دلالات مهمة للموقف البابوي من سوريا
وتوقّع الوضوح الكامل لم يكن في محله
روزانا بومنصف
خصّ البابا بينيديكتوس السادس عشر سوريا بكلام قوي وذات دلالات رمزية ثلاث مرات في ابرز محطاته في زيارته للبنان لثلاثة ايام والذي وجه منه رسائل اليه والى دول المنطقة على نحو شكل دليلا قويا على مدى القلق الذي يساور الكرسي الرسولي من الوضع في سوريا ككل ومصير المسيحيين فيه. لكنه لم يشف في اي من هذه المحطات غليل المتعطشين الى معرفة موقف الكرسي الرسولي من الاحداث السورية والى اي جانب يتعين على المسيحيين السوريين ان يكونوا اي الى جانب النظام ام الى جانب الثورة باعتبار ان ثمة التباسا كبيرا في موضوع المسيحيين في سوريا في ظل كلام عن توظيفهم من النظام لمصلحته على اساس انه يحميهم وكلام اخر عن كونهم جزءا اساسيا من الثورة جنبا الى جنب الثوار ومعهم. لذلك كان هناك تطلع قوي الى موقف الكرسي الرسولي من اجل المساعدة في هذا الشأن على قاعدة ان موقفه يمكن ان يساعد او يساهم في تسريع الامور وحسمها في سوريا. وهناك انتقادات يسوقها من يتابع مواقف الفاتيكان ويهمه ايحائه بدفع ما في هذا الاتجاه او ذاك عطفا على الارجح على مواقف الكنيسة الارثوذكسية في روسيا التى رجعت صدى الدعم الذي يقدمه النظام الروسي للنظام السوري تحت شعار الدفاع عن المسيحيين في سوريا ضد غلبة محتملة للاسلاميين. وقد سرى هذا الانطباع على نطاق واسع قبل اشهر قليلة الى حد طغيان هذه الفكرة في السياسة الروسية ايضا ازاء ما يجري في سوريا.
البعض يقول ان الكلام الذي تحدث فيه رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم عن “الربيع العربي” وهو في الطائرة التي قادته الى بيروت قائلا ان “الربيع العربي امر ايجابي ويعبر عن رغبة بالمزيد من الديمقراطية والحرية والتعاون وبهوية عربية متجددة وهي صرخة الحرية الصادرة من شباب يرغب في المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية” هو دعم قوي من الكرسي الرسولي للثورات القائمة ومن بينها الثورة في سوريا التي ادرجها في اطار الربيع العربي وفق التسمية التي سرت على كل الثورات التي شهدها العالم العربي ووضعها في السياق الذي وضعته الثورات القائمة. وهو قال انها “امر ايجابي جدا وكانت موضع ترحيب تحديدا من قبلنا كمسيحيين” داحضا بذلك ما يذهب اليه النظام السوري في وصفه للثورة والثوار واتهامهم بالارهاب وداحضا الكلام على حياد للمسيحيين وعدم دعمهم الثورات العربية. وفي دعوته في الحديث نفسه الى عدم توريد السلاح الى سوريا على اساس ان توريد السلاح خطيئة يعتبر معنيون ان كلامه حمال اوجه باعتبار انه امر قد ينطبق على الثوار كما ينطبق على النظام ايضا علما ان المقصود وفقا لما قد يفهم البعض ويسعى الى توظيفه قد يكون عدم توريد السلاح للمعارضة الامر الذي قد يفيد منه النظام بحيث يتمكن اكثر من استهداف الثوار والمعارضين. في حين يقول اخرون ان نبذ العنف والدعوة الى الحوار والسلام تعني في كلامه منع السلاح من اي جهة ولاي جهة اتى وما معناه منع تسعير الحرب من الخارج بتوريد السلاح للافرقاء المتحاربين. وبذلك يبدو الكلام البابوي موازنا في هذا الاطار على نحو غير حاسم بالنسبة الى من علل النفس بموقف واضح للفاتيكان في هذا الاطار.
وفي الاشارتين الاخيرتين الى سوريا حيا البابا في اللقاء مع الشبيبة “شجاعة الشباب السوري” قائلا “انا حزين لالامكم وان الاوان لوقف العنف”. وهي الرسالة نفسها التي حملها كلامه في عظته في اثناء القداس في وسط بيروت حيث سأل “لماذا كل هذا العنف داعيا المجموعة الدولية والدول العربية الى اقتراح حلول تحترم كرامة كل شخص وحقوقه وداعيا الى السلام في سوريا”.
وتقول مصادر معنية ان توقع مواقف اكثر وضوحا من البابا قد يكون في غير محله ولن يكون لبنان على الاقل المكان المثالي لاعلان مثل هذه المواقف في حال قرر الذهاب ابعد مما قاله معتبرة ان ما قيل هو اكثر ما يمكن ان يقترب منه الفاتيكان من الموضوع السوري علنا على الاقل علما انه اقترب اكثر ما يمكن من سوريا جغرافيا من خلال زيارة البابا للبنان. فالكرسي الرسولي يدرك جيدا الاصطفافات السياسية اللبنانية مع النظام السوري وضده والتداعيات السورية على لبنان تبعا لما يجري هناك بما يجعل صعبا لا بل مستحيلا عليه ان يخوض غمار مثل هذا الموضوع خصوصا ان احد ابرز محاور زيارته ورسالته الى لبنان والمنطقة هو السلام والتعاون من اجل السلام. لا بل ان بعض حلفاء النظام من المسيحيين اللبنانيين كان استبق زيارة البابا بايام عدة بحيث ربط مصير المسيحيين ومصير لبنان بمصير النظام سلبا او ايجابا في محاولة للتأثير في مواقف الكرسي الرسولي وتوجيه رسالة مسبقة في هذا الاطار. وبحسب المصادر نفسها فان الخطوط السياسية حددها البابا وفقا لمبادىء الكنيسة وقيمها والقيم الانسانية تاركا للدول والانظمة المجال لتحمل مسؤوليتها في هذا الاطار وفقا للدعوة الصريحة التي وجهها الى كل من المجموعة الدولية وللدول العربية اكثر من اجل المساهمة في هذا الاطار وتقديم الحل السياسي.
فهل سيخضع هذا الجانب من زيارة البابا الى التجاذب التقليدي الذي تخضع له الامور في لبنان على وقع الاصطفاف السياسي المعروف؟
النهار