صفحات العالم

دعم الروس للأسد: صراخ ما قبل التضحية/ منير الربيع

 

 

لا تفقه موسكو صناعة المبادرات، لأنها تاريخياً تتعامل مع الأزمات من منطلق ردّ الفعل. تضرب في مكان وفي ظروف معينة، لتعود وتنسحب أو تنكفئ في مكان آخر. وبالعودة سنوات إلى الوراء، يبرز مثال التدخل في أفغانستان، حين كانت روسيا صاحبة اليد الطولى هناك، فتدخلت عسكرياً لكن من دون نسج أي حلول، فكان انسحابها بعد عشر سنوات، من دون تحقيق شيء. هكذا هي روسيا منذ انطلاق الربيع العربي، خصوصاً في سوريا، ذهبت إلى أقصى حدود الدفاع عن النظام بعنجهية، لم تأت بأي ثمار، وبعد إفراط في الحراك الروسي، انكفأ لافروف وبوتين لأكثر من سنة، وعادوا مجدداً الآن.

مؤتمرات ولقاءات عديدة، كانت روسيا جزءاً منها ومن صنّاعها، عقدت للبحث في حلول للأزمة السورية لكن من دون نتائج. وفي فورة التمدد والسيطرة الإيرانية على سوريا، انكفأ الروس وتراجعوا، فخفتت المبادرات، وأصبح أي حديث عن جنيف السوري بجزئه الأول والثاني مرتبطاً بجنيف الإيراني، وليس بإختلاف التفسير الروسي-الأميركي على مسألة المرحلة الإنتقالية.

كل المساعي التي قامت بها موسكو وبمتابعة شخصية من الرئيس فلاديمير بوتين، ووزير الخارجية سيرغي لافروف، كانت بمثابة ردود فعل على واشنطن تارة، وعلى العواصم العربية تارة أخرى، من دون تسجيل أي خرق في جدار الأزمة. وانطلاقاً من سعي الروس إلى الربط بين الحدث الأوكراني والواقع السوري، كانت “العنجهية البوتينية” في أوكرانيا كما كانت في سوريا، ولا تزال مستمرة، فيما حبل العقوبات يشتد حول روسيا.

في المشهد الدولي، لا يبدو أن أحداً مستعجل لإيجاد مخرج للأزمة السورية، باستثناء روسيا وتركيا، وبالطبع الشعب السوري الذي يقتل منذ العام 2011، فالولايات المتحدة تصبّ اهتمامها على إنجاز الإتفاق النووي مع إيران، وهي غير مستعدة لمرحلة سقوط الأسد أو البحث في مرحلة إنتقالية قبل تبلور أي بديل عن النظام. إيران أصبحت أمام حقيقة واقعة وملموسة أن الحسم غير ممكن، وجلّ ما تقوم به هو الدفع بقواتها العسكرية إلى مناطق معيّنة ضمن إطار الخطة (ب) بهدف الحفاظ على مناطق مهمة واستراتيجية أبرزها العاصمة والساحل، بهدف حماية النظام وإبقائه على الأقل إلى مرحلة إنجاز المفاوضات، والحصول على المكاسب، بعد كل الكلام الذي قيل عن إمكان حصول إنهيار مفاجئ. فدول الخليج وعلى رأسها قطر والسعودية تولي اهتماماً بالأزمة السورية، وإيجاد مخرج لها، لكن أيضاً يشغلها اليمن الذي فيه تهديدٌ للأمن القومي الخليجي. ووسط هذا كله يأتي الموقف التركي مستعجلاً للتدخل بعدما حصل في تل أبيض وسيطرة الأكراد على مناطق واسعة على الحدود السورية التركية.

وسط كل ذلك وبعد طول غياب، عادت موسكو بزخم إلى الميدان الإعلامي. فخلال أقل من أسبوعين خرج المسؤولون بمواقف عديدة تعبّر عن مدى دعم روسيا للنظام السوري، لكن اللافت أن المعلن غير واقعي، خصوصاً في اللقاءات والاتصالات التي أجراها الروس مع عدد من الدول المعنية، وهنا تشير مصادر مطّلعة لـ”المدن” إلى أن الروس أصبح لديهم قناعة بأنه لا إمكانية لاستمرار بشار الأسد في السلطة، وقد طرح بوتين ذلك خلال الإتصال الهاتفي مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، لكنهما اتفقا على أنه لا وجود لبديل عن الأسد حتى الآن، ومن هنا فإن تأكيد بوتين أن لا تخلّي عن الأسد يأتي في إطار رفع سقف السعر المطلوب مقابل ذلك.

أكثر من ذلك، فإن المصادر تشير إلى أن الروس اقترحوا على عدد من الدول، منها مصر، ضرورة الذهاب إلى مرحلة إنتقالية تفضي إلى الإطاحة برأس النظام السوري مقابل الحفاظ على النظام والمؤسسات، وفي هذا السياق يأتي تصريح لافروف بأن هناك تلاقياً بين الجهود الروسية والمساعي المصرية حول سوريا، لاسيما بعدما سرّب عن لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن الأسد انتهى.

يريد الروس لعودتهم إلى ميدان البحث عن حلول سورية ثمناً يرضيهم؛ يريدون الحفاظ على مصالحهم في سوريا، وما يعوضهم عن خساراتهم جراء العقوبات المفروضة عليهم، وربما قد وجدوا ضالتهم في الإتفاقات الكبرى التي تم توقيعها مؤخراً مع السعودية، فهم الآن يريدون قطاف أي ثمرة قد يخسرونها إذا ما تم التوقيع على الإتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى. وعليه، فإن التصريحات المؤيدة للأسد، هي استدراج للعروض، ومحاولات للملمة الخسائر الناجمة عن سياسة خاطئة. هي مرحلة البحث عن بديل للأسد، ومرحلة يبحث فيها الروس عن ثمنه. إنه صراخ مرحلة ما قبل التضحية بالاسد.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى