صفحات الناس

دمشق.. طرد النازحين من الحدائق إلى الشوارع/ سالم ناصيف

 

لم يكن لجوء النازحين السوريين إلى حدائق دمشق شكلاً من الرفاهية، أو ناجماً عن رحلة “سيران” يقومون بها إلى العاصمة. فجميع الأماكن ضاقت بهم، ولم يعد لديهم أي ملاذٍ آمنٍ يخفف عنهم مشقة نزوحهم الطويل.

مشاهد إقامة النازحين إلى دمشق في الحدائق العامة، خيّمت على العاصمة منذ بداية هذا الصيف، لتكشف عن فصل جديد من مأساتهم. لكن النظام سرعان ما استكمل تلك المأساة بإجراء أمني نصّ على إخلائهم بالقوة من الحدائق. وذلك ليس بهدف التخلص من المشهد غير اللائق، بل لتفريغ دمشق من أي ملمح يوحي بأن هناك أزمة إنسانية تجري في البلاد.

النظام لم يكلف نفسه عناء توفير مراكز إيواء، من شأنها استيعاب تلك العائلات الهاربة من نيران حربه على المجتمع السوري. لا بل أنه أوعز الى اجهزته الأمنية وعناصر الشبيحة وما يسمى “جيش الدفاع والوطني” لطرد النازحين ورميهم في الشارع دون إنذار أو رحمة. وعلى مرأى المئات من المارة، قامت عناصر قوى الأمن السياسي، باقتحام حديقة الميسات في منطقة ركن الدين، وطرد كل من فيها من عائلات نازحة. تمّ رمي أربعين عائلة مع متاعها في الشارع، بعد التهديد باعتقال أرباب الأسر.

وكانت قوات الأمن قد أخلت قرابة مئة عائلة نازحة إلى أكبر حديقة في دمشق “تشرين”، بالقرب من ساحة الأمويين. وتكرر المشهد بخصوص حديقة المنشية بالقرب من فندق “الفور سيزنس”، وطرد النازحين منها بحجة إزعاج الجوار، وتشويه المنظر العام للمدينة.

وشددت القوى الأمنية إجراءاتها بوضع ثلاث دوريات من الأمن السياسي، على أبواب حديقة المزة لمنع النازحين من العودة بعد طردهم منها. وأصبحت تغلق أبوابها في تمام الساعة الثامنة مساءً أمام الزوار. وتكرر مشهد الإخلاء في حدائق الجلاء والسوق العتيق والميسات. وشهدت حديقة السبكي اقتحام قوات الأمن لها، وقيام الشبيحة بضرب العديد من النازحين على مرأى من العامة.

وذكرت إحدى الناشطات في أعمال الإغاثة بدمشق، أن أعداد النازحين ممن باتوا يقطن في الحدائق يقدر بحوالي 500 عائلة، بواقع 6000 شخص. وأغلبهم ممن اضطر لإخلاء بيوتهم المستأجرة في دمشق، بعد أن نفذت أموالهم، أو لم يعد هناك إمكانية لتزويدهم ببدل إيجار من قبل المجموعات العاملة في الإغاثة. وأضافت الناشطة: “الكثير من تلك العائلات كان يتم مساعدتهم بتقديم بدل إيجار لغرفة واحدة يتراوح بين 5000 حتى 15000 ليرة. لكن هذا الأمر بات صعباً، بعد أن شح خزان مساعدات النازحين”.

النازحون في الحدائق، لم يقطنوا في خيام، واكتفوا بفرش أغطية على الأرض، أو حتى

خرق القماش القديمة والكرتون المقوى. هناك فقط بعض الخيام المنصوبة في حديقة في حي الميدان، ولم يقم بإخلائها أحد. وأوضح أحد الناشطين، أنه ما من جهة إغاثية اهتمت بأمر “نازحي الحدائق”، وأنه من النادر حصولهم على المساعدات، حتى بعد التسجيل في الهلال الأحمر.

وعلق أحد الناشطين قائلاً: لن يكون مشهد النازحين أقل حضارة، من مشهد الدمار للمدن والبلدات التي دمرها النظام. وبدلاً من قيامه بطرد النازحين، على النظام تأمين وفتح مراكز إيواء إضافية. حيث لم يجرِ استعاب سوى أقل من عُشر عدد النازحين، والذين بلغ تعدادهم قرابة المليون نازح، بعيد معركة “بابا عمرو” في حمص. وتزيد التقديرات من هذا الرقم بعد قصف الغوطة بالأسلحة الكيماوية.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى