورية العربية، فالذهنية الثورية في الوطن العربي ثبت فشلها، أعني ذهنية ثوار الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، فعلي صالح ثوري اليمن يتشبث بمنصبه، ويصف من يريد أن ينقلب على نظامه بأنه يريد “التسلق” إلى كرسي السلطة، لأنه يعي تماماً أن السلطة في العالم العربي مغنم وليس مغرم كما كان يردد. والقذافي يرى أنه ثائر ليبيا الذي يتقزم أمامه شهيد كعمر المختار، فالقذافي قائد أممي، وثائر ليبيا الوحيد الذي لن يعترف بأي ثائر سواه، وفي سوريا سيدفع الشعب السوري كثيراً ليتمكنوا من الثورة على الثورة التصحيحية، فعقلية ثوار السلاح القدامى لا يؤمنون بحق الشعب في المطالبة بحريته، ذلك أنهم اعتقدوا أن ثورتهم حررت شعوبهم من المستعمر، ذلك المستعمر الأكثر رحمة على ما يبدو من حكامٍ يديرون دولهم بقانون الطوارئ لعشرات السنين.
أخيراً، إن تراجع السوريين عما حققوه حتى الآن، وهم لا يزالون في بداية الطريق، سيكون كارثياً، وسيتبعه نصف قرن آخر من المنافي والسجون والاغتيالات وإهدار الحقوق لكافة فئات الشعب بموجب قانون العسف المسمى قانون الطوارئ، نعم، يجب أن يستمر السوريون، وأن يثبتوا أن جميع مدن الشام هي “درعا” رغم أنف البعثيين، مع أهمية أن تجمع ثورة الحرية والكرامة في سوريا مختلف الأطياف السورية على اختلاف الأعراق والديانات، حتى لا يقعوا في مأزق بعض حركات التحرر العربية التي فشلت في إقناع الرأي العام في الخارج بعدالة مطالبها المشروعة، فجميع الأنظمة في الدول العربية لديها من وسائل الإعلام ما يمكنه بسهولة أن يشوه قضية عادلة فقط لأنها تحركت على يد فئة واحدة دون سواها من مكونات الشعب. يعرف السوريون ذلك تماماً، فقمع الأكراد عام 2004 في سوريا كان درساً قاسياً للطوائف التي تظن أن عدالة القضية تكفيها للخروج، وحدها، مطالبة بحقوقها.
موقع جدار