صفحات العالم

دقت ساعة نهاية النظام الأسدي


أسعد حيدر

لم يسبق أن حصل إجماع عربي، بعيداً عن نأي لبنان بنفسه عن هذا الإجماع، على مطالبة نظام عربي بالانقلاب على نفسه والرحيل كما حصل في المبادرة العربية التي طالبت عملياً الرئيس بشار الأسد بالتنّحي. أخيراً وصل العرب إلى حيث لم يكن معظمهم يريدونه، وهو الدخول في مواجهة مكشوفة مع نظام عربي حتى ولو كان النظام الأسدي. المبادرة وضعت اللبنة الأولى في مسار بداية نهاية الرئيس بشار الأسد ونظامه. رفض النظام للمبادرة فوراً، يؤكد أنّه مصاب بعمى الألوان السياسي. نفذ الأسد ما كان مأمولاً ومتوقعاً منه وهو الرفض، حتى يبدأ مسار التدويل.

عملياً، برّأ العرب أنفسهم من تهمة العجز. حاولوا كثيراً ولم ينجحوا، لأنّ النظام الأسدي لا يعترف بوجود أزمة داخلية لها أسبابها الداخلية، وهو مصرّ دائماً على أنّ مؤامرة كونية تعمل على ضربه لأنّه يريد تحرير الأراضي العربية المحتلة وعلى رأسها الجولان وتوحيد العرب لجعلهم قوّة ممانعة كبرى، تقف في مواجهة إيران وتركيا. الجامعة العربية أقرَّت التمديد شهراً إضافياً للمراقبين العرب، رغم تقرير قائدهم الفريق الدابي الذي تتهمه الأوساط الدولية بأنه يقف وراء ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية في دارفور. السوريون أثبتوا والعرب يعرفون أنّ فريق المراقبين العرب المشكَّل عاجز عن رؤية ومعرفة ما يجري على كامل الأراضي السورية. الدابي يقول إنّ منسوب القتل انخفض منذ وصوله إلى دمشق. الأرقام تؤكد أنّ عدد القتلى تجاوز الألف في أقل من شهر.

رغم عدم التوازن في التقرير جرى التمديد للمراقبين شهراً اضافياً.

عدم تنفيذ أي بند من بنود المبادرة العربية الأولى، أنتج المبادرة الثانية التي هي خطة طريق أوضح لحل الأزمة. إبلاغ مجلس الأمن بها، يمهّد بعد شهر من عدم تنفيذ النظام الأسدي لاي بند منها كما هو متوقع، فتح بنفسه الأبواب أمام التدويل. مهما بلغ إصرار موسكو على دعم الرئيس الأسد “بطل الممانعة”، فإنّها لا تستطيع أن تقول لكل العرب بعد أن وافقوا على المبادرة لا وأن تضع الفيتو ضدّها. في جميع الأحوال موسكو على موعد مع الانتخابات الرئاسية في مطلع آذار المقبل. بعد الانتخابات سيكون للرئيس فلاديمير بوتين خطاب مختلف بعيداً عن الحملة الانتخابية.

المطالبة العربية بتفويض الأسد لنائبه فاروق الشرع صلاحياته، سبق وأن طُرح مع موسكو. في جميع الأحوال مجرّد تبنِّي احدى وعشرين دولة لمثل هذا الطلب، يعني أنّ بداية نهاية الاسد قد كُتبت. من الصدف التاريخية التي تغيّر التاريخ، أنّه في اللحظة التي طار فيها علي عبدالله صالح من صنعاء إلى الولايات المتحدة الأميركية، أقرَّت المبادرة العربية المطالبة عملياً بتنفيذ الحل اليمني في سوريا.

ليس بالضرورة أن يسقط الاسد ونظامه خلال فترة قريبة. النظام الأسدي سيقاتل من أجل بقائه حتى ولو دُمِّرت سوريا. منطق الديكتاتوريين واحد، أنا أو لا أحد. “الأسديون” مؤمنون بأنّ المبادرة لا تساوي قيمة الحبر الذي كُتبت به، وأنّ أي اتفاق أميركي إيراني يُنهي الأزمة في سوريا ويبقى الاسد. من سخريات القدر أنّ بقاء الأسد أصبح مرتبطاً بتوافق خارجي، وليس لأنه الأسد وأنّ دمشق هي “قلب العروبة النابض”. ينسى كل هؤلاء أنّ المشكلة هي مع الشعب السوري، وأنّ معظم هذا الشعب لا خيار أمامه سوى رفض كل الحلول التي تُبقي على النظام الأسدي، لأنّ بقاءه يعني تحويل مدن سورية مثل حمص ودرعا وادلب وغيرها إلى حماه أخرى ولو بعد ثلاثة عقود. الخوف من انتقام النظام الأسدي يجعل العودة إلى الوراء مستحيلة.

الرئيس بشار الأسد يراهن على الديموقراطية الغربية لإنقاذه عندما فكَّت الحصار عنه بعد عام 2007. انتخب الفرنسيون نيكولا ساركوزي المستعجل لدخول التاريخ، والأميركيون باراك أوباما الطموح للتغيير، فتم فك عزلة الاسد. اليوم يأمل الأسد و”الأسديون” معه أن الانتخابات الديموقراطية القادمة في فرنسا والولايات المتحدة الأميركية سترفع الحصار عنه ليعود أقوى مما كان. هذا الأمل وُلد ميتاً هذه المرّة، أولاً لأن الغرب لن يقبل بأن يلدغ مرّة أخرى، وثانياً لأنّه مهما أنكر الأسد ونظامه وجود أزمة داخلية جذورها عميقة وراسخة في عمق الأرض السورية، فإنّ الجميع يعرف الواقع جيداً. عام 2007 وما قبلها لم يواجه الأسد مشكلة داخلية فرفع الحصار عنه، أما اليوم الوضع مختلف جداً. ثم أخيراً لماذا مراهنة “الأسديين” على الديموقراطية الغربية لإنقاذ الأسد ونظامه بدلاً من الالتزام بالديموقراطية والعمل بها بحيث لا تقوم الأسباب لانفجار الثورة..

خسر الرئيس بشار الأسد “جنراله” الكبير وهو “الجنرال الوقت”، فدقّت ساعة نهاية النظام الاسدي. كلّما أسرع الرئيس بشار الأسد بقبول نهاية نظامه ضمن لنفسه مغادرة دمشق بالطائرة إلى موسكو بعد أن يطلب العفو والمسامحة من الشعب السوري، عكس ذلك.. كثيرون يجلسون على حافة النهر.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى